-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

المغرب: “الزين اللي فيك” وكشف المستور : وفاء صندي

قامت الدنيا ولم تقعد منذ ان ظهرت اولى اللقطات المسربة، سواء عمدا ام لا، للفيلم المغربي المثير للجدل “الزين اللي فيك”. وهو الفيلم الذي لازلنا لا نعلم عن قصته الكاملة الا ما تسرب منها من مشاهد ساخنة وكلمات ساقطة تعبر عن لغة وسلوك واسلوب فتيات الليل وبائعات الهوى، التي عمل مخرج الفيلم على نقل جزء من تفاصيل حياتهن كما هي، دون تجميل او رتوش.

عمد المخرج نبيل عيوش على خلق صدمة سمعية – بصرية لدى مشاهد اعتاد بعضه رصد قصص هذا العالم المليء بالمتناقضات والمحفوف بالمخاطر اما عبر المواقع وصفحات الجرائد التي تعتمد في مجملها على الاثارة والتضخيم، او عبر ما يتم تداوله من اخبار عن حوادث الليل ومصائبه التي تداريها اولى خيوط الشمس. اما بعضه الاخر، فلا يزال لا يعرف من الظواهر الاجتماعية المنفلتة والشاذة الا ما تراه عينه التي تنام قبل ان يبدأ الليل بتصدير صوره ونماذجه السيئة. اما البعض الثالث، فهو يعلم جيدا حقيقة هذا الواقع ومدى تفاقمه داخل مجتمع يعاني الفقر والبطالة والتطرف اللا اخلاقي، لكنه لايزال مصرا على وضع رأسه في التراب وانكار هذا الواقع المزري او تجاهله والتركيز فقط على اعلان الحرب على فيلم تم اتهامه بالاساءة الاخلاقية للقيم وللمرأة ومن خلالهما الاساءة الى دولة ومجتمع محافظ !.

فيلم عيوش هو بدون شك صورة حقيقية لواقع مجتمعات، ليس المغرب الوحيد الممثل فيها انما هو جزء من كل، ظاهرها محافظ وباطنها يعاني الكثير من الانحلال والفساد والدعارة، وان كانت بنسب متفاوتة. والفيلم وضع المجتمع المغربي بالتحديد، في مواجهة مباشرة مع نفسه، وامام مرآة تعكس حقيقته التي يحاول اخفاءها او تجميلها تحت شعار الانفتاح او الحرية او باقي الشعارات البراقة التي يصدرها لنا الغرب، وعرى واقع فئات كبيرة، فئة تبيع جسدها من اجل ان تعيش، وفئة اخرى تعيش من خلال التلذذ بشراء أجساد الاخرين. لكن ليس كل الوقائع يقبل الاعتراف بها، وليست كل الحقائق تنقل كما هي. وقد تطرقت السينما العربية فعلا لظاهرة الدعارة دون السقوط في الاسفاف، واذكر هنا على سبيل المثال وليس الحصر، فيلم “حمام الملاطيلي” لصلاح أبو سيف و”ثرثرة فوق النيل”، و”أنف وثلاث عيون”، و”دمي ودموعي وابتسامتي” لحسين كمال.

معالجة الدعارة، باعتبارها اقدم المهن، فنيا وسينمائيا غالبا ما أخذت وتأخد أحد الاتجاهين: اما العمق في فهم القضية استنادا الى رصيد علمي، وطرح فني يحترم المشاهد، ومعالجة درامية تستخلص الاسباب والعواقب وربما تشير الى الحلول. أو استهداف النجاح التجاري من خلال اثارة حواس المشاهد عن طريق مشاهد رخيصة ومبتذلة لا تهتم بدور ورسالة السينما في المجتمع، ومن ثم تسقط هي الاخرى في خانة الدعارة الفنية التي قيل ان فيلم “الزين اللي فيك” قد سقط فيها، بينما يبقى الحكم النهائي الى حين مشاهدته بالكامل.

اخطأ عيوش الظن عندما اعتقد بأن المجتمع سيسمح بنقل ظواهره بتلك الطريقة المباشرة والفاضحة حد الصدمة، او أنه سيسمح له بمعالجة القبح، مهما وصلت درجة تفاقمه داخل المجتمع، بقبح اخر تبثه عدسات كاميرته. وتناسى مخرج الفيلم في خضم بحثه ربما عن الجرأة او الاثارة ان رسالة الفن الاساسية هي، إن لم تكن تجميل الواقع، فعلى الاقل معالجته بطريقة ترتقي بالمشاهد وتحترم فيه عقله وادميته بدل ان تنزلق به الى عوالم من الرداءة الفنية في اختيار المصطلحات والتعبيرات التي وان كانت تعبر عن واقع جزء من مكونات المجتمع فهي لن تحظى باعتراف ولا قبول باقي المكونات.

واخطأ ايضا القائمون على السينما في المغرب بمنع عرض الفيلم في الصالات السينمائية، في الوقت الذي كنت اتمنى فيه شخصيا ان يأتى المنع ليس من السلطات المعنية ولكن من المشاهد نفسه الذي وحده يمتلك اختيار المقاطعة او المتابعة، لما يشكله قرار المنع من مصادرة للحرية الفكرية والإبداعية التي ناضل الكثير من أجل تحصينها وتثبيتها كمكتسبات تاريخية، وايضا لما يمكن ان يترتب عن هذا المنع من انتكاسة لحرية الابداع في ظل تنامي الفكر الداعشي واستغلال خفافيش الظلام لمثل هذه الاحداث من اجل بث افكارهم المسمومة وارسال تهديداتها، ومحاولة فرض وصايتها على الفن وتشديد الخناق عليه.

المشاهد المسربة من فيلم عيوش كشفت بداية النقاب عن فراغ العمل من محتواه الفني الهادف وبحث صاحبه فقط على الاثارة. والضجة التي اثيرت حول الفيلم كشفت، ثانيا، أوجه خلل جديدة/ قديمة لدى مجتمعات تعاني في اغلبها من النفاق والازدواجية. مجتمعات تطالب بالحرية والديمقراطية وتتظاهر مطالبة بمنعها ومصادرتها. مجتمعات تعيش الواقع بتناقضات صوره ولا تقبل الاعتراف به او مواجهته. مجتمعات ترفض فيلما وتسبه في العلن، وتركض بحثا عن مقاطع منه وربما تنتظر تسريبه بالكامل لتشاهده في الخفاء. وقرار منع الفيلم فضح واقع الحريات في المغرب وأبان عن هشاشتها مادام القرار بمصادرة الاعمال الفنية يبقى جاهزا وينتظر فقط من ينفخ فيه.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا