عنوان هذا المقال هو عنوان كتاب لمفكر أمريكى اسمه بول برمان أصدره فى عام 2010، وهو عنوان ينطوى على حكم بالإدانة موجه ضد المثقفين من مختلف الدول
والبلدان. وفى مقدمة هؤلاء طارق رمضان، ابن سعيد رمضان زوج كريمة حسن البنا، وبالتالى يكون طارق رمضان هو حفيد حسن البنا مؤسس حركة الاخوان المسلمين فى الاسماعيلية فى عام 1928، أما سعيد رمضان والد طارق فهو مؤسس المركز الاسلامى فى جنيف فى عام 1961.
وطارق رمضان هو المدافع عن الجد والوالد فى أصوليتهما الاسلامية ولكنه يتجاوزهما إلى محاولته وضع الأسس الفلسفية لهذه الأصولية، وذلك فى الرسالة التى تقدم بها لنيل درجة الدكتوراه إلى جامعة جنيف وكان موضوعها ” أفكار حسن البنا“، إلا أن لجنة التحكيم رفضت الرسالة بدعوى أنها ليست أكاديمية إذ هى مجرد عمل دعائى لزعيم دينى. ولكن بناء على تدخل جان زيجلر عالم الاجتماع السويسرى وعضو البرلمان عن الحزب الاشتراكى المسيحى من 1981 إلى 1999 ومستشار مجلس حقوق الانسان بالأمم المتحدة من 2008 إلى 2011 تشكلت لجنة تحكيم جديدة ومنحته الدرجة العلمية بدون تقدير. ومع ذلك يظل السؤال بلا جواب عن علاقة جان زيجلر بحركة الاخوان المسلمين، ومع ذلك أيضاً فعندما التقيته فى ندوة دولية بالمغرب فى عام 2003 وسألته عن أحواله العلمية كان جوابه أنه أصدر كتاباً عن غسيل الأموال، ولكنه اختفى من السوق بعد أسبوع دون معرفة السبب. ومن المعروف عن زيجلر أنه كان قد اتهم البنوك السويسرية بأنها كانت ضالعة مع رئيس جمهورية زائير موبوتو سيسيكو فى إخفاء امبراطوريته المالية.
واللافت للانتباه بعد ذلك أن طارق رمضان هو الشخصية المحورية فى كتاب برمان. والسؤال اذن: لماذا؟
جواب برمان أن طارق رمضان فيلسوف اسلامى قادم من الغرب، وهو فى النهاية نقطة تصارع ونقطة تلاق، والنقطتان متناقضتان، والتأليف بينهما يفضى إلى نقطة ثالثة هى نقطة اضطراب. وهذا الاضطراب مردود إلى نوعية تحالفاته. تحالف مع العُصبة الثورية الشيوعية التابعة لتروتسكى المنشق عن ستالين، ومع الداعين إلى حوار الأديان، ومع المتشنجين فى محاربة العلمانية، ومع المناضلين من أجل الفقراء والمقهورين، ومع المروجين لتحديث الاسلام فى عصر ليبرالى، ومع أعداء الكوكبية والامبريالية الأمريكية والصهيونية. ومع ذلك فقد كان من أعدائه اليهود واليسار المسيحى والحركة الإسلامية النسوية. ومع ذلك فإن برمان يرى أن المدخل إلى فهم هوية رمضان هو جده حسن البنا، إذ يقول عنه إنه زعيم حركة مقاومة الاستعمار، وزعيم حركة الإصلاح الدينى على غرار لوثر، وحالم برؤى تدفع البشرية إلى التحرر، وموضع إكبار وإجلال من ” حماس“، إذ هو الذى وقف بعنف فى عام 1948 ضد تقسيم فلسطين وهو موقف أفضى به إلى اغتياله فى عام 1949.
ومن هنا يقال عن البنا إنه شهيد فلسطين، ومن ثم تكون فلسطين فى أساسها قضية اسلامية وعلى علاقة عضوية بحتمية استيلاء الاخوان المسلمين على كوكب الأرضلإعادة الخلافة الاسلامية, وبناء عليه حدث تطور بل حدث انشقاق داخل حركة الاخوان المسلمين فى اتجاه ربط القضية الفلسطينية بالاسلام, فنشأت منظمات ارهابية مثل حماس ثم القاعدة فى السبعينيات من القرن الماضى والتى جذبت انتباه البلدان الغربية بسبب سمتها الكوكبية. ومن هنا ارتبط الارهاب بحسن البنا وكان على طارق رمضان أن يفك هذا الارتباط وقد كان، إذ ربط الارهاب بسيد قطب وليس بحسن البنا وذلك فى كتابه المعنون ” جذور التجديد الاسلامى.. من الأفغانى إلى حسن البنا” ( 1998). وكانت حجته أن إذلال ناصر للاسلاميين هو الذى أدى إلى ذلك الارتباط. ومغزى هذه الحجة أن أعداء الاخوان المسلمين هم السبب فى بزوغ الارهاب.
وفى المقابل ثمة مفكران مرموقان أحدهما تونسى يكتب بالفرنسية هو عبد الوهاب بوحديبه رئيس المجمع العلمى فى زمن الرئيس السابق بن على، والآخر ألمانى من أصل سورى اسمه بسام طيبى يكتب بالألمانية وهو من تلاميذ هابرماس العضو بمعهد البحوث الاجتماعية بفرانكفورت. وأنا على علاقة فكرية حميمة بهما. كان الأول يدعونى إلى مؤتمراته، والثانى أدعوه إلى مؤتمراتى. ويقول عنهما برمانإنهما تناولا إشكالية المصطلحين اللذين التصقا بالاسلام وهما الفاشية والشمولية.
فى عام 2008 أصدر بوحديبه كتاباً بالفرنسية عنوانه ” الهروب من اللعنة” وهو عبارة عن مجموعة مقالات من بينها مقالة عنوانها ” عن الفاشية الاسلامية” وهو مصطلح كان قد صكه الرئيس بوش الابن وفى ذهنه القاعدة وحماس وحزب الله ودولة ايران. امتعض بوحديبه من المصطلح لأنه أحال ” الاسلامى” إلى صفة تنتسب إلى الفاشية, بينما هو يرى بأن ثمة فرقا جوهريا بين الاسلام الحقيقى وبين فاشية الاسلاميين التى تتحكم فى الحياة اليومية تحكماً موسوماً بالقهر والطغيان. أما بسام طيبى فيؤثر مصطلح ” الشمولية” على مصطلح الفاشية. صحيح أن المصطلحين من وضع بنديتو موسولينى ولكن الصحيح أيضا عند طيبى أن مصطلح الشمولية أصبح مصطلحاً فلسفياً يضم النازية والفاشية والشيوعية, ومن هنا يقول طيبى إن البنا زعيم روحى وسياسى وهو مصدر الجهاد الاسلامى الذى هو أعلى مراحل الشمولية.
ومع ذلك كله فإن ثمة سؤالا لابد أن يثار: لماذا اشتهر طارق رمضان كوكبياً وتوقفت شهرة كل من بوحديبه وطيبى عند حدودهما الجغرافية؟
إذا كانت الشهرة تعنى تقبل الجمهور لمفكر دون آخر، وإذا كان الجمهور حتى الآن أقرب إلى اللاعقلانية منه إلى العقلانية فإن طارق رمضان يقف فى الصدارة ويتوارى كل من بوحديبه وطيبى والسؤال اذن: متى ينقلب الوضع؟
الجواب متروك لقارئ هذا المقال.