الفقر.الجهل.المرض مثلث الرعب المعروف والطبيعى لأى دوله فى مصر نرى هذا المثلث بطول وعرض البلاد والجهل ضلع أو رأس زاويه في هذا المثلث، كيفما تشاء
أن تراه والجهل عندما رأيته أمامي مجسما وجها لوجه لأول
مرة كنت لم أبلغ الستة أعوام، عندما طلبت منا مدرسة الفصل أن نرفع يدنا التي نأكل بها
حتى ترينا كيف نمسك القلم ونكتب ما تكتبه هي على السبوره؛ جميع من حولي رفع يده اليمنى،
ورفعت أنا يدي اليسرى!! لم يكن غباء مني أو قلة تدين من أبوي اللذان أدركا أنني عسراء
فتركوني وشأني في كيفية تعاملي مع القلم أو الملعقة أو في مكان ارتدائي لساعة اليد،
ولكن تلك المدرسة الشابه رأت أن رفعي ليدي اليسرى دليل غبائي وقلة تدين والدي اللذان
لم يهتما من وجهة نظرها بتعليمي أن الإنسان “ملزم” بأن يأكل بيده اليمنى.
والمرة الثانيه التي رأيت بها الجهل كانت بنفس العام
عندما أصرت ممرضة التأمين على أعطائي حقنة مضادة ما في ذراعي اليسرى حتى لا تسبب لي
ألما بيد الكتابة! ولم تعطيني أية فرصة لاخبارها
بأنها اليد التي أتعامل بها مع العالم من حولي مما تسبب بورم ذراعي اليسرى وعدم قدرتي
على نقل الدروس وحل الواجبات المدرسيه.
وتوالت السنوات وتوالت صور الجهل من أهل العلم وأهل
التلاميذ حتى وصلت للصف الخامس الابتدائى بإحدى المدارس الحكوميه وهنا بدأت أنتبه لنوع
أخر من الجهل الممزوج بالتعصب؛ تلميذه مسيحيه أسلمت على يد تلميذتين أختين بنفس الفصل؛
أخبراها أنها ليست على الطريق الصحيح وأنها حتما بالنار وستعذب ويسلخ جلدها كل يوم
ولن تدخل الجنة ما لم تؤمن بالإسلام وقاموا بتحفيظها سور صغيره من القرآن وكيفية الصلاه
إلى أن جاء اليوم الذى رآهن تلميذ مسيحي بالفصل وطلب منهن الكف عن ذلك وترك زميلته
وشأنها وإلا سيبلغ أهلها، كان رد الأختين غريبا جدا بالنسبة لسن العشر سنوات: مش مهم
بلغ اللى أنت عاوزه إحنا عملنا اللى علينا وهي أسلمت وهي في الجنه معانا وأنت في النار
وإحنا علشان خليناها تسلم ضمنا الجنة.
مع العلم أن الأختين والتلميذه المسيحيه في هذا الوقت لم تتجاوز اعمارهن
الاحدى عشر عاما ومن سكان العشش بالعشوائيات!!!
حتى هذه اللحظه سنجد ثلاث أسئله مهمه تطرح نفسها:
1- من وضع صور التعذيب و السلخ برأس الأختين؟
2- من وضع برأسهيما فكرة أنهما كمسلمتين على
طريق الجنة ومن سواهما من الديانات الأخرى في درب جهنم؟
3 – من أقنع الأختين بأنه واجبا ولزاما عليهما
أن يستدرجا الزميلات المسيحييات للإسلام حتى يضمنا الجنة؟
والاجابة من وجهة نظري تتلخص في أن المجتمع الجاهل
المحيط هو من فعل ذلك.
أما عن رد فعل المجتمع المؤسسي التعليمي كالمسئولين
بالمدرسة من مدرسين واخصائيين ووكلاء؛ فحدث ولا حرج: قاموا بنقل التلميذة المسيحيه
لفصل أخر! فقط!!
بلا استدعاء أولياء أمور، بلا تصحيح معلومات أو سلوك، بلا ضجه أو شوشره!!
لم يمر علي سوى فصلين دراسيين أخرين حتى رأيت مصدر
أخر من مصادر الغباء والتعصب،
فكان أن جلست بالفصل بعد خروج الطالبات المسيحيات
فى أنتظار قدوم مدرسة الدين الاسلامي لتفرغ ما بجوفها من الآيات المحفوظه بلا فهم منها،
فدخل مدرس أول “رياضيات” الفصل معلنا أن مدرسة الدين غائبه وأنه سيحل محلها اليوم وبدأ
في إفراغ ما بجوفه من آيات وأحاديث محفوظه بعد تأكده من عدم وجود طالبات مسيحيات بالفصل،
كانت الآيات والاحاديث تدور حول أهل الكتاب وتأكيده على تماسكنا كأهل الدين الصحيح
وفرقتهم كأهل الدين الخاطئ وأننا نحسبهم يداً واحدة ولكن قلوبهم شتى!!!
تأتي مدرسة الدين باليوم التالى وتسأل عمن كان بديلها؟
فنجيب! وعما تحدثتم ؟ فنجيب!
فهي تريد أن يطمئن قلبها بأن لا أحد قد لعب بعقولنا
البريئه، وألا يكون هناك من حاول تخريب المعلومات القيمه التى صبتها صباً على مدار
العام فى رؤوسنا، ثم تحمد الله علي أن هذا المدرس ولو أنه قد خرج عن المنهج فأنه حسناً
ما قال “جزاه الله خيراً” ثم تخرج عن المقرر بالمنهج وتكمل حديث الأخ مدرس الرياضيات
بأننا يجب أن نتعامل معهم “المسيحيين” بحذر، بل يفضل أن نتجنب التعامل معهم من الأساس
إلا إذا كنا مضطرين.
وقتها تساءلت في سري هل هذا هو سبب تغير معاملة
صديقاتي المسيحيات لي خصوصا بعد كل أجازه طويله؟ هل مايتقيئه أساتذة الفتنه في آذاننا
وعقولنا بالمدارس يتقئ مثله أساتذتهم ؟ وإذا لم يكن يحدث المثل عند صديقاتي المسيحيات
فما سبب جفاء معاملتهم المفاجئ بعد كل حصة دين أو بعد كل أجازه؟
تظهر نتيجة الثانوية العامة وألتحق بأحدى الكليات
العمليه ذات المجموع المنخفض وأدخل في صداقات عديده مع فتيات وفتيان ونقضي عامنا الأول
ما بين الضحك والفكاهه وإلقاء النكات والفوازير حتي تصادف أن رأى أحد الفتيان محفظتي
أثناء وضعي لجدول إمتحانات نهاية العام بها؛ فيسأل زميل لنا عن ديانتي فيداعبه زميلي
قائلا أنني مسيحية الديانه!
يرفض هذا الفتى تصديق أنني مسيحيه ويسألني عن أسمي
كاملا، بعد أن غمز لي صديقي الثاني فأخبره باسمي كاملا بعد أن رفعت منه اسم محمد، فيطلب
مني أن أريه باطن يدي فأرفع الأكمام عن معصمي وأخبره أنه لن يجد الصليب لأن أسرتنا
لا تفضل وشم أيدينا فيطلب مني محفظتي، فيشاغله زميلي حتى أفرغ ما بالمحفظه من هويات
تحمل أسمي كاملا أو تدل على ديانتي، أعطيه محفظتي ضاحكة فالأمر لا يتعدى كونه دعابة
بالنسبة لي، لأجد زميلي المتسائل عن ديني قد بدأ ينفعل عندما وجد بالمحفظه رموز للديانات
الثلاث وسألني بصوت عال بوسط الحرم الجامعي عن ديانتي أو ملتي فبدأت أتعامل معه ببرود
واستهتار بأنه بعد عام دراسي كامل يسأل عن ديني حتى يقرر ما إذا كان سيستمر بصداقتي
أم سيتجنبني؛ وأنه لا يكفيه ولا يهمه حسن عشرتي له ولباقي أفراد المجموعه وإنما يهمه
ديانتي؛ فهي التي ستحدد بنظره إن كنت جديرة بالصداقه أو غير مستحقة لها. رفضت إعلامه
وإستمريت بمحاولة رده عن أسلوب تفكيره الأعوج حتي أشفقت عليه صديقته والتي تعرفني منذ
الثانويه وأخبرته بديانتي حتى لا يوقع نفسه بورطه بتصرفاته الهوجاء.
ما الذي دعا صديقي لرفضي بعد عام من الصداقة عندما
ساوره الشك؛ مجرد شك بأنني لست على دينه!!
وتتواصل نوادر ومهازل المعلمين والمعلمات والأصدقاء
والصديقات؛ فكم منهم محرض على الكراهية وكم منهم من مثيري الفتن ولست أخص جانب دون
الأخر؛ فكم من المرات حسبوني مسيحيه وتحدثوا أمامي عن المسلمين الأغبياء القتلة؛ كما
يتحدث المسلمون أمامي عن الكفرة الخبثاء عباد الصليب.
وفي النهاية نجد أن سبب رئيسي ومهم من أسباب ترسيخ
تلك العنصرية الدينية بداخل الكثيرين أن هناك شخص ما من المفترض أنه قدوة لي ومثل أعلى؛
دائما ما يذكرني أن تلك الفئه تكرهني وتتمنى لي الزوال من العالم بأبشع الطرق؛ ويستمر
بتذكيري بمدى كراهية تلك الفئه لشخصي لأني أفضل منه بالدنيا والآخرة لمجرد أن شهادة
ميلادي مسجل بها في خانة الديانة غير المسجل بشهادة ميلاد الأخر وأنا مازلت طفلة لا
أملك ضررا ولا نفعا، لا أملك سوي خوفي الدائم من كره الاخر لي وما قد يدفعه كرهه لي
من حماقات سيرتكبها حتما بحقي؛ فأحيا متأهبه طوال حياتي في إنتظار خنجر الغدر من اخواني
في الوطن لمجرد أن هناك من وظف كائن عديم العقل والقلب والبصيره في مكان حساس كالمدارس
الحكومية الإلزامية المجانية التي تتراوح أعمار التلاميذ بها ما بين الخمس سنوات والأربعة
عشر عاما.
لحسن الحظ لم يكن جيلي بأكمله؛ أوائل الثمانينات؛
على تلك الشاكله، إلا أن قلة قليله هي ما أستطيع أن أجزم أنهم كانوا لا يعبئون بالفعل
لإختلاف الكلمه المقابله لكلمة الديانة بشهادة الميلاد وأرجو أن تبقى تلك الفئة على
حالها من الثقة بالنفس واحترام آدمية الانسان لمجرد أنه انسان فقط لاغير وليس لأنه
يتبع نفس دار العبادة التي أتبعها.