عن موقع قنطرة
المناهج المدرسية تنشغل بمحاربة النصارى وعذاب القبر وبشواء الأطفال في جهنم!
ينتقد الكاتب موسى برهومة طرق تعليم أحكام الدين وقواعده في العالم العربي ويطالب بإعادة كتابة المناهج كلها بحيث تتماشى مع وسائل التربية الحديثة، والتركيز على تزويد الطلبة في المراحل الأساسية واللاحقة بمفاهيم إسلامية عليا وقيم إنسانية تبتعد عما يشوّش ذهن الطلبة، بعيداً عن وسائل التهديد والترويع، والقصص التي تسحبهم إلى فضاءات الميتافيزيقا التي لا تتناسب وأعمارهم ونضوجهم العقلي.
كانت الصورة المعلقة على جدار إحدى المدارس الابتدائية مرعبةً حقاً. كان يكفي النظر إليها، من دون تأملها، أن يبعث الفزع في النفس. كانت الصورة المعنونة بـ"عقوبة تارك الصلاة" عبارة عن طفلتين صغيرتين ميتتيْن، الأولى (محافظة على الصلاة) مستلقية بكل وداعة على ورق أخضر ويشع منها النور، والثانية (تاركة الصلاة) متفحّمة مشوّهة، ملطخة بالدماء، ملتفّة أفعى عليها، ومحاطة بحجارة سوداء من سجّيل.
بهذه. سألني أطفالي عن النار والجنة، ولطالما استغرقوا في وصف جهنم بناء على كلام المعلم/ المعلمة، وليس في درس التربية الدينية، وحسب بل في كل الدروس، حتى في درس الرياضة والفن!
إحدى معلمات التربية الإسلامية في إحدى رياض الأطفال الشهيرة، في العاصمة الأردنية عمّان، كانت تصف المسيحيين بـ"النصارى الكفار"، وتحضّ الفتيات الصغيرات على الصلاة، وارتداء الحجاب، وإلا شُوين بنار جهنم!!
وشكا خبراء تربويون أردنيون، من سطوة هذا التفكير التأثيمي في المدارس ورياض الأطفال، فضلاً عن غياب الفن والموسيقى والتفكير المنطقي العلمي عن المناهج المدرسية، في مقابل "الحديث المتواصل عن الجهاد وما ينتظر المجاهدين في الآخرة، وأن المسلم مطالبٌ بالجهاد في كل ربوع الدنيا"، فضلاً عن التطرّق لعذاب القبر والجنة والنار وتغييب القانون، والإكثار من الكلام عن فضائل إطاعة الزوجة للزوج، من دون أن يتم الحديث عن الزوجة كإنسان. وفي الواقع فإن المناهج تقدّم المرأة بالصورة الذكورية السقيمة التي يتم اختزالها في كتب المرحلة التأسيسية بدرس: ماما تطبخ، وأبي يقرأ الصحيفة!
غياب التفكير في الكتاب المدرسيّ
كما لاحظ أؤلئك الخبراء في ندوة عُقدت أخيرا في عمان عمّان "وجود أغلب النساء في الكتب المدرسية وهنّ محجبات"، وعدم وجود "أي إشارة لوجود دين مسيحي إلا في صورة واحدة في أحد الدروس".
وأظهرت الندوة أن "منهاج التفكير في الكتاب المدرسيّ منفيّ بشكل واضح، وأن صُلح الحديبية، مثلاً، كان فرصة لكي يتم الحديث عن قيم الإسلام والتصالح وأهميته، وأن يقال للطالب إن الإسلام ليس دين قتل وتقطيع أشلاء".
ولاحظت الباحثة التربوية دلال سلامة في موضعين، في كتابيْ اللغة العربية الصف الأول، والتربية الإسلامية للصف الثالث، أنّ الأطفال يتعلمون عن التعايش بوصفه قيمة بين المسلمين حصراً، عندما يتعلمون أنّ المسلم الحق هو من لا يسيء إلى المسلمين الآخرين بلسانه أو يده. وأنّ المسلم "يحب المسلمين جميعاً، ويحافظ على أرواحهم وأموالهم، ويحرص على عدم إيذائهم بقول أوفعل"، وأنّ المسلم "لا يخيف المسلمين برفع صوت أو تهديد بعصا أو سلاح".
كما رصد الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات كتابَ "الثقافة العامة" فتبيّن له أنّ الطلبة في درس "العلوم الحديثة" يُلقّنون أنّ لهذه العلوم "فوائد في الزراعة وغيرها، ولكنها أشغلت الناس بالاضطرابات ودمّرت الحضارات، ونشرت العلمانية والمادية، وشكلت مدناً ضخمة. وأبعدت البشر عن العبادة والدين والعائلة والطبيعة والشرف والحب والصداقة. وزادت الطلاق والمخدرات، ودمرت البيئة".
دور المعلمين المحوريّ في تشكيل وعي الطلبة
ويعزو الباحث والخبير التربوي حسني عايش ذلك إلى "سيطرة الإسلاميين على وزارة التربية والتعليم لعقود، فكانت النتيجة أسلمة المناهج الأردنية، حتى إنّ الأسلمة امتدت إلى المواد العلمية كالفيزياء والأحياء والكيمياء، إذ تبدأ كل وحدة دراسية لهذه المواد بآية قرآنية، أو حديث نبوي يربط بين العلم والدين".
وفي مقالة نشرتها صحيفة "الغد" بعنوان "أكاذيب وتوجيهات خطيرة في الكتب المدرسية الأردنية" تكشف الكاتبة والشاعرة زليخة أبو ريشة، أنه "في كتاب التربية الدينية للصف العاشر ورد ما يلي:
"فسِّر إيراد البخاري رحمه الله تعالى لحديث رسول الله (ص): "أُمِرتُ أن أُقاتل الناسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاةَ ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله". في كل من كتاب الإيمان واستتابة المرتدين والجهاد والاعتصام بالكتاب والسنة".
وتعلق أبو ريشة على ذلك: "ولا حاجة بنا إلى القول كم هو حجم شحنة العنف التي يتضمّنها إيرادُ هذا الحديث، ومقدار التربُّص الذي يضمره مؤلفو الكتاب بمن لا يؤمن إيمان المسلم، ومن لا يؤدي شعائر الإسلام! فمفاهيم مثل: القتال، المرتدّ، الجهاد، هدر الدماء، استباحة الأموال، الإيمان عنوةً مقابل سلامة الروح والمال، وإقامة الصلاة رغم الأنف، كلها مفاهيم لا تؤدي إلى مجتمعٍ "متسامح" ولا إلى "إسلام سمح"، ما دام التلامذة يتعلمون أن عليهم رفع السيف على من لا يؤمن إيمانهم!".
ويحذّر الخبراء التربويون مما يسمونه "المنهج الخفي"؛ أي دور المعلمين المحوريّ في تشكيل وعي الطلبة، سلباً أم إيجاباً، وهو أمر ربما لا يتم إيلاؤه ما يحتاجه من عناية فائقة وتدقيق حثيث.
وتتصاعد الشكاوى من أنّ المدرّسات والمدرّسين، على وجه العموم، لا صلة لهم بالعلم ولا بروح الدين، ولا بألف باء اللغة العربية والتربية الرشيدة، وتراهم معبّأين بالعقد النفسية والاجتماعية، وغير مؤهلين لا للتربية ولا للتعليم، ويحتاجون إلى تأهيل، وإعادة برمجة ذهنياتهم وأجهزتهم العصبية والمعرفية، بحيث تنسجم مع روح العصر، وإيقاع التحولات العميقة التي عصفت بمناهج التربية ووسائل التدريس الحديثة.
كما أكدت دراسات واستطلاعات أن المناهج المدرسية طافحة بـ"الفكر الداعشيّ" والأفكار المتزمّتة، والتصوّرات المؤسَّسة على الخرافة والميتافيزيقا، ونفي الآخر، ونبذ التعايش، ومفارقة العقل والنقد التحليلي، والجهد الفلسفي والمنطقي.
وإذا شئنا البحث في حلول، سريعة وعاجلة، كي نحمي ما تبقى من المستقبل المتصدّع، فإن علينا أن نبحث في ثلاثة مسارات متزامنة وعاجلة، أولها إعادة كتابة المناهج كلها بحيث تتماشى مع وسائل التربية الحديثة، أسوة بنظيراتها في مدارس الدول المتقدمة، والتركيز على تزويد الطلبة في المراحل الأساسية واللاحقة بمفاهيم إسلامية، وقيم إنسانية تبتعد عما يشوّش ذهن الطلبة، ويجعل الدين أمراً عادياً في حياتهم، بعيداً عن وسائل التهديد والترويع، والقصص التي تسحبهم إلى فضاءات الميتافيزيقا التي لا تتناسب وأعمارهم ونضوجهم العقلي.
ومن الضروري أن يتم حقن تلك المناهج بوسائل التفكير العلمي، وقواعد النقد العقلاني، والتحليل والجدل والمنطق، والفلسفة.
أما المسار الثاني فمتصل بالمعلمين الذين يتعيّن انتقاؤهم بعناية فائقة، وَفق شروط محكمة، لا سيما أؤلئك الذين يدرّسون المراحل الأولى. كما يتعيّن الارتقاء بأحوال المعلمين، وتحسين رواتبهم ومزاياهم حتى يتفرغوا لهذه المهنة المقدسة، ولا ينشغلوا بمتاعب الحياة وأوجاعها.
وتأتي التشريعات في المسار الثالث، لأنها هي الضابط للمسارين الأوّلين، فكل من يتجاوز قواعد التدريس الصحيحة، وكل من يخلّ بما هو مطلوب، أو يسعى إلى "تسميم" عقول الناشئة، أو تسريب آرائه الأيديولوجية أو السياسية إليهم، أو تشويه صور الأديان الأخرى، فإنّ على القانون أن يشكمه ويردعه ويقدمه للمحاكمة، لأن من يُفسد عقل طفل صغير يُفسد أمة بأكملها، ويُضرم النار بالمستقبل.
موسى برهومة
حقوق النشر: موقع قنطرة 2016
موسى برهومة يعمل أستاذاً للإعلام في الجامعة الأمريكية بدبي.