الأيديولوجيا في عصر تكنولوجيا الاتصال
مقدمة:
هل شهد عصر التكنولوجيا اضمحلالا للأيديولوجيا أم
ازدهارا لها؟ الحقيقة أن كثيرا من
المفكرين قد ذهبوا إلى أن الأيديولوجيا انتهت و لم
يعد لها مكانا في عصر التكنولوجيا. و من هؤلاء عالم الاجتماع الأمريكي دانيال بيل صاحب
كتاب "نهاية الأيديولوجيا" و "قدوم عصر ما بعد الصناعة" ، و فرانسيس
فوكوياما صاحب كتاب "نهاية التاريخ" ، و ليوتار صاحب كتاب "وضع ما بعد
الحداثة" . فما يشترك فيه هؤلاء قولهم بنهاية عصر الأيديولوجيات الكبرى التي تعبئ
الناس في سبيل أفكار أو مثل معينة. فيذهب بيل إلى أن التطور العلمي و التكنولوجي أدى
إلى التحول من مثاليات الأيديولوجيات إلى المنطق العملي و الأداتي للعلم و التكنولوجيا
، و يذهب فوكوياما إلى أن التاريخ باعتباره صراعا بين أفكار و مذاهب و أيديولوجيات
قد انتهى بانتصار الديمقراطية الليبرالية و انتصار الغرب في الحرب الباردة و التحولات
الديمقراطية في بلدان أوروبا الشرقية ، و يذهب ليوتار إلى أن الوضع الفكري و المعرفي
المعاصر في جميع المجالات يشهد نهاية لما يسميه بالسرديات الكبرىMetanarratives ، و هي تسميته الخاصة للأيديولوجيات .
لكن هناك مجموعة أخرى من المفكرين الذين ذهبوا إلى
أن العلم و التكنولوجيا أصبحا هما الأيديولوجيا الجديدة، و أبرزهم هايدجر و فلاسفة
مدرسة فرانكفورت و هابرماس و عالم الاجتماع و السياسة الفرنسي جاك إيلول. يذهب هؤلاء
إلى أن العلم و التكنولوجيا أصبحا يقومان بالدور التقليدي للأيديولوجيا في تبرير الوضع
القائم و إضفاء الشرعية على كافة صور الهيمنة السياسية و الاقتصادية، و استبدال العقلانية
الأداتية، و هي عقلانية الوسائل، بعقلانية الأهداف و القيم الموضوعية.
إلا أن هناك بعدا آخر من الأيديولوجيا و هو الذي
سيركز عليه هذا المقال، و هو البعد المعرفي أو الإبستمولوجي، أي وظيفة الأيديولوجيا
في تزييف الوعي و تقديم صورة مشوهة و محرفة عن الواقع. و الحقيقة أن جميع الدراسات
عن الأيديولوجيا تنقسم إلى هذين القسمين: الأيديولوجيا باعتبارها خطابا عاما يبرر الوضع
القائم و يضفي الشرعية عليه، و الأيديولوجيا باعتبارها آلية في تزييف الوعي. و لا شك
أن الأيديولوجيا سواء كانت خطابا تبريريا أو آلية مزيفة للوعي تخدم أهدافا واحدة، أي
تثبيت الناس على شكل معين من العلاقات الاجتماعية و الاقتصادية و جعلهم يقتنعون بها
و يقبلونها.
نجد في أعمال ماركس معالجة للأيديولوجيا بكلا المعنيين.
فهو يعالج الأيديولوجيا باعتبارها خطابا تبريريا في نقده للاقتصاد السياسي الكلاسيكي
و لليبرالية و للطابع البورجوازي للدولة و مؤسسات المجتمع المدني ، و يعالج الأيديولوجيا
باعتبارها آلية في تزييف الوعي في نقده لصنمية السلع و تشيؤ العلاقات الاجتماعية التي
تظهر على أنها علاقات بين سلع و تحكمها قوانين اقتصادية بدلا من الإرادة الإنسانية
الحرة. كما عالج لوكاتش أيضا الأيديولوجيا باعتبارها تزييفا للوعي في مقاله الشهير
"التشيؤ ووعي البروليتاريا" في كتابه "التاريخ و الوعي الطبقي".
فالبروليتاريا عنده معرضة للانخداع بالقيم و المثل البورجوازية و أنساقها الفكرية و
الاقتصادية تماما مثل البورجوازية نفسها، و هذا الانخداع يسميه بالوعي الزائف أو المشيأ .
وسيتعامل هذا المقال مع الأيديولوجيا بمعناها الثاني-
أي باعتبارها وعيا زائفا مشيأ. تتمثل الفكرة الأساسية التي نعالجها في الصفحات التالية
في أن عصر التكنولوجيا لم يشهد اضمحلالا ولا نهاية للأيديولوجيا بل ازدهارا لها، و
اتخاذها معان و صور جديدة لم تكن معروفة من قبل، و أن تكنولوجيا الاتصال الحديثة هي
ما يقوم الآن بتزييف الوعي .
أولا: عودة إلى كهف أفلاطون:
الحقيقة أن سيطرة وسائل الإعلام على الحياة المعاصرة
يشبه أسطورة الكهف عند أفلاطون. فعندما كان أفلاطون في معرض شرح نظريته في عالم المثل
و الفرق بينه و بين العالم المحسوس ضرب مثلا عرف فيما بعد بأسطورة الكهف. فالذين يعيشون
في العالم المحسوس يشبهون أناسا ولدوا و تربوا في كهف و لم يخرجوا منه طوال حياتهم،
و هم مقيدون بسلاسل و أغلال داخل الكهف بحيث أن أنظارهم لا ترى إلا الحائط الداخلي
للكهف ولا تستطيع رؤية مخرجه. و خارج هذا الكهف توجد أشياء مثل الشجر و الحيوانات و
الناس الذين يروحون و يجيئون أمام باب الكهف. و تعكس الشمس ظلال هذه الأشياء و الناس
على جدار الكهف، و لا يعرف أهل الكهف أن ما يرونه مجرد ظلال بل ينظروا إليها على أنها
أشياء حقيقية و ذلك لأنهم لم يخرجوا من كهفهم أبدا و لم يعرفوا حقيقة الظلال، و لا
تمكنهم أغلالهم من الالتفات إلى الوراء و معرفة الأشياء الحقيقية التي تنعكس ظلالها
على جدار الكهف. و يذهب أفلاطون إلى أن عالمنا الحسي الذي نعيشه ما هو إلا ظلالا و
أخيلة للمثل و الحقائق الموجودة في عالم المثل، العالم العقلي العالي على المحسوسات.
تشكل أسطورة الكهف مثالا جيدا و دالا في فهم العالم
الذي يخلقه الإعلام. فكما يفسر أونيل كهف أفلاطون ، يخلق الإعلام عالما وهميا و زائفا
يعتقد الناس في حقيقته و صدقه. و يلتف الناس حول وسائل الإعلام و يظلوا مقيدين أمامها
تماما مثلما كان أهل الكهف مقيدين في كهفهم ينظرون في حائطه إلى الظلال و يعتقدون في
حقيقتها. و تتمثل الدلالة المعاصرة لأسطورة الكهف في أن المرء لم يعد يتمكن من معرفة
أي شيء عن العالم الخارجي أو عن مجتمعه إلا من خلال وسائل الإعلام، و لم يعد يصدق شيئا
إلا إذا تم نقله عن طريقها. فحتى الأحداث الواقعية التي يعيشها الإنسان لا يحيط بها
و لا يستوعبها إلا عبر الإعلام. فلم يعد هناك اتصال مباشر بين المرء و مجتمعه أو بينه
و بين خبرات حقيقية معاشة، بل أصبح اتصاله بكل شيء متوسطا عن طريق الإعلام.
ثانيا: الإعلام باعتباره جهازا أيديولوجيا:
يمكن فهم الدور الأيديولوجي الذي يقوم به الإعلام
على نحو أفضل إذا نظرنا إليه من زاوية عملية التحول المادي للأيديولوجيا Materialization of Ideology التي حدثت في القرن العشرين. فلم تعد الأيديولوجيا تؤثر على الأفكار و
المعتقدات فقط، بل أصبحت تحت تأثير الإعلام تؤثر على أسلوب النظر إلى الأشياء و إدراكها.
كما لم تعد الأفكار أو الخطاب أو الشعارات هي أدوات الأيديولوجيا، بل أصبحت أدواتها
مادية مثل أجهزة الإعلام، و لم تعد الأيديولوجيا تنتشر بالكلمات بل بالصور و العلامات.
و الحقيقة أن التحول المادي للأيديولوجيا جعلها أكثر خفاء و أصعب في الرصد، أي جعلها
تتخفى وراء أشياء أخرى و لا تكشف عن حقيقتها صراحة بحيث يصعب التعرف عليها الآن، بل
إن السائد حاليا هو القول بنهاية الأيديولوجيا استنتاجا من نهاية فلسفات التاريخ و
الشعارات و السرديات الكبرى، إلا أن الأيديولوجيا لا تزال عاملة على مستوى الصورة و
العلامة و الرمز.
نستطيع أن نفهم معنى التحول المادي للأيديولوجيا
إذا فحصنا نظرية ألتوسير في أجهزة الدولة الأيديولوجية. تثبت هذه النظرية أن هناك طرقا
أخرى جديدة لممارسة الأيديولوجيا غير الطرق الخطابية Discoursive أو الفكرية. فالأيديولوجيا ليس شرطا أن تقتصر على مجال الأفكار و المعتقدات،
بل إن مؤسسة أو جهازا معينا يمكن أن يقوم بدور أيديولوجي مثل الكنيسة و المدرسة و الإعلام.
و يعلن ألتوسير صراحة أن الإعلام ينتمي عن جدارة إلى أجهزة الدولة الأيديولوجية .
يذهب ألتوسير إلى أن أجهزة الدولة الأيديولوجية
تمارس دورا أيديولوجيا و هو تجديد إنتاج علاقات الإنتاج. فلا يكفي لكي يستمر النظام
الرأسمالي في الوجود أن تتوافر لديه الإمكانات المادية فقط، بل يجب أيضا أن يحافظ هذا
النظام على نفس الطريقة في توزيع الثروة و نفس العلاقات بين رأس المال و العمل المأجور
و يضفي عليها الشرعية و المعقولية . و يقوم الإعلام بدوره الأيديولوجي عن طريق تأكيد
و نشر مجموعة القيم و المعايير التي تساعد على المحافظة على علاقات الإنتاج القائمة.
و لكي يقوم أي جهاز أيديولوجي بوظيفته الأيديولوجية
كما يجب، فيجب أن يقدم نفسه باعتباره محايدا و موضوعيا. و يطبق ألتوسير كلامه هذا على
المدرسة و يذهب إلى أنها هي الجهاز الأيديولوجي الأول في الدولة البورجوازية. فالمدرسة
تأخذ طابع الحيادية و الموضوعية بدرجة شديدة جدا. فهي لا تظهر إلا باعتبارها مكانا
لتلقين العلم و تربية النشء و إعدادهم للمستقبل، إلا أنها في الحقيقة خير وسيلة لترتيب
الأفراد منذ الصغر على السلم الاجتماعي و الطبقي القائم . و الحقيقة أن وسائل الإعلام
حاليا قد اتخذت مكان المدرسة باعتبارها الجهاز الأيديولوجي الأول. فالطابع الحيادي
و الموضوعي الزائف هو ما يتخذه الإعلام الآن و تؤكد عليه الدراسات الإعلامية أيضا،
و أهمها و أولها دراسة ماكلوهان "فهم الإعلام" Understanding Media . إذ يؤكد ماكلوهان على حيادية الإعلام بقوله أننا لا نستطيع الذهاب إلى
أن الإعلام نافع أو ضار أو خير أو شرير، و ذلك لأنه مجرد وسيلة، و من هنا يجب علينا
استبعاد الأحكام الأخلاقية و التقويمية في دراستنا للإعلام. و يتضح الطابع الحيادي
و الموضوعي للإعلام أيضا في قوله الشهير أن الوسيط هو الرسالة The Media is the Message. فليس للإعلام رسالة سيئة أو خيرة، بل إن رسالته هي التوصيل و الإعلام
فقط Informing . فالإعلام يقدم نفسه على أنه حيادي و موضوعي، و الدراسات الإعلامية هي
الأخرى تدرسه على أنه كذلك.
من أهم وظائف الأيديولوجيا أنها تقلب العلاقات الحقيقية
الموجودة في الواقع. فإذا كان هناك صراع ألغته و عتمت عليه و قدمت بدلا منه الوفاق
و الانسجام، و إذا كان هناك تناقض طبقي قدمته على أنه تعددية و ليبرالية، و إذا كان
هناك شمولية قدمت هي التعدد و التنوع. و هذا هو ما يقوم به الإعلام بالضبط. فهو يصور
المجتمع على أنه متعدد و متنوع في حين أن الشمولية تسوده، و هي ذاتها تقدم تنوعا و
تعددا ظاهرا في القنوات و التحليلات الإخبارية و الصحف و المجلات، إلا أن هذا التعدد
يخفي وحدة في النظرات و المواقف و الأفكار. فالإعلام يقدم نفسه على أنه متنوع في حين
أنه واحد، و هو في ذلك يقوم بالدور الأيديولوجي في تشتيت الوعي و تجزيئه.
ثالثا:الوقائع و المعلومات في ظل تكنولوجيا الاتصال:
يقدم لنا عالم الاجتماع و السياسة جاك إيلول تحليلا
نقديا بارعا للسياسة و الرأي العام في عصر الإعلام يتبين منه الدور الأيديولوجي الجديد
لوسائل الإعلام. فإذا كان الرأي العام له دور أساسي و كبير في تشكيل السياسات فيجب
علينا في البداية تحليل العناصر التي تشكل هذا الرأي العام، أي الوقائع Facts و المعلومات. يذهب إيلول إلى أن الوقائع المشكلة للرأي العام لا تتمتع
بالحياد و النقاء المفترض فيها. فالوقائع لا تصبح وقائع إلا بعد عملية معالجة من قبل
وسائل الإعلام، و لا يقبل الرأي العام شيئا على أنه واقعة إلا إذا اتفقت مع تعريفه
هو للواقعة، أي مع ما لديه من نماذج Patterns و أنماط جاهزة Stereotypes صنعها الإعلام أيضا . ومن هنا تكون الوقائع التي صنعها ونقلها الإعلام
هي نفسها العناصر و الخيوط المكونة لشبكة الأيديولوجيا. فالأيديولوجيا لا تزيف وقائع
و معلومات، بل إنها تعمل على تشكيلهما منذ البداية.
يقارن إيلول بين الوقائع و المعلومات في المجتمع
التقليدي و في المجتمع الحديث. فالرجل الذي ينقل إلى قبيلته أخبارا من القبائل الأخرى
أو عن المناطق التي زارها، أو التجار الذين ينقلون لمجتمعهم أخبارا عن مجتمعات أخرى
لا يؤثرون في فهم و رؤية مجتمعهم لنفسه، فهذه الأخبار مجرد شذرات منفصلة عنهم و لا
تشكل جزءا من عالمهم الاجتماعي. أما في المجتمع الحديث و نتيجة لتقدم وسائل الإعلام
فإن ما يتلقاه المرء من أخبار و معلومات هو الذي يشكل رؤيته للعالم و لمجتمعه الذي
يعيش فيه. و على الرغم من أن المرء يذهب و يجيء و يتحرك عبر العالم كله إلا أنه يخبره
بطريقة غير مباشرة. فهو يعيش في عالم تمت إعادة ترجمته و تحريره و لم يعد له أي صلة
مباشرة بالعالم الحقيقي. و حتى الوقائع و الأحداث التي عاشها بنفسه و شاهدها تحدث أمام
عينيه سوف يرى أنها تنقل إليه عن طريق وسائط إعلامية: الصحف و الإذاعة و التليفزيون،
و سوف يرى وصفا و تفسيرا و تحريرا لما عاشه بالفعل، و غالبا ما سيؤثر عليه الحدث الذي
تم توصيله بهذه الطريقة أكثر من تأثره بخبرته الشخصية، فهذه الأخيرة لن تصمد أمام الصورة
التي ينقلها الإعلام
.
وعلى عكس الاعتقاد الشائع يذهب إيلول إلى أن توافر
المعلومات الصحيحة لا يؤدي بالضرورة إلى تشكيل واقعة سياسية و بالتالي إلى رأي عام
. فهناك حالات كثيرة توافرت للناس فيها المعلومات الصحيحة و الكافية إلا أنها لم تؤد
إلى ظهور رأي عام. إن تشكيل الرأي العام مسألة دعاية أو بروباجاندا. فيجب أن تحمل المعلومات
بعناصر أخرى عاطفية و انفعالية و رمزية حتى يتشكل الرأي العام.
ليست الوقائع هي الأحداث الفعلية، بل هي ما تمت
ترجمته إلى كلمات و صور. ويضرب إيلول مثلا على ذلك بغزو جيش لدولة أخرى. فرجل الشارع
البسيط الذي رأى الحدث أمامه لم يشاهد إلا جيشا يدخل مدينته، و هو لا يدرك أن ما رآه
غزو أجنبي لبلاده إلا عن طريق الإعلام. فالرجل لم يشاهد واقعة بل حدثا، و لا يتحول
هذا الحدث إلى واقعة و حقيقة قائمة إلا عن طريق الإعلام. فالواقعة هي ما تمت معالجته
لإضفاء طابع عام عليه لكي يتمكن المرء من إدراكه مباشرة، و هي أيضا ما تم نقله إلى
أناس كثيرين عن طريق الإعلام13. معنى ذلك أن الواقعة هي ما أضفيت عليها تلوينا خاصا
غير حاضر في أعين من شاهدوا الحدث، و هي ما ألحقت بها تحليلات و حملت بمعان و مشاعر
حتى تكون مادة للجمهور. و إذا لم تترجم الأحداث المشتتة و المبعثرة بهذه الطرق و الوسائل
و أضفي عليها هذه الخصائص لن تصبح وقائع و لن تكون عناصر لتشكيل و بناء رأي عام.
لم تعد شهادات هؤلاء الذين عاشوا أحداثا معينة أو
شاهدوا واقعة أو مروا بخبرات حقيقية صالحة لأن تؤثر في الناس و تصبح مادة للرأي العام
طالما أن أولئك لا يملكون الوصول إلى الإعلام أو التأثير فيه، ذلك لأن الإعلام أصبح
هو الذي يقوم بدور نقل الخبرات الفردية إلى أحداث ووقائع عامة، و تعميم ما هو خاص و
جعله عاما14. فهذه القدرة على التعميم Generalizability لم تعد ملكا الجمهور،
بل ملكا الإعلام. و من هنا تستطيع وسائل الإعلام ممارسة دورها الأيديولوجي بأن تعمم
مصالح معينة جزئية و خاصة ليس لها الحق في ذلك، و التعبير عن مواقف ووجهات نظر جزئية
ومتحيزة بحجة أنها مواقف الكل ووجهات نظر الجميع.
إن استقبال المرء للوقائع و فهمها و تفسيرها يعتمد
على ما لديه من أنماط جاهزة صنعها الإعلام، بحيث أنه لن يصدق الوقائع التي لا تتفق
مع هذه الأنماط، بل إن تلك الأحداث التي لا تتفق مع ما لديه من أنماط لن يكون لها تأثير
يذكر عليه و سوف ينساها. و الحقيقة أن الأنماط التي يتحدث عنها إيلول هنا هي المقصود
بالدور الأيديولوجي للإعلام، فمن أهم وظائف الأيديولوجيا أنها تشكل الإطار الذي ندرك
من خلاله العالم و ننظر به إلى مجتمعنا . كما أن هذه الأنماط هي كل ما يمتلكه المرء
في النظر و الحكم على الأشياء و لا يمتلك غيرها، و في ذلك يقول إيلول: "إن الحدث
الذي ينقله الإعلام يطرد كل الوقائع الأخرى من مجال الإدراك" ، بحيث أن المرء
لا يصدق أي شيء إلا إذا جاءه عن طريق الإعلام. فالنماذج و الأنماط الجاهزة التي يفهم
بها الرأي العام الوقائع و المعلومات أهم من الواقع نفسه لأنها هي التي تشكل هذا الواقع
و تصنع واقعا آخر أكثر واقعية من الواقع الحقيقي .
رابعا: عودة للوظائف التقليدية للأيديولوجيا:
لا يقتصر طابع وسائل الإعلام الحديثة على كونها
تتخذ وظائف أيديولوجية، بل هي ترث نفس وظائف الأيديولوجيا التقليدية. يكشف الإعلام
الحديث عن عودة لجميع الوظائف التقليدية للأيديولوجيا بحيث نستطيع القول أنه يشكل الممثل
و الحامل الجديد لها.و سنحاول فيما يلي توضيح الملامح الأساسية للأيديولوجيا التقليدية
و مدى تعبير الإعلام الحديث عنها.
أ) الدال و المدلول:
تمثل مفهوم الأيديولوجيا لدى مبحث نقد الأيديولوجيا
عند التيارات النقدية في القرن التاسع عشر و النصف الأول من القرن العشرين مثل الماركسية
و الاتجاه النقدي لمدرسة فرانكفورت و بعض المفكرين الآخرين مثل مانهايم و ريكور في
النظر إليها على أنها تشويه يصيب العلاقة بين الذات و الموضوع. و تم النظر إلى هذه
العلاقة على أنها علاقة إبستمولوجية تتم بتوسط أفكار و تصورات و مفاهيم. و تقوم الأيديولوجيا
بعملها عن طريق تزييف هذه الوسائط التي هي سبيلنا لمعرفة العالم و أنفسنا. و من هنا
كانت الأيديولوجيا قضية تتعلق بالتمثيل Representation أي خطأ يحدث في عملية تمثيل الفكرة للشيء
أو الدال للمدلول. و إذا كان التشويه يصيب الموضوع فهو يصيب الذات أيضا، و بذلك تصبح
مغتربة، أي غير قادرة على تحقيق علاقة أصيلة و حقيقية مع موضوعها . الأيديولوجيا وفق
هذا التصور إذن شيء يصيب الوعي، و كانت خير وسيلة لنقد الأيديولوجيا توضيح التشويه
الذي يجري على الفكرة أو التصور، و يتم ذلك بنقد محايث Immanent Critique أي النقد الذي يتتبع سير عملية التمثيل هذه من داخلها حتى يضع يده على
عملية التشويه، و يتم كذلك بنوع من تطهير الوعي أو الانعكاس على الذات Self-Reflection لتخليص الوعي مما أصابه من تزييف. و لاشك أن هذا النقد للأيديولوجيا سوف
يعتمد على ابستمولوجيا هيجلية-ماركسية، فهي التي تمكنه من التعامل مع مفاهيم مثل الوعي
و الوعي الذاتي و الاغتراب و التشيؤ و الانعكاس على الذات.
و الحقيقة أننا إذا فحصنا ظاهرة الاتصال التكنولوجي
الحديث سنجد أن وظيفة الأيديولوجيا باعتبارها تشويها للعلاقة بين دال و مدلول تتكرر
و تكتسب أبعادا جديدة. فمن المفترض أن ما ينقله الإعلام هو الواقع بحذافيره، أي دالا
بريئا محايدا يشير مباشرة إلى مدلوله. إلا أن ما يحدث هو أن هذا المظهر البريء المحايد
يخفي وراءه كل خدع و أوهام الإعلام . فما أدرانا أن الصور التي ينقلها الإعلام هي الواقع
الحقيقي؟ لم يعد للمرء اتصال مباشر بواقع حقيقي حتى يقارن بينه و بين الواقع الذي ينقله
الإعلام، فواقع الإعلام هو كل ما لديه و لا يملك إلا أن يقبله و يعترف به.
عنصر آخر كانت تحتويه الأيديولوجيا التقليدية و
لا تزال وسائل الاتصال تعبر عنه، و هو التجريد أو الاختزال. فقد نقد ماركس اقتصاد السوق
لكونه يختزل كل العلاقات الإنسانية و كل النشاط البشري إلى معادل واحد Common Denominator و هو المال. ومن هنا يظهر رأس المال على أن له استقلال و منطق و قوانين
خاصة به مستقلة عن مصدرها الاجتماعي و الإنساني . الإعلام الحديث أيضا يقوم بنفس الوظيفة،
فهو يرد كل شيء إلى مجرد صور و مشاهد و علامات. و لا يعد لأي شيء معنى إلا إذا تم التعبير
عنه بهذه الوسائل، و لا يصبح لأي خبر مصداقية إلا إذا تم نقله عن طريق هذه الوسائل.
و بذلك تلغى الخبرة الشخصية و يلغى أي معنى اجتماعي أو إنساني لأي حدث إذا لم يمر من
قنوات الاتصال الحديث.
الحقيقة أن الواقع الذي تنقله وسائل الإعلام ليس
هو الواقع الحقيقي المباشر بل واقعا آخر تمت معالجته و تحريره بحيث يكون أكثر واقعية
من الواقع الحقيقي ، ويعبر عنه بودريار بمصطلح الواقع المفرط Hyperreality . يضرب لنا بودريار مثلا من السينما المعاصرة على الانقلاب الذي حدث للعلاقة
بين الدال والمدلول. فهو يذهب إلى أن السينما مثل على هذا الواقع الفائق، هي تمثل دالا
لا لمدلول حقيقي بل لدال آخر. فهي تجسيد للسيناريو الذي يعد بدوره تجسيدا لرواية. و
ليست الرواية هي الأخرى المدلول الأخير بل تعد هي الأخرى دالا لخبرات و تجارب عامة.و
الأكثر من ذلك أن السينما أصبحت مغرمة بذاتها، فكثير من الأعمال السينمائية في هوليود
يدور حول أبطال و نجوم سابقين، وكثير من الأفلام الحديثة عبارة عن إعادة لأفلام قديمة Remaking .
ب) صنمية الصورة :
أدى التطور المعاصر لتكنولوجيا الإعلام و البصرية
منها خاصة إلى أن تحولت الصورة من مجرد تمثيل لواقع إلى تحولها هي نفسها إلى واقع حقيقي.
و يطلق بعض المفكرين على هذه الظاهرة مصطلح صنمية الصورة أو العلامة. و يعد ماركس هو
أول من تكلم عن الطابع الصنمي للسلع Fetishism of Commodities . فالإنتاج الرأسمالي يظهر على أنه إنتاج لسلع تتراكم باستمرار، و تظهر
هذه السلع على أن لهل قوانينها الخاصة المتحكمة فيها و هي قوانين السوق، و بذلك تبتعد
عن أصلها الإنساني و يتم نسيان العلاقات الاجتماعية التي أدت إلى ظهورها و لا يظهر
منها إلا وجودها المادي و موضوعيتها الزائفة. كان هذا في بداية العصر الرأسمالي، أما
الآن فقد حلت الصور محل السلع. و يحلل ديبور هذا الوضع الجديد و يوضح فيه استمرار الصنمية
القديمة التي كانت تعمل على مستوى السلعة و تحولها إلى مستوى الصورة . فأول مرحلة في
هيمنة الأيديولوجيا البورجوازية تمثلت في انحدار الوجود الإنساني إلى مجرد التملك و
تعبير المرء عن نفسه و عن عملية تحقيقه لذاته في صورة تملكه لسلع. أما الآن فقد دخل
المجتمع مرحلة جديدة في الهيمنة، تلك التي تتمثل في ضرورة إثبات الملكية في شكل ظاهر،
فالتملك يجب أن يكشف عن نفسه و يظهر في صورة رموز و صور. و الحاجة أيضا يجب أن يتم
التعبير عنها من خلال نفس الوسائط. يقول ديبور: "إذا كانت جميع الحاجات الاجتماعية
لعصرنا لا يمكن إشباعها إلا بتوسط الإعلام و تكنولوجيا الاتصال، و إذا كانت إدارة المجتمع
و جميع صور الاحتكاك بين الناس لا يمكن أن تحدث إلا من خلال هذه الوسائط، فذلك لأن
التكنولوجيا مهيمنة و لا يمكن الخروج عنها و محتكرة لجميع عمليات الاتصال."
تعد تكنولوجيا الإعلام الحديثة نهاية لمشروع نظرية
المعرفة الحديثة و الفلسفة الغربية ذاتها. فقد كان الفكر الغربي يلتف حول هدف أساسي
و هو أن تكون العلامة قادرة على الإشارة إلى عمق المعنى و جديرة بتمثيله، سواء كانت
هذه العلامة مفهوما أو فكرة أو نظرية. أما الآن فقد حلت الصورة محل أي علامة أخرى يمكن
أن تعبر عن المعنى أو الواقع. فللصور قدرة فائقة على أن تحل محل الواقع و أن تصبح محاكاة
زائفة Simulacra
. و هي بذلك تعلو على القدرة التمثيلية للفكرة أو
المفهوم. فإذا كان التمثيل Representation يفترض أن العلامة القائمة بالتمثيل و الواقع
شيء واحد، فإن المحاكاة
Simulation ،
و هي العملية التي تقوم بها الصور، تقدم الواقع بأحسن مما هو عليه، أي تقدمه بصورة
واقعية أكثر من التي هو عليها .
و إذا كانت صنمية السلع هي الطابع الأساسي للمجتمع
الرأسمالي فإن الذي يساعد الآن على انتشارها هو الإعلام نفسه، فقد أصبح هو المصنم الأكبر Fetishizer . فنحن نتعرف على السلع من خلاله، و هو الذي يحول القيمة الاستعمالية إلى
قيمة تبادلية .
ج) جمهرة الأفراد و فردنة الجمهور:
يتسم المجتمع الرأسمالي بأنه يقوم بعمليتي التفتيت Fragmentation و التشميل
Totalization في نفس الوقت، فهو يعامل الفرد على أنه
جزء من جمهور أكبر منه، و يعامل الجمهور على أنه ليس إلا مجموع من الأفراد، و بذلك
يطمس الفروق الواضحة بينهما و يقضي على الخواص المميزة لكل منهما، و يضيع فردية الفرد
بإلحاقه في جمهور و يضيع أي ترابط أو وحدة ممكنة للجمهور بتفتيته إلى حشد من الأفراد.
و قد وضع ماركس يده على هذه الظاهرة و حللها في جانبها الاقتصادي. فالتقسيم الرأسمالي
للعمل يؤدي إلى تفتيت عملية العمل إلى أجزاء متناهية في الصغر إلى الدرجة التي لا يصبح
العامل عندها مدركا لكيفية إسهام عمله في عملية الإنتاج الكلية و لا يعد متحكما فيه.
و على جانب آخر تلحق هذه العملية الاقتصادية العامل بنظام كلي و طاغ من الإنتاج الرأسمالي
الذي يتحكم فيه . فعملية العمل في ظل النظام الرأسمالي تتسم بأنها مفتتة Fragmentizedو مشملة
Totalized في نفس الوقت، مفتتة لأنها تفتت العملية
الإنتاجية و العامل معها، و مشملة لأنها تلحق العامل بنظام شامل يسيطر عليه.
ورث الإعلام الحديث نفس هذه الوظيفة المزدوجة للنظام
الرأسمالي، و خاصة في أحد أهم جوانبه، أي باعتباره مشكلا للرأي العام و لاتجاهات الجماهير.
فلكي يقوم الإعلام بذلك فيجب عليه أن يكون مجزِئًا و مشملا في نفس الوقت. لا يشتغل
الإعلام على الفرد وحده أو على الجمهور وحده، فالفرد الوحيد ليس له أهمية بالنسبة للإعلام،
و لا يشتغل أيضا على الجمهور وحده لأن الجمهور ليس كيانا قائما بذاته بل هو مكون من
أفراد. أي أن الإعلام يعامل الفرد على أنه جزء من جمهور و يعامل الجمهور على أنه ليس
إلا مجموعة من الأفراد. و هذا يعني أن الإعلام لا يبرز من الفرد إلا ما هو شائع و قياسي
و مشترك مع الأفراد الآخرين ، أما ما يجعله فردا متمايزا و مختلفا فينحيه الإعلام جانبا
و يلغيه. و بذلك يتم إدماج الفرد في الجماعة Integration و إضفاء الطابع العادي عليه Normalization . فعندما يعامل الفرد على أنه جزء من جمهور تضعف مقاومته لتأثير هذا الجمهور
عليه. فالمستمع إلى الإذاعة أو مشاهد التليفزيون على الرغم من أنه يمكن أن يكون وحيدا
و منعزلا بالفعل أثناء الاستماع أو المشاهدة إلا أن الإعلام يؤكد له دائما أنه جزء
من كل أكبر منه.
د) تخصيص العام و تعميم الخاص:
تناول نقاد الرأسمالية من اليسار و اليمين على السواء
أحد أهم سمات المجتمع الرأسمالي و هي الخلط بين المجال العام و المجال الخاص و طمس
الملامح الخاصة بكل منهما. فهذا المجتمع ينظر إلى مشكلة مثل مشكلة البطالة مثلا على
أنها مشكلة فردية ناتجة عن نقص في قدرات و مواهب الفرد و كفاءته، و لا يفسرها بإرجاعها
إلى عواملها الاقتصادية و البنائية ، و ينظر إلى اضطرابات الشخص وأزماته النفسية على
أنه هو المسئول الأول عنها، أي أنها نتيجة خبرات و تجارب فردية مؤلمة، و لا يفسرها
على أنها نتيجة البيئة الاجتماعية المحيطة به. فالمشكلات ذات الأسباب العامة يحولها
إلى المجال الخاص. و على الجانب الآخر ينقل المجتمع الرأسمالي خبرة و رؤية طبقة واحدة
فيه و هي البورجوازية إلى باقي طبقات المجتمع و يعممها عليه، و بذلك تتحول مفاهيم البورجوازية
عن الحق و العدل و الخير إلى مفاهيم عامة و تنزع نحو الحصول على الصلاحية الكلية في
حين أنها لا تخص إلا طبقة واحدة . و حتى الأساليب الفنية و معايير الجمال الخاصة بالرؤية
البورجوازية يتم تعميمها على مستوى المجتمع كله. و بذلك تفرض البورجوازية رؤيتها و
فكرها على باقي الطبقات، و تكون الأفكار السائدة هي أفكار الطبقة السائدة.
يتخذ الإعلام أيضا نفس هذه الوظيفة القديمة للأيديولوجيا
البورجوازية. يذهب ماكلوهان إلى أن الإعلام يجعلنا سكان قرية واحدة و ذلك نتيجة السرعة
التي يتم بها نقل الأخبار و المعلومات و نتيجة لانتشار وسائل الإعلام ووصولها إلى كل
بقعة من الأرض. و على الرغم من أن هذا يعد جانبا إيجابيا إلا أنه يخفي الجانب السلبي،
و يتمثل في أن الإعلام بذلك يحمل نفس طابع كل خطاب أيديولوجي. صحيح أن الإعلام يحول
العالم إلى قرية واحدة إلا أن ذلك يعني في نفس الوقت أنه يقضي على الاختلافات و التمايزات
الثقافية و الحضارية لكل الشعوب، و يعمل على إدماجها في ثقافة واحدة و هي ثقافة الغرب
بالطبع .
و على الجانب الآخر يلعب الإعلام على رغبة المرء
في توكيد وإثبات ذاته و ذلك بأن يبعد الحياة اليومية عن ارتباطها بأي أبعاد سياسية
و اجتماعية و يضفي عليها الطابع الشخصي و الخاص Private ، و يجعل الفرد يتوهم بأنه يمكنه تحقيق ذاته عن
طريق امتلاك موضوعات استهلاكية. و في نفس الوقت يقوم الإعلام بإقناع المشاهدين أن فرديتهم
و هويتهم تضمنها الثقافة ككل، أي الثقافة باعتبارها إطارا حاويا للفرد ويوفر له الشعور
بالانتماء. فالفرد هنا هو المتوافق و المنسجم مع ثقافته، أي مع النظام القائم، لا المختلف
معه أو المعارض و المواجه له .
خامسا: نقد الأيديولوجيا من الماركسية الهيجلية
إلى ما بعد البنيوية:
لاحظنا مما سبق أن تحليل الدور الأيديولوجي للإعلام
انتقل من مفاهيم مثل الاغتراب و التشيؤ و الوعي الزائف إلى مجموعة أخرى من المفاهيم
مثل الدال و المدلول و العلامة و الصورة و الرمز. و الحقيقة أن هذا الانتقال يعد انتقالا
من نقد الأيديولوجيا المستند على ابستمولوجيا ماركسية هيجلية و السائد لدى شخصيات مثل
ماركس و لوكاتش و فلاسفة مدرسة فرانكفورت و ريكور، إلى ابستمولوجيا أخرى يمكن أن نطلق
عليها ما بعد بنيوية
Post-Structuralist ، و من أهم أعلامها بارت و فوكو و ليوتار و بودريار
و أمبرتو إيكو. يوازي هذا التحول تحولا آخر حدث في الفكر المعاصر من نموذج فكري يستند
على فلسفة في الذات أو الوعي إلى نموذج آخر يستند على فلسفة اللغة، و هو ما يعرف بالتحول
اللغوي
Linguistic Turn .
أدى هذا التحول إلى تغيير مماثل في موضوع الأيديولوجيا،
فقد تحولت من تزييف للوعي إلى تزييف للعملية الإدراكية نفسها. فلم يعد التزييف يجري
على العلاقة المعرفية بين الذات و الموضوع، بل على عملية إدراك العلامة التي تشير إلى
الموضوع أو الدال الذي يشير إلى المدلول. و من هنا نستطيع القول أن أعمال سوسور و دريدا
ذات أهمية كبيرة إذا كان علينا تناول الدور الأيديولوجي للإعلام. هذا بالإضافة إلى
أن السيميولوجيا و هي العلم الذي أسهم في تطويره بارت و لاكان و بودريار و إيكو، ذات
إمكانات واعدة تمكننا من أن نستقي منها نظرية في نقد الأيديولوجيا تضع في اعتبارها
الوسط الإعلامي الجديد الذي تنتشر فيه الأيديولوجيا.