-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

حوارمع الروائي والإعلامي المغربي محمد الإحسايني حاوره عبده حقي

حوارمع الروائي والإعلامي المغربي محمد الإحسايني حاوره عبده حقي
تقديم
محمد الإحسايني روائي وقاص وإعلامي مغربي دشن تجربته الأدبية منذ أوائل السبعينات إلى جانب رعيل الأدباء والمثقفين المغاربة الذين كابدوا بحق حرقة وعنف الكلمة ورمزيتها في سنوات الجمروالرصاص وقمع الحريات الفكرية .
في هذا الحوارنسافرمع محمد الإحسايني على مدى أربعة عقود في تجربته الإبداعية الأدبية والإعلامية ونستمزج أيضا رأيه في مايموربه المشهد الثقافي المغربي من حركية وتقلبات واختلالات أيضا .
س ـــ من خلال سيرة الكتابة الموثقة على ظهر روايتك الأخيرة (فارس من حجر) الصادرة سنة 2012 يلاحظ أنك إنطلقت في مسارك الكتابي السبعيني روائيا ، لماذا الرواية بالضبط قبل القصة أو القصيدة أوغيرها من الأجناس الأدبية ؟
  ج - استوعبت جزءاً من  الفن السردي بما فيه الروائي منذ سن المراهقة. قرأت العديد من الروايات، بدءً من روايات جورجي زيدان، والأيام لطه حسين،  ونجيب محفوظ،  ;و الغريب لـ ألبير كامو، والأيدي القذرة، ل ج. "بول سارتر"، وقصص "ألبرتو مورافيا"، وقصص فولتير، واعترافات ج.ج. "روسو"، وكتابه "إميل"،باعتبار أنني أشتغل في التربية، بجانب علم النفس الاجتماعي، والتحليل الفرويدي، وتلميذه "يونغ" كما سبق لي أن قرأت مجلات أدبية كالرسالة لأحمد زيات، والأديب البيروتية، و سلسلة "الروائع"،  ثم مجلة "الأداب" التي عرفتها أواسط الخمسينات من القرن الماضي.
وبخصوص المجال السردي الذي تعلقت به في معمعة الصراعات الاجتماعية المعاصرة، أذكر أنني سلكت منعطفاً جديداً حينما وقعت في يدي رواية هاني الراهب : "المهزومون" أوائل الستينات، وأنا ما زلت في سلك التعليم، أزاول دروس الكفاءة التربوية، قبل زواجي، والذي أعجبني في رواية هاني هو تعامله مع اللغة بطريقة حديثة غير مسبوقة، وكلما قرأت سطراً من الرواية، تنتصب أمامي قولتان : قولة "بول فاليري" :" ليس الأدب في النهاية، سوى استغلال خصائص لغة ما"، وقولة ابن جني : "أكثر اللغة- مع تأمله- مجاز". لذلك لم أولٍ أهمية لما نشره جورج طرابيشي عن نقده لرواية "المهزومن". وبغير ذلك، كنت قد قرأت سابقاً، "موباسان"، و"مدام بوفاري" لـ فلوبير، وأسطورة سيزيف ل ألبير كامو، و"العبث " مترجمة وفي نصها الأصلي، و"كليغولا"، متبوع ب سوء تفاهم، وروايات "نتالي ساروت".والبحث عن الزمن الضائع المتشابكة وغيرها من الروايات ألأجنبية التي لم أعد أتذكرها.
بخصوص سؤالكم : لماذا الرواية وليس الشعر، ذلك أن الشعر كان ديوان العرب يسجلون فيه وقائعهم الحقيقية وعواطفهم، وحكمهم بطرق فنية عالية، في أوزان شتى اكتشف الخليل أغلبها بين مختلف ومؤتلف، وزاد عليه الأخفش بحراً هو المتدارك، ناهيك عن الموشحات وغيرها. لكن الأوزان ليست هي الشعر عندي أو عند غيري. اليوم أصبحت الرواية هي المستحقة أن تكون ديوان الكتاب والمثقفين. ولا أدري هل يعي "الشعراء"- بين مزدوجتين-  "الرواية" غير وعيهم للشعر نقطة التحول، أو إن الأمر يتعلق باصطياد الجوائز، والجري وراءها بلهفة إلى حد قريب من الانتحار. يكفي أن أقول إنني اخترت الرواية بدلاً من كتابة الشعر، كما كنت أفعل أواخر الخمسينات وبداية الستينات، وأنا مقتنع بهذا الاختيار، لا جرياً وراء الشهرة أو الجوائز، إنما أسعى أن أعزز المشهد الثقافي وتبادل التأثيرات، وعدم احتكار الحقائق، والتواصل مع شرائح المثقفين.
س ـــ صدرت روايتك البكر(المغتربون) في طبعتين الأولى في العراق والطبعة الثانية في الولايات المتحدة الأمريكية ألم يكن بوسعك أن تنشرها في المغرب ؟
ج - لتصحيح معلوماتكم، الطبعة الأولى صدرت عن دار النشر المغربية بالدار البيضاء 1974، يومذاك كانت "المغتربون" هي نحو الرقم العاشر من الروايات الصادرة في المغرب حسب مجلة أقلام المغربية 1975  التي كان يصدرها المرحوم الأستاذ أحمد السطاتي والذي سأتابعه في لقاءات اتحاد كتاب المغرب بالرباط- ؛ أما النشرة العراقية التي أشرتم إليها فقد جاءت- دون علمي- تحت ما سمته تلك الطبعة : "النشر المشترك"، وقد كتب عن ذلك بتساؤل، أحد الكتاب الروائيين المغاربة، لأن عمله نشر أيضاً بدون علمه. أنا لم يصدر عني أي رد فعل عن ذلك، فليكن النشر المشترك ! اقرأوا، اقرأوا. وقد نفدت الطبعة الأولى باكملها، والطبعة العراقية. كان الأصدقاء يحرجونني كل مرة حينما يطلبون اقتناء نسخة منها، لأنهم لم يجدوها حتى في دار النشر المغربية، والنسخة الوحيدة التي بقيت لدي لحد الآن هي النسخة العراقية اقتنيتها شخصياً في الرباط أوائل التسعينات من القرن الماضي، والمسودة لها. وقد أعدت ترقينها ورتبتها شخصياً على أساس إعادة طبعها، بيد أن طلباً من عالم اجتماع متقاعد يقيم في الولايات المتحدة قرأ عنها، فطلب مني السماح له بنشرها لفائدة تعزيز مكتبة عربية – على ما يقول- في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى نشر "سأم باريس" قصائد نثرية لبودلير من ترجمتي، فوافقت، على أساس تحريك البركة الراكدة، دون إبرام أي عقد.

س ـــ المتتبع لإنتاجك الروائي يلاحظ شبه إنتظام في الإصدارات لايتعدى الست سنوات بين الرواية والرواية، هل يمكن أن نتحدث عن مشروع روائي لم يكتمل ؟
ج - نعم، المشروع الروائي غادر السيرورة إلي الصيرورة منذ أن فتحت ملفّ المسودات لم يتوقف ؛ بيد أن هناك محطات للا ستراحة، لأن العمل الصحافي مرهق على العموم، أكثر من العمل التربوي أو التجاري اللذين كنت أمارسهما قبل الالتحاق بمهنة المتاعب. ولا أدري هل كانت الصحافة نعمة لي أو نقمة عليّ، مع أن ساعة الحضور في أي جريدة في العاصمة، لا يتعدى ساعتين في الصباح، ثم أغادر إلى الصباح التالي مرهقاً محطم الأعصاب، بعد تأدية الأعمال المنوطة بي، أغادر تحت أنظار المشرفين، الذين طالما لاحظوا ذلك، ولكنهم أجيبوا بأن المشتكى به حالة خاصة، وهذا عكس الساعات الطوال التي كنت أقضيها ب "المحرر"، أوجريدة "العدالة"، بلا فائدة، في الدار البيضاء...
س ـــ أصدرت مجموعتك القصصية اليتيمة (مذكرات كلب غير عابئ ولا مخدوع) سنة 1985 ، حدثنا عن هذه المجموعة ثم لماذا ظلت يتيمة إلى اليوم ؟
ج - "مذكرات كلب غير عابئ ولا مخدوع"، هي في الحقيقة رواية صغيرة، وليست مجموعة قصصية، إلا أنني جمعتها مع قصص أخري ليحمل الكتاب هذا الاسم. فصولها كالتالي كما يرويها الكلب "ميسور" كان      التخطيط لها منذ أن قرأت "مذكرات  حمار"، وأنا في بلدة أنامر بتافروت بالفرنسية لمؤلفة غاب عني اسمها، لأن الكتاب استعرته من قريبة لي. ومنذ ذلك الحين، كانت مذكرات كلب تختمر في الذهن، ولم تكن مسودات أبداً، بل جاءت متتابعة في فصولها بالمقهى "الخضراء" في ميرس السلطان بالدار البيضاء. كان ذلك فترة توقف جريدة "العدالة" عن الصدور، تمتعت بذلك الفراغ، فكنت أستغله في الكتابة الأدبية بعيداً عن السياسة بمسافات. المكان المفضل للكتابة يومذاك، كان "المقهى الخضراء"، أو "مقهى ألاسكا" الذي يطل على "المدينة القديمة"، و يؤدي إلى ساحة الأمم  المتحدة. "مذكرات كلب..." هي رواية صغيرة مؤلفة من 93  صفحة بحجم طباعة اتحاد الكتاب العرب بدمشق، ويمكن فصلها عن القصص الأخري في أي وقت. وجمع كل شيء في سلة واحدة، كان بسبب أزمة النشر للأعمال الأدبية في بلادنا، وعدم تشجيع انتشارها، مع أنها مكسب روحي ووطني وحضاري لا غنى عنه. في هذه الظروف، كنت أكتب فصولاً عن "مذكرات كلب"، أرسلها إلى جريدة "العلم" للنشر في الملحق الثقافي الذي كان يصدر أيام الجُمَع. ولم أتوقف عن متابعة بقية الفصول إلا بعد أن التحقت بجريدة "العلم" باقتراح من المرحوم عبد الجبار السحيمي أحد رؤساء التحرير، والذي كان ينوي أن يسند إليّ رئاسة القسم الثقافي. لكن المسئولين أرادوا أن أشتغل في القسم السياسي، وغيره من الأقسام.أول مقال نشرته في الصفحة الأخيرة مودعاً طموح المرحوم عبد الجبار السحيمي، ومنتقداً بعض الانتهازيين الذين يزعمون أنهم يدافعون عن القضية الفلسطينية، هو :" بعيداً من السياسة وقريباً منها".وقد اضطررت أن أحدث توازناً بين الاشتغال بالجانب السياسى والجانب الأدبي، في معمعة الصراعات الإيديولوجية القائمة آنذاك.                                                                                             في المقهى الخضراء، كنت أحرر مع الأستاذ الصغير المسكيني أيضاً مجلة " المدينة"، بداية أدبية مثمرة لا بأس بها بالرغم من أن مهنة الأدب أدركتنا من زمان، أنا والصغير، الذي سيغير اتجاهه نحو الكتابة المسرحية بعد رجوعه من العراق للمرة الثانية، وقد غادر بدوره مهنة التعليم إلى المسرح...
تتألف رواية "مذكرات كلب..."، - الكلب اسمه"ميسور"- من الفصول التالية المعنونة :
- ميسور يكتنه أسرار الإنسان والكون.
- ميسور يدرك تبعات الوعي فيرفض المستقبل.
- عودة ريمون من حيفا وقد خسر ثروته وفقد زوجته.
- كلما ضرب ميسور في الأرض ازداد جهلاً بالناس والأشياء.
- جاكوب يظهر أثره وخبره في بلاد الكنانة الخ...
- الشيخ يعلن قطيعته للحاج كردان- مالك الكلب ميسور-
-...وانتهز ميسور أول فرصة فأطلق ساقيه للريح.
- الحاج كردان يبحث عن الذكريات ويتشبث ببقايا شباب غابر.
- استمد الحاج كردان الزعامة من سلوك الأيائل.
- أبعاد عبثية.
هذا كل ما في أمر هذه الرواية، إذ تبين لي فيما بعد أن الكتابة القصصية أكثر تركيزاً، ولكن على موضوع واحد أو فكرة واحدة، وينتهي الأمر، بالرغم من أنها جد مركزة أكثر من الرواية التي تتوسع في الأفكار والصراعات.
س ـــ وما حظ الشعر في تجربتك ؟
ج - دعني أقول لك إنني أعرفه ولكن قلما أستعمله. ومع ذلك، لا يمكنني الابتعاد عنه. كنا ندرس ونحن تلاميذ الشعر الجاهلي وشعر صدر الإسلام والأموي والعباسي والأندلسي، وما يسمونه عصور الانحطاط، بمناهج مختلفة مرة على المنهج المصري – المفصل والمجمل- ومرة أخرى على المنهج الشامي. ثم إن رسالتي في دبلوم الأدب العربي من القاهرة، كانت حول الشعر زمن خراب بغداد بواسطة التتار والمغول. لم يكن هناك منهج مغربي خالص إلا فيما بعد.وكنا ننصت باهتمام إلى أساتذة النحو والبلاغة، وهم يتبخترون بيننا كأنهم يملكون مفاتيح السماوات والأرض. كنا نخشى من السقوط في هذين الدرسين أكثر من اهتمامنا مثلاً بدروس العروض التي كان يتعاطاها كل واحد منا كما يشاء.
ومن ثم نشأت خرافة" الشعر صعب سلمه" التي لا يزال يرددها بعض الشعراء و"الباحثين الأكاديميين"  حتى اليوم في ردودهم على حجب جائزة الشعر.
بالنسبة إلي، اقتصرت طموحاتي الشعرية على الإلمام باتجاهات رواد الشعر الجديد في أواسط الخمسينات والستينات : ودواوين رواد الشعر آنذاك نازك الملائكة، بدر شاكر السياب، صلاح عبد الصبور، عبد المعطي حجازي’ وغيرهم، إما بواسطة دواوينهم التي تصل إلى المغرب، أو بواسطة ما تنشره عنهم المجلات الأدبية كالأديب وغيرها.
س ـــ عرفت الكتابة الروائية في العشرين سنة الأخيرة تطورا في الكم والنوع أيضا ماجعلها حاضرة بامتيازفي العديد من الملتقيات العربية والدراسات النقدية والترجمات العالمية والجوائز(محمد الأشعري ـ أحمد المديني ـ محمد برادة ) مثلا ماتفسيرك لهذه الظاهرة ؟
ج - حتى يوجد تكامل في "الكم والنوع"، يفترض أن يكون هناك تحليل للكتابة الروائية إبداعاً ونقداً، إبداع نصوص، وهي فعلاً موجودة، وقراءة نصوص، أو الإشارة إليها على الأقل. سأتحدث عن تفسير ظاهرة الكم الروائي المتزايد. ومع ذلك فالرواية المغربية بألف خير ومعها الروائيون كيفما كانت توجهاتهم. ربما يفوق الكم الروائي المتدفق في السنوات الأخيرة ما نشر منذ نشوء "الروياة المغربية" إلى اليوم. وهذا يشكل مشهداً ثقافيا في ذاته له دلالة ما، قد يحمل معه إيجابيات  أوسلبيات. اقتحمت الرواية المغربية ببسالة واقتدار، المنتديات والمعارض واللقاءات العربية والمغاربية، على مستوى النصوص الإبداعية، أو على مستوى النقود المساهمة في تعزيز السرد العربي والمغربي معاً. بقي لنا مسألة الكيف، فهو، في نظري، لا يمكن تحديده إيجابياياً إلا بالقيام بتحليل النصوص ذاتها الموجودة والمؤهلة للقراءة النقدية، عندئذ سنحصل على خلاصات ترتبط بها، بعيداً عن أحكام االقيمة. وهناك من انتقل من "الشعر" إلى الرواية. كل ما أرجو، بالنسبة إلى الأسماء التي قدمتموها لي كأمثال، أن تكلل جهودهم بالنجاح والتوفيق، وتعزيز دور السرد المغر بي.
س ـــ ماهو رأيك من موقعك ككاتب سبعيني جرب قساوة وأيضا متعة النشرالورقي ثم يعيش حاليا تجربة النشرالإلكتروني، أمازال للكلمة حرقتها وتأثيرها في المتلقي ؟
 ج ـــ الأفضل أن أبدأ بقساوة النشر : عشت تجربة عطلة بيولوجية بالنسبة للكتابة لسنوات، بسبب ظروف خاصة، لا مجال لذكرها هنا ؛ غير أنني لم أكن غافلاً عما كان يجري في الساحة الثقافية المغربية ولا في الساحة الثقافية العربية، وعما ينشره المبدعون عندنا في الشعر والقصة والرواية وفي النقد والمساجلات اللغوية وتتبعت مهزلة السجال اللغوي  حول "السوق الأوروبية المشتركة" : هل الراء بالفتح أو بالكسر. ولما صفا لي الجو، أخذت أنبش في الأوراق القديمة، لأقوم بتأملات استذكارية لرواية "المغتربون". كثير من الأوراق ضاع، بسبب التنقلات وعدم استقرار في مكان معين ؛ ولكن الإرادة ما كانت لتخمد رغم الظروف القاسية التي مررت منها : رتبت المسودات ؛ لكن المسودات، لا تكفي لإ قنا ع ناشر بطبع العمل، والكثير منهم كانوا لا يفرقون بين الكتاب الإبداعي، والكتاب المدرسي  المقرر. كانت تجربة قاسية تتطلب صبر أيوب، بدءاً من أوراق الكتابة التي كانت تباع في بعض المتاجر في درب عمر، حيث امتنع أحد الباعة بالجملة التعامل معي، وصدني باحتقار، بالرغم من أنني كنت أكثر منه أناقة، ثم تحولت إلى جاره وكان مواطناً يهودياً، فلبى رغباتي بكل لطف، وخيرني في نوع الورق المطلوب، وأنواع المداد والأقلام. هذه هي الخطوة الأولى. حررت الروية بخط رقعي، وعنوانها بالخط الثلثي. وما زلت أتذكر ذلك اليوم من شهر مارس، وكان عاصقاً، حيث تعامل معي ناشر مشهور بجفاء قائلاً : "عد إليّ بعد أسبوع أو عشرة أيام حتى أتفرغ إليها". وقد سبق أن رفضت مطبعة شهيرة في "روش نوار" طبع الرواية. وضعت أوراقي في ثلاجة الانتظار، مع نسيان الطبع.
 وبعد أيام قررت أن أعرض الرواية على دار النشر المغربية، ولكن بدون ثياب أنيقة، كصعلوك من الصعاليك. أقنعت بواب المطبعة بمقابلة مدير الدار، سأل لماذا ؟ أجبت لطبع رواية، لبيت فضوله، فأرشدني إلى المسئول عن الدار، الأستاذ عبد الغفار العاقل، في الطابق الأول، خريج العلوم السياسية آنذاك. عبدالغفار لم يصدق أن الرواية لي، وبعد مناقشات حول بعض الروائيين الغربيين المشاهير، اقتنع بالروية فعلاً. فوعدني بالرد بعد قرار لجنة القراءة، ثم دعا موظفي وموظفات الدار لرؤية رواية تاجر فحم، فوجدتني وسط المعجبين والمعجبات، في تلك الأثناء، دخل الأستاذ مصطفى عمارمدير الدار، ليستغرب تجمهر مرؤوسيه أمامي ، فأمر بالحسم في أمر الرواية. غادرت الدار على أن أعود بعد أسبوع لأستمع لقرار اللجنة. غبت نحو عشرة أيام، لأفاجأ أن الرواية في طور الطبع، وأن عليّ فقط أن أقوم بتصحيها، كان التصحيخ الأول، ثم الثاني، ثم التوقيع على "صالح للنشر"، فالعقد. أما بالنسبة إلى تجربة النشر الإلكتروني، فهي قفزة نوعية في مجال الاتصال، والطباعة معاً : تخلصت المطابع من تلوث الرصاص المستعمل في اللينو، ومن الملزمات الحديدية، وأيضاً بالنسبة للمؤلف، يمكن أن ينشر عمله على نطاق واسع، ويقرأه ملايين الناس في كل أنحاء المعمور في لحظته. العالم اليوم عبارة عن قرية صغيرة.
س ـــ ننتقل اللآن إلى الجانب الإعلامي ، متى وكيف إنخرطت في مهنة المتاعب وماهي المنابرالتي إشتغلت بها أو تعاونت معها وكيف تنظر إلى المشهد الصحفي الورقي اليوم ؟
ج ـــ لن أبالغ إذا قلت إنني مهتم بالصحافة منذ أن كنت تلميذاً كنت أطالع بنهم في عهد الحماية، " آخر ساعة"، "الاثنين"، "المصري"، "الصباح" التونسية، إلى جانب "العلم" و"الرأي العام"، و"الأطلس" و"المغرب" و"المعرفة" التي كان تصدرها من تطوان الزميل محمد المساري. وغيرها من الصحف المغربية الغائبة عن الذاكرة. ما زلت اتذكر مقالاً افتتاحياً كتبه المرحوم الأستاذ أحمد بن سودة" في الرأي العام تحت عنوان:" النفوذ الفرنسي في المغرب" أو البرستيج وكرونيك "حديث المفتي" على صيغة المقامات بالسجع. إلى جانب ذلك ما كانت تكتبه جريدة "كومبا" في الجزائر، أيام ألبير كامو، لكنني لم أقرأ لهذا الكاتب إلا في أوسط الستينات. قلتُ كيف أكوّن موهبتي في الصحافة ؟ انخرطت في مكتبة دار أمريكا التي كانت في زنقة ورائية في شارع باريس، فقرأت أشياء كانت تنقصني عن الصحافة، والطب، ونظام المحاكم في الولايات المتحدة، بل قرأت أشياء كثيرة عن لينين ونشأته، والشعر المهجري. أما كيف تُهيأ الصحف وتطبع، فقد جاء ذلك بعد أن انضممت إلى جريدة "المحرر"، لم أجد هناك من الصحافيين الذين يمكن الاستفادة من تجاربهم سوى ثلاثة أشخاص : المرحوم عمر بن جلون، ومصطفى القرشاوي، وحسن العلوي، أوقل إن حسن العلوي يختصر هذين الاثنين المذكورين. فكانت مصطلحات الصحافة المغربية كتابةً وممارسة تطرق أذني : "ملزمة"، ح14، ح18 الخ سقط سهواً، افتتحاية، "النفخ في الخبر"، "البواقي"، "ليزيسباس"، "أسود"، "أبيض"، "الخبر"، "التعليق" "نظرة خاطفة قبل الطبع"، النسخة الذاهبة إلى الرقيب، علما أن المحرر، لم تكن مشتركة في وكالة المغرب العربي يومذاك. بل كان كتابها ومحرروها والمتعاطفون معها في المجال الثقافي من المناضلين مثل : أحمد المديني، البشير الوادنوني- إدريس الناقوري- محمد البرينى، الذي كان يعلق على الإصدارات في مجلة " لام- ألف" التي كانت تصدر باللغة الفرنسية. وكنا ننتظر يوم الصدور بفارغ صبر. وفي هذه الأثناء كلن المرحوم عمر بنجلون قد كلفني بترتيب نقط المشاركين في الجريدة مع رسم بياني لها على مستوى القطر، ثم كلفني رئيس التحرير المرحوم مصطفى القرشاوي بدوره بإعداد أرشيف البترول من خلال أكداس المجلات والجرائد المكدسة على سطح دار النشر المغربية مقر جريدة المحررآنذاك، فعملت جرداً لكل ذلك في حينه مدفوعاً برغبة استيعاب كل جوانب الصحافة المغربية. وسأرى بعد استئناف صدور المحرر نوعاً من صراع ثقافي- إيديولوجي بين الأستاذين الكبيرين : عبد الله العروي، وعابد الجابري، وهذا الأخير حضر شخصياً ليراجع بنفسه موضوعه بدقة متناهية. وسأفاجأ بتحليل الأستاذ  محمد عز الدين لرواية " المغتربون". وأنا بعد في جريدة" المحرر"، لم أعد أتذكر هل سبقه التلفزيون المغربي لإجراء مقابلة حول الرواية، مما أضجر المرحوم مصطفى القرشاوي، الذي احتج علانية على دخول الطاقم التلفزيوني للمطبعة حيث توجد المحرر في طور الطبع فتبين له أنني لم أستدع طاقم التلفزيون، بل جاءت الدعوة من أحد مسئولي دار النشر المغربية. وهناك تكوينات صحافية تلقيتها خارج المغرب، وفي الرباط. عززت من مكتسباتي في الإخراج الورقي والإليكتروني، وكيفية التعامل مع الصور،والمقابلات الصحفية والربورتاج، وتحرير الخبر، وتحرير الافتتاحيات تلقيتها على أساتذة مصريين وعراقيين، ومغاربة.مع توثيقها بشهاداتهم.
س ـــ عرف المشهد الثقافي المغربي العديد من الأحداث الهامة آخرها إنسحاب26 عضوا من إتحاد كتاب المغرب ما تعليقك بكل تجرد وموضوعية ؟
ج ـــ دعني أركز في الانسحابات. في تعليلات هؤلاء الكتاب المرموقين الذين هم فوق العبث بما يضطلعون به من مسئولية وانضباط في تعليلاتهم للانسحاب الكفاية التامة. شخصياً لا يصلني كعضو قيدوم من الاتحاد سوى التعازي والمواسيات لبعض المرضى شفاهم الله وشفى الاتحاد ذاته. فمقر الاتحاد حيث تظل هناك سيدة محصنة في برودة الشقة، لم تعد تحتمل الزيارات، وهي في حالة انفرادية، فكان على السي ابراهيم والدها أن يرجعها إلى مقر عملها في مكتب الاتحاد الاشتراكي بالرباط، حيث الصحافيون العاملون في الجريدة والزوار.ليس هناك تواصل حقيقي بين أعضاء الاتحاد كما كان سابقاً، عهد الأستاذ محمد برادة واليابوري، إو في عهد الأستاذ عبد الكريم غلاب.
 س ـــ ماهو عنوان عملك القادم ؟
        ج ـــ العمل قادم بحول الله. وكل عمل يسبقه المخاض والمعاناة، وحتى يخرج إلى الوجود سأخبر قراءكم بعنوانه، في وقته.
س ـــ تميزت العشرية الأخيرة برحيل العديد من الأدباء والمفكرين والإعلاميين مثل المهدي المنجرة ومحمد عابد الجابري وعبدالجبارالسحيمي وفريد بلكاهية ومحمد شكري وعبدالرحيم المودن وغيرهم هل أنت مطمئن على مستقبل النخب المغربية في المستقبل ؟
 ج ـــ هؤلاء الذين رحلوا لهم مكانة هامة في الأوساط الأدبية والفنية والفكرية. أعمالهم تراث وطني هام، وأعتقد أنه ينبغي ألا ننسى القيام بعملية جرد لأعمالهم والاحتفاظ بنتائج ذلك، وهذا هو المفروض أن يكون حاصلاً، إذا لم يحصل. لا يساورني أدنى شك، أن مستقبل النخب المغربية سيعرف تطوراً نوعياً ومختلفاً عن النخب السابقة بالرغم من المكانة التاريخية المرتبطة بحياة هذه الشخصيات التي يقدرها المثقفون بكونهم وضعوا اللبنات الأساسية للثقافة والفكر والفن، وتلمذت على أيديهم عدة أجيال. والشيء الذي يجعلني أطمئن على مستقبل النخب المغربية، هوتطور المفهوم الثقافي ذاته المرتبط انتربولوجياً بتطور البنيات الاجتماعية ذاتها، وينبغي دراسة الطبقات الاجتماعية على ضوء الإحصاء الأخير : مدى انمحاء الفروق الطبقية أو زيادتها، إلى أين نسير... لا أحد ينكر الجديد في البنيات التحتية لأن التطور لا يرتبط بالجانب الروحي فقط الذي تمثله الثقاقة فهو عملية متكاملة ترتبط بسلوكات معينة، وبالإشباع المادي بتوفير حاجيات الأفراد والمجتمع، بالرغم من السلبيات الملاحظة  (مثلا: زبناء المقهى يتناوبون على قراءة الجرائد بفنجان قهوة أو بتناول بعض الفطائر، والفرد قد يشتري حذاء بثمن خيالي أوهاتفاً يتباهى به، مما يدل أن هناك حاجيات غير مشبعة بعد، ولكن الفرد لايقرأ كتاباً ولا ينمي ثقافته. أظن أن المسألة في حاجة إلى الوعي بالتوازنات، وهذا سوف ينمحي تدريجياً بتطور السلوكيات. لاخطورة في ذلك بالرغم من غياب الميكانزمات المصاحبة للعمل الثقافي. هذه اللقاءات الشعبية التي تقام على هامش الإصدارات لاتكفي وحدها في غفلة من المواكبة المدرسية والمواكبة الإعلامية على مستوى السمع البصري السائد حالياً، وعلى مستوى الصحافة المكتوبة. ذلك أن الثقافة تربية، والتربية لا تعني تكديس قواعد المعادلات أو القواعد أو المعلومات آلياً في الذهن، بل تعني تنمية كل القدرات المرتبطة بالفرد في وجوده ومعاشه.
س ـــ لوكنت وزيرا للثقافة في دولة عربية ماهوأول مشروع سوف تعمل على تنفيذه قبل كل شيء ؟
ج ـــ لنكن واقعيين، الدول العربية لم تتوحد، بالرغم من وجود جامعة عربية منذ الأربعينات من القرن الماضي. وجود خلافات ثنائية، وحروب أهلية متفاقمة للتشطيب على جذور الدولة القطرية. هذا  الطموح  الذي  ذكرتموه  غير وارد عندي، إطلاقا، ولا أسمح لنفسي بأن أتبناه. أنا مغربي بسيط، لكنني أعتز بخصوصيتي اعتزازي بالانتماء إلى بلدي والإنسانية جمعاء. أما إذا سايرتُ منطق تمنياتكم، وحدثت مفاجأة لا قدر الله، فإنني سأقترح بدل المفاجأة التي تتجاوزني، سأقترح، ضم وزارة الثقافة إلى وزارة الإعلام، وتعزيز معاشات الكتاب والصحافيين، ورجال المسرح،"عظم خوك ألبخاري". وإبدال الجوائز المادية بجوائز تقديرية لها قوة اعتبارية، ولو لفترة وجيزة وتعزيز وزارة التربية الوطنية بالكفاءات والقدرات، خاصة في التعليم الأساسي الذي تكتنفه الأمية، حتى لا تذهب الجهود الدراسية هدراً. فمن غير المعقول أن لا يعتني أستاذ بمظهره الشخصي ومن غير المعقول أن يعتدي تلميذ على أستاذه أو أستاذته ونتفرج، وغير معقول أن يطلب أستاذ من تلميذه سيجارة، وغير معقول إنتاج دكاترة ب"العرام" في العلوم غير الحقة. ينبغي تعزيز البحث العلمي على المستوى الأكاديمي وتطهير المؤسسات التربوية علماً أن هناك أساتذة مخلصين يضحون بالغالي والثمين من أجل تكوين أجيال صاعدة، فلنمد لهم أيادينا، وأن هناك أيضاً إداريين غارقين في بيروقراطيتهم، فلنحاول التعامل معهم بحذر واحتياط.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا