خاص
أوهام المثقف العرقي الأساطير في مواجهة حقائق التاريخ و ثوابت الواقع
: د. إدريس جنداري – باحث
في هذا المناخ السياسي التآمري الموبوء، يجد
دعاة الاطروحة العرقية، في المغرب، الفرصة مواتية من أجل الانقضاض الشرس على
مقومات الهوية الوطنية المجسدة في العروبة و الإسلام كركنين أساسيين لا يمكنأن يتم
البناء المغربي دونهما. فعلى خلاف كل الأوهام العرقية المُرَوّجة، لا يثبت التاريخ
المغربي قيام كيان وطني مستقل خارج البعد الحضاري العربي الإسلامي للمغرب.
مناسبة هذا الحديث ترتبط بالخروج الإيديولوجي
المثير لمُجَنَّد عرقي، لا يخفي نزوعه الاستئصالي لكل ما يرتبط بمكوني "العروبة"
و "الإسلام" في المغرب. فبعد أن جرب لعبة توظيف المرجعية الفكرية و
الحقوقية الحديثة، بشكل مشوّه و رديء،من أجل تصفية الحساب مع البعد العربي
الإسلامي للمغرب، يركب هذا المجنّد العرقي، اليوم، مركبا جديدا، و يتوجه رأسا إلى
تهديم المعبد بمن فيه، و هو يتوهم أن الأرض أصبحت غير الأرض، و بإمكانه أن
يهيئحماره لجر المحراث الخشبي من أجل حرث سيرة جديدة لبلد عربي إسلامي أصيل مثل المغرب !
ففي خرجة إيديولوجية جديدة بمدينة تنغير، فسح السيد
حسن أوريد المجال واسعا لمخيلته العرقية تصول وتجول بلا رقيب، و هو يتساءل عن
المداخل الممكنة لبناء مغرب فاعل و مبادر في محيطه الإقليمي و الدولي، و لعل من
أبرز الإشكاليات التي شغلت بال السيد أوريد، و هو ينظر للخصوصية المغربية، إشكال
عرقي مفضوح يجد تفسيره في المرجعية الكولونيالية و يستعيده السيد أوريد كأنه إشكال
معرفي موضوعي.
فالتساؤل
عن جدوى ارتباط المغرب بمحيطه العربي الإسلامي (الشرق) سبق أن أثير منذ دخول
المغرب ضمن الحسابات الاستعمارية (الفرنسية خصوصا) و كان توجه الاستعمار الفرنسي
إلى فك ارتباط المغرب عن محيطه الحضاري العربي الإسلامي، من خلال محاربة مقوماته
الحضارية المجسدة في اللغة العربية و الدين الإسلامي. و نحن بدورنا نتساءل: ما
الجديد الذي اضافه المجنّد العرقي و هو يستعيد الأطروحة الكولونيالية و يلبسها
لباسا تاريخيا و فكريا لا يليق بنزوعها الإيديولوجي الفج .
هذا يقودنا إلى مناقشة الخلاصة التي صاغها السيد
أوريد على شكل توجيه مباشر، لا يخلو من عدوانية عرقية، فالبعد الحضاري الذي رسخه
المغاربة، على امتداد قرون، سواء كانتماء قومي عربي أو كانتماء ديني إسلامي، هو في
اعتبار المُجَنّد العرقي منظومة مستوردة لا تتطابق مع مصالح المغرب، و هذا أكبر تزوير
يمكن أن يمارَس باسم التاريخ.
فإذا كان المكون الحضاري العربي الإسلامي مستوردا
فما هو المكون الحضاري البديل الذي يجسد خصوصية المغرب؟ هل يمكن الإثبات علميا أن
هناك ثقافة قومية مغربية جامعة سابقة عن الثقافة العربية الإسلامية ؟ و إذا كان
الأمر كذلك، فهل يوجد تراث علمي و فكري و أدبي مكتوب سابق عن الثقافة العربية
الإسلامية يمكن للمغاربة أن يحيوه ؟ ما هي الأسماء الفكرية و العلمية و الأدبية
التي تشكل القومية المغربية، رمزيا، من خارج البعد الحضاري العربي الإسلامي؟ كم
عدد المؤلفات العلمية و الفكرية و الأدبية المدونة بلغة قومية أخرى غير اللغة
العربية في المغرب ؟
كلها إشكاليات معرفية صرفة، لا يطرحها المجند
العرقي و يمر عليها مرور الكرام لأنها تهدد استقرار نسقه الإيديولوجي المنغلق على
ذاته، و لذلك فهو بدل أن يفكر في البناء عبر المحافظة على الموروث الحضاري الذي
أنتجه المغاربة، على امتداد قرون، مع العمل على تطويره من منظور حضاري منفتح، بدل
مهمة البناء الصعبة يلجأ المجند العرقي إلى أسهل الحلول، من خلال ممارسة التهديم و
التدمير، مع العجز التام عن تقديم البديل اللائق لأنه يدرك، في قرارة نفسه، أنه
غير موجود .
في ظل هذا
العجز عن تقديم البديل الحضاري، نجد المجنّد العرقي (يركب رأسه) و يهرب إلى
الأمام، مفضلا تشييد المباني الطائرة بدل الارتهان إلى الواقع العملي الملموس عبر
التحليل العلمي الملموس. فهو يقر صراحة، نهاية الأمر، أنه لا يمتلك بديلا ذاتيا
يمكنه أن يساهم في تشييد الخصوصية القومية المغربية بعيدا عن الانتماء الحضاري
العربي الإسلامي، لكنه يعوض كل هذا الخواء الحضاري بحلم عابر لا يرتكز على أي
مبادئ معرفية صلبة يمكنها أن تحوله إلى حقيقة.
فالبديل، في نظره، هو القيم الكونية –هكذا بإطلاق-
و لا يتحمل المجند العرقي أي عناء في شرح ما يقصده بالقيم الكونية هذه، غير أنه
يوقع متلقيه في خلط خطير جدا حينما يختزل الانتماء الحضاري، كبراديغم و كرؤية
للعالم بالمعنى الابستملوجي، في تقنيات و أعمال روتينية بسيطة متاحة للجميع، بغض
الطرف عن المرجعية الحضارية، مثل: السياقة و الإدارة... !(البديل هو القيم الكونية التي نخضع لها في السياقة و الإدارة ...
في حياتنا اليومية ) !!!و هكذا يحسم الجدل بجرة قلم حينما يدعو المغاربة
إلى اكتساب انتماء حضاري جديد –يسميه بالكوني- مثلما يكتسبون فن السياقة و مثلما
يمارسون أعمالهم الروتينية في الإدارة. فهل يوجد هناك من بؤس إيديولوجي يفوق هذا
البؤس الإيديولوجي العرقي ؟ لا أظن ذلك !
في نفس هذا السياق من خلط الأوراق و حشر الحابل مع
النابل، لم يفوت السيد حسن أوريد الفرصة دون أن يمارس دجله العرقي في مواجهة هرم
لا يضاهى في الثقافة المغربية، بذل كل جهده الفكري و التربوي و السياسي كي يكون للمغرب مكانته المستحقة
ضمن التاريخ العربي الإسلامي، و يعتبر مفهوم الكتلة التاريخية من أهم إنجازاته
الفكرية، فرغم كون المفهوم يرتبط بالمفكر الإيطالي (أنطونيو غرامشي) على مستوى
الدال، فهو جزء من تصور الأستاذ محمد عابد الجابري على مستوى المدلول – كما سبق أن
حللنا ذلك بتفصيل في مقال سابق-
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=289469
و إذا كان السيد أوريد يتساءل عن الطرف المقصود من
الكتلة التاريخية، التي تجمع تيارات الحركة الوطنية إلى جانب التيارات الإسلامية و
كل الأطراف المقتنعة بمقومات الهوية الوطنية، فإن جواب الأستاذ الجابري كان واضحا
و لا يحتمل أي تأويل، و هو مبثوث ضمن مشروعه الفكري الضخم.الكتلة التاريخية، في
بعدها الوطني المغربي، موجهة ضد القوة الثالثة التي تشكلت، خلال المرحلة
الاستعمارية، في مواجهة القوة الأولى المجسدة في المؤسسة الملكية، و القوة الثانية
المجسدة في الحركة الوطنية. و القوة الثالثة امتداد للمشروع الاستعماري الذي أسسته
فرنسا في المغرب و جندت له الأتباع من المغاربة، من خلال توظيف الورقة العرقية
كمنطلق لتهييء مشروع إيديولوجي، بعيد المدى، مناوئ للمشروع الوطني المغربي.
إن الكتلة التاريخية، بهذا المعنى، مشروع وطني شامل
هدفه لملمة القوى الوطنية الحية المقتنعة بالخيار الحضاري المغربي، في بعده العربي
الإسلامي، و ذلك من أجل الاستعداد الدائم لوأد كل المحاولات الساعية لتفكيك الهوية
الوطنية.
فإذا تمكن
المغاربة، خلال المرحلة الاستعمارية، من توظيف روح الكتلة التاريخية في مواجهة
المشروع الاستعماري الذي جسده الظهير البربري، و إذا تمكنوا، بعد الاستقلال، من
توظيف روح الكتلة التاريخية لإفشال مشروع القوة الثالثة الذي قاده الثنائي سيء
الذكر ( لحسن اليوسي و عدي أو بيهي ) في شراكة مع بقايا الضباط و الموظفين
الفرنسيين، فإن المغاربة، اليوم، ما زالوا قادرين على توظيف روح الكتلة التاريخية،
في مواجهة أجندة الاستعمار الجديد الذي تجسده الفرنكفونية، و في مواجهة المشروع
العرقي الذي يسعى إلى فصل المغرب عن امتداده العربي الإسلامي، و في مواجهة الكيان
الصهيوني الذي يغتصب أرضا تمثل للمغاربة وطنهم الثاني .
-
ملاحظة : التغطية الإعلامية لمداخلة حسن أوريد توجد
على الرابط التالي :
http://www.maarifpress.com/news9874.html