أهديته وردا فأهداني شوكا أمينة شرادي

كان صباحا جميلا ينذر بحب كثير وفرح كثير. لا أثر للندوب ولا للوخز. قتلت تلك الأيام الخوالي التي كانت تستوطن الروح والجسد وتقبط الروح بقبضة من حديد. قلت

كان صباحا جميلا، لا أريد ان أتذكر سواد تلك الأيام رغم أنها تقحم نفسها على بكل وقاحة وجرأة. وتتدلل الي كأنها لم تفعل شيئا. ربما الغيرة لما لاحظت حلول ذاك الصباح بكل ذلك الحب والعطف والقبل. أعود لصباحي الهادئ والجميل، نمت بين أحضانه وتركت له شعري الخفيف يعبث به كما يشاء. ضحكت كثيرا وفرحت كثيراوبين الفينة والأخرى، تتسلل الي نظرات الأمس القريب المليئة بالأقداح الدامية والدموع الحارة. تكاد تسيطر علي وتجعلني لعبة بين يديه. أرفض بكل قوة وأغمض عيني علني أعود الى أحضان الفرح والحب. كان صراعا مميتا وقاسيا. ولكي أكون صادقة، لما تحيي من جديد تلك النباتات المضرة بدماغي، تكاد أن تنتصر وتعيدني الى حيث الأشواك السامة والأراضي الجرداء.

أعود لصباحي لأنه حتى التفكير المستمر في تلك الأيام يعطيها قوة التواجد. لأعود لفرحي وهنائي وأودع لغير رجعة سبب شقائي وحزني.

قمت كالفراشة السعيدة بإطلالة فصل الربيع، أبحث عن هدية تليق بذلك اليوم السعيد لعاشق كنت أعتقد أنه فلتة من فلتات الزمن الجميل. لنبقى في الاعتقاد حتى لا تسيطر علي مسحة من الحزن الجديد. لأن الاعتقاد بالشيء يعطي الحياة. قلت كنت كالمجنونة أفكر في الهدية المناسبة لزمن من الحياة العادية والمجنونة، مشيت بدون كلل ولا ملل مسافة طويلة لكي أصل الى وسط البلد حيث المحلات التجارية المختلفة والمتنوعة. لكن صدمت لما اكتشفت بأن ذلك اليوم الذي أطل علي يهلل بالفرح والزغاريد يصادف يوم عطلة. وبالتالي كل المحلات التي تبيع العطور مقفلة. قلت هل هذا نذير شؤم أم أنه لعنة شبح الأمس ما تزال تلازمني. أنا لا أومن لا بهذا ولا بذاك. اردت تحقيق حالة من الفرح النادر بكل قوة ولو كلفني ذلك التحالف مع الماضي الحزين لكي استمتع بتلك اللحظات النادرة والغالية الى قلبي.مشيت من جديد وقلبي ينط بقوةداخل قفصي الصدري. اسأل روحي هل سأجد محلا يرفض الانكماش في بيته ويحلم أن يوزع العطور على المقبلين عليه؟ لأنه لا يمكننا أن نسجن العطر ونفرض عليه يوم عطلة. لا عطلة للحب الذي اصطفاني وزين روحي العطشى بإحساس جميل ومرهف لا يقبل الخصام ولا حياة الأواني والمقاهي. لن أمل ولن أكل كما قلت لكم. أنا اليوم في عيد ونادرا ما ينتابني هذا الشعور الجميل والعزيز الى قلبي. مشيت ورفعت من سرعة خطواتي وسرعة نبضات قلبي، وجدتها، صرخت بقوة الباحثة عن الحقيقة.

فعلا، إحساس رائع لما تصل الى مبتغاك وتحقق حلما من أحلامك التائهة على الأرصفة. كان هناك محل ببابين، رفض العطلة والسجن وأعطى السراح المؤقت لعطوره. هجمت عليه بدون سابق انذار، أخذت العطر الممزوج بأيامي الماضية والآتية وطرت اسابق الريح. ربما يحدث حادث مفاجئ يخالني لا أفهم شيئا وتضيع الهديةّ. مازال الصباح يرافقني بجماله المرهف ويقول لي أنت عاشقة، ولهانة، اتيت من الزمن الجميل. بعد كل هذا الصراع المرير، انتصرت وأخدت هديتيووضعتها في مكان آمن لا تصله شمس ولا عين. زينتها ومسحت عنها غبار الكسل والأيام العادية، تركتها جانبا لكي أحضر للمفاجأة الآتية من زمن ولى وغبر. كم كنت سعيدة سعادة الطفولة الجميلة التي تفرح لأبسط الأشياء. أردت أن أطيل في عمر تلك السعادة النادرة التي سحقتها تفاهة الأيام المتكررة، كان قلبي يغني من الفرح بشكل حقيقي ويقول لي أنت محظوظة اليوم لأن هذا الصباح كان من نصيبك وجعلك تعيشين لحظات صارت نادرة بيننا اليوم.ضخ قلبي الدم الى كل شراييني حتى كادت أنتنفجر تسطر أخاديد لا حد لها تروي كل الأنفسالحزينة، تحول لون بشرتي الى لون أحمر فاقع اللون. أردت كتابة بعد السطور الولهانة لمن عشقته في غفلة من كل الأديان والأعراف، حبر قلمي صار بدوره أحمرا وحروفي لونها أحمر براق كأنها مكتوبة بدم عاشق شهيد.

أخذت الكلمات العاشقة تتسابق بين أصابعي، ايهما أحلى، أكتب وأكتب استحالت الورقة البيضاء رداء احمر فاتن اللون. مطرزة كبساط ربيعي يبهج الروح. قمت والورقة بين يدي أحملها كمن تحمل رضيعها وتخاف عليه من نسمة الريح العابرة. انتظرت تلك الليلة طويلا حتى أفرح بهديتي وأهديها اليه مع ليل صامت جميل. لمحته هناك في الطابق السفلي، سمعت خطواته تصل الى قلبي وتنذر بقربه. خانتني ابتسامتي وقلت له دون أن أفكر: تفضل افتح هديتك. ابتسم وبعثر بعض الكلمات الغامضة ثم قال لي: أتمنى أن يكون عطرا جيدا. فأنت تعلمين بأنني جد دقيق في اختياراتي. خانتني ابتسامتي ورحلت عنيوتجمعت الدموع في مقلتي، أضاف: لا بأسابه. شكرا لك ومضى.

مضى وتوارى خلف باب المكتب. كأن شيئا لم يحدث. كأنني لم آخذ أدرع المدينة ذهابا وإيابا بحثا عن عطر مميز. كأنني لم أهجر فراشي ذلك الصباح وكل فكري معلق بفكرة الهدية التي ستعيد الي أمجاد الماضي. كأنني لم أفكر. تركني أصارع الغضب والحزن والرغبة القوية في البكاء. رفضت أن أبكي وعدت أدراجي باحثة عن نفسي التعيسة التي لم تستطع أن تفرح منذ زمن ....

     أمينة شرادي

                                                                                                      المغرب