-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

تطور الرقابة على دستورية القوانين في الدساتير المغربية والقانون المقارن مصطفى المريني×

شكل موضوع الرقابة على دستورية القوانين رهانا أساسيا في الأنظمة الديمقراطية الحديثة، وذلك في سبيل ضمان "الشرعية الدستورية"، وتوفير الضمانات اللازمة لحماية الحقوق والحريات وبناء دولة القانون، خاصة بعدما إتضح أن القانون، بحسبانه التعبير الأسمى عن إرادة الأمة، يمكن أن يكون مصدرا للظلم والإفتئات على الحقوق والحريات، مثلما دلت على ذلك الكثير من التجارب والأنظمة الوطنية، (النظام النازي الألماني، والنظام الفاشي الإيطالي في أروبا إلخ..)
لذا، إنتبهت أغلب الأنظمة الديموقراطية إلى ضرورة الأخذ بمبدأ الرقابة على دستورية القوانين لضمان عدم إنزياح القواعد القانونية عن مقتضيات القانون الأساسي، الذي يشكل المرجع الأساس لسلطات الدولة: التشريعية والتفيذية والقضائية والإدارية..
ولئن كانت التجربة الفرنسية في هذا المجال، قد إتسمت بالحذر والرفض لمبدأ الرقابة على دستورية القوانين، إستمر طيلة قرن من الزمان تقريبا، خاصة من طرف رجال الثورة الفرنسية (1789)، الذين راكموا موقفا سلبيا إزاء السلطة القضائية على عهد النظام السابق على الثورة الفرنسية، إذ كانت المحاكم التي كان يطلق عليها "البرلمانات" تقف حجر عثرة أمام تنفيذ القوانين بل كانت أحيانا تحكم بإلغائها (..) كما أن تبني الثورة الفرنسية لمفهوم خاص لمبدأ فصل السلط، بالإضافة إلى إعتبارها -أي الثورة الفرنسية- الأمة صاحبة السيادة (المادة 3 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789) والبرلمان هو المعبر عن الإرادة الشعبية والسيادة الوطنية، ومن ثم يغدو القانون الصادر عن البرلمان تعبير عن الإرادة العامة ( المادة 6 من الإعلان المذكور)، فكيف يسوغ والحالة هاته إخضاع القوانين التي يسنها البرلمان ممثل الأمة، والمعبر عن سيادتها لرقابة هيئة لا تعبر عن إرادة الشعب  وغير مسؤولة أمامه؟ 
غير أن هذا هذا الموقف المتشدد لرجال الثورة الفرنسية إزاء مبدأ الرقابة على دستورية القوانين آل في نهاية المطاف إلى الإنصهار في سياق موجات "الدستورانية" التي غمرت دول أوربا، والتي كان من سماتها الأساس إقرار مبدأ الرقابة على دستورية  القوانين  كمكون أساس من مكونات دولة القانون.. إذ أمام إحجام الدولة الفرنسية عن تبني مبدأ الرقابة على دستورية القوانين للأسباب التي ألمحنا إلى بعضها.. إنتشر مبدأ الرقابة على دستورية القوانين في الدساتير الأروبية، التي صدرت في فترة ما بين الحربين العالميتين، حيث برزت أول محكمة دستورية عام 1920 في أوربا، وتحديدا في دولة النمسا، ويعود الفضل في ذلك إلى الفقيه النمساوي الكبير  "هانس كلسن"، كما ظهرت محكمة دستورية مماثلة في دولة تشيكسلوفاكيا سابقا، مثلما أنشئت محكمة دستورية في إسبانيا عام 1932..
وبعد الحرب العالمية الثانية، تسابقت الدول الأوربية الخارجة لتوها من آتون حرب مدمرة إلى تحصين أنظمتها ودولها من إمكانية عودة الإستبداد والسلطوية، فأسست بذلك لنمط من "الدستورانية" جديد قوامه رقابة دستورية صارمة، تكرس علو الدستور، وتدرج قواعده والفصل بين السلطات في الدولة..
وفي هذا الإطار، أسست جمهورية ألمانيا الإتحادية أنذاك محكمة دستورية عام 1948، وعهدت إليها بضمان "الشرعية الدستورية"، ثم تبعتها إيطاليا عام 1949، حيث أسست الدولتان السابقتان لإحدى أهم وأقوى تجارب الرقابة على دستورية القوانين، قبل أن تلتحق بهما الجمهورية الفرنسية من خلال دستور 1958، الذي أسس لنمط خاص من الرقابة على دستورية القوانين ميز التجربة الفرنسية في مجال القضاء الدستوري، كذلك فعلت اليونان 1975 وإسبانيا بعد التحرر من النظام الديكتاتور 1978، ثم فعلت بلجيكا ..
وهكذا عمت موجة الرقابة على دستورية القوانين، حتى صارت "أيقونة" الدساتير الديموقراطية الحديثة، تحتل مكانة مرموقة ضمن الهندسة الدستورية في دساتير الدول الديموقراطية..
ولاغرو أن تتسابق الدول الحديثة إلى تبني مبدأ الرقابة على دستورية القوانين في دساتيرها ،والتمكين لهذا المبدأ الدستوري المرموق، بممارسة دوره كاملا كضامن للشرعية الدستورية ،وحام للحقوق والحريات إزاء السلطات التشريعية والتنفيذية في الدولة، ذلك أن التغاضي عن إعتماد هذا المبدأ بمبرر التمكين للقانون ،بحسبانه التعبير الأسمى عن الإرادة العامة أو لأي مبرر أخر، لطالما أدى، وخاصة في ظل الأنظمة النيابية التي تمكن للبرلمانات بإعتبارها ممثلة للإرادة العامة، إلى إرتكاب مظالم ضد حقوق وحريات المواطنين، بل لطالما كان مصدرا للطغيان، كما تكشف عن ذلك تجارب الحكم النازية والفاشية في أوربا كما في عديد الدول..
ولاعجب بعد ذلك أن تحرص هذه الدول أثناء إعادة صياغة دساتيرها، أو وضع دساتير جديدة على التنصيص في صلبها على مبدأ الرقابة على دستورية القوانين، كأساس لحماية المعايير الدستورية والحقوق الأساسية، وأصبح هذا الأمر ظاهرة عامة منذ القرن العشرين لا يخلو منها دستور ديموقراطي، حتى قيل في وصف هذه الظاهرة: "إذا كان القرن التاسع عشر هو قرن البرلمانات فإن القرن العشرين هو قرن المحاكم الدستورية"()..
ضمن هذا السياق العام، أعيد صياغة مفهوم القانون، بوصفه التعبير الأسمى عن الإرادة العامة..، والذي لطالما كان مصدرا للظلم والطغيان في نطاق الأنظمة البرلمانية، التي ترخي العنان لنواب الأمة أن يستنوا ما شاءوا من القوانين دون أن يجدوا أمامهم "سلطة" تراقب مدى دستورية هذه القوانين، وضمن هذا النطاق العام تندرج المقولة الشهيرة في أدبيات القانون الدستوري المقارن، والتي تنسب إلى المجلس الدستوري الفرنسي، ومؤداها: "أن القانون لا يعبر عن الإرادة العامة إلا عندما يحترم الدستور"
والهيأة أو السلطة التي تضمن إحترام الدستور هنا هي سلطة أو هيئة الرقابة على دستورية القوانين، وبهذا لا تستقيم مقولة "القانون هو المعبر عن الإرادة العامة" إلا في نطاق خضوع القانون للرقابة الدستورية.
 لماذا تصلح الرقابة على دستورية القوانين؟
إن أساس وجود فكرة الرقابة على دستورية القوانين هو من أجل ضمان حماية القواعد الدستورية من أي خرق يمكن أن يطالها من طرف السلطات التشريعية أو التنفيذية أو "الإدارية"، وذلك تطبيقا لمبدأ "سمو الدستور"، الذي يعني "تمتع القواعد الدستورية بأعلى درجات الإلزام القانوني في مواجهة السلطات العامة في الدولة، وإزاء كل ما يصدر عنها من قواعد قانونية عادية أو تنظيمية، بحيث لا ينطوي أي من هذه القواعد عما يخالف القواعد الدستورية"()
وينضاف إلى هذا المبدأ الأساس مبدأ أخر محايث له لا يقل أهمية ألا وهو: "مبدأ تدرج القوانين "الذي يربط كافة القواعد القانونية  بمصدرها الأساس، الذي هو الدستور، ويلزم عن هذا الترابط ان تأتي القاعدة الأدنى مطابقة للقاعدة الاعلى، وأن لاتخرج عن مقتضاها وإلا عدت مخالفة لمبدأ تدرج القوانين وسمو الدستور..
ويعتبر الفقيه النمساوي هانس كلسن "أول  من أسس لهذه الهرمية التي يوجد على رأسها الدستور، بوصفه القانون الأسمى في الدولة أو "قانون القوانين" – هو الذي- يحدد سلطات الدولة ويضع إختصاصاتها ويرسم حدودها، وبالتالي من الواجب على السلطات المشتقة أن تتقيد – عند إعمال صلاحياتها في خلق القواعد الآمرة من قوانين ومراسيم وقرارات – بما يفرضه الدستور، وألا تخرج عن المسار المرسوم لها في الدستور.. ومن أجل تحقيق هذا المقتضى إبتدع الفقه الدستوري فكرة ومبدأ الرقابة على دستورية القوانين، وإسنادها إلى سلطة أو هيئة دستورية مستقلة محاطة بالضمانات الدستورية والقانونية والتنظيمية والفنية اللازمة للسهر على إحترام التشريعات الدنيا للقانون الأساسي الذي هو الدستور..
وعموما، فإن مبدأ الرقابة على دستورية القوانين، إنما إعتمد من أجل بلورة مقولة دولة القانون، التي تقضي بخضوع جميع السلطات الدستورية، إلى أحكام القواعد الدستورية، وذلك تحت طائلة الإبطال من قبل القاضي الدستوري الذي يسهر على حماية الإرادة العامة المتجسدة في الدستور ..
ونظرا لأهمية هذا المبدأ في صون الحقوق والحريات وضمان الممارسة الديموقراطية السليمة للسلطة في إطار دولة القانون، فقد غدا  مطلبا لكل الأنظمة والشعوب التواقة إلى الحرية والديموقراطية..
يبقى علينا أن ننوه أن الرقابة الدستورية قد تنشأ حتى في غياب التنصيص عليها في المتن الدستوري، كما في التجربة الأمريكية، وقد تتولاها المحاكم العادية، كما قد تتولاها هيئة دستورية مختصة.
كيف نشأ هذا المقتضى وتطور في الدساتير المغربية؟
كغيره من دول العالم الثالث، التي خضعت للإستعمار أخذ المغرب في أول دستور يقره بعد إستقلاله عام 1962، بمبدأ الرقابة على دستورية القوانين، متأثرا بموجة "الدستورانية" التي عرفتها دول أوربا، ساعيا من وراء ذلك إلى الإنتظام في صف الدول الديموقراطية، مع ما يقتضيه ذلك من متعلقات الديموقراطية، وفي مقدمتها إقرار دستور مكتوب، كشرط أساس للدخول إلى المجتمع الدولي، وقد إعتبر العميد "أندري هوريو" أن "الرغبة في الولوج إلى المجتمع الدولي بدون دستور هي كغريب يدخل حفلة ساهرة بثياب الحمام"()
وبرغم أنه قد أمضى زهاء ستة سنوات فارغا من الدستور، نتيجة الصراع الحاد الذي نشأ غداة الإستقلال بين مكونات الحركة الوطنية والمؤسسة الملكية حول أسس ومحددات البناء الدستوري الجديد، فإنه ما لبث أن دخل عهد "الدستورانية"، بدستور جديد، لم يعدم أسس البناء الديمقراطي الحديث، بما فيها مبدأ الرقابة على دستورية القوانين الذي أخذ شكل "الغرفة الدستورية" تابعة للمجلس الأعلى للقضاء المحدث سنة 1957، وحدد إختصاصاته في: "الرقابة على القوانين التنظيمية والقانون الداخلي للبرلمان، حيث نص الفصل الثالث والستون من دستور 1962 في فقرته الثالثة على أنه: "لا يمكن إصدار الأمر بتنفيذ القوانين التنظيمية إلا بعد عرضها على الغرفة الدستورية من المجلس الأعلى بقصد الموافقة"، فيما نص الفصل الثالث والأربعون من نفس الدستور على أنه: "يضع كل مجلس قانونه الداخلي ويصادق عليه بالتصويت بيد أنه لا يمكن العمل به إلا بعد أن توافق عليه الغرفة الدستورية للمجلس الأعلى"، هذا ولم يجعل المشرع الدستوري من إختصاص جهاز الرقابة على دستورية القوانين، مراقبة القوانين العادية..
وبالرغم مما يمكن أن يؤاخذ على " الغرفة الدستورية " كجهاز دستوري مكلف بالرقابة على دستورية القوانين في دستور 1962، من جهة قصوره ومحدوديته، خاصة لجهة عدم إختصاصها في مراقبة القوانين العادية، علما ان هذه الاخيرة هي نقطة إرتكاز موضوع الرقابة على دستورية القوانين في الأنظمة الديموقراطية، بالإضافة إلى ضعف إستقلاليته ..إلخ، وخاصة إذا قارناه بتجارب الرقابة على دستورية القوانين في الأنظمة الديموقراطية المقارنة، فإن  مجرد التنصيص على مبدأ الرقابة على دستورية القوانين في أول وثيقة دستورية تعرفها المملكة المغربية بعد إستقلالها ،تعتبر خطوة مهمة في مرحلة حاسمة من تاريخ النظام السياسي المغربي، أرخت لإنتقال الملكية في المغرب من نظام ملكية تنفيذية إلى ملكية دستورية، وأشرت على دخول المغرب عهد "الدستورانية"، بوصف هذه الأخيرة آلية لتقييد ممارسة السلطة ضمن قواعد دستورية معيارية، مما يسمح ببروز مفاهيم دستورية وسياسية من قبيل مبدأ: "سمو الدستور" ومبدأ "تدرج القوانين" ومبدأ: "فصل السلط".. إلخ وكلها قواعد تؤسس للشرعية الدستورية وتحميها من إمكانيات الإنتهاك الذي قد تتعرض له من طرف السلطة التشريعية أو السلطة التفيذية، والآلية المعول عليها لتوفير هذه الحماية هي: "مؤسسة القضاء الدستوري"، بحسبانها الحارس الأمين للشرعية، والحامي للنظام الديموقراطي وسيادة الدستور، وهو بذلك "ضمانة كبرى لتحقيق دولة القانون"، وذلك بتنظيم أجهزة الدولة تنظيما يمنع الإستبداد ويحول دون الطغيان، ويقود إلى حماية حقوق الأفراد وحرياتهم()
لكن هذا كله لا يتأتى إلا بوجود جهاز للرقابة على دستورية القوانين مستقل و قوي وفعال، يتمتع بإختصاصات واسعة في مواجهة سلطات الدولة، والحد من تغولها وإنزياحها عن إختصاصاتها المرسومة لها بمقتضى القواعد الدستورية..
وهذا ما سعت إليه الدول الدستورية الديموقراطية الحديثة، عبر مسار طويل من الإنفتاح والتغيير، حتى غدت مؤسسة القضاء الدستوري تحتل مكانة مرموقة ضمن هندسة دساتيرها، تقوم حارسة على بوابة "دولة القانون" بل أضحت "سلطة" قائمة إزاء السلط التقليدية الثلاثة: التشريعية والتنفيذية والقضائية..
وهذا ما يسعى له المغرب أيضا، منذ أول وثيقة دستورية لعام 1962، حيث إعتمد مبدأ التأسيس التدريجي لمؤسسة الرقابة على دستورية القوانين، فبعد "الغرفة الدستورية" التي إستمرت طيلة ثلاثين سنة، عمل المشرع الدستوري المغربي في سياق إنفتاحه على متغيرات الداخل والخارج على إستبدال الغرفة الدستورية التي أبانت عن محدوديتها، بالمجلس الدستوري،وذلك بمقتضى دستور 1992، الذي حمل نفسا حقوقيا غير مسبوق، إختزل مضامينه في ديباجته، التي أكد فيها على تشبث المملكة المغربية بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا()
ولقد عزز الدستور المذكور مكانة واهمية الجهاز المكلف برقابة دستورية القوانين، وأصبح بمقتضى ذلك مكلفا برقابة القوانين العادية، بالإضافة إلى الإختصاصات التي كانت للغرفة الدستورية، ولعل هذا من أهم الإصلاحات التي جاء بها دستور1992، وكرسها دستور 1996، وهو ما دفع بعض الفاعلين السياسيين إلى الإشادة بهذا الإصلاح،حيث أعتبروا أن إنشاء المجلس الدستوري في المغرب تعبير عن الإرادة الملكية في توطيد دعائم "دولة القانون"، وذلك بجعل هذا المجلس ضامنا للتوازن بين المؤسسات الدستورية ولحقوق الإنسان(). مثلما رأى آخرون في هذا الإصلاح قطيعة بين مرحلة ماقبل 1992، حيث كانت الغرفة الدستورية تمارس مراقبة تقنية وإحتوائية، ومرحلة ما بعد 1992 التي أريد أن تكون مرحلة  حماية الحقوق الأساسية()
وبمقتضى هذا الإصلاح، أصبح المجلس الدستوري يحتل مكانة مهمة ضمن سلم المؤسسات الدستورية، بإعتباره "هيئة مستقلة" عن القضاء العادي، تتمتع - بالإضافة إلى الإختصاصات التي كانت للغرفة الدستورية بسلطة الرقابة على دستورية القوانين العادية، التي تعتبر إختصاصا رئيسيا لكل أجهزة القضاء الدستوري.
إن هذا الإختصاص الجديد ترجم من جهة، أحد أهم التوجهات الدستورية في هذه المرحلة والمتمثلة في "العقلنة البرلمانية"، ومن جهة أخرى، في حماية الحقوق  والحريات الأساسية المنصوص عليها في الدستور كما أن الإستقلالية التي أحيط بها المجلس الدستوري تجد مضمونها في إفراد "المجلس الدستوري" بباب مستقل، هو الباب السادس من دستور 7 دجنبر 1996، مختلفا عن الباب المخصص للقضاء العادي، الذي خصص له الباب السابع، مثلما تتجلى هذه الإستقلالية التي يتمتع بها المجلس الدستوري في القانون التنظيمي الخاص بالمجلس المذكور، بالإضافة إلى الإستقلال الإداري والمالي للمجلس() وما يزيد من أهمية وإستقلالية هذه المؤسسة الدستورية  كون قراراته أصبحت "معبر عنها بشكل واضح وصريح" ()، بحيث أخذت بمقتضى الفصل 81 من الدستور صفة "القطعية والنهائية"، بحيث لا تقبل قرارته أي طريق من طرق لطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية..
ورغم أهمية هذه الخطوة التي خطاها المشرع الدستوري بمقتضى دستور 1992 ودستور 1996، فيما يتعلق بالإرتقاء بجهاز الرقابة على دستورية القوانين من وضعية غرفة دستورية بالمجلس الأعلى إلى مستوى "مجلس دستوري"، فإن الخطوة الأهم هي التي تحققت في دستور 2011، حيث تم الإرتقاء بالمجلس الدستوري إلى مستوى "محكمة دستوري" مستقلة، مشمولة بإختصاصات واسعة وأدوار مهمة، لحماية الحقوق والحريات الأساسية وتجسيد متطلبات بناء دولة القانون، ولذلك فقد زودت المحكمة الدستورية بإختصاصات غير مسبوقة في الدساتير السابقة، ومن ذلك على سبيل المثال النظر في كل "دفع يتعلق بعدم دستورية قانون أثير أثناء نزاع معروض أمام المحاكم"، ويعرف هذا النوع من الرقابة بـ "الرقابة عن طريق الدفع أو رقابة الإمتناع" وهو مفتوح أمام المواطنين، مثلما أعطي للمحكمة حق مراقبة الإتفاقيات والمعاهدات الدولية  للنظر في مطابقتها للدستور من عدمه، بالإضافة  كذلك إلى الإختصاصات الإستشارية الواسعة التي منحت للمحكمة الدستورية..
ولا شك أن إرتقاء دستور 2011 بآلية الرقابة على دستورية القوانين من وضعية "المجلس الدستوري" إلى مستوى "المحكمة الدستورية" يعكس تطورا لا فتا في منظور المشرع الدستوري المغربي إزاء مسألة الرقابة على دستورية القوانين، يصب في إتجاه ملاءمتها مع شروط ومتطلبات بناء دولة القانون، التي تعتبر الرقابة القضائية على دستورية القوانين أحد مداخلها الأساسية، حيث تنتصب حارسا أمينا على "الشرعية الدستورية" وسمو أحكام الدستور، وصمام أمان ضد الإنتهاكات التي يمكن أن تطال الحقوق والحريات الأساسية من طرف سلطات الدولة التشريعية أو التنفيذية.
×- باحث في القضاء الدستوري- جامعة الحسن الأول- سطات


  

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا