تخيّلوا أيها السيدات والسادة أن يكون أحدكم أو إحداكن مسؤولاً عن معالجة الدكتور سيغموند فرويد من مرض السرطان، وهو يطالب طوال الوقت بعدم الإفصاح عن مرضه، وترك الأمر سرّاً عن أقرب المقربين، حتى لو كان ذلك الشخص هو مارتا برزنيز، زوجته العزيزة التي أنجبت له ثلاث بنات وثلاثة أبناء.
جاء إلى عيادتي منذ بضعة أشهر، كان متخفّياً، يرتدي سترة طويلة، ويضع شالاً حول رقبته، ونظارات كبيرة، جعلت شكله مضحكاً.
بعد ذلك، توالت جلسات العلاج، واستبعدت من جلساتي كلّ ما تعرفونه اليوم من وصفات، إذ لا جرعات كيماوي، ولا أشعة، فأنا لا أعتقد أنها مفيدة في حالة العزيز فرويد.
على الدوام، كنّا وحيدين في العيادة، حتى الممرضة كنت أصرفها باكراً، نزولاً عند رغبة مريضي، لأجعله مرتاحاً في تقبّل العلاج، مع معرفتي الكاملة بالنهاية.
يطيب له أن يجلس بجوار النافذة المطلّة على الساحة، متحدثاً عن طفولته، بينما أدوّن بضع ملاحظات أستقيها من تداعياته.
في الأسبوع الماضي قرّرت، أو قرّرنا، أن تكون الجلسة الختامية للعلاج، وطلبت منه أن يفعل أثناء الجلسة ما يريد، واخترنا مكاناً حيادياً هو رحم الغابة، وهو المكان الذي لم نزره منذ كنّا أصدقاء طفولة، قبل ثمانين عاماً.
قدنا دراجتينا إلى هناك، وفي الطريق استرجعنا صوراً لطالما اعتقدنا أنها مُحيت من الذاكرة، وشاهدنا الأب هانز وهو يرتدي ثيابه الكهنوتية، بعد أن انتهى من اغتصاب أحد الفتية، ثم كيف فرّ الطفل راكضاً، بينما دخل الأب هانز في نوبة بكاء، طالباً من الله أن يقبض روحه.
سقط فرويد عن دراجته، ونفر الدم من ركبته اليمنى، فوضعت عليها القليل من التراب، لكن فرويد راح يتضاءل وينكمش، بينما كانت عيناه تكبران، وحين ضحك ضحكته الطفولية التي أعرفها حقّ المعرفة كان فمه خالياً من الأسنان، وكأنه رضيع في أشهره الأولى.
أخرجت ثديي وأعطيته لفرويد الرضيع الذي راح يمصّ الحلمة بشفتيه الصغيرتين، حتى بدا كأنه تلاشى تماماً ولم يبقّ منه سوى شفتين، تُحيط بهما بعض قطرات الحليب.
بعد مرور مائة عام على تلك الذكرى، ها أنا أضع أصابعي على الحلمة، لأجد شفتين صغيرتين، هما كلّ ما تبقى من ذكرى رفيق الطفولة.
بجانبي تنام مارتا برزنيز، زوجتي، وفي الغرفة الأخرى ثلاث بنات وثلاثة أبناء، يغطون في النوم، بينما كاتب هذه القصة يتجّول في رحم الغابة.
بعد ذلك، توالت جلسات العلاج، واستبعدت من جلساتي كلّ ما تعرفونه اليوم من وصفات، إذ لا جرعات كيماوي، ولا أشعة، فأنا لا أعتقد أنها مفيدة في حالة العزيز فرويد.
على الدوام، كنّا وحيدين في العيادة، حتى الممرضة كنت أصرفها باكراً، نزولاً عند رغبة مريضي، لأجعله مرتاحاً في تقبّل العلاج، مع معرفتي الكاملة بالنهاية.
يطيب له أن يجلس بجوار النافذة المطلّة على الساحة، متحدثاً عن طفولته، بينما أدوّن بضع ملاحظات أستقيها من تداعياته.
في الأسبوع الماضي قرّرت، أو قرّرنا، أن تكون الجلسة الختامية للعلاج، وطلبت منه أن يفعل أثناء الجلسة ما يريد، واخترنا مكاناً حيادياً هو رحم الغابة، وهو المكان الذي لم نزره منذ كنّا أصدقاء طفولة، قبل ثمانين عاماً.
قدنا دراجتينا إلى هناك، وفي الطريق استرجعنا صوراً لطالما اعتقدنا أنها مُحيت من الذاكرة، وشاهدنا الأب هانز وهو يرتدي ثيابه الكهنوتية، بعد أن انتهى من اغتصاب أحد الفتية، ثم كيف فرّ الطفل راكضاً، بينما دخل الأب هانز في نوبة بكاء، طالباً من الله أن يقبض روحه.
سقط فرويد عن دراجته، ونفر الدم من ركبته اليمنى، فوضعت عليها القليل من التراب، لكن فرويد راح يتضاءل وينكمش، بينما كانت عيناه تكبران، وحين ضحك ضحكته الطفولية التي أعرفها حقّ المعرفة كان فمه خالياً من الأسنان، وكأنه رضيع في أشهره الأولى.
أخرجت ثديي وأعطيته لفرويد الرضيع الذي راح يمصّ الحلمة بشفتيه الصغيرتين، حتى بدا كأنه تلاشى تماماً ولم يبقّ منه سوى شفتين، تُحيط بهما بعض قطرات الحليب.
بعد مرور مائة عام على تلك الذكرى، ها أنا أضع أصابعي على الحلمة، لأجد شفتين صغيرتين، هما كلّ ما تبقى من ذكرى رفيق الطفولة.
بجانبي تنام مارتا برزنيز، زوجتي، وفي الغرفة الأخرى ثلاث بنات وثلاثة أبناء، يغطون في النوم، بينما كاتب هذه القصة يتجّول في رحم الغابة.