إذا أردتَ أن تكتب سيناريو لفيلم يحقق نجاحًا كبيرًا، فلا بدّ أن أرسطو هو آخر شخص قد تلجأ إليه لأجل النصيحة. فقد عاش منذ أكثر من ألفي سنة، أمضى حياته وهو يحاضر في علم الأخلاق ودود الأرض، ولم يشاهد فيلمًا في حياته قطّ. مع هذا، يعتقد بعضٌ من أفضل كتّاب المسرح والسينما المعاصرين، مثل آرون سوركين، وديفيد ماميت، أن هذا الفيلسوف من اليونان القديمة قد عرف تمامًا كيف يروي قصة أخّاذة تصلح لأي عصر. "كتاب القواعد هو كتاب فن الشعر لأرسطو"، يقول سوركين؛ "كلُّ القواعد موجودةٌ هناك".مع هذا، يبدو أرسطو احتمالًا مُستبعدًا كمرشد لرواة القصص. لقد ولد في أرض مقدونيا البرية شمال اليونان، حيث كان والده طبيبَ البلاط عند الملك المحلي، جدّ الإسكندر الأكبر. وبعد موت والديه، وكان لا يزال حينها مراهقًا، سافر أرسطو إلى أثينا ليدرس مع أفلاطون، تلميذ سقراط، وأشهر فلاسفة عصره. كان أفلاطون منظّرًا بارعًا، لكنه لم يكن يهتم كثيرًا بالعمل التطبيقي والتجريبي الذي أحبَّه أرسطو. ففي حين شقَّ الرجلُ الأصغر المحارَ، وخاض في المستنقعات جامعًا الشراغف، مخترعًا علم الأحياء بصورة أساسية، كان أفلاطون مشغولًا بإلقاء المحاضرات حول الواقع اللامرئي الذي يشكّل أساس الكون. وبعد موت أفلاطون، عاد أرسطو إلى مقدونيا لبعض الوقت ليغدو معلمَ الإسكندرِ الشاب، ثم أسّس مدرسته في أثينا، وأسماها الليسيوم، جاعلًا إياها مكرّسةً للبحث والتدريس.
وفي السنوات التالية، كتب أرسطو وحاضرَ في جميع المواضيع التي يمكن تصوّرها، من علم الفلك والميتافيزيقيا، إلى السياسة، وعلم الحيوان. غير أن أيًّا من أعماله المكتملة والمنقَّحة لم ينجُ للأسف، ولم يتبق سوى بعض ملاحظاتِ المحاضرات. لكن هذه الملاحظات، والتي نُسخت أحيانًا على نحو خاطئ من قبل نُسّاخ لاحقين، أصبحت المصدر الأول لتعاليم أرسطو التي ستغيّر العالم وتصبح أساس معظم الحقول المعرفية التي تُدرَّس اليوم في الجامعات.
أحد أعمال أرسطو القصيرة التي تمكّنت من النجاة عبر القرون هو كتاب "فن الشعر"، والذي هو، على الرغم من عنوانه، ليس كتابًا عن الشعر وحسب، بالمعنى الحديث لكلمة شعر، بل ينطوي على أكثر من ذلك بكثير. وبما أن كل أنواع الأدب في اليونان القديمة كانت تُكتَب على شكل شعر، من الحكايات الملحمية، والمسرح التراجيدي، إلى المسرحيات الكوميدية الفاحشة، فإن "فن الشعر" هو في الحقيقة مرشد لكيفية رواية القصص بكل أنواعها. يشتكي الكتاب من تاريخِ مخطوطةٍ أكثر تشوهًا من معظم كتابات أرسطو، مع أقسام مفقودة، وأقسام معادٌ ترتيبها، وفجواتَ منطقية، بالإضافة إلى فقدان النصف الثاني الذي يتناول الكوميديا بأكمله. مع هذا، حقيقةُ أن كثيرين عبر العصور قد حاولوا دراسة هذا العمل القصير والتعلمَ منه هو برهانٌ أكيدٌ على قوته، حتى في هيئته المبلبلة هذه.