-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

ازدواجية لغوية أم انفصام في الشخصية؟سعيد عاهد

1 ـــ نشرت اليومية البريطانية «ذا دايلي مايلي»، في عددها المؤرخ ب20 ماي من السنة الماضية، نتائج دراسة ميدانية أنجزها فريق من الباحثين المنتمين لجامعة لانكاستر، تمحورت حول ذهنيات وسلوكات الأشخاص مزدوجي اللسان. 
الدراسة التي تكونت عينتها من أفراد يوظفون الإنجليزية والألمانية بطلاقة في ذات الآن، أشارت، ضمن خلاصاتها، إلى أن نوعا من ازدواجية الشخصية يطال مزدوجي اللغة.
ثمة آلية معقدة تسمح لهؤلاء باختراق اللغتين معا بسهولة، بدون لكنة في أية واحدة منهما ولا عناء في العثور على المفردات والجمل. وقد خلص الباحثون إلى أن كل لغة على حدة تحدد، حين يستعملها مزدوج اللسان بدل الأخرى، حقلا معجميا خاصا، بل ونظرة مختلفة.
بالنسبة للعينة المدروسة، اكتشفت الدراسة أن استعمال الإنجليزية ينتج عنه التركيز على الفعل في حد ذاته، بينما استعمال الألمانية يؤدي بالشخص إلى إيلاء الأولوية للسياق. ما دفع الباحثين منجزي الدراسة الميدانية إلى الزعم بأن الواقع هذا مؤشر تقريبا على شرخ في شخصية مزدوجي اللسان.
وبالمقابل، فالعديد من اختصاصيي الازدواجية اللغوية يذهبون إلى الإقرار بأن الأمر يتعلق في الحقيقة بامتلاك حقل أفسح من القدرات الإدراكية وكفاءة صياغة الحكي، ومن هؤلاء الاختصاصيين الباحثة باربارا عبد الإله- باور.
تقول صاحبة «دليل عملي لآباء الأطفال مزدوجي اللغة»: «كثيرا ما يقال عن مزدوجي اللسان إنهم ذوو «ثقافة مزدوجة». لكنني لا أحبذ هذا التعريف. أعتقد أنه تعريف سلبي لكونه يحيل على نوع من انفصام الشخصية. أجل، إن مزدوجي اللغة يتأرجحون في البداية بين نسقين من القيم والتقاليد والمسلكيات، لكنهم يمزجون، في آخر المطاف، بين هذه المكونات لخلق عالمهم المميز. وهو ما يمثل فرصة هائلة، كما أن هذه الكفاءات الثقافية الموسعة تولد انفتاحا فكريا.»
من جانبه، يرفض الباحث في مجال اللسانيات الاجتماعية فرانسوا غروجون مقولة معاناة مزدوجي اللغة بانفصام في الشخصية.
يشرح الباحث المبرز المزدوج الجنسية (فرنسي-سويسري) في حوار مع مجلة «لو سيركل بسي» أن «المحيط والثقافة والمحاورين هم من يجعلون مزدوجي اللسان يغيرون سلوكهم وأحاسيسهم وتصرفاتهم.» ويضيف مؤلف «التحدث بعدة لغات- عالم مزدوجي اللغة» أن الوضع هذا جد عاد، ذلك أن مزدوجي اللسان «يكيفون شخصية مع محاورهم ومع السياق، مثلما نفعل ذلك نحن جميعنا، سواء كنا مزدوجي اللغة أو لا. إننا نتصرف جميعنا بشكل مخالف لما نتوجه بالكلام إلى أعز أصدقائنا أو نتحدث مع رئيسنا في العمل، والأمر ينطبق أيضا على مزدوجي اللغة».
وللحديث بقية. 
2 ــ حسب خلاصات دراسة ميدانية أنجزها فريق من الباحثين المنتمين لجامعة لانكاستر، تمحورت حول ذهنيات وسلوكات الأشخاص مزدوجي اللسان، فهؤلاء يعانون من نوع من ازدواجية اللغة (انظر العمود الصادر في عدد 13 يناير الجاري من الجريدة). 
لكن العديد من اختصاصيي المجال غير متفقين مع هذه الخلاصة، ويذهبون إلى الإقرار بأن ازدواجية اللسان تولد تملك حقل أفسح من القدرات الإدراكية وكفاءات صياغة الحكي، ومن هؤلاء الاختصاصيين الباحثة باربارا عبد الإله- باور.
تقول صاحبة «دليل عملي لفائدة آباء الأطفال مزدوجي اللغة»، معقبة على وضعية أوجيني البالغة من العمر 23 سنة والمتقنة للإنجليزية والفرنسية في ذات الآن التي تؤكد أنها تكون أكثر تلقائية حين تتحدث لغتها المكتسبة (الإنجليزية) وليس لغتها- الأم (الفرنسية)، تقول الباحثة إن هذا الوضع غير مفاجئ، شارحة: «اللغة التي يتلقنها الإنسان في سن متأخر لا تتضمن نفس الخطوط الحمراء والطابوهات التي تزخر بها اللغة الأولى للتنشئة الاجتماعية. ثمة شهادات كثيرة لأفراد يصرحون بأنهم يتصرفون بشكل مغاير ويتحدثون بسهولة أكبر عن المواضيع الحميمية» حين يتواصلون باللغة المكتسبة، وليس باللغة- الأم.
يبدو أن مزدوجي اللسان واعون، إلى هذا الحد أو ذاك، بالتحولات التي تطالهم وهم يوظفون لغتهم الأولى أو الثانية، بل إنهم يتلاعبون بهذه التحولات. تقول الباحثة باربارا عبد الإله- باور إن «لغة القلب، التي هي اللغة الأصل تحيل، في أغلب الأحيان، على حقل العاطفة والأحاسيس». أما اللغة الثانية المكتسبة، فإنها تمنحهم نوعا من التحرر من قيود القلب، ذلك أنهم «يوظفونها بطريقة أكثر عقلانية لتناول قضايا عميقة أو ذات صلة بمعيشهم. إنها تسلحهم بنوع من المسافة.»
ويعتقد العديد من الباحثين في مجرة ازدواجية اللسان، أن لغة الأم ليست دائما لغة مزدوج اللسان الحميمة. ذلك أن الأخيرة تتشكل من لغة الطفولة الأولى وليس من لسان الوالدة. بل ثمة من يتخلون نهائيا عن لغة أمهاتهم ويطردونها من ذاكرتهم ومن أسندة تواصلهم.
وفي حالة إعمال الممحاة ضد لغة الأم، فالاختيارات والبدائل اللغوية المتاحة لا تعد ولا تحصى. وكيف لا وباحثتنا تؤكد أنه تم إحصاء ما لا يقل عن 6900 لغة ولهجة في العالم؟ وأن ثلاثة أرباع البشر مزدوجو اللسان، إن لم يكونوا متعدديه أكثر؟
لو كان الواحد منا سليل منطقة بابوا كاليدونيا الجديدة، لأتيحت له فرصة الاختيار بين 800 لغة ولهجة يستعملها الأهالي. أما هنا والآن، فثمة أصوات مغرقة في الدعوة إلى تصحر الفكر وهدم جسور التواصل مع العالم، ترفع راية الأحادية اللغوية باسم مقدس قرشي مفترض، حاجبة أن رايتها المرفوعة تحجب أخرى. أحادية الفكر!
 


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا