حاوره/ حسين نشوان-عمّان
شاعرٌ تغريه القضايا الإشكالية، مشاكس سياسيا، أصدر11
ديوانا شعريا و25 كتابا في
النقد الأدبي والنقد المقارن والتاريخ والفكر والفن التشكيلي
والسينما، والموسيقى، والثقافة الشعبية.
حينما وقعت نكبة 1948 كان طفلا، وخلال نكسة
1967 كان طالبا في القاهرة، ولم يتح له العودة إلى مسقط رأسه في فلسطين، ومن بيروت
خرج عام 1982 إلى غير بلد وعاصمة ليعود إلى عمان مدرسا للنقد بإحدى المؤسسات الأكاديمية.
خالف النقاد القدماء والمحدثين في وصف الشعر بالفحولة،
وخصوصا قصيدة النثر التي أطلق عليها مصطلح "القصيدة الخنثى" وأثار ذلك الكثير
من ردود الأفعال، خصوصا في الأوساط الشعرية الشابة.
قال عنه الروائي الجزائري الطاهر
وطَّار أنه "في الشعر محمود درويش، وفي النقد لا يقل أهمية عن إدوارد سعيد".
وفيما يلي حوار مع الشاعر والناقد والمؤرخ عز الدين
مناصرة حول قضايا في الشعر والأدب والنقد.
من الذي ورث منصة الشعر الفلسطيني بعد رحيل محمود درويش، خصوصا أن اسمك
يُتداول بهذا الشأن؟
منذ العام 1964، كنت اجترحت خطي الشعري الخاص بي
بالتوجه نحو الحفر في الجذور الحضارية، فابتدعت "القصيدة الحضارية الكنعانية الفلسطينية"
ولم يكن سبقني إليها أحد.
التقيت بمحمود درويش لأول مرة في بيروت مطلع العام
1974 وكنت آنذاك المحرر الثقافي لمجلة "فلسطين الثورة"، وكان ينشر بعض قصائده
في المجلة، كان يقرأ قصائده لي قبل نشرها ويستمع لبعض ملاحظاتي بتواضع، بل أزعم أنه
كان يأخذ ببعضها، أصبحنا أصدقاء طيلة المرحلة اللبنانية. ولم يحدث أن اختلفنا حول جوهر
الشعر وقيمة الشعراء.
ومنذ عام 1983، لاحظت أن درويش وأثناء تنقله بين
تونس وباريس قد بدأ يتغير سياسيا، وارتكب بعض الأخطاء المفصلية، وهكذا ناكفته وناكفني،
وبالتالي، فأنا زميله في الشعر، ورفيق رحلته في مرحلة طويلة متقطعة، ولا يمكن أن أكون
وريثه، إذ لا توريث في الشعر، لأن "جيناتي الشعرية" لها بصمة خاصة لا تشبه
أحدا.
عند تأسيس مجلة الكرمل عام 1981 في بيروت، كيف تفسر غياب اسمك مع أنك
عدت آنذاك من جامعة صوفيا حاملا الدكتوراه في الأدب المقارن؟
"مجلة الكرمل" في الأصل كانت للاتحاد
العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، فقدمتْ اقتراحات بأن يكون درويش رئيسا للتحرير
وأن يكون عز الدين المناصرة وفيصل درّاج، مديرين للتحرير، لكن محمود اختار سليم بركات
وإلياس خوري، وبرّر ذلك بقوله المختصر "حتى نبقى أصدقاء وحتى لا نختلف في العمل"!!.
وهكذا صدر العدد الأول من "الكرمل" وفيه قصيدة لي، وقبلت أن أعمل في مركز
الأبحاث الفلسطيني سكرتيرا لمجلة "شؤون فلسطينية".
وحين انتقلت للتدريس في جامعة قسنطينة في الجزائر
عام 1983، استقبلته هناك عام 1986، حيث أحيا أمسية شعرية ناجحة، وظلت علاقتنا
"سمنا على عسل"، خصوصا في مهرجان "ربيع الثقافة الفلسطينية" في
باريس عام 1997، عندما تشاركنا في فكرة تأسيس "اليوم العالمي للشعر"، حيث
أرسلنا، درويش وفدوى طوقان وأنا، رسالة إلى المدير العام لليونسكو طالبنا فيها بتأسيس
اليوم العالمي للشعر، وتابع الفكرة "أشقاء مغاربة" بعد ذلك حتى تم إقراره
عام 1999.
حضورك في المشهد الثقافي العربي والفلسطيني ارتبط بمناكفاتك الثقافية
والسياسية، وكانت لك مواقف صلبة، فهل ثمة فواتير ينبغي أن يدفعها المثقف تؤثر في تقويم
تجربته الشعرية والنقدية؟
أُجبرت في مفاصل مهمة من حياتي على العراك ضد
"الفساد السياسي والثقافي"، وكلاهما ينبعان من بركة آسنة، أحيانا كنت وحيدا
في غابة الذئاب أقاوم الفساد وحدي، وكان هناك من يصفق لي، لكن سرعان ما ينحاز إلى الفساد.
صحيح أنني نزفت دما، وصحيح أنني أصبحت أحيانا عاطلا
عن العمل. وصحيح أنني قمت بتخفيض المستوى المادي لحياة عائلتي الصغيرة. لكنني بقيت
مستورا وكريما، ولم أفقد كرامتي، لأنني كنت وما أزال أعرف طرق المقاومة وأساليبها.
طبعا، خسرت، وأنا متأكد أنه سوف يظهر شرفاء ينصفونني ذات يوم.
أكثر القصائد شهرة ارتبطت بالحدث ومنها "يا عنب الخليل، يتوهج كنعان،
حصار قرطاج، بالأخضر كفناه، جفرا"، وغيرها، هل هو السؤال الأزلي للشاعر بمغازلة
القارئ؟
المعاني مرمية على قارعة الطريق كما قال الجاحظ،
فالحدث إن كان مهما أو تافها سواء، المهم هو كيف نتناول الحدث ونعصره في المعصرة لكي
يشربه القارئ عصيرا صافيا، محتفظا ببصمة خاصة. هذا ما يبقى. وهناك أسرار قد لا يدركها
القارئ، فـ"يا عنب الخليل" لم تكتب عام الكارثة 1967، بل كتبت عام 1966،
والدليل القاطع أن نواتها منشورة في مجلة الآداب.
و"زرقاء اليمامة" التي كانت نبوءة ولم
تكن وصفا لواقع هزيمة 1967، كما فعل أمل دنقل حين نشر قصيدته بعدي، والدليل أنها منشورة
في مجلة الآداب عام 1966، وليس في عام الهزيمة. و"حصار قرطاج" كتبت بين
1982 و1983 عن حصار بيروت، لكنها أعمق من كل القصائد التي كتبت عن حصار بيروت. أما
لماذا اشتهرت كقصيدة ممنوعة من الإنشاد أمام المجلس الوطني الفلسطيني، فهذا يعود إلى
الظروف المحيطة لا إلى نص القصيدة نفسها.
وقصيدتي "وكان الصيف موعدنا" اشتهرت بعد
أن غناها المطرب البحريني خالد الشيخ ومطرب بحريني آخر في منتصف الثمانينيات، ولم أكن
أعرف عنها شيئا إلا متأخرا. أما "مغازلة القارئ"، فهي عندي تتم بعد أن تنضج
طبخة النص وليس أثناء كتابته.
ما هي المسوغات الفنية والجمالية للانتقال من الكتابة الفصيحة إلى اللهجة
الفلسطينية المحكية واللبنانية والمصرية؟
"اللهجات العربية عندي هي المنجم الذهبي
لتطوير الفصحى، لهذا اخترع المستشرقون كذبة "صراع الفصحى والعامية" من أجل
أن تكون الإنجليزية أو الفرنسية هي الحل"
اللهجات العربية عندي هي المنجم الذهبي لتطوير الفصحى،
لهذا اخترع المستشرقون كذبة اسمها "صراع الفصحى والعامية" من أجل أن تكون
الإنجليزية أو الفرنسية هي الحل. وأدعو إلى تدريس شعر الحداثة "اللهجي/ المحكي"
وشعر "الهجرة اللغوية" في الجامعات، لأنهما بكل بساطة شعر خالص. أما ما فعلته
فهو مجرد "تجريب" لتأكيد تداخل الأجناس الشعرية.
كتاباتك النقدية حول قصيدة النثر أثارت منذ 1997 زوابع كبيرة وما تزال.
ما هي الإضافة التي تحققت في الطبعة الثالثة في كتابك "إشكالات قصيدة النثر"،
وهل حسمت معاركك النقدية حول الموضوع أم أنك تراجعت عن بعض الأفكار؟
صدرت الطبعة الجديدة، الثالثة من كتابي "إشكالات
قصيدة النثر"، والحقيقة أنني قمت بمراجعة عامة وتوصلت إلى أن مصطلح "قصيدة
النثر" خطأٌ شائع، لكنه خير من صحيح مهجور، لقد جمعت 45 اسما لقصيدة النثر، ومع
هذا يبقى مصطلح "قصيدة النثر" هو المقبول من قبل غالبية النقاد.
وللحقيقة، كدت أتراجع عن مصطلحي "كتابة خُنثى"
الذي قمت بنحته عام 1997 بسبب الهجومات الكاسحة عليه رغم أنني قلت إن الورد الجوري
خنثى، وكذلك الليلك، فقد استوحيته من الأسطورة اليونانية "هيرمس-أفروديت"
أي الإنسان الكامل.
ومع هذا كله تراجعت عن التراجع، والسبب هو أنني
اكتشفت أن الذين يقدسون سوزان برنار لم يقرؤوا كتابها، وكانت المفاجأة لي أثناء قراءة
المجلد الثاني من الكتاب المترجم عام 2000 مصطلح "الشكل المخنث" ص 211 بعظمه
ولحمه وشحمه، وصفا لقصيدة النثر على لسان برنار نفسها.