خاص
1-س- ماهو المسار التاريخي لمجلة أنفاس ؟
1-س- ماهو المسار التاريخي لمجلة أنفاس ؟
ج-عاشت مجلة أنفاس ثلاثة مراحل.الأولى،كانت محض ثقافية. بالتأكيد،عندما نتكلم عن الثقافة،فليس
أبدا بطريقة مستقلة عن السياق المجتمعي والسياسي.بهذا
المعنى
الملتزم،اتجه الحافز الأول لمصطفى النيسابوري و اللعبي وباقي مؤسسي المجلة،نحو
الثقافة.أما المرحلة الثانية،فتشير
إلى بروز الحركة الماركسية-اللينينية.بعض عناصر الفريق
الأول،لاسيما اللعبي وأشخاص آخرين،أعضاء أو مؤيدين للحركة الصاعدة،سيضفون على المجلة
خاصية أكثر سياسية وإيديولوجية،مع الحفاظ على رفع لافتة الثقافة،التي لم تكن قط غائبة،بيد أن الدوافع اختلفت. لامست أعداد
أنفاس، لاسيما الصادرة بالعربية، من خلال مقاربة محض ثقافية وأيضا
سياسية - فلسطين، إفريقيا، الامبريالية،إلخ- منظور التغيير في المغرب.أنفاس(النسخة العربية) تطلعت إلى السياسة بعمق.أما المرحلة الثالثة،أو الحياة
الثالثة للمجلة :لحظة المنفى،عندما
حُظرت داخل المغرب.تزامن هذا،مع نفي بعض
المحركين الأساسيين،لأنفاس(العربية)مثل الحبيب الطالب وآخرين كثيرين،لاسيما قسما
من مسؤولي حركة 23 مارس،التي كنتُ أحد أعضائها.حينما قدمنا إلى فرنسا،شرعنا ثانية في
إصدار المجلة ،بالتعاون مع تنظيم ''إلى الأمام"،المكون الآخر للحركة
الماركسية ،بحيث واصل التنظيمان حقيقة تعاونا،انطلق أصلا من المغرب.في الخارج،حافظت أنفاس على البعد الثقافي،مع
هيمنة البعد السياسي،وأضحت معارضة النظام أكثر صراحة.إجمالا،دشنت
أنفاس أنشطتها،كمجلة ثقافية ثم تطورت بعد ذلك،إلى أداة سياسية وإيديولوجية،تحتويها
الأسئلة الوطنية والدولية.غير أن تجربة أنفاس في الخارج،لم تستمر سوى سنتين،جراء تضارب
المواقف السياسية بين ''23
مارس'' و''إلى الأمام''. بيد أنه،ونظرا لاحترام أحدهما للثاني،بما أن الأمر
يتعلق بعمل مشترك،لا يختص به هذا التنظيم أو الآخر،فقد أوقفنا الإصدار،ثم خلق في
المقابل، كل تنظيم أدواته السياسية والإيديولوجية الخاصة به.هكذا،شرعت ثانية جماعة 23مارس،في إصدار جريدة "23مارس"بينما
اتجهت ''إلى الأمام'' في الخارج نحو طبع جريدة ''مغرب النضال''.
2-س-من أي طبيعة كان هذا التضارب في
المواقف السياسية؟
ج-تعلق الأمر بقراءة الوضع في المغرب وكذا الخط السياسي
المناسب.أيضا،تجلى الاختلاف حول قضية الصحراء،فبينما تبنت ''إلى
الأمام''موقف ''تقرير المصير من طرف الصحراويين''،كانت رؤية حركة ''23 مارس'' أكثر تقويما،فمع إيمانها بتاريخية مغربية الصحراء، زكت في الآن ذاته وحدة إرادية بين
الشعب المغربي والساكنة الصحراوية،على قاعدة ديمقراطية. إنه موقف تنظيم''23مارس"داخل المغرب،أما في الخارج،
وبالنسبة إلى الخلية التي كنت أحد أعضائها، فالأغلبية الكبرى اقتنعت بوحدة إقليمية
تضم الصحراء وفق صيغة عادية وخالصة.
إذن، كان هذا التباين.غير أن التعارض الجوهري،فمرده
إلى الظرفية السياسية :هل ينبغي التحالف مع النظام أم لا، انطلاقا من قضية الصحراء؟ في إطار ماعرف ب"الإجماع
الوطني'' و"المسلسل الديمقراطي".هكذا، سادت تلك الحقبة،نقاشات
من هذا النوع،فخلقت ارتجاجا ضمن صفوف اليسار المغربي.
3-س-إنها حقبة الأعداد الأخيرة
لمجلة أنفاس(النسخة العربية)في باريس؟
ج-نعم،بما أن مجلة أنفاس(الفرنسية) في أعدادها القديمة تبنت مثلا
حول قضية الصحراء ،موقف ''تقرير المصير''،وإيجاد حل للمشكل بناء على وحدة
ديمقراطية خارج النظام….موقف أطرته استراتجية ثورية.هذا الموقف، للحركة الماركسية اللينينية،كما عكسته مجلة أنفاس (النسخة الفرنسية)
،أثر في الحركة الطلابية وموقفها من قضية الصحراء،المعبّر عنه خلال المؤتمر الخامس
عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
4-س-هل تبلورت من اختلافات على
مستوى الاختيارات الإيديولوجية قياسا للماركسية اللينينية،وكذا
أساليب الاشتغال بين ''إلى الأمام''و"23 مارس"خلال
حقبة أنفاس(النسخة الفرنسية)؟
ج-لا، لم يحدث تضارب عقائدي بكيفية محضة، بل
مجرد تأويلات وتقويمات مختلفة، ثم قراءات وخاصة ترجمات مختلفة لنفس الإيديولوجية
على المستوى السياسي.إنها، نفس العائلة الاشتراكية الماركسية، بتأثيرات
قد تتباين،نظرا لغياب التجانس الكلي.لقد استلهمت حركة ''23مارس''، الثورة الصينية أو القراءة الصينية للثورة الماركسية،إضافة
إلى تأثير قومي عربي.بينما اقتفت ''إلى الأمام''،التجربة
اللينينية، السوفياتية…،أمر تفسره أصول،هذين
التنظيمين،بحيث أوجد حركة''23
مارس''،ذاك الشباب الثائر نتيجة اللاعدالة
الاجتماعية والاستبداد،بالتالي تعود لبناتها الأولى إلى صانعي الانتفاضة الشعبية
لشهر مارس1965
،من هنا تبني التنظيم للتسمية،خمس
سنوات بعد ذلك. بداية، لم يستند هؤلاء الشباب المناضل
على إيديولوجية،بل استفزتهم سياسة النظام القمعية،ثم خيبة أملهم نحو الأحزاب التقليدية التي لم تتجاوب مع
تطلعاتهم.انطلاقا،من هذا الإقرار،شرعوا
منذ سنة 1965
،في التنظيم بطريقة مستقلة. ثم مابين 1968و1969،أخذوا ينسقون مع فريقين آخرين لاسيما
''حلقة فاس"وكذا فريق من المناضلين الراديكاليين المنفصلين عن حزب الاتحاد
الوطني للقوات الشعبية،قصد الشروع في توحيد المجموعات وتأسيس تنظيم" 23 مارس".أما بخصوص،جماعة ''إلى الأمام''،فيعود أصل
ظهورها،إلى عدم توافق زمرة من المناضلين مع توجهات حزب التحرر الاشتراكية،الحزب
الشيوعي سابقا،لاسيما بعد موافقته المؤيدة للاتحاد السوفياتي بخصوص القضية
الفلسطينية.إذن، كما تلاحظون لقد تباينت التأثيرات.
5-س-سوسيولوجيا،كيف
كانت تشكيلة التنظيمين؟
ج-من الناحية السوسيولوجية، كان
الأمر متعددا ومتنوعا،بحيث نجد في الطليعة أساتذة وموظفين وطلبة وتلاميذ، إلى جانب
بعض العمال ثم الفلاحين.غير أنا الفئة المهيمنة،شكلها المثقفون والمتعلمون،لأن الرافد تمثل في التعليم،الوسط
الفكري وكذا الطلبة والتلاميذ.في الواقع،شكلت الحركة التلاميذية، مشتلا لم يكن تعبيره التنظيمي،سوى النقابة الوطنية
للتلاميذ.تنظيم سري، لكنه وازن وقوي، ونافذ جدا بين صفوف التلاميذ والتلميذات.استند
على أبنيته الخاصة المحلية والجهوية والوطنية،ثم منبر إعلامي ناطق باسمه،يحمل
عنوان :المناضل.بحيث يعتبر المرحوم محمد تيريدا(1946-2004) ،أهم أقطابه( عاش تظاهرات التلاميذ
سنوات1960 وكذا قمع انتفاضة 1965مارس .هو مناضل في صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وعضو مؤسس ل23 مارس،تخصص في قرصنة
موجات المذياع.اشتغل في المطبعة ثم مدرّسا،وظيفة توقف مسارها بعد إلقاء
القبض عليه واعتقاله سنة 1970،في درب مولاي الشريف.عندما أطلق سراحه،صار
صاحب كشك وسط مدينة الدار البيضاء.وُصف الرجل، باعتباره قارئا نهما للكتب، وجامعا للصور والخطابات التي تؤرخ للحقبة).
6-س-هل لديكم فكرة عن عدد مناضلي
''إلى الأمام'' و''23 مارس"؟
ج-لا،ليس في مقدوري أن
أقول لكم رقما مضبوطا،بحكم طابع السرية المميز لهذا الجانب.
7-س-إنها حركات ارتبط وزنها بنفوذها الإيديولوجي،أكثر من عدد
مناضليها؟فلم تكن بتنظيمات جماهيرية
ج- ليست بأحزاب جماهيرية، بمعنى تجذرها في الأوساط الشعبية،غير
أن بصمتها مهمة للغاية وتأثيرها كبير جدا،بل ومهيمن لدى حركة التلاميذ والشباب بصفة عامة.مثلا، الأغلبية في مؤتمرات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب،وهي
نقابة ضمت آلاف الطلبة،كانت تتعاطف مع تنظيمي ''23مارس'' و''إلى الأمام''.أما في الخارج،وبخصوص تسيير مايناهز أربع وثلاثين
فرعا للاتحاد الوطني لطلبة المغرب،فقد أشرف عليها ''الطلبة التقدميون''،وهو فصيل حظي
بشعبية،ضم المناصرين لليسار الراديكالي،وشكلوا
الأغلبية.سنوات 1972و1973 و1974و1975ثم غاية سنوات الثمانينات،انطوى ضمن هذه
الفروع،أكثر من ستة آلاف عنصر،هكذا فالتأثير جلي.مثال ثان،عشت في المغرب،قبل رحيلي نحو المنفى،وماعرفته
بشكل أفضل يهم أساسا مدينة الدار البيضاء،فقد كنت عضوا في المكتب السياسي ل''23 مارس"،ومسؤولا
عن هيكلة التنظيم داخل الدار البيضاء،المدينة التي تأطر داخلها تنظيميا سنة 1972، تقريبا 350 تلميذا وتلميذة، كانوا
يجتمعون ويغطون مجموع ثانويات المدينة.على المستوى الوطني،شملت النقابة الوطنية للتلاميذ،كل مدن المغرب،المتوسطة والكبرى.هكذا،ودائما سنة1972،استمر إضراب عام في المغرب لمدة
ثلاثة أشهر تقريبا،وعجزت السلطة عن تكسيره،رغم شراسة القمع.اتخذ
الوضع،صيغة عنيفة وعلى قدر من الشدة،مع
ذلك استطاعت هذه الحركة طوعا،أن تعثر لها على موطن قدم لدى شباب الثانويات،الذي
أثر بدوره تأثيرا حاسما في شباب الأحياء،لكن ما يؤسف له أننا لم نعرف كيفية
استثمار هذه القوة، كي نترسخ ضمن صفوف باقي الطبقات المجتمعية،دون أن ننسى أيضا
بهذا الصدد،موجات القمع المتوالية.لكن، رغم كل شيء، فقد تأثر آلاف المغاربة بتنظيمي ''23
مارس''و''إلى الأمام''،الدليل :التجليات الحالية للمشهد السياسي،فمع غياب
حزب سياسي يحتوي ضمن صفوفه كل هذه القوة الكامنة،مما يشكل في حد ذاته خسارة،فإن جزءا كبيرا من تنظيمات المجتمع المدني الفاعلة أكثر،يحركها
قدامى التنظيمين،أو الشباب المناضل المستلهم لتراثهما،فنصادفهم على امتداد هيئات
عدة :الجمعية المغربية لحقوق الإنسان،المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وترانسبرانسي، ونقابات الاتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل،إلخ.نجد مناضلي اليسار في كل موقع يتمتع بالفعالية.
8-س-لكنهم لم
يحافظوا جميعهم،على الخط الإيديولوجي؟
ج-لا،هناك تطور، ثم طبعا مقاربة نقدية بالنسبة لتجربة استحوذت عليها الايديولوجيا.أشياء كثيرة تغيرت،العالم والمجتمع المغربي،لذلك يعتبر
طبيعيا، أن تتطور الأفكار بدورها.لم يبق الأشخاص، متصلبين …لكنهم يتمسكون بخط عام :قيم يسار مناضل وصادق.من أجل التقدم
والديمقراطية والحرية واحترام الإنسان من طرف الإنسان ومناهضة الاستغلال،هي
معالم لا تتغير قط.المسار السياسي قد يعرف تحولا،أيضا الايديولوجيا
يمكن أن تمسها تأثيرات وتطورات أخرى،لكن في طيات ذلك،تظل دائما أشياء بمثابة نقط
إرشاد،بالتالي ليس صدفة أن ينخرط جل هؤلاء الأفراد ضمن مبادرات،من أجل التنمية ومحاربة الفساد وحماية البيئة وحقوق
الإنسان والنضال النقابي،إلخ.بالتأكيد،ضدا على هذا النموذج نجد آخرين غيروا
مواقفهم أو انسحبوا أو انطووا على ذواتهم… .هكذا، السلوك البشري.
9-س-بين صفحات
أنفاس (العربية)نلاحظ كثيرا من الأسماء المستعارة،ثم في السلسلة
الجديدة،نادرة هي النصوص التي تحمل توقيعا،هل بوسعكم أن تحدثوني عن المشاركين؟
ج-بصدق، لا يمكنني إخبارك بأسماء….في البداية، انطوت النصوص على توقيعات.بل، وخلال لحظة معينة في المغرب،ذيلت
النصوص بإمضاءات لأسماء مستعارة.أما خارج المغرب،فقد اتجه العمل أكثر نحو التنظيم السياسي :كانت المشاركات، إما من طرف أشخاص لا يفصحون عن أسمائهم، أو غالبا يكون عملا جماعيا.
10-كان عملا
جماعيا، بخصوص هيئة تحرير، تشرف على النصوص؟
ج-لا،هناك
فئة محدودة من تقوم بعملية التحرير،بحيث توجد هيئة مشرفة على ذلك، وبالطبع هو عمل لا
يكون سوى فرديا،لكن دون توقيعات.بسبب السرية من جهة،ومن جهة ثانية لأن هؤلاء لم يبالوا بتاتا بإظهار أسمائهم،فليس
مهما بالنسبة إليهم.أنا، مثلا كتبت، غير أني سأكون عاجزا على إحاطتكم
يقينا، بما كتبت وما لم أكتبه…(يتصفح أعداد المجلة).أحاول الاستدلال، على بعض المقالات التي ربما دبّجتها، لكني لم أعد أتذكر مع مرور الزمان…لأن العمل كان جماعيا أكثر منه فرديا… ،هكذا نجد حسن نصار' يشارك ويشرف
على تحرير النصوص،كذلك الحبيب الطالب ومحمد المريني….أخيرا،ساهم
الكثير من المناضلين دون أن تتم الإشارة إليهم بالضرورة،وبغير إمضاء أحيانا،أو
انتمائهم إلى هيئة التحرير.يمر كل شيء،عبر قناة التنظيم.
11-س-من الذي
شكل هيئة التحرير في فرنسا،بالنسبة لأنفاس بالعربية والفرنسية؟.
ج-أذكر الحبيب الطالب وحسن بناني وآخرين… .
12-س-هل نفس هيئة
التحرير، من أشرف على النسختين؟
ج-نعم، بالنسبة للاثنين…،لكن في نفس الآن،تميز
بعض المناضلين بإتقانهم العربية أكثر من الفرنسية، أو العكس….أحيانا، تصدر ترجمات من الفرنسية إلى العربية أو من العربية إلى
الفرنسية…،أستحضر
هنا أسماء مثل حسن بناني وحسن نصار وريمون
بنحايم الذي ساهم بدوره كثيرا.أيضا،فيما يخصني،وخلال
لحظة معينة، تضمنت النسخة العربية مساهمات لي.لكن،ما يمكننا قوله أن الإشراف
على أنفاس بالفرنسية أو العربية،وتوجيهها،أداره التنظيمان وليس فقط هيئة تحرير مستقلة.
13-س-بدت أنفاس
مع سلسلتها الجديدة،من صنف المنشورات،أكثر منها مجلة إيديولوجية، مثلما كان الحال مع أنفاس بالعربية، وكذا الأعداد الأخيرة من أنفاس بالفرنسية؟
ج-نعم،
صحيح شيئا ما.فقد تمثل الهدف في إحاطة الرأي العام بالمعلومة،بحيث تعلق
الأمر أكثر بالتواصل السياسي…
14-س-تعلنون عن أخبار تهم الأحداث
السياسية في المغرب،لاسيما محاكمة الدار البيضاء إلخ،أكثر من نشر مقالات رصينة…
ج-نعم، بشكل عام،تعلق الأمر بالإفصاح عن مواقف تهم الراهن، أكثر
من إصدار دراسات.صحيح، لقد تضمنت
السلسلة الجديدة أبحاثا،لكن الهاجس الرئيسي اتجه نحو الإخبار.نشرنا أحيانا، تقارير عن الحركات الاجتماعية وتحاليل سياسية عميقة، يبعثها
لنا من داخل المغرب،مناضلون لم يتمكنوا وقتها من المغادرة.
15-س-هل حظيت
المجلة في فرنسا بدعم مالي؟
ج-لا !كان عملا نضاليا وتطوعيا، لم نحصل على
سنتيم واحد من أي جهة كانت.
16 –س-وكيف وفرتم رأسمال،
إصدار المجلة؟
ج-عن
طريق بيع المجلة، بحيث سدد جانبا من التكاليف، بل مهما.أيضا، ساعدت المساهمات المادية للمناضلين،على تمويل المصاريف.كانت المجلة تباع جيدا،إضافة إلى أن
النفقات لم تكن ضخمة،بحيث تحدد السحب في ألفي نسخة،والتي تصل أحيانا استثناء مع أعداد
أخرى، إلى ثلاثة ألف.ونحن نتكفل بتصميم المجلة، وما يهم مختلف الجوانب التقنية،حيث
لعب حسن بناني دورا أساسيا في هذا المضمار.لم تكن مقتضيات العمل باليسيرة،غير أن الحافز
كان قويا،لأن وظيفة أنفاس في الخارج بالنسبة للحركة،ارتكزت على تزويد الرأي العام
بالمعلومة.فضلا على هذا،اشتغل
العمل الإخباري بالموازاة، مع هيئات أخري مناهضة للقمع في
المغرب،أنشاها مناضلون مغاربة،بمشاركة فرانسوا ديلا سودا Sudda
،وبعض المناضلين الفرنسيين.
17-س-ماهو دور
فرانسوا ديلا؟
ج-هو مناضل يدعم الحركة،كان
مدرّسا لعب دورا على مستوى هيئات مناهضة للقمع،وهي مسألة مهمة جدا،لكن غير هذا،لم
يساهم أبدا في أنفاس ولا هيأة تحريرها،ولا كتابة مقالات.حدث،أننا كنا نعود ثانية إلى بعض بياناته،من أجل نشرها.
18-س-مع ذلك، استُشهد بدوره كمنسق؟
ج-نعم،منسقا للجنة دعم مجلة أنفاس.بل، في
لحظة ما،اقتضى الوضع تعيين فرنسي، مديرا للنشر،فقد لعب فرانسوا ديلا سودا،دورا من أجل مساعدتنا.وكان أيضا،مديرا لمجلات أخرى.
19-س-لماذا ينبغي ترشيح فرنسي
مديرا للنشر؟
ج-للتعامل مع الإدارة الفرنسية…،لكن أيضا لخصلته كمنسق للجنة دعم مجلة أنفاس،ضد منعها في
المغرب.فرانسوا ديلا سودا،وجلبير موري،ومناضلين فرنسيين آخرين،انخرطوا
بشكل حصري قصد التبليغ عن القمع السائد في المغرب،ودعم المعتقلين السياسيين.للإشارة،لم يدعموا فقط مناضلي الحركة
الماركسية اللينينية،لكن كذلك،المنتمين إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،
والعسكريين المختفين والنقابيين وكل ضحايا القمع.
20-س-ثم ماذا عنكم؟
ج-أنا ولدت بمدينة الجديدة،ودرست بثانوية
محمد الخامس في الدار البيضاء،ثم في كلية
الحقوق بذات المدينة، تخصص علوم اقتصادية.خلال لحظة معينة التزمت بالعمل السياسي السري،وأنا
أشتغل مؤقتا في ثانوية خاصة، أسسها أعضاء من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.فيما بعد اضطررت إلى مغادرة المغرب،فقد
صدر في حقي غيابيا حكما بالسجن مدى الحياة،خلال محاكمة الدار البيضاء الأولى.عندما قدمت إلى فرنسا،واصلت أنشطتي
السياسية.ثم أثناء محاكمة الدار البيضاء
الثانية سنة 1971،وأنا في المنفى،صدر
مرة ثانية حكم غيابي بالمؤبد،بدعوى تورطي في أنشطة الحركة بالمغرب.
21 –س-ماهي ظروف
قدومكم إلى فرنسا؟
ج-كان ذلك شهر يونيو1972،وأنا أبلغ وقتها أربعة وعشرين سنة…،حينما وصلت إلى فرنسا،بدأت أشتغل كي أتمكن طبعا من مواجهة تكاليف الحياة.أما سياسيا،فقد واصلت تحمل مسؤولياتي ضمن صفوف
تنظيم''23مارس''،والذي أيضا كنت
أحد مؤسسيه.
-22فيما بعد أصبحتم المسؤول الأول عن تنظيم ''إلى الأمام'' في فرنسا،فما هي
حيثيات هذا الانتقال من ''23مارس''نحو ''إلى الأمام''؟
ج-سنة 1975 ،اعتقل كل الجهاز الذي يسيّر" 23 مارس"، وكذا عشرات المناضلين،ثم شلت كليا
فعالية التنظيم داخليا،أما الفرع الخارجي الذي كان في تضارب قوي مع وجهة نظر قيادة
التنظيم داخليا، بخصوص قضية الصحراء، وتحليل الوضعية في المغرب،فقد استفاد من هذه
الوضعية كي يعمل على تمرير توجه سياسي جديد يمتدح''الإجماع الوطني''مع السلطة باسم
الدفاع عن الوحدة الوطنية.خلال تلك الحقبة،كانت لتنظيم'' 23مارس ''بالداخل وجهة نظر ثانية :((لا لحرب الصحراء،ونعم لإعادة بناء
الوحدة الوطنية مع ساكنة الصحراء، وفق
قواعد ديمقراطية))و:((توحيد النضالات،من أجل
مغرب موحد وحر وديمقراطي))و:((لا،للتحالف مع السلطة)).شخصيا،كانت لدي هذه القناعة ،متفقا مع الأغلبية في الداخل،أما فرع التنظيم بالخارج،فقد انحاز إلى الموقف الغالب
المتمثل في ''الإجماع الوطني''.بعد الاعتقالات
داخل المغرب،اتجه الهاجس الأساس صوب العمل على إخراج العديد من المناضلين المبحوث
عنهم،أما سياسيا فقد اتفقنا داخل قيادة فرع الخارج،على تسوية مفادها تجميد كل موقف
يطرح مشكلة ما،في انتظار الاتفاق مع عناصر التنظيم داخليا-عندما ينتقلون إلى السجن-وأيضا في انتظار إعادة بناء التنظيم
داخليا،من أجل فتح نقاش
ديمقراطي.لكن الأغلبية المنتسبة لفرع الخارج،لم تحترم هذه
التسوية وبدأت تتحدث ،كأنها الناطق الرسمي باسم توجه فرع الداخل، والسعي للتأثير في
مواقفه الخاصة.يجدر بي التأكيد،أن
عدم اتفاقي لا يرتكز على سؤال :هل الصحراء مغربية أم لا؟لأن تاريخية مغربية الصحراء،يقر
بها الجميع.لكن الاختلاف مضى نحو كيفية بناء الوحدة الوطنية؟لاسيما،هل
من الممكن إرساء تحالف أو بناء وحدة وطنية مع سلطة مستبدة؟بخصوص هذه الأسئلة،تنبغي
الإشارة أنه في المغرب وبعد قطيعة أولى سنة1972بين ''إلى الأمام'' و"23 مارس"،حدث
ثانية تقارب بين التنظيمين،وطرحت من جديد مسألة انصهارهما.في إطار، هذا السياق السياسي والتنظيمي،التحقت مع رفاق آخرين في الخارج
بتنظيم ''إلى الأمام''،وتحملت فعلا مسؤولية قيادية.لكن سنة 1979،عبرت عن اختلافي مع الموقف الجديد الذي شرع السرفاتي يكشف عنه :((حق الشعب الصحراوي في بناء دولة مستقلة)).فيما بعد،وتبعا لنضال
داخلي طويل،في أفق صياغة الخط السياسي والتنظيمي ل''إلى الأمام''،لكن بدون جدوى،مما أرغمني على مغادرة هذا التنظيم.
-23 س-لقد غيرتم أيضا الوجهة نحو
المجتمع المدني؟
ج-نعم،في فترة من الفترات اهتديت مع
مناضلين آخرين،صوب تأسيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان سنة 1984،خلال حقبة كانت تنظيمات اليسار الجديد مفككة،الوضع الذي فرض
أيضا نوعا من خلق مسافة مع تجربتنا. بالتالي،عانقت
أكثر قضية الدفاع عن حقوق الإنسان.عمل،اتجه نحو مؤسسات دولية، كي نخبر عن طبيعة النظام السياسي
المغربي وانتزاع عفو عام، وكذا احترام للحريات الأساسية.
24-س- هل تمكنتم بعد ذلك، من العودة إلى المغرب ؟
ج-رجعت
إلى المغرب شهر دجنبر سنة1994،بعد العفو العام الصادر شهر يوليوز من نفس السنة.تخليت،أسقطت وضعيتي كلاجئ سياسي، وشرعت أزور
المغرب باستمرار.غير أن الاستقرار هنا من جديد، يشكل قضية أخرى،فلا يمكن بين عشية وضحاها،اتخاذ
قرار العودة،بعد أن قضيت ثلاثين سنة في المنفى،فالعديد من الاكراهات والالتزامات
العائلية، تجبرني على البقاء في فرنسا لفترة زمنية أخرى.
25-س-وحاليا؟
ج-لازلت مرتبطا بجمعية الدفاع عن حقوق الإنسان في المغرب،لكن
ليس كما السابق،نظرا لانشغالات ثانية،مثل التخطيط لمسألة الاستقرار نهائيا في
المغرب،وكذا أمور أخرى.مع ذلك،فأنا فاعل
دائما ضمن صفوف الجمعية.أما على المستوى المهني،وفي انتظار العودة إلى البلد،أقوم حاليا بمهام في فضاء
للتكوين والإدماج،يتواجد بمنطقة باريس،يصاحب الشخصيات التي تواجه صعوبات بخصوص مسارات
البحث عن عمل.إذن، كما تلاحظين، هو نشاط غير بعيد بدوره عن الفعل النضالي.
*هامش :
Kenza Sefrioui :la revue souffles(1966
1970) ;espoirs de révolution culturelle au Maroc ;éditions du
Sirocco ;pp352 ;362.