-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الطهـرانيـة الكـاذبـة (حول فيلم عيوش : "الزين اللي فيك" ) محمد بودويك

من كان منكم بلا خطيئة فَلْيَرْجُمْهُ، وَلْيَرْجُمْهَا. هذه تعليمة المسيح عليه السلام، أثيرها هنا لأنبه، لمن كان في حاجة إلى تنبيه، إلى الحملة الشرسة المغرضة المندفعة والهوجاء أحيانا التي نالت من نبيل عيوش ولبنى أميضار، وباقي ممثلات وممثلي شريط: "الزين اللي فيك".
فعلى أساس من أخلاق مزعومة ومزايدات دينية جوفاء، وطهرانية كاذبة، سلط جحفل عريض من الناس عبر الفايسبوك وبعض منابر الإعلام الورقية نار حقدهم على الفيلم الذي لم يروه ياللمفارقة والحسرة !، ونهشوا لحم وعرض وشرف المخرج والممثلة لبنى، فهو تارة منبت الصلة بالإسلام، فرنكفوني، وبوق للدوائر المتربصة بالدين والأخلاق والشرف الرفيع، وسيادة الوطن، وهو تارة ابن يهودية، يجري في دمه العدوان والحقد على الإسلام، وتحركه نزعة اجتثاثية لكل ما هو إسلام، وما هو قيم وما هو أخلاق، وهي مومس لقيطة، مزدوجة الهوية برازيلية ومغربية، استخدمت لهدم الثوابت، والهوية المغربية، وتشويه سمعة بنات جنسها، وزعزعة الثقة في الشرف الرفيع الذي يتعين أن يراق على جوانبه الدم كما قال المتنبي.
لكن مهلا، ألا يوجد ببلادنا ما هو أمر وأشر وأدهى مما عالج وتناوله الشريط المذكور؟ ألم تسبقه من زمان، أفلام وثائقية، لمحطات تلفزيونية غربية وعربية، عَرَّتْ، وبالغت في ذلك، واقع المدن المغربية المستباحة جنسيا من قبل "البيدوفيليين" الأجانب وأثرياء الخليج الذين لا يفكرون أبعد من "أيورهم"، وبعض أبناء الذوات، والعائلات المغربية المخملية؟
بلى، فالعالم قرية صغيرة، ومغربنا وطننا "روحي فداه" نعم، ولكن الساكت عن الحق شيطان أخرس، بل مارد كذاب يُوَاري ما يستوجب الغسل والكشف والفضح.
لِمَ لَمْ تتعالَ هذه الأصوات المغلفة ب: "التقوى"، و"الوقار"، و"التوبة النصوح"، المغسولة الذنوب، الخالية من الإفك والمعاصي والرذائل، إزاء ما يعرف المغرب من أوضار ومضار وفضائح وأعطاب ومصائب، كالمخدرات التي لنا فيها الكعب المعلى، والفقر الظالم، والرشاوى المستشرية والفساد العام، واللصوصية المحترفة والموصوفة، والتفاوت الطبقي اللئيم، والدعارة التي أصبحت ماركة مغربية مسجلة هنا وهناك وهنالك؟.
لِمَ لا نعمل على استئصال، أو على الأقل تحجيم وتقزيم هذه الظواهر الفاضحة المخجلة، وعلى رأسها ظاهرة أقدم مهنة في العالم، بتوفير شروط العيش الكريم لنسائنا وبناتنا في المدن، والأحزمة والقرى النائية، والمداشر، والدواوير الباكية المعراة؟. الفقر كفر. فهل فكرنا في معالجته بتوزيع أفياء ونواتج الثروة الوطنية على الفئات المغبونة، والسواد الأعظم من معذبي الأرض، وذوي الحاجات الخاصة؟
ما هي صورتنا عند عرب الخليج، والمصريين واللبنانيين وإسرائيل، وغيرهم؟ إسألوا المحطات التي نهشت عرضنا وسيادتنا من خلال بعض نسائنا اللواتي أرغمتهن الحاجة والفاقة على بيع الكرامة لقاء ما يسد جوعتهن، وما يشفي غليلهن لأشياء أخرى كالحلي ولوازم الحياة اليومية ؟.  
لماذا ينتشر زنا المحارم واللواط في بلادنا بشكل أخطبوطي محير؟
ما أسبابه، ما دواعيه؟ أهو الكبت؟ أم الدين، أم الفصام، أم المرض النفسي، أم التوحد أم العزلة، أم الأمية المعششة المتفشية ؟ ...
بل إن مدنا وقرى وبلدات كانت ولا تزال تشد لها الرحال من لدن مختلف الفئات من "العزاب" والباحثين عن "اللذة" كلما ضحكت الجيوب، واشتعلت الشهوة في القلوب. وهي معروفة بأسمائها ونعوتها حيث السهرات الحمراء التي تختلط فيها الروائح: رائحة المخدر برائحة الخمور الرخيصة... برائحة العرق النتنة.. برائحة الدعارة والتهتك والصراخ وَلَوْتَارْ والكمنجة والبندير، والكلام الذي تمجه الأسماع، وتستبشعه الأذواق والأخلاق.
حيث ينتهي الجميع في آخر الليل وراء القضبان، محشورا في العطن والرطوبة والعفن. وتتكرر الصورة المقززة هذه كل وقت وحين.
ولم يفعل الشريط سوى عرض الواقع بنتوءاته ومخازيه الجارحة التي تفقأ الرؤية والكرامة.
من هنا، فأنا أتضامن مع المخرج نبيل عيوش ومع الممثلة لبنى، ومع باقي الممثلين والممثلات الذين رسموا –بطريقتم- صورة فنية مُرَّة ناطقة بلغة "القاع"، والشوارع الخلفية، وما يدور في الأسمار، والأفراح، والليالي الحمراء، وما يجري في الفنادق المصنفة، والفنادق غير المصنفة، والرياض، والسيارات الفارهة. الخ الخ. ثم قبل هذا وذاك، أليس في تسرع وزير الاتصال "الخلفي" بمنع عرض الشريط السينمائي في القاعات بالمغرب، ما يطرح الرهان الانتخابوي في المسألة، واستعادة المواقف الموهومة والمتهافتة من الفن والأدب والغناء والإبداع بشكل عام؟ وهي المواقف التي تسعى إلى ربط الأدب والفن بالأخلاق والدين؟. وهل تقدم نبيل عيوش بطلب للمركز السينمائي المغربي بهدف عرض فيلمه حتى يسارع مصطفى الخلفي منتشيا منتفخا بمنعه، وسد الطريق في وجهه؟.
وما معنى تجييش شبيبة الاستقلال ضد فيلم لم يعرض حتى يرى ويناقش مدحا أو قدحا.
بلادنا بلاد المظاهر الكاذبة، والإزدواجية الفاضحة، والنفاق الاجتماعي الصارخ، وادعاء الطهرانية، والكذب الصراح على الواقع وعلى الذات؟
إنها حملة غوغائية رعناء هذه التي تشن على المخرج والممثلة، يتعين حمايتهما وحماية باقي الممثلات والممثلين، فالرعونة سيدة، والفداء نداء يجد مرتعه في أوساط البسطاء، المغرر بهم، والمكذوب عليهم.
ويتعين أن ننظر بعينين مُفَتَّحَتَيْن واسعتين في المرآة، وأن نقبل الأدب كما هو شعرًا وسردا، سينما ومسرحا، تشكيلا ونحتا، موسيقى وأغاني، لأنها أشكال تعبيرية نابضة بالحياة، بالمرئي واللامرئي، ومحملة بالحس النقدي العميق الغميس، لمظاهرنا وظواهرنا ومشاهدنا، ويومياتنا التي تترى.
فالفن يسمو ويعلو. كان قبل الديانات، واستمر معها مفارقا لها، معبرا عما ليس من مجال الدين بحال.
وقديما قال الأصمعي : الشعر نكد بابه الشر، فإذا دخل في الخير ضعف. هذا حسان بن ثابت فحل من فحول الجاهلية، فلما جاء الإسلام سقط شعره".
وبالإمكان تعميم هذه القولة العميقة على باقي الأجناس الكتابية، والأشكال الإبداعية التعبيرية، فالشر يعني فيما يعنيه هنا: الحرية بإطلاق في التعبير والرصد، والنقد وقول ما يراه الحس، والحدس، والقلب والوجدان، ولا اعتبار في الأمر للدين، لأن الدين في الجوهر، يكبح الحرية الفردية، ويفرض على المرء المعيار الجماعي، والتوجه المجتمعي العام.
إنه رأيي في الفيلم وفي غيره من وسائط التعبير الفنية والجمالية الأخرى، لا دين في الفن، سوى ما يرتبط بقيم الحق والجمال، مع ما يعني هذا من وجوب تعرية الوجه ورفع البرقع، وإماطة اللثام، ونزع الأقنعة.
من منا شاهد الفيلم كاملا ليخرج برأي أو موقف ينتصر للفيلم، أو يبرز تهافته وضحالته وعدم فنيته، بعيدا عن الإذاية والشتم والقذف والكراهية؟
غريب أمرنا : كيف نساند بعضنا في إلحاق الأذى المعنوي بالمخرج والممثلة من دون وجه حق، ومن دون معرفة بالفيلم، ولا بأبعاده، وزواياه، ووجهات نظره، واستيتكيته؟.
وهل كل من تَقَمَّصَ دَوْرَ مجرم في الفيلم هو مجرم بالقوة وبالفعل، ومن تماهت تمثيليا مع مومس وباغية، هي مومس بقوة الأشياء. إنها نظرة خرافية وسحرية اعتقدها الأقدمون حيث كانوا يرسمون صور أعدائهم على الأواني، ثم يكسرونها، ظانين أنهم بهذا الصنيع، قد كسروا عظام خصومهم وأعدائهم.
أخاف أن نكون تابعين مُسَرْنَمِين غير أحرار في ما نقول ونأتي ونسلك، ونكتب، وتلك هي الطامة.
كيف يتقدم الأدب ، الفكر، الفلسفة ، الشعر، السرد، المسرح، التشكيل، الغناء،السينما إذا لم يصعق المجتمع المحافظ ويهزه ويخضه ويحدث فيه زلزالا يفيقه من بياته ونمطيته ورتابته  ؟
لنقرأ جورج صاند، وباتاي، وكوليت، وبودلير، ورامبو، وفيرلين، وأرطو، وأورويل، وشكري، وكريستيفا، و"سافو" شاعرة اليونان، وغير هؤلاء في كثير من آداب العالم، لنقف على ما رفعهم، وأعلى كعبهم، وسمح للشعر والسرد، وباقي الأجناس من التطور والتحديث والتجديد لأنهم قاوموا الأخلاق الكاذبة، والنفاق الاجتماعي المفضوح، ففجروا في وجهها كل ما يملكون من صراحة ورغائب ذاتية، وحرقة نفسية، وعصيان وتمرد على التقاليد البالية، والكتابات الباذخة المسكوكة ، وهو التمرد والفوضى الخلاقة التي  كانت خيرا كله على الأدب والفن والمسرح والتشكيل والموسيقى والسينما.
أخيرا – لك يا سيدي- أن ترى الفيلم أو لا تراه، حريتك في الاختيار ينبغي أن تنبثق من إرادتك وجوهر كينونتك ووجودك، حرية مكفولة باسم القوانين الكونية كما هي مكفولة حرية الرأي والتعبير والضمير.
لنستحضر هذه الحقوق الكونية التي ما كانت لتكون لو لم تتلفع وترتكز على الفكر الحر، والابتداع والفلسفة، وتتعمد بصراخ المظلومين والمعذبين والعبيد، وتتضرج بدمائهم الزكية. ألم يَقُلْ أحمد شوقي :
وللحرية الحمراء باب                            بكل يد مضرجة يدق

فارفعوا أيديكم وصراخكم عن الفن، ارفعوا أيديكم عن الفنانين والأدباء والمخرجين والممثلين يستوي في ذلك الرجال كما النساء. 

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا