-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الكوابث و الكوابح :لحسن حمامة

الكوابث و الكوابح :لحسن حمامة
              لنستعر للعالم العربي الإسلامي صورة مريض كان في غيبوبة طويلة الأمد ناتجة عن الأمراض الفتاكة و الخطيرة التي أصابته.
           
هذه الأمراض داهمته و غزته عندما توقف عن الحركة و التدافع و التفاعل مع محيطه، و أغلق على نفسه، و قنع بما لديه، إلى أن أصبح كالماء الراكد الذي سرعان ما لوثته الميكروبات و الفيروسات              و الطحالب، فتغير لونه، و فاحت منه روائح أزكمت الأنوف، و أصابت العقول بالدوار؛ هذه الفيروسات و الميكروبات و الطحالب وجدت البيئة الحيوية لنموها و نشاطها، حيث تغولت و أعطت  أمراضا خطيرة، أنهكت هذا الجسم، و جعلته يرقد على سرير المرض لقرون عديدة .
         ومن هذه الأمراض الخطيرة الاستبداد السياسي و الاقتصادي، الطائفية و القبلية و العرقية، والاتكالية و القدرية، و تسيد فقهاء الظلام و تدخلهم في المعيش اليومي، و رسمهم لمصير الإنسان،                  و تحكمهم في اختياراته، مدعومين بسلطة سياسية متجبرة قادرة على بسط سطوتها بالقتل المادي و المعنوي داخل حدود نفوذها. ذليلة، خانعة، خائفة، خجولة، أمام الدينامية و الصيرورة و قوة الإرادة التي حولت الآخر الذي كان شبيهها أثناء الحروب الصليبية، إلى آخر مختلف و مغاير لها في اهتماماته،        و طرق عيشه، و رؤاه للكون و الحياة.
          هذا الآخر هو الذي ضاعف من معاناة العالم العربي الإسلامي و متاعبه في العصر الحديث، حيث احتله و استعمره عن طريق قواته الغازية القاهرة، المزهوة بنفسها بما تملكه من معدات حربية فتاكة و يملكه جيشها من مهارات نوعية في فنون الحرب و القتال.
         هذا الآخر، أيضا، تسلح بالعلم و العقل حكما. لم يعد الإنسان عنده مجرد رقم في قطيع، بل أصبح له شخصية و فردانية و استقلالية، فاعلا و منفعلا في المجتمع الذي يعيش داخله؛  لم تعد السماء مصدر قيم المجتمع، بل أصبح المجتمع هو الصانع و الطابخ لها، فالحكم يتداول فيه بواسطة عقد اجتماعي، لابتدخل سماوي، غالبا ما كانت تحاك خيوطه السرية في الدهاليز بين رجال الدين و النبلاء؛ و المرأة لم تعد عنده متاعا يضاف لتأثيث البيت و الإنجاب، بل أصبحت عنصرا فعالا داخل المجتمع، مما ساهم بشكل كبير في مضاعفة ثروته المادية و المعنوية، و حارب بشراسة ما نسجه الفكر الديني في خلق الكون و الأرض و البحار، و أزاح عن عينيه السدول و الستائر، من خرافات و أساطير و تقاليد كانت تحجب عنه وعيه بالواقع الملموس، واشرأب بعينيه مسلطا تليسكوبه العملاق على المجرات و النجوم والكواكب و الأقمار، ممنيا النفس بالسكن فيها، و الاستفادة من خيراتها.
             هذه النظرة الجديدة أو لنقل هذه الثورة، غيرت جذريا هذا الآخر و منحته ثقة كبيرة بنفسه                       و  اعتدادا بها، هذه الثقة و هذا الاعتداد دفعاه للمغامرة و الاكتشاف، فحلق كالنسر العملاق فوق سرير ذاك المريض الممتد من الماء إلى الماء، و بعينيه الحادتين تيقن أن هذا الجسم رغم ضخامته لا يستطيع أن يهش ذبابة لو حطت على مطار أرنبة أنفه؛ ثم عاد من حيث أتى، حاملا البشرى لبني قومه، في أن يعدوا العدة ليستولوا على وليمة فاخرة، أصحابها لا أسنان لهم، و معداتهم غير قادرة على هضمها.
           اجتمعوا و تشاوروا ثم اتفقوا، أنه لابد من البحث عن تبرير أخلاقي للاستيلاء و السيطرة، لأنه من غير المعقول أن تسمى تلك حربا أو غزوا، لأن من تحاربه هو في غيبوبة شبه تامة، لذلك أشاعوا في المعمور - حتى يكون ذلك منسجما مع مبادئهم التنويرية - أنهم سيقومون بمساعدة هذا المريض                و علاجه من أمراضه و أوصابه، و أنهم سينتشلونه من براثن التخلف و من بدائيته ليدخلوه عصر المدنية و التحضر.
            هجمت النسور و في ظرف وجيز من الزمن التاريخي، وتم الاستيلاء و السيطرة على المساحة الشاسعة الممتدة من الماء إلى الماء، كانت هناك مقاومات و دفاعات لم تستمر طويلا، لأنها لم تكن تملك القدرة و لا الكفاءة على المواجهة. و هل يستوي السيف و الخيل و البندقية التقليدية، مع المدفع و الطائرة و السفينة الحربية ؟
              تململت الأرض بفعل قوة الضربات الجوية و البحرية و الأرضية، و نتج عن ذلك أن ارتج السرير و اهتز بعنف، فتزحلق المريض من فوقه و سقط سقطته المدوية التي نتجت عنها كسور ورضوض  خصوصا في الرأس و الجهة اليسرى للصدر.
         تلك السقطة  جعلته يسترجع وعيه رويدا رويدا، و يخرج من غيبوبته الكهفية، لكن جسمه ازداد هزالا و ضعفا، و ظهرت عليه أمراض جديدة، حملها معه هذا الغازي الغريب، مما جعل النخب المثقفة و المفكرة تتسابق لنجدته و مساعدته خوفا من أن تطاله السكتة القلبية.
         هذه النخب التي لم تكن متجانسة لا في مظهرها و لا في جوهرها، فقسم من هذه النخبة كان يلبس الجلباب والبلغة و العمامة مع عنايته المفرطة بلحيته، و البعض الآخر يلبس بذلا عصرية مؤلفة من قطعتين من نفس الثوب و اللون منتعلا حذاءا لامع اللون، مع عنايته المفرطة بشعر رأسه  و شاربه، والقسم الثالث وفق بين اللباسين معا محاولا  المؤاخاة بينهما.
         هذه النخب لم تتشاور فيما بينها، بل سارعت إلى ارتداء وزر بيضاء واضعة حول أعناقها مجسات متشبهة بالأطباء، و بدأت على الفور في فحص هذا الجسم الهزيل النحيف، الذي علت وجهه صفرة مع اختلاج الجفنين.
         و بعد المعاينة و الفحص و التشخيص، اتفقت بالإجماع على أن هذا الجسم الضخم نخرته أمراض متنوعة، تحولت مع مرور الزمن إلى أمراض مزمنة؛ لكنها اختلفت في نوع الدواء و مقداره، فمنهم من رأى أن الدواء الفعال لهذا المريض هو في أن يستغفر الله و ينوب إليه، و ينفض عن جسده كل البدع                     و الخرافات و الأساطير التي ألصقت به، و أن يتمسك بالعروة الوثقى، و يهتدي بخطى السلف الصالح، ويطبق ما ورد في الكتاب و السنة، و يقتدي بما قام به الصحابة و تابعي تابعيهم إلى يوم الدين.
            هذا الفريق رغم ما يوحده في تشخيصه لأهم الأمراض، إلا أنه انقسم إلى فئتين، و ذلك راجع إلى ما أضيف إلى الوصفة الثانية من دواء.
            فالفئة الأولى ترى أن هناك دواءا واحدا ناجعا لكل هذه العلل و الأمراض. هذا الدواء هو الكتاب و السنة و السلف الصالح؛ و أن سبب ضعف هذا الجسم و هزاله، بعد أن كان فاعلا و منفعلا في زمانه، هو ابتعاده عن قيم أجداده و نظرتهم للوجود، و على هذا الجسم إذا أراد أن تعود إليه نضارته فما عليه إلا أن يكشط عنه كل ما ألصق به من بدع و ضلالات، لا تمت إلى دينه الحنيف بصلة.               و أن في مجرد نهج ما نهجوا، و سلك ما سلكوا، سيعود للجسم حيويته و عافيته و يبرأ من جميع علله.
             أما الفئة الثانية فوصفتها عجيبة، فهي تتفق مع الدواء الذي اقترحته الفئة الأولى،إلا أنها ترى وجوب الاستفادة من هذا النسر ذي المخالب الفتاكة و العينين الحادتين، و ذلك  بأن نأخذ منه كل ما يساعدنا في أمورنا الدنيوية، خصوصا ما يتعلق بالعلم و تطبيقاته التقنية.أما قيمه  و رؤيته للوجود فمفسدة لعقيدتنا و لقيمنا النقية الطاهرة.
             أما الفريق الطبي الثاني، فيرى بعد الفحص و التشخيص،أن المرض المزمن الذي يعاني منه هذا الجسد هو ماضيه،المشحون بالحمولات الغيبية و الخرافية و الدينية النابتة و النامية مع تاريخه،             و المتجذرة في جميع أطواره الاجتماعية و التي وسمت حتى روحه الثقافية. هذه التحولات هي من أوصلته إلى هذه الدرجة من الهوان و الذل على المستوى الحضاري و الكوني، لأنها تجعل من السماء اللاتاريخية أن تسير و تتحكم في شؤون الأرض الخاضعة للتغير و التطور، و من الغيب بما يحمله من قدرية و اتكالية و نفي للسببية، أداة لتعطيل إرادة الإنسان في صنع مصيره بنفسه و تسيير شؤونه الدنيوية.
          هذا الفريق الطبي رغم ما يوحده في تشخيصه للمرض، إلا أنه  هو الآخر انقسم إلى فئتين: الفئة الأولى منه ترى أن المبادئ الليبرالية هي الدواء الفعال الذي يستطيع علاج مثل هذه الأمراض، لأنها مبادئ ترتكز على مقوم أساسي و هو الحرية، حرية الفرد و الاقتصاد و المعتقد.
           و ترى أن على الدولة واجب حماية فردانية الفرد و استقلاليته مع ضمان حرية المواطنين في التفكير و التعبير، و الملكية الخاصة، و الحرية الشخصية. و لتحقيق هذه المبادئ وضعت قيودا على السلطة و قللت من دورها، و أبعدتها عن التدخل في الشؤون الاقتصادية، و أشرعت الأبواب على الحريات المدنية، و أرجعت للإنسان إرادته في إدراكه لاحتياجاته، و في نظرها أن هذه المبادئ هي المبادئ الصحيحة، لأنها أثبتت قوتها و صلابتها في التاريخ المعاصر.
              أما الفئة الثانية فترى أن المبادئ الاشتراكية و الشيوعية هي الدواء الفعال للأمراض الخطيرة و الفتاكة الذي أنهكت هذا الجسم، فهي تدعو إلى المساواة، و العدالة الاجتماعية، و القضاء على الملكية الإقطاعية، و جعل عمال العالم رأس حربة التغيير الشامل.
هذه المبادئ لا يمكن لها أن تتحقق إلا إذا تبنتها الدولة، و ذلك عن طريق مراقبتها للنشاط الاقتصادي والتدخل فيه، و ذلك وفق المنهجية التالية:
1 -  الملكية العامة لوسائل الإنتاج.
2- وضع الخطط للاستثمار و الإنتاج، و بذلك لا مجال لتدخل الصدف.
3- توفير ما يلزم لإشباع الحاجات الاجتماعية.
       ورغم جهود الأطباء و محاولاتهم مساعدة هذا المريض و كتابتهم لوصفات متعددة من الأدوية، لم يزد ذلك المريض إلا أن سوءا. تداول  الأطباء الأمر فيما بينهم، و اتفقوا على أن المريض لن تتغير حالته ما لم يطرد هذا النسر الجارح ذي العينين الحادتين، و الجاثم على صدر الجميع، الخانق للأنفاس                      و المصادر لحرية التعبير، و القامع للأفراد و الجماعات، و الناهب لخيرات البلاد، و الزارع للفتنة بين أفرادها لا لحماية الثقافة الأمازيغية، بل لخلق  النعرات الطائفية و القبلية، و فسح المجال للعنصرية البغيضة .
           بعد صراع عنيف و مرير ضد هذا الضيف الثقيل، استطاعت الشعوب بقيادة أطبائها و نخبها من تحقيق الاستقلال الذي قيل فيه الشيء الكثير .. و الفرحة الغامرة التي عاشتها هذه الشعوب باستقلالها والتي لم تدم طويلا، عادت الأمراض القديمة إلى الظهور مصحوبة بأمراض جديدة أكثر خطورة من أمراض الماضي، منها السطو على الحكم بالانقلابات العسكرية، و القبلية و العائلية. و في كل انقلاب يتفنن قائده في اختراع ألوان من التعذيب أكثر شراسة ممن سبقه، بتكميم الأفواه و بالاستحواذ على خيرات البلاد، وفي الضغط على وسائل  الإعلام لتجعل منه إلها بالوكالة، يحيي و يميت، يغني ويفقر...ومنها الحروب المدمرة بين دول جارة سببها ما زرعه المستعمر من بذور سامة بين حدودها، أوما يمور في صدور زعمائها من حب للسيطرة و إلهاء لشعوبها.
         هذا العفن المختر الطافح من هذا الجسم المريض  و المصاحب له من ماضيه، تضاعفت عفونته                    و أوساخه بما أضافه إلى جسمه من فيروسات و ميكروبات حديثة أكثر  فتكا و تغولا، سببت له في نكسة مرضية كادت أن تقضي على وجوده. هذه النكسة هو ما يصطلح عليها بنكسة 1967، نكسة أظهرت للذات خواءها و فراغها.
         انبرت أقلام النخبة من جديد للتقريع و اللوم و النقد الذاتي و إبراز مكامن الخلل، و اقتراح المسالك المؤدية للتقدم و الازدهار و الالتحاق بالركب الحضاري. ولم يكد مداد هذه النخبة المثقفة أن يجف حتى عادت حليمة إلى عادتها القديمة، لكن بوجه أكثر بشاعة، و تجلى ذلك بالخصوص في الحروب الدينية بالوكالة بين الشيعة و السنة، حطبها الدمار في العمران، والقتل الرخيص للنفوس، و ما أحداث لبنان و سوريا و اليمن ببعيدة. بالإضافة إلى النمو المتوحش لما كان قد زرعه المستعمر من بذور سامة باسم الحق الثقافي، و الذي بدأ يأخذ عند البعض من ذوي النفوس الضعيفة و الجاهلة أبعادا خطيرة في اتجاه إحياء العرق و النزعة التفوقية، وكراهية الآخر بدعوى أنه دخيل و محتل. و يتجلى هذا الوجه البشع أيضا في توجهه الاقتصادي، حيث إنه يعمل على إفقار الفقير، و إغناء الغني، و تركيز  ثروة البلد و ممتلكاتها بين يدي ثلة من الاحتكار يين و رجال السلطة و من يدور في فلكهم  من مصاصي الدماء. استشراء الفساد بكل ألوانه و أطيافه من رشوة و زبونية، تبييض الأموال و تهريبها، الاتجار في المخدرات، بيع الأدوية المنتهية صلاحيتها، الغش بكل أنواعه و أصنافه، خصوصا في بناء العمارات و الطرق و الموانئ و المطارات          و المؤسسات، و في كل ما نشربه و نمضغه، الاستحواذ الغير المشروع على العقارات، و غيرها من المفاسد التي طالت كل مناحي الحياة الاقتصادية و العمرانية و التجارية و الخدماتية و غيرها.
        بعد هذا العرض الموجز لأمراض هذا الجسم و علله، و محاولة الأطباء إيجاد الدواء الناجع له، يحق للمتتبع و الملاحظ أن يتساءل: لماذا بقي هذا المريض مريضا ؟ لم تزداد حالته تدهورا و خطورة، رغم ما يقدم له من علاجات ؟ هل الأدوية التي أعطيت له مغشوشة أم انتهت صلاحيتها ؟ هل أعطي دواءا انتهت صلاحيته مع دواء صالح للاستعمال فأفسد الأول الثاني، و تحول الكل إلى سموم ؟ هل مزج الدواء المستورد من الخارج مع الدواء المحلي لم يلائم جينات هذا لجسم ؟ هل الدواء المحلي الغير الخاضع للمعايير العلمية، هو ما أدى بهذا المريض إلى خلل في دماغه ؟ هل إعطاؤه جرعات كبيرة ضاعفت من مرضه ؟ هل هذا الخليط من الأدوية و المزج بينها من ساهم في زعزعة أعصابه و اهتزازها، و فقدان دماغه لبوصلته و اتزانه، بحيث نجد أن هذا الجسم المريض يحطم ما لديه أو لدى جاره ؟ أ من المنطق أن يهدم هذا المريض البنايات و الطرقات و الجسور و لموانئ  و المدارس و المطارات... و يقتل بالآلاف، ثم يعود من جديد لبنائها، و محاولة جبر الخواطر  بدفع الدية  ؟ أ توجد قذارة أبشع من هذه، حينما نجده يمول جيوشا تمتلك الأسلحة الفتاكة، و يدفع لها الغالي و النفيس من ثروات بلده و شعبه، لا لشيء، إلا لتدمر و تقتل و تشرد أخا شقيقا له ؟ و هنا نتساءل من جديد: أ عقل هذا الكائن سليم ؟
         سأحاول بدوري أن ألبس الوزرة البيضاء، لكن ليست الوزرة الخاصة بالطبيب، بل وزرة الممرض المساعد، لذلك أرجو أن يتقبل الأطباء الجهابذة و النخبة المفكرة ما سأقترحه، و أن يتسع صدرهم لوجهة نظري، و ألتي سأبسطها كالتالي:
- على هذا المريض أن يعرف نفسه و محيطه، و أن يتصالح معهما، و ذلك بالارتكاز على  الوضوح و المنطق السليم و النقد الذاتي العقلاني له و لمحيطه.
- عليه أن يهيء نفسه لعمليات جراحية مؤلمة، قد تبتر فيها بعض الدماميل السرطانية و الزوائد العفنة التي تعدي باقي أجهزة الجسم، و تعيق حركته و نموه الطبيعي.
- على هذا الجسم أن يقطع نهائيا مع الخصوصية التي تعني بأنه الجوهر الفرد الذي لا يتبدل، و بأنه الأنقى و الأذكى، و ما عداه فكافر و متخلف.
- أن يزيل و يحذف من برامج التعليم كل ما يخلق في ذهن التلميذ التناقض و الضبابية في الرؤيا، و يزرع فيه عدم الثقة و الخوف من المستقبل، و أن يجره بالعنف المعنوي من قفاه لينظر إلى ماضيه و يعشقه، لكي يكره حاضره و مستقبله.
- أن يفصل نهائيا بين ما هو عقلي علمي نقدي، و ما هو خرافي أسطوري، إذ كيف نتبجح بالحداثة و نحن ما زلنا ننفق ببذخ على الأضرحة و الزوايا .
- على هذا الجسم أن يحكم بواسطة عقد اجتماعي لا بتدخل   سماوي.
- على هذا الجسم أن يفطن للخدع التي تحاك في الظلام ضده، و هي خدع تنصب له من أجل إشعال الفتنة، التي يكون هو وقودها دون أن يعي أو يشعر. تلك الفتنة التي  يعمل المفسدون ليل نهار من أجل أن يكون مصدرها الأمازيغية والعربية، و هو صراع في عمقه فارغ و أجوف، لأنهما لغتا تواصل، و كل تطرف من هذا الجانب أو ذاك ستكون له آثاره الوخيمة على هذا النسيج المحبوك بعناية. و على هذا الجسم قبل هذا و ذاك أن يعتني بتعليمه و تطبيبه و شغله و سكنه و أكله                   و لباسه، و باختصار حفظ كرامته. أيمكن لجسم أن يكون سليما معافى، و هو يتحرك برأسين ؟ أيمكن لأي إنسان أن يعبر بوضوح بأي لغة كانت و هو يتضور جوعا، و يرتعش من البرد، و يحميه سقف من القصدير، و تنخر جسده أمراض مزمنة تجعله كالقصبة الجوفاء في عين العاصفة ؟
- على هذا الجسم أن يجفف منابع و مصادر التخويف سواء كانت غيبية ميتافيزيقية أو نابعة من مصادر السلطة الحاكمة بجهازيها الإيديولوجي و البوليسي، لأن الخوف كابت لانطلاق النفس و انشراحها، و كابح معطل للعقل و لأدواته السحرية في الكشف و الابتكار و السؤال.
- على هذا الجسم أن يعمل و بدون كلل على تذويب النعرات و العصبيات و الطائفية التي تبرز هنا و هناك، و صهرها في بوتقة واحدة، و توجيهها نحو خدمة المواطن و تحقيق كرامته. إذ يمكن لعود ثقاب، إذا لم نكن حذرين يقظين، أن يحرق الغابة التي تظللنا و التي نعيش من خيراتها.
- على هذا الجسم أن يميز بوضوح بين المثقف الأصيل الذي يدافع من أجل قيم إنسانية كونية،و يناضل من أجل كرامة مجتمعه و حقه في الحرية و التعليم و الصحة و العدالة و الشغل و السكن... بأسلوب واضح، أنيق، شفاف، صادق، عميق. و شبه المثقف الذي يكتب بلغة غامضة، ملتوية، مترفعة، مكتفية بذاتها، أي بأسلوب مراوغ يحتمي به المتردد و الخائف و المخاتل المموه.

لحسن حمامة

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا