في الوقت الذي تتقاعس فيه مؤسّسات فنيّة عربية عن الاحتفاء شهريًا بذكرى ميلاد أو رحيل عدد من الوجوه الفنيّة داخل العالم العربي، يخرج مُحرّك البحث "غوغل" بشكل يومي للتذكير بهذه العلامات، التي صنعت مجد الفنّ العربي المعاصر داخل فنون بصريّة شتّى مثل: التشكيل والسينما والفوتوغرافيا والمسرح، خاصّة وأنّ الثقافة العربيّة المعاصرة بدت في الآونة الأخيرة معرّضة للنّسيان وكل أشكال التهجير والتهميش والاغتراب، لا سيما حين يتعلّق الأمر بالثقافة البصريّة، إذْ يجد المرء نفسه أمام بياضات مُخيفة على مستوى التفاعل مع الفنّ العربي والكتابة عنه، سواء تعلّق الأمر بالجامعات العربيّة ومختبراتها أو حتى مؤسّسات فنيّة، تُقدّم نفسها على أنّها تحفظ التراث المادي للفنانين، لأنّ غياب الوعي بهذه الثقافة البصريّة داخل الثقافة العربيّة يزداد عمقًا وتهوّرًا وجُرحًا، إذْ رغم مظاهر التأثير التي مارستها على الخطاب المكتوب، ما يزال التقليد يطبع صيغ ووسائل وقنوات تشرّب وتمرير الخطاب الثقافي داخل العالم العربي، فلا غرابة أنّ يجد الناقد مظاهر التهميش تطبع سيرة وتجارب بعض الفنانين والسينمائيين، كما هو الشأن بالنسبة لفنّانة تشكيليّة في حجم الفلسطينيّة مليحة أفنان (1935-2016) التي احتفى بها "غوغل" بشكل خاطئ قبل أيام على أساس ذكرى رحيلها، لكنّ ذلك كان كافيًا لأنْ يُثير بشكل تلقائي جدلًا هامًّا داخل منابر عدّة حول الفنّانة مليحة أفنان وأهميّتها الفنيّة داخل الكارطوغرافية التشكيليّة الفلسطينيّة، بوصفها أبرز الوجوه الفنيّة النسائية، التي أسّست مسار وعي هوية الفنّ الفلسطيني المعاصر، وإنْ ولدت أفنان بمدينة حيفا وهاجرت صوب بيروت في نهاية الخمسينيات لاستكمال دراستها، إلاّ أنّ بروزها كفنّانة تشكيليّة مخلخلة للساحة الفنيّة العربيّة، كانت في مرحلة استقرارها بالغرب، فأعمالها معروضة لحدود الآن داخل أكبر المتاحف الغربية ومؤسّساتها الفنيّة.
