-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

رحيل المفكر التونسي هشام جعيط


 صوت عربي آخر يرحل، تاركاً جدلاً لن ينتهي قريباً، من خلال عدة مؤلفات حاولت الكشف عن حقائق تاريخية، لطالما اصطدمت وأصحاب الحقائق الإيمانية المطلقة. حاول هشام جعيط (6 ديسمبر/كانون الأول 1935 ــ 1 يونيو/حزيران 2021) وغيره الكثير من أصحاب الفكر النقدي العربي، كمحمد أركون، نصر حامد أبو زيد، عبد المجيد الشرفي، ومحمد شحرور ـ رغم اختلاف المناهج البحثية ـ إلى زحزحة المطلق الخرافي، وصولاً إلى صورة عقلية ومنطقية للتراث العربي والإسلامي، والمدونات التي حاول أصحابها الحفاظ عليها ومحاربة كل مَن تسول له نفسه مجرد الاقتراب من ثوابت ظنوها أنها الممثل الوحيد والشرعي للدين الإسلامي. إلا أن حالة جعيط بدورها حالة (مُربكة) فمحاولة التجديد، ووضع الحقائق في نصابها من خلال المنهج التاريخي الذي اعتمده، وبالتالي نسبية الحقيقة، والتنصل من تهمة التأثر بالاستشراق، بل مجادلة المستشرقين ونقد فكرهم المتعالي من قِبل جعيط، إلا أنه في أغلب ما قدّم من دراسات وأبحاث نجده ينحو إلى مقولاتهم، وفي الوقت نفسه يمجد إرثاً ثقافياً، تارة يجله، وتارة يريد الانقطاع عنه تماماً حتى يعبر العرب أزمتهم!

المنهج التاريخي

نظراً لطبيعة الدراسة والتحصيل العلمي لهشام جعيط، فإن المنهج التاريخي كان سبيله في البحث والكشف عن الكثير من المتناقضات التي يزخر بها التراث العربي والإسلامي، هذا المنهج الذي جعله يتوسل بعدة علوم أخرى لم تكن معهودة للباحثين القدامى، كالأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم الأديان والفلسفة، حتى يتسنى له تقديم قراءة أكثر موضوعية وبعيدة عن التحليل الإيماني الذي يرى فيه أنه محاولة لاغتيال الحقيقة التاريخية. وهو ما جعله يبحث أموراً عدة تشغل الفكر العربي وواقع المجتمعات العربية، التي أصبحت ترى نفسها بعيدة عن الحضارة، وعالة على العالم، ومنها.. نقد الشخصية العربية والثقافة الإسلامية، والأزمات التي عاشها المسلمون، كذلك علاقة الإسلام بأوروبا، والدراسة المتعمقة للسيرة النبوية وشخصية نبي الإسلام. ويلخص جعيط منهجه قائلاً.. “إنه استقراء الماضي متسلحاً بمعرفة دقيقة بالمصادر والمراجع، وبالتعاطف اللازم مع موضوعه وبرحابة صدر وثقابة الفكر”.

الإسلام والقراءة الإيمانية

يعتقد جعيط بداية، مختلفاً مع معاصرية العرب، أن الإسلام هو العنصر الأساس الذي يشكل الشخصية العربية والإسلامية، إلا أن الذي يجب تغييره هو الفهم الخاطئ للإسلام وللتاريخ الإسلامي، الذي يحاول الكثير من المفكرين الإسلاميين قراءته قراءة إيمانية، تغيّب الحقيقة لتنتج لنا ثقافة إسلامية مأزومة خالية من كل علمية وموضوعية. واعتبر جعيط ـ مثالاً ـ أن المصادر التاريخية مثل سيرة ابن إسحاق، أو ابن هشام، أو غيرهما لا تعطي إجابات علمية دقيقة، نظراً لتأخر تدوين هذه السير، ولغلبة النزعة الوعظية عليها. أما الكتابات الحديثة فقد اعتبر أن أغلبها لا يرقى حتى إلى ما كتبه القدامى، من حيث القيمة العلمية، باستثناء كتاب “حياة محمد” لمحمد حسين هيكل، الذي اعتبره آخر الكتابات المحترمة.

إشكالات مأزومة

ومن ناحية أخرى نجد أن منهج جعيط واستنتاجاته، لم يحلا المشكلات أو يأتيا برد قاطع، بل هناك العديد من القضايا القديمة، التي أُعيد تأويلها من خلال مؤلفاته.. بأن هناك الكثير من التأثيرات المسيحية على القرآن، التي لا يمكن إنكارها، فيقول: “كمؤرخين يجب أن نقر بتأثير المسيحية السورية على القرآن، وعلى قسط وافر من الأفكار والتعبيرات، وأن القرآن كنص من القرن السابع الميلادي، ووثيقة من هذه الفترة، قد أخذ من موروثها ببراعة فائقة”. كما أن نبي الإسلام ولد في حدود عام 580، وليس عام 571، وبالتالي فإن ربط المسلمين ولادة (محمد) بعام الفيل هو ربط غيبي، يحمل بعداً رمزياً دينياً. وعليه سيكون نزول الوحي على (محمد) وهو في حوالي الثلاثين من عمره. وبالضرورة ستؤول الأزمة هنا من مشكلة تاريخية إلى أزمة مع النص نفسه (القرآن)! فكتاب مثل “في السيرة النبوية” رغم ما أثاره من جدل، إلا أن البعض لم ير فيه أي جديد، وأنه لم يخرج عن السياق النظري والمنهجي لما جاء في بحوث المستشرق الألماني تيودور نولدكه. وفي ما يلي بعض من آراء هشام جعيط، أوردها في مؤلفاته أو في أحد حواراته الصحافية في عدة قضايا شائكة..

الحداثة والهوية

كان الماضى عندنا مسكوناً بالهوية الإسلامية أساساً، وفي الواقع المعيش طرأت مسألة الحداثة ووقع نوع من التضاد بينها وبين الفكرة الإسلامية التي عادت لتغلب الفكرة العربية. ثمة طموح إلى حداثة منسوخة من أوروبا، وجرى طرح مشكلة الحداثة من الوجهة الواقعية، باعتبار أن المجتمع مدني قبل كل حساب، وأن الحداثة يقوم بناؤها على التكنولوجيا والاقتصاد الحديث والمؤسسة الصناعية، وانضباط المواطن نحو دولة القانون، لكن كل هذا تم طرحه من زاوية المثقفين بصفة متقطعة في أغلب الوقت، باعتبار الحداثة مضادة للدين وتعني الخروج منه، والشيء نفسه بالنسبة للإسلاميين، هم إسلامهم شكلي يخص الملابس، ووضع المرأة وأمور عتيقة مظهرية جداً، وليس عندهم شيء يسمى التفكير العميق والإصلاح الديني كما حدث مع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا.

حوار الحضارات

لا أؤمن بهذه المقولة “حوار الحضارات” بل هي شعار يرفع في كثير من البلاد العربية وحتى الإسلامية لسبب من الأسباب، وكل بلد له أسبابه أيضا، مثلا في إيران رفع هذا الشعار وهو سياسي، من أجل تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، في إطار صراع داخلي. وفي ما يخص البلدان العربية الأخرى فحوار الحضارات والتسامح أيضا هو نوع من مصادمة تفسير التيارات الإسلامية، فالمحاور هو الغرب ليس إلا، نحن لا نحاور الصين حضاريا، لا نحاور البوذية، لا نحاور اليابان، ولا نحاور افريقيا، ولا الحضارات الأخرى الموجودة، بل فقط محاورة الحضارة الغربية الآن بما يعنيه ذلك من تكنولوجيا وعلاقات سياسية وإعانات مالية عبر البنوك الكبرى… هناك قيم أساسية من وجهة أخلاقية، ومن وجهة حضارية تكون ما نسميه بالحداثة. الحداثة هي أولا منظومة قيم فيها الجيد وكلها جيدة، إنما الممارسة مسألة أخرى لأن البشر بشر. هذه القيم غير منبثة في العالم العربي وحتى الإسلام غير منبث، بحيث كيف يمكن ان نتكلم عن حوار الحضارات. ومن جهة ثانية لكي يكون حوار للحضارات يجب أيضا أن تنفتح الحضارات الكونية على عوالم أخرى، وهي لا تهتم بالعطاء العربي أو قلما يحدث ذلك وهي لا تهتم، بالتالي كيف يمكن لنا أن نجعلها تهتم بما يقع ويحصل في بلدان من العالم العربي؟

فقدان الأمل

وفي الأخير يقول هشام جعيط في كتابه “أزمة الثقافة الإسلامية”، إن الأمة الإسلامية ما هي إلا “صحراء ثقافية في كل المجالات، في التراث كما في استيعاب الثقافة الغربية، في الكتاب كما في الرسم أو الموسيقى أو المسرح، في المعرفة كما في الأدب. وبما أن جهاز الدولة قتل المجتمع المدني، وأن هذا المجتمع أعطى رقبته للذبح والتذّ بموته، فلا أرى الآن خروجاً من المأزق”.

….

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا