كلنا او اغلبنا مسلمون في عالمنا العربي الكبير،
الذي يتكون من اكثر من مائتا مليون مواطن منتشرون على مساحة واسعة تغطي مايقرب ثلث
افريقيا وجزء مهم من اسيا.
لكن سوء الادارة والتخدير الديني ومحاولة تغييب العقل والمنطق،
وزرع الخرافات والبدع في رؤوسنا جعلتنا عبيدا للعادات البالية التي تركز على الموت
ولاتركز على الحياة، نسوا او عمداً ارادوا ان ننسى اننا بشر لنا احتياجات في هذا العالم
الذي خلقنا الله فيه لنكابد مصاعب الحياة ونتجاوزها بحلوها ومرها الى مثوى اخير في
يوم من الايام لكي يُبعث كلٌ حسب عمله في الدنيا. المشكلة هنا تكمن في كيفية تفسير
متطلبات الله منا، وماهو الواجب والمندوب والسُنة والمحمود، وماهي درجة تسامح الله
معنا ان نحن اضطررنا الى تأجيل او تغييب العمل في بعض ماموجود في كتاب الله العزيز.
اريد اولا ان ابين ان فكر الوطن المسلم يختلف عن فكر المهجر، بمعنى ان متطلبات المَهجر
تُحتم علينا احترام بل والانصياع لضوابط وقيم المجتمع الذي هاجرنا اليه، نحن اذ هاجرنا
لأسباب مختلفة قد يكون غالبها هو قتلنا لبعضنا البعض لدافع سياسي او مذهبي او ديني،
لأننا اما شركاء في الجريمة او اننا ضحايا لها، لايهم، فنحن جزءاً لايتجزأ من المحنة
الانسانية التي يعيشها الشرق الاوسط اياً كانت المبررات واضطررنا للهجرة. فمثلا الصوم
في الدول ذات النهار الطويل، وخاصة عندما حل رمضان الكريم في الصيف هذه الايام والسنين،
حاول المسلمون ان يتبعوا التقوى والاخذ بالعزيمة كما ينصحهم به فقهاء الحنابلة وغيرهم
من الفقهاء الذين حقيقة يفكرون في الموت اكثر من تفكيرهم في الحياة ونسوا امران مهمان
الا وهما ان المسلم لايعيش في دولة مسلمة وثانيا ان المسلم عليه ان يعمل من الصباح
للمساء وان صاحب العمل يطلب منه تركيزاً وانجازاً تماما كما لو كان هذا الانسان مُفطراً
لان فكرة الصوم غير موجودة في الغرب اصلاً، والاهم في الغرب هو العمل والانجاز، والدين
له دور ضعيف في الحياة حتى لدى المتدينين المسيحيين في الجنوب الامريكي، فأنك لاترى
للتدين تأثيراً ظاهرياً عليهم بل من يظهر عليه تأثيراً ظاهريا فأنه يُنتقد ويتم احتقاره
حتى لو كان مسيحيا كما هو حال الغالبية في الدولة. الا انني شخصيا وجدت فتوى ونفضت
عنها التراب، كانت مدفونة بين ثنيات كتب الازهر الذي اعتبره اكثر تفتحاً من غيره من
المجمعات الفقهية الاسلامية، لكونه يسمح بحرية التفكير والبحث والاجتهاد، على عكس المتنطعين
والحنابلة وغيرهم من المتحجرين على النصوص ممن جعلوا حياة الناس جحيماً بسبب الجهل
والتنطع، وليس لأنه لاتوجد في الاسلام فسحة امل في حالة الحاجة لطريق ثاني غير طريق
التنطع والتشدد. هذه الفتوى تؤكد انه ممكن على المسلم ان يصوم حسب توقيتات مكة، ويرجع
الفضل في هذه الفتوى للعلامة محمد عبدة الذي استكثر الصيام في فرنسا ايام زيارته لها،
مع ان المسلمين الان قد وصلوا الى ابعد من فرنسا شمالا، ولو كان محمد عبدة موجودا لقال
ان فتواه بلا شك واجبة على من يعيش في اسكندنافيا وكندا وسيبيريا مثلاً، الا انك تجد
المتنطعين واصحاب العزيمة يبالغون في جلد الذات لضيق الافق وعدم فهم الشريعة على حقيقتها
بل وعدم فهم مقاصد الشريعة بشكل واضح ومعتدل. بل اضطررت ان اجادل حتى اصحاب الفكر المتحرر
محاولاً اقناعهم ان مايفعلوه بأنفسهم غير مبرر! نأتي الى قضية ثانية وهي قضية الحجاب،
وقد وقع بين يدي اليوم مقال امريكي نشرته صحيفة سياتل عن امرأة امريكية مسلمة كانت
محجبة وبسبب الضغوط اضطرت الى خلع الحجاب، وفي هذه الحالة بالتأكيد سيقول المتنطعون
والحنابلة السلفيين انكِ كافرة فاجرة فاسقة الخ من الكلام غير ذي الطعم، الذي يدل على
همجية في التفكير وضيق افق عجيب لدى هؤلاء الناس وكل من يمشي في فلكهم، واقول انني
وبعد سنين طويلة في الغربة اكاد اجزم ان مامن امرأة واجب عليها الحجاب في الغرب، وان
التحجب انما يعتبر تنطعا وتشددا غير مبرر بل وسبباً في كون ان هذه المرأة ستعيش على
هامش المجتمع منبوذة محتقرة حتى لو قالت وكذبت على نفسها بأن الناس "تحترمها"
وتحترم دينها لأن الغرب اليوم لايحترم الاسلام ولا المسلمين، لاننا اي المسلمون ضربنا
اروع الامثلة في التخبط وسوء الادارة والتنظيم، بل واصبحنا قتلة ومجرمين وخائنين للعهد
نقتل من فتح لنا بيته واطعمنا من طعامه بدم بارد، وبالطبع اقصد الارهابيين الذن يشكلون
اقلية في المجتمع الاسلامي ولكنها حقيقة، ولما كان الغرب يبغض كل الاديان ويُحجّم دورها
بسبب المعاناة التي تسببت بها الكنيسة ايام العصور المظلمة في اوربا والتي كان الدين
يتحكم في حياة الناس لدرجة ان الكنيسة منعت الطباعة والقراءة الا على القساوسة، ولما
جاءت الثورة الفرنسية عاقبت الكنيسة وحجّمت دورها الى الصفر، لذلك يريد منا الغرب ان
نفعل نفس الشيء ويعتبرنا متخلفين لأننا تأخرنا في تحجيم دور المؤسسات الدينية في عالمنا
العربي، واقول ببساطة اننا لم نفعل ذلك لأن بغداد كانت حاضرة العالم ومركز العلم ولم
يكن الدين يتدخل في البحث العلمي، لأن الملك او الخليفة انذاك كان قد وضع الفقهاء على
جادة الصواب ومنعهم من المهاترات والمراهقات التي هي بعيدة كل البعد عن التدين الحقيقي
الذي فيه فسحة امل وفسحة كبيرة وواسعة ايضا، وكلنا يعرف ان لنا رباً واسع المغفرة والرحمة
وليس علينا ان نعبد الجبار المنتقم فقط كما يريدنا المتنطعين ان نفعل. اذن المسلمة
التي تصلي وتحترم نفسها في الغرب وتحافظ على نفسها يجب ان تعتز بأسلامها ليس من خلال
الحجاب الذي لا ارى وجوبه في الغرب وقد قال بذلك غير واحد من العلماء بل على المسلمين
في الغرب ان يرحموا بناتهم من التشدد والتمسك بضروريات هي حقيقة ليست بضرورة ولا مندوبة
ولامطلوبة منهم بل اجتهاد بائس غير مبرر يسلب ادمية الفتاة المسلمة ويجعلها موضع شك
وريبة في المجتمع، ارحموا بناتكم يا عباد الله وكفى تشدداً في الدين. نفس القصة تنطبق
على تطبيق الفرائض والحدود في الدول الاسلامية وسأضرب مثلاً واحداً وسأكتفي بذلك، لما
بنى الشيخ زايد رحمه الله الامارات اراد المتنطعون من المتشددين ان يعمل الشيخ زايد
دولة دينية على مقاس طالبان او من شابههم، معتقدين ان هذا هو الاسلام، وكذبوا والله،
فما كان من الشيخ زايد الا ان قرأ التأريخ واستشار اهل الفقه من المالكية والاحناف
ولم يستشر الحنابلة وخيراً فعل، ووصل الى قناعة مفادها ان الدين هو الدين الذي حصل
مع ابي بكر وعمر وعثمان وعلي وكان ملؤه التسامح والحزم ان تطلب الامر، فمثلا القصة
التي نعرفها جميعا لما دخل عمر من الشباك على قوم يشربون الخمر واراد ان يبطش بهم،
فما كان منهم الا ان ذكّروا عُمر انه تجاوز حدود مسؤوليته بالتجسس عليهم اولا ثم الدخول
من الشباك بغير اذن، فأعتذر عُمر وخرج ولم يعاقب شاربي الخمر، وحادثة اخرى لما كان
عُمر مع صديق له واصابهم ماء من احد مزاريب المدينة فسأل صاحب عُمر يا صاحب الماء هل
الماء طاهر، فنهر عُمر الرجل وقال بل اسكت ولاتخبرنا ومشى الاثنان وصليا بلباسهما بدون
تشدد وتنطع غير مطلوب، واقول هنا لو كان صاحبنا سلفيا وهابيا حنبلياً هل كان ليترك
صاحب الماء قبل ان يعرف منه خواص وتحليل الماء حسب المركبات الكيميائية المعروفة، تأويلاً
من حضرته للتحوط في الفقه، لان الرجل فقيه اكثر من عُمر، يا سلام، وهو في الحقيقة امر
غير مطلوب وتشدد غير محمود. في هذا المقال طرحت بعضاً من الامور التي لاحظتها على المجتمع
واعتقد ان عليكم ايها المسلمون ان ترأفوا بأنفسكم واهليكم ولاتتشددوا، واعتقد ان المؤسسات
الدينية بحاجة لمصارحة مع نفسها ان ماتسوق الناس اليه هو الخوف والترهيب، متناسين ان
هناك جانب الرخص وفقه الضرورات، وكما تقول القاعدة الفقهية مالايتم به الواجب فهو واجب،
والضرورة تبيح المحضورات، لكن الجهلة لن يفقهوا هذه الامور لانها فوق مستوى تفكيرهم
الضيق ودمتم. وقبل ان انهي هذه الكلمات اقول لمن لم يعجبهم الاسلام في الامارات بأن
ماسنّه وعمله الشيخ زايد انما هو الاسلام الحقيقي، فليس في الاسلام شرطة دينية ولاتنطع
وكبت للبشر بأسم الدين، بل انفتاح على البشر وتداخل ممدوح ومحمود ومسؤولية المحافظة
على النفس انما هي مسؤولية فردية وليست مسوؤلية الحاكم، لأن تدخل الحاكم في كل الامور
سيجعل الدولة ميتة بكل معنى الكلمة وهذا مايريده المتنطعون والمتشددون، وليس من الاسلام
في شيء، بل الاسلام اعتدال وانفتاح ومراكز بحوث وجامعات وارقى المستشفيات، ومن اراد
ان يرى الاسلام فلينظر الى الامارات اما من اراد ان يرى التخلف فعليه ان ينظر الى ناحية
اخرى، فأنا مع الشيخ زايد وتفسيره للدين وهو تفسير واقعي ونشكره عليه ورحمه الله فهو
اب لكل العرب ولو كان حاكما للعرب لما كان حال العرب كما هو اليوم، واقصد الفشل في
دول الشمال العربي من العراق شرقا حتى الجزائر غرباً
recent
كولوار المجلة
recent
recent
جاري التحميل ...
recent