وبخلاف الأصوات
الداعية إلى مقاطعة هذه المحطة، لمبرّرات تتعلّل بها، فأنا لا أرى هذا المسلك ذا
جدوى إطلاقاً؛ لأنه يسمح، في جميع الحالات، بإفراز هيآت مسيِّرة قد لا تكون في
مستوى تحمُّل المسؤولية؛ ككثير من المجالس السابقة التي قوبِل أداؤها بالسّخط،
وكرّهت الناس في العمل السياسي عموما، وخلخلت ثقتهم في الآلية الانتخابية! فعلينا
أن نعلم أنّ الانتخابات المقبلة ستؤدي إلى تشكيل مجالس، محليا وجهويا، بغض النظر
عن نسبة المشاركة في التصويت، وبغض النظر كذلك عن ظروف الاستقطاب ونحْو ذلك،
ستتحمّل مهمّة التسيير طَوالَ مدّة الولاية الانتخابية. لذا، يبدو لي أن الأنجع
والأسلم المشاركة في الانتخابات بالتصويت على مَنْ يتوسّم ويلمس فيه المصَوِّت
الكفاءة والنزاهة والصلاح والصدق والقدرة على التسيير والتواصل، أو باقتراح بديل/
المرشَّح الكُفء لذلك في حال خلوّ الساحة ممّنْ تتوفر فيه المواصفات المذكورة.
ولا شك في أنّ قرار
المقاطعة يحمل بين طيّاته أكثر من دلالة ورسالة، وأنه يأتي نتيجة طبيعية لمسار من
التسيير الصادِم الذي طالما خيَّب آمال الهيآت الناخبة في مجالس الجماعات
والأقاليم والجهات، ولكنه ليس حَلاّ! لاسيما في هذه اللحظة التاريخية التي دشّن
فيها البلد سلسلة من الإصلاحات العميقة، وفتح عدداً من الأوراش التنمَوية الكبرى،
التي تحتاج إلى طاقات مثقفة غَيورة، وإلى هيآت منتخَبَة قوية قادرة على الإسهام،
بفعّالية، في تنزيلها وأجرأتها واقعاً... ومن هنا تنبُع الحاجة المُلِحّة إلى
المشاركة الواعية في هذه العملية السياسية الانتخابية، والحرص على اختيار
المرشّحين الأكفاء لتولي المسؤولية في كل الجماعات الترابية والجهات، والتحلي
بخَصيصة التفاؤل في المستقبل...
ويُنتظَر من المجالس
التي ستتمخّض عن انتخابات شتنبر 2015 أن تسعى، بجدّ وإخلاص، إلى تحقيق تطلعات
الناخبين، والمغاربة قاطبة في الداخل كما في الخارج، في كل المجالات، وعلى رأسها
توفير ظروف عيش أفضل، والاستجابة لانشغالات الناس ومتطلَّباتهم في التشغيل
والتعليم والتكوين المِهْني والصحة وغير ذلك، وأنْ تُسْهِم في النهوض بالشأن
المحلي والجهوي وتنميته تنميةً شاملة ومستدامة، وأنْ تنتهج سياسة القرْب والانفتاح
والإنصات في تعاملها مع المواطنين، وأنْ تيسِّر عليهم سُبل الاستفادة من خِدْمات
الإدارة، ونيْل حقوقهم المشروعة كلها دون تسويف أو تماطل...