لم يعُد التغيّر المناخي في أيامنا هذه ضرباً من توقعات كارثية أو مشهداً متخيّلاً في رواية أو في عقل مهووس بالنهايات المأساوية للعالم ؛
بل هو حقيقة واقعة صار البشر يعيشونها ويختبرونها بل ويتحسّبون خوفاً من مآلاتها القاتلة . متى كانت درجات الحرارة اليومية في كبرى العواصم الاوروبية ، مثلاً ، تكاد تلامس حدود الأربعين درجة مئوية ؟ الأمر ليس مزحة أبداً ، ولابدّ من تكريس ثقافة بيئية جمعية تتناول كلّ التفاصيل الخاصة بالاحترار العالمي .
مسألة التغير المناخي الناجم عن فرط التسخين في الغلاف الجوي مسألة شائكة وشديدة التعقيد لكونها تتعلّق بأنماط سائدة من التصنيع والمعيشة اليومية على صعيد إنتاج الغذاء والطاقة ، وهناك مصالح رأسمالية ضخمة – مثل شركات النفط العملاقة – لن تقبل بسهولة الانتقال نحو أنماط مستحدثة من العيش تُكبح فيه الانبعاثات الكاربونية ( أي غاز CO2 ) المسببة لفرط التسخين العالمي ، وليست بعيدة السياسات الترامبية التي تحوّلت إلى نمط من الآيديولوجيا الناكرة حقيقة التغير المناخي أصلاً .
ليست آيديولوجيا الخداع والنكران الستراتيجية الوحيدة التي توظّفها الشركات العملاقة والمدافعون عن مصالحها من كبار السياسيين المتنفذين ؛ بل سادت في الآونة الأخيرة رؤية تتبنى اليأس وعدم جدوى أي جهد بشري لعكس آثار التغير المناخي تحت ستار ادّعاء أنّ البشرية عبرت حاجز اللاعودة ، وانّ الكارثة المناخية قادمة لامحالة مهما فعلنا . الحالة مشتبكة ومعقدة وتنطوي على سيناريوهات صراعية درامية بالتأكيد .
من المفيد في هذا الموضوع أن نستمع لرأي مطوّر الأعمال الأكثر شهرة في العالم ، بل غيتس Bill Gates ، المهتم بشؤون التغير المناخي ، والذي نشر كتابه عن هذا الموضوع يوم 16 شباط ( فبراير ) من هذا العام ( 2021 ) . الكتاب بعنوان : كيف السبيل لتجنّب كارثة مناخية : الحلول التي لدينا ، والانعطافات الحاسمة التي نحتاجها
How to Avoid a Climate Disaster: The Solutions We Have and the Breakthroughs We Need
أقدّم أدناه ترجمة للملاحظات التي كتبها غيتس عن كتابه ونشرها في موقعه الالكتروني المعروف GatesNotes تحت عنوان ( كتابي الجديد عن التغير المناخي ستجده هنا تقريباً ) . الرابط الالكتروني لمن يسعى لقراءة النص الأصلي ( ومواد أخرى في الموقع ) هو :
https://www.gatesnotes.com/Energy/My-new-climate-book-is-finally-here
المترجمة
عندما عملتُ في مايكروسوفت ، كان الأمر يمثل دوماً هزّة عاطفية عندما ننتظر رؤية منتج لنا عملنا عليه لسنوات طويلة وهو يتأهّبُ ليكون مطروحاً أمام الجمهور في نهاية المطاف . يخالجني شعور الترقّب ذاته اليوم . كتابي الجديد عن التغير المناخي سيكون متوفّراً للقرّاء يوم الثلاثاء ( 16 فبراير 2021 ، المترجمة ) ألكترونياً ( أونلاين ) وفي متاجر الكتب كذلك .
كتبت كتابي هذا ( كيف السبيل لتجنّب كارثة مناخية ) لاعتقادي بأننا في لحظة حاسمة فارقة . شهدتُ تقدّماً مذهلاً خلال الخمسة عشرة سنة الماضية – ومايزيد – كنتُ أتعلّم فيها الكثير حول الطاقة والتغير المناخي : إنخفضت أسعار الطاقة المتجدّدة المستحصلة من الشمس والرياح بطريقة دراماتيكية ، وهناك دعم جمعي متزايد – ولم يزل يتعاظم اليوم مقارنة مع السنوات السابقة – لمزيد من الخطوات الكبيرة الساعية لتجنّب كارثة مناخية ، وقد إنطلقت الحكومات والشركات في كل العالم لاعتماد أهداف طموحة بشأن خفض الانبعاثات الكاربونية .
إنّ مانحتاجه الآن هو خطّة بوسعها تحويل كل هذا الزخم المتصاعد إلى خطوات عملية كفيلة بتحقيق أهدافنا الكبيرة ، وهذا هو بالتحديد مايسعى إليه كتابي ( كيف السبيل لتجنّب كارثة مناخية ) : خطّة من شأنها إزالة الانبعاثات الكاربونية المتسبّبة في فرط التسخين العالمي .
تقصّدتُ الإبقاء على التفصيلات التقنية في حدّ أدنى لأنني أريد للكتاب أن يكون متاحاً للمقروئية العامة أمام كلّ من يُبدي اهتماماً بهذه المعضلة الخطيرة . لم أفترضْ منذ البدء أنّ القرّاء يعرفون شيئاً عن موضوعات الطاقة والتغير المناخي ؛ لكن لو امتلك بعضهم شيئاً من هذه المعرفة فعندئذ آملُ أنّ فهمهم سيتعمّقُ حول هذه الموضوعات المعقدة إلى حدود غير متصوّرة . ضمّنتُ كتابي أيضاً وسائل من شأنها جعل كلّ فرد قادراً على المساهمة في حلّ هذه المعضلة سواءٌ كان قائداً سياسياً ، أو مصوّتاً إنتخابياً ، أو مطوّر أعمال ، أو مكتشفاً تقنياً ، أو فرداً يروم معرفة الوسيلة التي يستطيع بها التأثير من أجل الصالح العام .
ساهمت مؤسستي ( مايكروسوفت ) في إنعطافة كبرى في ميدان الطاقة بدأت بتأسيس صندوق مالي مشترك للاستثمار في شركات الطاقة النظيفة الواعدة ، وقد توسّعت أعمال هذا الصندوق كثيراً في ميدان التعجيل باعتماد الابداعات الخاصة في مجال الطاقة حتى بلغ الأمر الخطوات التفصيلية لكلّ مشروع . سنمضي في دعم الاستثمار على جانبين : جانب المفكّرين العظام في ميادين الطاقة ، وجانب التقنيات والأعمال المستجدة غير المسبوقة ، فضلاً عن دعم السياسات الطاقوية في القطاعين العام والخاص التي من شأنها التعجيل بالانتقال إلى الطاقة النظيفة . سنعملُ خلال الأسابيع والشهور القليلة القادمة على تحويل الأفكار المعروضة في كتابي هذا إلى فعل ، مع محاولة جعل خطتي واقعاً مرئياً على الأرض .
أدناه مقطع من مقدّمة كتابي ، يوفّرُ للقارئ إحساساً حول الموضوعات التي يتناولها كتابي ، والأسباب التي دفعتني لكتابته . آملُ أن يستثيرك الكتاب ويحفّز تفكيرك ؛ لكنّ ماآمله أكثر من هذا هو أنّك ستعمل كلّ مايمكنك عمله في المساعدة على إبقاء كوكبنا بيئة قابلة للعيش للأجيال القادمة .
* * * * *
لم أكن لأتنبّأ منذ عقدين قبل اليوم أنني سأتحدّثُ يوماً ما إلى الجمهور العام حول التغير المناخي ، أو كتابة كتاب عن هذه المعضلة . تتركّز خلفيتي المهنية في قطاع البرامجيات الحاسوبية ( السوفتوير ) وليس في العلم المناخي ، وأعمل هذه الأيام بصورة كاملة مع زوجتي ميليندا في مؤسسة غيتس حيث يتركّز اهتمامنا المشترك ( وهو اهتمام واسع الأبعاد بكل المقاييس ) في حقول الصحة العالمية ، والتنمية ، والتعليم في الولايات المتحدة الأميركية . جاء تركيز اهتمامي على موضوعة التغير المناخي بطريقة غير مباشرة – أعني بذلك عبر تناول معضلة فقر الطاقة في عالمنا .
مع بداية الألفية الثالثة ، وعندما كانت مؤسستنا في بواكيرها الأولى ، بدأتُ الترحال إلى بلدان واطئة الدخل الفردي في شبه الصحاري الأفريقية وجنوبي آسيا لغرض الحصول على معرفة أوثق عن وفيات الأطفال ، ومرض الأيدز ، والمعضلات الصحية الكبرى التي كنا نعمل على فهمها ومعالجتها في مؤسستنا ؛ لكنّ عقلي لم يكن يرتاح للاقتصار على فهم الأمراض فحسب . كنتُ أركب الطائرات نحو المدن الرئيسة هناك ، وأتطلّع عبر النوافذ ، وأتساءل : لماذا تسود الظلمة الحالكة ؟ أين كلّ تلك الأضواء البرّاقة التي كنتُ سأراها لو كانت هذه مُدُناً مثل نيويورك أو باريس أو بكّين ؟
تعلّمتُ لاحقاً أنّ مايقاربُ بليوناً ( أي ملياراً ، ألف مليون ) من البشر لم يمتلكوا أبداً القدرة التي توفر لهم مصدراً معتمداً للكهرباء ، وأنّ نصف هؤلاء يعيشون في شبه الصحاري الأفريقية ( تحسّنت الصورة قليلاً منذ ذلك الحين في مطلع الألفية الثالثة ؛ يعيش اليوم حوالي 860 مليوناً فحسب من غير كهرباء ) . بدأتُ منذ ذلك الحين بالتفكير في الوسائل التي من شأنها جعل العالم قادراً على توفير طاقة مُعْتَمَدَة للفقراء . لم يكن أمراً ذا معنى أن تأخذ مؤسستنا على عاتقها حلّ هذه المعضلة الضخمة لأننا سعينا دوماً لجعل تركيزنا مصوّباً على المعضلات الرئيسية التي إنطلقنا منها ( وفيات الأطفال ، الإيدز ، المعضلات الصحية الكبرى ) ؛ ومع ذلك بدأتُ في تدوير الأفكار برأسي مع صحبةٍ من بعض أصدقائي المكتشفين وأصحاب الأفكار الخلاقة .
إلتقيتُ أواخر عام 2006 مع إثنين من زملائي السابقين العاملين في مايكروسوفت واللذين شرعا في العمل بمشروعات غير ربحية في ميدان الطاقة والمناخ . حضر زميلاي اللقاء صحبة إثنين من علماء المناخ الخبراء في المعضلات الخاصة بالطاقة والمناخ ، وشرح لي الأربعة بياناتٍ تربط بين الانبعاثات الكاربونية ( ظاهرة غازات الدفيئة Greenhouse Gases) والتغير المناخي .
علمتُ حينها أنّ غازات الدفيئة كانت تجعل الحرارة ترتفع باضطراد ؛ لكنني إفترضتُ مسبقاً وجود تغيرات تناوبية أو عوامل أخرى ستعمل بشكل طبيعي على منع وقوع كارثة مناخية ، وكان من العسير آنذاك القبولُ بحقيقة أنّ البشر طالما ظلّوا يطلقون غازات دفيئة بقدر مايشاؤون فإنّ درجات الحرارة ستبقى ترتفع من غير كابح يحدّها ( أي كنّا نفترض وجود كوابح طبيعية لدرجات الحرارة ، المترجمة ) .
عدتُ لمقابلة مجموعة زملائي مرّات عدّة مع أسئلة إضافية لغرض المتابعة والتفكير في المعضلة ؛ لكننا كنّا نغرق في بركة موحلة : العالمُ ، من جهة ، في حاجة لتوفير المزيد من الطاقة للإيفاء باحتياجات الفقراء ؛ لكن من جهة أخرى نحن في حاجة لتوفير تلك الطاقة من غير إطلاق المزيد من الانبعاثات الكاربونية .
بدت المعضلة الآن أكثر مشقة من ذي قبلُ ؛ إذ لم يكن كافياً توفيرُ طاقة رخيصة ومعتمدة للفقراء بل يجبُ أيضاً أن تكون تلك الطاقة نظيفة .
أصبحتُ خلال بضع سنواتٍ مقتنعاً بأمور ثلاثة :
1 . لكي نتجنّب كارثة مناخية يجب أن نبلغ مرحلة الانبعاثات الكاربونية الصفرية .
2 . نحنُ في حاجة لنشر الوسائل التقنية التي بحوزتنا اليوم ( مثل معدّات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ) بطريقة أسرع وأذكى من ذي قبلُ .
3 . نحنُ في حاجة لخلق ونشر المبتكرات التقنية التي تمثل انعطافات غير مسبوقة ، وهذه هي التي ستقودنا إلى حل معضلات الطاقة والتغير المناخي في المستقبل .
كان المتطلّب الخاص بالانبعاثات الصفرية للغازات الكاربونية – وهو بالفعل – الصخرة الصمّاء العنيدة الأكثر مشقة بين كل المتطلبات . إنّ قصر المتطلّب على خفض هذه الانبعاثات فحسب ( بدلاُ من تصفيرها بالكامل ) لن يكون مفيداً . الهدف المفيد والوحيد هو الخيار الصفري لهذه الانبعاثات . يقترحُ هذا الكتاب طريقة للمضي إلى الأمام ، وهذه الطريقة هي سلسلة من الخطوات التي بوسعها توفير فرصة أفضل لنا في تجنّب كارثة مناخية . تقومُ هذه الخطوات على خمس دعامات رئيسة :
- لماذا الخيار الصفري ؟ : سأفصّلُ في الفصل الأول من الكتاب كثيراً عن السبب الكامن وراء حاجتنا لتصفير الانبعاثات الكاربونية ، ويشمل هذا الحقائق التي نعرف ( وتلك التي لانعرف ) عن الكيفية التي سيؤثر بها إرتفاع درجات الحرارة على البشر في كلّ بقاع العالم .
- الأخبار السيئة ، بلوغ مرحلة الانبعاث الصفري لغازات الدفيئة سيكون مسعى عظيم المشقة حقاً : كلّ خطّة تسعى لانجاز شيء حقيقي على أرض الواقع إنما تبدأ بتقييم واقعي للمُعيقات التي تقف حجر عثرة في الطريق ؛ ولأجل هذا سأقدّمُ في الفصل الثاني من الكتاب تقييماً للتحدّيات التي من المتوقع مواجهتها في الطريق .
- كيف السبيل لإدامة حوار ثري مقترن بالمعلومات والبيانات الدقيقة بشأن التغير المناخي : سأوفّرُ في الفصل الثالث من الكتاب بعضاً من الاحصائيات المُربِكة التي قد تكون سمعتَ بها ، ومن ثمّ سأشاركُ القارئ بعضاً من الاسئلة التي لطالما دارت في عقلي وأنا في خضمّ كلّ حوار جدّي عن التغير المناخي . الاحصائيات والبيانات الدقيقة هي العاصمُ الذي منعني من الانجراف في أخطاء غير مقبولة مرّات عدّة ، وآملُ أن تساهم هذه الاحصائيات والبيانات الموثوقة في ترصين رؤيتك ومنعك من الشطط أو المواقف المنحازة غير المُسبّبة .
- الأخبار الطيبة ، نستطيع أن ننجح ! : أقدّمُ في فصول الكتاب الممتدة من الفصل الرابع حتى التاسع رؤية عن المساهمات التي يمكن بها لتقنيات الحاضر أن تكون ذات فائدة ، وأبيّنُ أيضاً المواضع التي نحتاجُ فيها إنعطافات تقنية ليست في حوزتنا اليوم . سيكون هذا هو الجزء الأطول من الكتاب لأنّ هناك الكثير ممّا يمكن – ويتوجّبُ – قوله .
- الخطوات التي نستطيع اتخاذها الآن : في الوقت الذي يبدو من الطبيعي أن تكون طموحاتنا حول معالجة التغير المناخي مدفوعة بإحساسنا العميق بأهمية العلم المناخي ؛ فإنّ أية خطة عملية لخفض الانبعاثات الكاربونية يجب أن تكون مدفوعة بحقول علمية أخرى غير علم المناخ فحسب : الفيزياء ، الكيمياء ، البيولوجيا ، الهندسة ( بكل فروعها ) ، علم السياسة ، الاقتصاد ، العلوم المالية ،،، إلخ . سأقدّمُ في الفصول الأخيرة من الكتاب مقترحاً لخطّة عمل مؤسّسة على موجّهات دليلية إستقيتُها من خبراء في كلّ هذه الحقول العلمية التي ذكرتها .
الخلاصة : ثمة أشياء يستطيع كل منّا فعلها ( مهما كان جنسه أو وظيفته أو تدريبه المهني ) من شأنها المساعدة في تجنيب الجنس البشري كارثة مناخية مؤكّدة .
هذا هو كلّ الأمر . دعونا ننطلق في سعينا .
https://almadapaper.net/view.php?cat=233994