كل السيناريوهات تبقى محتملة إلا تلك التي يعلن عنها، وكل التحاليل تظل نسبيا قريبة من الحقيقة إلا تلك التي تصدر عن الإعلام الرسمي للأطراف السياسية المتنازعة في إطار البروباغندا.
مند تفكيك حلف وارسو، لم يعد للحلف الأطلسي اي منطق للوجود، إلا إذا كان سيخدم تعسفا استكمال مسلسل تصفية إرث الحرب الباردة عند استحالة الحوار مع الأمم حول الترتيبات المتعلقة بتنزيل أسس مشروع العولمة المفترضة، بالموازاة مع ضمان السير في اتجاه إتمامه.
بمنطق المنتصر، يرى الغرب في ما تبقى من إرث الإتحاد السوفياتي عرقلة لمشروعه الكوني، أي أن مشروع العولمة لن يتقدم دون تصفية بقايا الحرب الباردة.
فقضية أوكرانيا، تشكل نزاعا معلقا مند نهاية الحرب الباردة، وبالرغم من بعض الاتفاقات، على شكل صفقات، حول بعض القضايا المستعجلة بين الغرب و وريث الإتحاد السوفياتي. فإن التصفية الكاملة لا زالت على جدول أعمال المنتصرين في الحرب الباردة ومنظري مشروع العولمة. إن الطريقة التي تعامل بها الغرب مع حلفائه بأوكرانيا، لم تكن واضحة و قد تخفي وراءها عدة سيناريوهات في إطار إستراتيجية بناء العالم الجديد، الذي لا يمكن أن يتم بوجود روسيا القومية على شكلها الحالي. الشيء الذي يرجح فكرة استدراج روسيا إلى مستنقع دم قد يطول، سينهكها ويعزلها، و يخلق عوامل أزمة داخلية تقود الى الانفجار في عمق الأجهزة والمؤسسات والرأي العام داخل روسيا، لتسهيل تمكين الليبراليين الروس من السلطة.
في وسط الطريق نحو تجسيد مجسم العولمة على أرض الواقع، نلاحظ أن هناك أطراف لا زالت تتصرف بعقلية الحرب الباردة و أطراف تتعامل وكأن مشروعها اكتمل، اعتمادا على قوة وطبيعة منظومتها المالية التي أصبحت تبسط هيمنتها على كل الاقطار في العالم.
كيفما كان دهاء الغرب وانتهازيته، فلا شيء يبرر هذا الغزو وزعزعة استقرار الابرياء. مثلما ألم بكن مبررا غزو العراق وليبيا وغيرهما من طرف الغرب في إطار نفس الاستراتيجة . أما الإعلان المتهور ل بوتين عن استعمال قوات الردع النووي، فلا تفسير قد يكون له إلا الارتباك عند استيعابه المتأخر للورطة، هذا التصريح قد يجد معارضة قوية لدى الشعب الروسي والرفض الجزئي أو الكلي للقيادة العسكرية الروسية، مما قد يؤدي إلى التصدع وسط الأجهزة العسكرية والمخابرات، و احتمال التمرد على بوتين وتجريده من سلطة التحكم في الأزرار النووية، وقد يصل الأمر إلى تنحيته، وبالتالي استيلاء الليبراليين الروس على السلطة، السيناريوهات متعددة والهدف واحد.