تظاهرة
"تي أرت" تتحول الى سوق للإنتاج الفني في عشريتها القادمة نحو ترسيخ لحساسية فنية جديدة في المغرب
توج
العرض المسرحي "نايضة" لفرقة ستيلكوم من إخراج أمين ناسور، وهو العرض المتوج
بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان، الأحد 27 دجنبر بقاعة باحنيني اختتام
فعاليات تظاهرة "تي آرت" في دورتها التاسعة. التظاهرة التي احتضنت فعالياتها
كل من قاعة باحنيني ودار الفنون بالرباط يومي 26 و27، شهدت تنظيم معرض للصور الفتوغرافية
أرخ لمسار 10 سنوات لمسيرة جمعية هيا نلعب للفنون "إنجي". فمن خلال ملصقات
العروض وصور تؤرخ لمجموعة من المسرحيات، اقترب الزائر في افتتاح "تي آرت"
بدار الفنون من مسيرة جمعية أمست تشكل اليوم نموذجا حيا، لحساسية جديدة للمسرح المغرب.
وكما أكد، مدير التظاهرة الفنان أمين ناسور في افتتاحه للندوة المركزية والتي وسمت
ب"أرشفة التجارب المسرحية الجديدة"، فالدورة التاسعة تشكل فاصلة بين الدورات
السابقة والدورة العشرية والتي من المنتظر أن تشكل لحظة تاريخية استثنائية في مسار
الجمعية.
فمنذ
سنة 2006، وجمعية "هيا نلعب للفنون" تساهم في إنعاش المشهد المسرحي، من خلال
إنتاجاتها المسرحية والتي كرستها ضمن الوسط المسرحي في المغرب والعالم العربي، كأحد
التجارب المسرحية اللافتة. وقد تشكلت الجمعية من خريجي الفوج 17 من المعهد العالي للمسرح
والتنشيط الثقافي، وانعقد الدورة الأولى من "تي آرت" سنة 2007 معلنة عن ميلاد
تجربة جديدة في المسرح المغربي. يشير الفنان أمين ناسور، أن "تي آرت" تأتي
للاستجابة لضرورة فبحكم تشكل حساسيات جديدة في الفنون البصرية وفي مجالات فنية متعددة:
المسرح، الموسيقى، السينما.. أضحت ضرورة خلق فضاء لتطوير التجربة ولتجميع هذه الحساسيات.
لذلك تنبع الحاجة اليوم، حسب الفنان ناسور، الى "أرشفة هذه التجربة".
أرشفة
التجارب المسرحية
المائدة
المستديرة "أرشفة التجارب المسرحية" شهد نقاشا حول التجارب الإبداعية المسرحية
الجديدة، وشارك فيها أساتذة وفنانون منهم الداراماتورج عصام اليوسفي والكاتب والصحفي
الحسين الشعبي، الى جانب متدخلين كالباحث سالم اكويندي والكاتب المسرحي أحمد السيباع.
شهادة عصام اليوسفي اعتبرت أن فكرة التقييم هي فكرة مهمة لمصاحبة أي مشروع فني، وعلاقة
بموضوع الأرشفة اعتبر الدراماتورج عصام اليوسفي أن الدولة مسؤولة على الحفاظ على هذه
الذاكرة المسرحية من الانمحاء، ومن تم ضرورة إنشاء مركز وطني لأرشفة المسرح. ورغم المجهودات
الفردية، مجهود الباحث أحمد مسعاية نموذجا، والتي نبهتنا الى غياب التوثيق والأرشفة
عند العديد من الفرق. ومادامت التجارب تخضع لقراءات متعددة، ونظرا لأن كل واحد يقدم
تصوره الخاص، فخلق مؤسسة مسؤولة سيمكن لامحالة في تكريس خطاب جديد حول أرشيفنا المسرحي.
وعلاقة
بتجربة "إنجي" وتظاهرة "تي آرت"، اعتبر عصام اليوسفي أن أهم ما
يميز هذه التجربة هو حسها الجماعي وإرادتهم القوية لتحقيق حلمهم، هم الآن حاضرون في
الساحة المسرحية بقوة واستطاعوا أن يحولوا حلمهم الفردي الى حلم جماعي لذلك فكروا في
خلق "تظاهرة تي آرت" سوقهم الفني الخاص. واستطاعت هذه المجموعة، من خلال
المهارات الفنية التي تشكلت منها (موسيقيون، مخرجون، ممثلون، سينوغراف...) أن يفرضوا
أسلوبهم الخاص في الساحة المسرحية.جمعية "هيا نلعب للفنون"، يشير الدراماتورج
عصام اليوسفي، استطاعت بحس المسؤولية وقدرتها على التدبير والتسيير لعروضها وإنتاجاتها
الفنية، ومن خلال ارتباطها ب"الهوية المغربية" المنفتحة على البعد الكوني
أن تخلق فضاء للفرح والتقاسم داخل إطار احترافي، ولعل تتويجهم بجوائز مغربية عربية
ودولية واستمرارهم في مشروعهم الفني، يفرض اليوم البحث عن مكان وقاعة تليق بالفرقة
لبلورة مشاريعها المستقبلية.
اعتبر
المسرحي والإعلامي الحسين الشعبي أن أكبر مشكل يعاني منه المسرح المغربي هو مشكل الذاكرة،
بل يعتبر أن هناك نزيف في ذاكرة المسرح المغربي. هذا الجسد الفسيفسائي والذي عرف بغناه
وثرائه وتعدد تجاربه، لا يحق أن نخلق له بؤرا نملأ خاناتها. لذلك يتساءل الحسين الشعبي،
أين هي ذاكرة المسرح المغربي؟ خصوصا عندما نلاحظ أن هذه الذاكرة قد تشتت عبر حقب تاريخية
في مسار التجربة المسرحية. ومع رحيل العديد من الرواد والتجارب والذين حملوا ذاكرتهم
معهم، يتحين ضرورة أحقية السؤال عن دور التوثيق والأرشفة والحاجة الى خلق مركز وطني
لأرشفة المسرح. مع أن المسرحي الشعبي، ينبه الى ضرورة التمييز بين التأريخ والتوثيق
والأرشفة.
الى
جانب المسرح، يعتبر المسرحي الشعبي أن الفرجات الشعبية هي الأخرى مهددة بالانقراض.
لذلك يعتبر الشعبي أن الموضوع سياسي ويحتاج
لإرادة سياسية، كما تم مع مؤسسة أرشيف المغرب. ويمكن لمؤسسات وطنية موازية أن تقوم
بهذا الدور، فالمسرح الوطني محمد الخامس، قادر على لعب دور توثيقي بصري من خلال العروض
المبرمجة ضمن برمجته السنوية. واتباطا بأرشفة المسرح المغربي، فغالبا ما يتم حصر الحديث
عن البدايات المؤسسة (المعمورة، الطيب الصديقي، الطيب لعلج...)، في حين لا يتم الإشارة
الى المرحلة الحديثة اليوم من تشكل التجارب الحديثة في المسرح المغربي، والتي وصلت
الى ما يقارب الثلاثين سنة.
ويعتبر
المسرحي الحسين الشعبي، أن تمة إقصاء نقدي للتجارب الجديدة، وهو ما يؤدي الى غياب الأرشفة.
ومع انبثاق تجارب داخل مسار هذه التجربة الحديثة، (الهواس، هموش، ناسور..) أضحت ضرورة
منهجية لتوثيق هذه التجربة الغنية اليوم، خصوصا أنها تجارب فكرية بالأساس بحكم حسها
الشبابي. ولا يتوقف الأمر عند التجارب المسرحية، إذ يدعو الشعبي الى توثيق المهرجانات
والأحداث المرتبطة بالمسرح.
فعاليات
الدورة التاسعة لمهرجان "تي أرت" والذي نظمته جمعية نلعب للفنون بدعم من
وزارة الثقافة وبتنسيق مع مؤسسة أونا، هي تظاهرة فنية وملتقى لفنون الخشبة ومن خلالها
تم الاحتفاء بالحساسيات الجديدة اليوم في المسرح. كما شكلت الدورة التاسعة مناسبة لمشاهدة
الفيلم الجديد للسينمائي هشام العسري "البحر من ورائكم" وهو من بطولة نخبة
من الفنانين المغاربة، من بينهم الفنان مالك أخميس. كما أعادتنا الفنانة هاجر الشركي
من خلال المقطوعات الغنائية الى مسرحية "بين بين"، وهو العرض المتوج سنة
2014 بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للمسرح.
تظاهرة
"تي آرت" ستتحول ابتداء من السنة القادمة، وضمن الاحتفاء بعشريتها، الى فضاء
سوق للإنتاج الفني حيث ستصبح فضاء للقاء الفاعلين الاقتصاديين والمعنيين بالفن المغربي
والمنتمين الى التجارب الفنية الجديدة، في أفق بلورة مشاريع فنية. هذا الرهان يستدعي
التئام الجميع، لأنه بوابة فعلية لضمان حراك فني لمستقبل المغرب.