كنت دائما أتساءل عن سبب حرص بعض الكتاب المغاربة
على طبع كتبهم في دور نشر أجنبية، رغم التطور الذي عرفه النشر ببلادنا، سواء من حيث
الإخراج الجيد أو
سياسة دعم الكتاب التي نهجتها وزارة الثقافة.
بعض أدبائنا ومفكرينا يضطرون -أو بتعبير أدق- يجبرون
أنفسهم في الغالب على طبع إصداراتهم في دور النشر الأجنبية على نفقتهم الخاصة، ومنهم
من تعرض إلى ابتزاز، أو انطلت عليه حيلة النشر، ولم يحتج، خشية منه أن يفتضح أمره،
ويتم نعته بالغباء، وما أكثر الأغبياء.
لكن ما الذي يحدو بهؤلاء إلى تحمل كل هذه المتاعب،
من أجل أن يصدر إنتاجهم الأدبي والفكري خارج المغرب.
حين أقوم بمناقشة هذا الموضوع مع البعض ممن مروا
بتجربة النشر في دور أجنبية، كان يأتيني دائما الجواب، بما معناه أنهم يرغبون في أن
يتم التعريف بإنتاجهم على نطاق واسع. علما بأن الكتاب المغربي لا يوزع بشكل جيد خارج
الحدود. الواقع أن هذا المنتوج لا يحظى بالتوزيع المنشود حتى داخل الحيز الجغرافي لبلادنا.
ولكن التبرير الذي كانوا يقدمونه لم يكن مقنعا، لم يكن يقنعني أنا شخصيا على الأقل.
لا بد أن وراء الأكمة ما وراءها.
ما معنى أن ينشر بعضهم كتبهم في دور نشر مصرية مغمورة،
ويدعون أن تلك الكتب ستعرف الانتشار على نطاق أوسع.
في وقتنا الراهن، صار هناك تهافت من طرف كتابنا
على النشر في دور بعينها، وحين نبحث عن السر في ذلك، نجد أن الأمر يتعلق بالجوائز،
نعم الجوائز؛ فهناك إصدارات، حسب اعتقادهم، لا يمكن أن يتم تضمينها في اللائحة الطويلة
أو القصيرة للجوائز الكبرى، من قبيل: جائزة البوكر الإماراتية، وجائزة الشيخ زايد الإماراتية،
وجائزة كتارا القطرية وجائزة البابطين السعودية وجائزة السلطان العويس الإماراتية وجائزة
الشارقة الإماراتية كذلك وجائزة نجيب محفوظ المصرية وجائزة الأطلس المغربية وووو..
إن لم تمر عبر دور نشر بعينها.
وحسب تعبيرنا الدارج المعبر الواضح: إذا شفت النمل
طالع هابط مع الدروج، اعرف باللي العسل في المصرية.
ذلك الصنف من الكتاب الذين ابتلي بهم واقعنا الثقافي،
كم صاروا مثيرين للشفقة؛ فهم يكتبون وعيونهم على دور نشر بعينها، وعلى جوائز بعينها.
أصبحت دور النشر قرينة بهذه الجائزة أو تلك.
هذا الهوس بالحصول على جوائز، أدى إلى تطليق أجناس
إبداعية معينة والانخراط في كتابة الرواية تحديدا، لا لشيء سوى لكون جل الجوائز الهامة،
مخصصة لهذا الفن الأخير؛ ففي بلدنا على سبيل المثال، انتبهوا إلى أن أغلب الأعمال الفائزة
بجائزة المغرب للكتاب المخصصة للسرد، تدخل في خانة الرواية، رغم أن السرد يشمل عدة
أجناس إبداعية.
هذا الهوس لا حدود له، حيث لا يقتصر على التطفل
على الكتابة في فن أدبي له خصوصياته، بل إلى اللجوء نحو طقوس معينة أقرب ما تكون إلى
الشعوذة:
الكتابة في مواضيع بعينها تبين أنها حظيت بالتتويج
في أكثر من مناسبة.
مضاعفة عدد الصفحات لملء عيون لجنة القراءة والتحكيم.
الحرص على النشر في دور عادة ما يقع الاختيار على
منشوراتها لضمها إلى موضة اللوائح الطويلة والقصيرة للجوائز العالمية.
التهافت على الكتابات النقدية وجمعها ونشرها على
نطاق أوسع من أجل إقناع الجميع بأن الإنتاج المنقود لقي تجاوبا كبيرا وبالتالي فهو
يستحق جائزة لا بل جوائز.
طلب صداقة بعض الأسماء النقدية المعروفة من أجل
الكتابة عن إنتاجهم، ومع الأسف فإن هؤلاء النقاد عادة ما يضعفون أمام صداقات من هذا
النحو ويكتبون نقدا أقرب ما يكون إلى المجاملة والمحاباة، ناهيك عن النقاد المتخصصين
في الكتابة عن الإنتاج النسائي لا غير، لكن هذا موضوع آخر لا علاقة له بهواجس الجائزة.
في سياق الحديث عن الكاتب والجوائز دائما، من المقرر
أن يتم توزيع جائزة الأركانة العالمية لهيئة بيت الشعر المغربي في بحر الأسبوع القادم
ضمن الأنشطة الموازية للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، ولعل الأمر الإيجابي
في هذه الجائزة أنها ليست عبارة عن مسابقة بين الشعراء، بل يقع الاختيار على تجربة
شعرية مغربية أو أجنبية والاحتفاء بها بكل بساطة.
barakatabdelali@yahoo.fr
(مقال بقلم عبد العالي بركات منشور ضمن الملحق
الثقافي لجريدة بيان اليوم الصادرة يوم الجمعة 5 فبراير 2016)