-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

''انتصارات وهمية''لشباب المسابقات الغنائية العربية بقلم : سعيد بوخليط

خلال ''أوج الرخاء''العربي،بقي الحضور الثقافي للعرب في بلاد الغرب،مرتكزا أساسا على الطبخأطبخ،فأنا موجود.بحيث اتجهت استثمارات الأموال العربية،نحو المطاعم
وقطاعات محض استهلاكية أخرى، من جنس النوع.هكذا،اختزلت المؤسسة الثقافية العربية في الاحتفاء الفولكلوري، بالهوية المحلية للوجبات الغذائية :البطن وتوابعه.كل ذلك،باسم حماية التراث، وتحصين الذات، واستمالة الآخر، وجلب السياح، والاعتناء بالسياحة الثقافية.
إلى غاية اليوم، يتواصل نفس التقليد،لكن بكثير من الروتين والترهل والسأم والاجترار والتكرار العقيم.جلّ الإعلام العربي،يتنافس ويتنافس،على امتداد ساعات النهار والليل،كي ينحت شتى المثيرات،نحو شحن الجهاز الهضمي،قياسا وللمفارقة السوريالية،إلى وضع اقتصادي غير سليم، تحكمه سياسات تكريس العوز والندرة،وإفقار السلة الغذائية للمواطن، ثم مراكمة الجوع والاحتياج،انسجاما مع منطق انتفاء العدالة الاجتماعية….
*المشهد العربي، بين الطبخ ومسابقات الغناء غير المنتهية:
منظومة الاستبداد الفاسدة،منومات ألف ليلة وليلة ،السابحة أثيريا، فتعويم الطبخ ثم تحويل كل التاريخ إلى التجند لمعارك القضية القومية المصيرية،المتمثلة في هاجس إنتاج فرسان الأغنية العربية،وما بات يعرف ظلما، بتصنيف الفنان العربي، ففتوحات السليكون و''الشفط''،والحسابات البنكية،وحسابات الفيسبوك والتويتر،للتباهي بآخر صور تسريحات الشعر والسفريات وتجميع ''لايكات'' المنافسة من أجل الشكل ''المهضوم''،ومختلف الأطروحات المندرجة في سياق كل ضحالة هذا الزمن الغبي، من "سلعنة" للجسد و''بزنسته''،وتسويقه حسب ميكانيزمات قانوني العرض والطلب،وتعليبه بكيفية رخيصة جدا.طبعا،حتى لا أجزم،قد تكون العلاقة بين تسيّد الحدين أي الطبخ والغناء العربيين،ليس صدفة، من خلال منحاهما ''التبضيعي''من البضاعة،والفونيم التوأم له، المتداخل حد الالتباس،وهو التضبيع.بل،يقومان على ترابطات علّية،نسقية ومنطقية .  
* اللقطة البانورامية :
جيش عرمرم،من أفواج الشباب ،تصطف على طريقة يوم الحشر، أمام مدخل بناية،حيث سيختبرون فرادى فرادى،ممكناتهم "الفنية"أمام لجنة من الحكماء "المبرزين" و"الراسخين" ثقافة فنية،بمعناها الأكاديمي،يفترض فيهم الموقع الجديد،أنهم راكموا حمولة ونوعا،مشاريع،وجسدوا لسنوات خلت حالات جمالية،في خضم واقع عربي متصحر،يستلهم بقاءه من دأبه على تقويض كل ماهو جميل….    
*اللقطة الثانية :
يبدو المترشح أو المترشحة،في حالة نفسية غير عادية، يعانق بحرارة كل من تصادف بجواره،وقد يركز على أحد أقربائه،كي يلهمه أسانيد التماسك والتمكن،ويجتاز بنجاح، لحظة سعيه لإقناع أعضاء اللجنة .
* اللقطة الثالثة:
  أخيرا،يلج المترشح أو المترشحة،ساحة الوغى،يتسمر كأن فوق رأسه الطير،وجلا، متهيبا في موضعه.ترميه اللجنة،بنظرات جيئة وذهابا،نزولا وصعودا،طولا وعرضا،استهجانا أو استحسانا،ربما تحدد مصيره منذئذ نجاحا أو إخفاقا،قبل عرض سلعته، بناء على طبيعة أولى التعليقات،التي يبادر أحد أعضاء اللجنة إلى التفوه بها،متوخيا أصلا التأثير على باقي أصدقائه الحكماء،وتوجيه رأيهم نحو مايريده :طلعة بهية! ياعيني ياعيني !صبي حلو! شابة بتطير العقل! الله على حضورك(كِ)! اسم على مسمى! أنا حبيتك!عجبني،عجبتني! إيه الجمال ذا! ماشاء الله، ماشاء الله! ….
*اللقطة الرابعة :
يشرع المترشح أو المترشحة،في عصر بطنه، كي يستخلص منه مجموعة آهات ودندنات،منساقا ما أمكنته طاقته وراء اشتعال حواسه، كي يأخذ بألباب اللجنة.خلف الباب المغلق،تتطاول أعناق،أعضاء أسرته،لاسيما أبوه أو أمه وأحد إخوته،مظهرين أقصى درجات التأهب ومحاولة التوثب،وتنم ملامحهم وهندسات أياديهم، عن تضرع خفي،مترقبين بترصد،تقلبات جغرافية إيماءات اللجنة،التي تنبسط أو تنقبض،حسب مجريات الأهواء .
*اللقطة الخامسة:
بعد آهة واحدة ،سيبادر أحد أعضاء اللجنة، إما تعضيدا بالإطراء الصوتي :ياسلام هو ذا الغنى،مافيش كلام،أحسنت،أنت عبقري!أو ممتعضا مما ينم عن رفض :يكفي،شوف،الغنى ذا شيء عظيم، بتاع ربنا،ونعمة لايمنحها لأي كان،فرصة أخرى .
*اللقطة السادسة:
مهما كانت النتيجة، إخفاق أو نجاح،تنتاب المترشح أو المترشحة،نوبات هستيرية جنونية من الفرح أو الحزن.الموعد، مفصلي واستثنائي،وذهبي،لن يتكرر إلا مرة واحدة بعد مائة سنة كما يخبروننا،حتى ينتقل أحدهم من وضع إلى آخر،ويعانق خلال أيام قليلة جدا،الثالوث المقدس:المال، الشهرة،الحياة السهلة.في ظل بنية مجتمعية شمولية،ميكيافيلية ،مقفرة،حصينة، لاتؤمن بتاتا بمشاريع النجاحات الحقيقية القائمة على الكد،المفتوحة أمام الجميع، يحكمها في المقابل صدفة: اليانصيب، أو أدلجة : النصيب كما يشيعون. أوتأدبا: الحظ. أو شرّح ملّح، مع توغل النيو-ليبرالية،وسقوط ورقة التوت :القفوزية بلغة المغاربة، والفهلوة أو الجدعنة، على حد تعبير المشارقة ….
*اللقطة السابعة :
خلال ومضة،تتبلور أرضية الفكر الجمالي الذي استغرق أصلا قرونا من التنظير الفلسفي والأدبي والشعري والسيكولوجي،ويتحدد،ثم يصنف الجيد من الرديء،والغث من السمين،وتتأسس لبنات الفني من غير الفني .
*اللقطة الثامنة :
ما الغاية من كل هذا السيل الجارف لبرامج ''التنقيب''، عن الأصوات؟ ماجدوى تراكمها السنوي،حيث جمالها لم يجمّل أبدا، كما تفترض فلسفتها،هذا العالم العربي، المنساب خرابا وبشاعة وحروبا ووحشية، وشبابه لايزداد سوى تطرفا وعنفا ويأسا؟ماذا سنفعل،بمختلف هؤلاء ''الخريجين السريعيين''،إذا كان الرسميون العرب يعلنون بغير توقف،كرههم نحو الخريجين ''البطيئين''،للجامعات والمعاهد والمدارس….
*اللقطة البديلة:
إذن بدلا، من هذا الضحك على الذقون،المتمثل  في مجاراة ''الكل بدّو يغني"،على طريقة الوجبات الاستهلاكية السريعة، نحن في أكثر من أمس الحاجة،إلى الانتهاء والانتقال صوب التنقيب الجوهري،الذي هو :
-تطلع وسعي هؤلاء الشباب،إلى استلهام  سلوك الدروشة الصوفي، الذي لن يكون إلا نضاليا وفنيا، من أجل بناء الدولة المواطنة، التي يصير في إطارها،الفن مشروعا حضاريا كالهواء،حيث الفنان حالة أنطولوجية وأخلاقية ومعنوية،إنه أيقونتها.دولة،تعشق الفن في ممارسة الحكم وهيكلة الاقتصاد وتعميم المعرفة.    
الموقع الاليكتروني للباحث : http://saidboukhlet.com

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا