المجامع اللغوية.. بوصلة النهوض الثقافي
تعدّ مجامع اللغة الأمينة على الحفاظ على كل ما يتعلق باللغة، وهو المعنى الذي يظهر
بوضوح في أهداف تلك المجامع، ومنها مجمع اللغة العربية في القاهرة، والذي يسعى إلى الحفاظ على سلامة اللغة العربية، وأن يجعلها وافية بمطالب العلوم والفنون في تقدمها، ملائمة على العموم لحاجات الحياة في العصر الحاضر، وذلك بأن يحدد في معاجم أو تفاسير خاصة أو بغير ذلك من الطرق ما ينبغي استعماله أو تجنبه: من الألفاظ والتراكيب، وأن يقوم بوضع معجم تاريخي للغة العربية، وأن ينشر أبحاثًا دقيقة في تاريخ بعض الكلمات، وتغير مدلولاتها، وأن ينظم دراسة علمية للهجات العربية الحديثة بمصر وغيرها من البلاد العربية.
تأسس المجمع في 14 شعبان1351ه، الموافق 13 ديسمبر/كانون الأول 1932م، في عهد الملك فؤاد، وبدأ العمل فيه سنة 1934، ونص مرسوم إنشائه على أن يتكون المجمع من 20 عضواً من العلماء المعروفين بتبحرهم في اللغة العربية، نصْفهم من المصريين، ونصفهم الآخر من العرب والمستشرقين، وهو ما يعني أن المجمع عالمي التكوين، لا يتقيد بجنسية معينة ولا بدين معين، وأن معيار الاختيار هو القدرة والكفاءة، عشرة من المصريين، وعشرة من العرب والمستعربين.
وفى عام 1971م تم تأسيس اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، بعضوية المجمع اللغوية، في القاهرة ودمشق وبغداد، واجتمعت لجنة الاتحاد بالدكتور طه حسين، وتم في هذا الاجتماع وضع النظام الأساسي والداخلي للاتحاد، وانتخب الدكتور طه حسين، رئيس مجمع القاهرة، رئيساً للاتحاد، والدكتور إبراهيم مدكور أميناً عاماً للاتحاد، والدكتور أحمد عبد الستار الجواري عن مجمع بغداد، والدكتور عدنان الخطيب عن مجمع دمشق أمينين عامّين مساعدين.
ويدير الاتحاد مجلس اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، والذي يتألف من عضوين من كل مجمع لغوي، يختارهما مجمعهما لمدة أربع سنوات، وينتخبون من بينهم رئيساً وأميناً عاما وأمينين عامّين مساعدين، لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد، ويجتمع مجلس الاتحاد في دورة عادية، مرة على الأقل في كل سنة.
ويمكن أن يجتمع في دورة غير عادية عند الضرورة، وتصدر قرارات المجلس بالأغلبية للحاضرين، وفي حالة تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي ينضم إليه الرئيس.
وانضمت إلى الاتحاد في وقت لاحق، مجامع اللغة العربية التي أنشئت في الأردن وفلسطين والسودان وليبيا والجزائر، وأكاديمية المملكة المغربية في الرباط، والمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون (بيت الحكمة).
تتضح أهمية المجامع اللغوية من الأهداف التي تأسست عليها، ومن المهامّ المنوطة بها، ومن القضايا التي تواجه اللغة يومياً، والمتابع لكل ذلك يتأكد له أن المجامع - وبخلاف الشائع عنها من العناية العلمية باللغة - تتجاوز اختصاصاتها ذلك إلى فضاءات الثقافة المختلفة، وبالمعنى العام لكلمة ثقافة، فالمجمع اللغوي بمثابة المؤشر الدالّ على اهتمام الثقافة باللغة، والعكس صحيح أيضاً، فلا نهوض من دون تلك العلاقة الوطيدة بين المفردتين: الثقافة واللغة، وأوضاع كل منهما تعكس حال الأخرى، فلا يمكن للثقافة أن تزدهر من دون عناية فائقة باللغة، ومحاولات دؤوبة للارتقاء بها، ولا يمكن للغة أن تنتعش في وسط ثقافي تأتي اللغة في مؤخرة أولوياته، ومن هنا نفهم مغزى إعلان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، في مجمع اللغة العربية في القاهرة، عن إقامة مجمع للغة العربية في الشارقة، وهي الخطوة التي تبرز عدة حقائق، فسموه من المهمومين بأحوال الثقافة بصورة عامة، ولا يمكن تجاوز الإشكاليات والعقبات التي تعترض نهوض الثقافة العربية، من دون التأسيس لكيان يستطيع مواجهة الغزو الثقافي الذي يتهدد اللغة، و نواجهه في وسائل الإعلام وفي السينما، وربما في الكثير من أشكال المنتج الثقافي، وفي الوقت نفسه علينا الانفتاح على العصر، وأن نجعل اللغة العربية مواكبة لتطورات العلوم والفنون، وكذلك لابد من جهة علمية يناط بها البحث في قضايا وإشكاليات اللغة، ومن هنا لابد لكل المثقفين والمهمومين بالعربية الانخراط في أفكار تتعلق بضرورة النهوض باللغة العربية، مسترشدين برؤية صاحب السمو حاكم الشارقة التي تضع الثقافة في مقدمة أولوياتها.