تترامى شمسُها الخضراءُ عن بُعْدٍ
|
وتنأى في الدُّخان
|
أبداً يرتدُّ عن أبراجها الطَّرْفُ |
ويعلو جذعَها المكسوَّ بالحسرةِ
|
صَمْغُ الهذيانِ
|
شاخصاً من فُرْجَةِ القلبِ
|
إلى فوَّهةِ البئرِ التي تغسل بالأهدابِ
|
أقدام بُخارى
|
قلت للطفلِ الذي فيَّ:
|
انتظرْني
|
ربما أبلغ في خاتمة الرحلةِ
|
ما لم تطأ الأحلامُ من قَبْلُ
|
ولم تَمْسَسْ يدانِ
|
وتوغَلتُ بعيداً في السماواتِ
|
التي تفصلني عن برقها الخائرِ،
|
صادقتُ مفازاتٍ
|
وودياناً
|
وصادقتُ بقايا أنهرٍ
|
أخمدها الوقتُ
|
ولم يأخذ بأيديها إلى برِّ الأمانِ
|
لم يكن ليلٌ لأدعو نجمهُ
|
بوصَلَتي في التيهِ،
|
أو فجرٌ
|
لأستقوي بما يركض من أفراسهِ
|
في الغبش الفضيِّ،
|
لا ماضٍ لكي أمضي
|
ولا مستقبلٌ كي أُرهف السَّمْعَ
|
إلى الريح التي تفتضُّ كالسِّكينِ
|
أحشاء الثواني
|
مَنْ أذن يهتف لي
|
من خلف هذا الحائط المجهولِ،
|
مَنْ أثْخَنَ رأسي بالإجابات
|
التي ينخرُهُا الشكُّ
|
وصدري بالنياشين،
|
و مَنْ أطلقني كالمخلبِ الخاسرِ
|
في هذا الرِّهانِ؟
|
منشباً أوردتي العزلاءَ
|
في ما غيَّض الرملُ من الأفئدة الظمأى
|
وما يخفقُ كالغربان
|
في ليل الحيارى
|
رحتُ أستقرئُ صبَّار العذاباتِ العدائيَّ
|
الذي ينزفُ
|
مثل القنفذِ المخمورِ
|
من جلْد الصَّحارى
|
فتبدَّى لي، كمن في نومه يبصر،
|
شيخٌ، كنتُ قد عايْنتُهُ من قبلُ
|
في صورة أسلافي البعيدين
|
ومن غاصوا إلى اللُّجةِ
|
مثلي،
|
قلت: هل تعرفُها
|
هل تعرفُ الدرب إلى شمس بخارى؟
|
وإلى الباب الذي ينشقُّ
|
عن أمواجها الزُّرْقِ،
|
وهل يتسَّع العمرُ لكي أبلغها يوماً
|
وتُعشي ضوءَ عينيَّ
|
المناراتُ العذارى
|
قال: إني عائدٌ منها
|
ولا شيء بها مما تظنُّ
|
ليس في هذا المدى الأجوفِ
|
إلا رممٌ منهوبةُ الاسمِ
|
وفَخَّارُ عظامٍ بَلِيَتْ من شدةِ القَيْظِ
|
وأقدامٌ تئنُّ
|
ما الذي أفعلُهُ
|
في قلب هذا النفقِ الموحشِ،
|
قلتُ،
|
وأنَّى لي أن أرى
|
أبراجها الغرقى
|
ولا نار لكي يسترشد الأعمى،
|
ولا نَأْمَةَ،
|
لاشيء سوى رَجْعِ سعالِ
|
البشر الفانين
|
والأيدي التي صارت غباراً
|
هي ليست في مكانٍ أو زمانٍ
|
أو أوانٍ تمتم الشيخُ،
|
هي الخمرُ التي نفقدها
|
في ذروةِ النشوةِ،
|
طَعْمُ القُبَلِ الأوَّلُ،
|
برقُ الشِّعر في الرأس،
|
الشِّتاءات التي تُعْوِلُ
|
في خطِّ استواءِ الروحِ،
|
والماسُ الإلهيُّ الذي ما أن
|
يعرِّي وهجه المجروحَ
|
للأعينِ
|
حتى يتوارى
|
كلٌّ من يبحثُ عن لَيْلاه
|
في الهاجرةِ الصَّماءِ
|
أو يصطكُّ كالمقرورِ في بريَّةِ
|
الفقدانِ،
|
أو يبكي على أندلسٍ ضاعتْ
|
يسميِّها بخارى
|
بِمَ أستهدي إذن
|
في ذلك التيهِ المرائي
|
بِمَ أستهدي،
|
أنا القاطع خلفي
|
كلَّ ما يربطني بالأرضِ
|
والدائرُ مثل العقربِ الأخرقِ
|
في هذا الهباءِ
|
أتحرَّى على يدٍ يومئُ لي من خلفها
|
ياقوتُها الغاربُ،
|
عن صَفَّيْ قبابٍ
|
تتهجَّى صدرها الغضَّ
|
بلا جدوى
|
قلا أقواسُها بانتْ
|
ولا الريحُ التي استصرختُها
|
رَدَّتْ ندائي ………….
|
فجأةً،
|
بعد اشتعال الشَّيْبِ في الرأس
|
تجلَّى وجهها المشروخُ كالمرآةِ
|
في قلب العراءِ
|
هارب الأطيافِ
|
للأرض التي غادرتُها
|
في مطلع العمرِ
|
وللماضي الذي يشهقُ كالينبوعِ
|
في أقصى دمائي
|
وتَلَفَّتُّ،
|
لعلِّي مدركٌ أنقاضَ
|
مَنْ أوْدَعْتُهُ كنز انتظاراتي
|
وأسمال اشتهائي
|
فإذا الطفل الذي في داخلي
|
قد شاخ
|
والشمس التي أقصُدُها باتت ورائي .
|