الكتابة والزمن : عبدالعالي بركات
مسؤول الصفحة الثقافية بجريدة بيان اليوم
المغربية
العام مر في لمح البصر، هكذا يبدو للبعض، هل فعلا
يمكن أن يمضي عام بوتيرة أسرع وآخر بوتيرة أبطأ؟
عدد أيام السنة معدودة ومعروفة، وعدد أسابيعها وشهورها
محدودة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يلحقها الغش، كما يحدث في الكثير من المعاملات
التي تقوم بين البشر، ولكن لماذا يتوهم البعض أن عاما بقضه وقضيضه قد مر سريعا؟
هناك آخرون على خلاف هؤلاء، يتوهمون النقيض من ذلك،
يدعون أن أيام السنة المنصرمة مرت بطيئة وكانوا يتعجلون رحيلها، لكنها كانت تصر على
البقاء بجانبهم، لم تسخ نفسها عنهم.
كلا الطرفين، يعاني من خلل ما.
لماذا يتعجلون أصلا رحيل سنة معينة؟ السنة والأيام
والشهور والأسابيع لا تعدو أن تكون مجرد وسيلة لضبط حساب الزمن، إنها بريئة من كل ما
يريدون إلصاقه بها من تهم.
هي لم تبطئ ولا أسرعت.
إنها تمضي بوتيرتها الزمنية الخاصة بها.
المتعجلون لرحيل سنة وقدوم سنة جديدة، لا شك أنهم
ينتظرون شيئا معينا، أكيد أنهم يريدون الهروب، هل هم جبناء؟
لعلهم فقط ضجروا من تعاقب الأيام، خصوصا إذا كانت
متشابهة بالنسبة إليهم، خالية من العمل والمنجزات والمفاجآت والأخبار الجديدة.
ولكن هل معنى هذا أن السنة القادمة التي يتشوقون
للارتماء في أحضانها، إذا جاز التعبير، لن تتعاقب فيها الأيام؟
هذه العلاقة المتوترة مع الزمن، ليست حالة طبيعية
بلا شك، وهي بمثابة مرآة عاكسة لبواطن من يشكو منها؛ فلكي نكون في انسجام وتناغم مع
الزمن، ينبغي أولا أن نكون منسجمين مع ذواتنا.
هناك من يبحث عن السكون والطمأنينة في مكان آخر
وفي زمن آخر، في حين أن ما يبحث عنه قابع بداخله.
فعندما يكون هناك إفراط في السعادة، ينتابنا الشعور
بأن الوقت يمر سريعا، مثلما أننا قد نشعر بثقل هذا الزمن حين نبالغ في التشاؤم.
بعض الكتاب يشكون من أن الوقت لا يسعفهم في إتمام
مشاريعهم الأدبية والفكرية، ومنهم من يرجو الله أن يمد في عمره لكي يتم كتابا كان قد
شرع في تأليفه، أو أنه لا يزال مجرد فكرة تختمر في ذهنه.
هناك دائما إحساس فادح بالزمن، إحساس قد يبلغ درجة
قصوى من المأساة، إلى حد قد يؤدي إلى الانتحار.
الانتحار يحمل صورا عدة، هناك العديد من أدبائنا
ومفكرينا الذين انتحروا وإن كانوا لا يزالون يعيشون بين ظهرانينا جسديا، على اعتبار
أنهم توقفوا عن النشر، ومنهم من توقف عن الكتابة أصلا، باستثناء توقيع الشيكات.
كم من مخطوط يكون قد أنجزه كل واحد من أدبائنا ومفكرينا
خلال السنة بكاملها؟
هناك شعراء كانوا ينادونهم بشعراء الحوليات، بالنظر
إلى أنهم على امتداد حول كامل، لم ينظموا غير قصيدة واحدة.
أين هؤلاء من شعراء اليوم؟
وبصفة خاصة، شعراء شبكات التواصل الاجتماعي الذين
يكادون يؤلفون القصائد على مدار ساعات اليوم، بين الفينة والأخرى تطلع قصيدة جديدة
لهم، يا سبحان الله، كيف يتسنى لهم ذلك؟ لو كان الفرزدق بينهم؛ لقلع أضراسه بكاملها
وليس ضرسا وحادا فقط، هو القائل: خلع ضرس أهون علي من قول بيت من الشعر.
لقد تم في واقع الأمر، تمييع الشعر إلى حد أنه صار
يطلق عليه: تدوينة. إنه مجرد تدوينة، تزول بسرعة زوال شريط الأخبار الحالية.
لكن هناك أدباء آخرون يحترمون أنفسهم ويعانون بالفعل
من أن الزمن لا يسع مخيلتهم. وكم عبر الكثير منهم عن أمله في أن يسعفه الوقت في إتمام
عمله الفكري أو الأدبي.
العام لم يمر سريعا. العام لم يمر بطيئا.
نحن من فقدنا التوازن.
barakatabdelali@yahoo.fr
(مقال بقلم عبد العالي بركات، منشور ضمن
الملحق الثقافي لجريدة بيان اليوم، الجمعة 1 يناير 2016)