صورة جسد المرأة الشرقية في الفن التشكيلي من خلال قراءة في تجربتي الفنانة مريم بودربالة وياسمينة علاوي
الباحث نجم الدين الدرعي ـ تونس
صار هذا الإهتمام بقضية الجسد يشغل فكر الكثير من
الفنانين والنقاد والباحثين بإعتباره يحمل جملة من التناقضات والتساؤلات فهو
"قد مثل منذ زمن بعيد الموضوع، اّلذي لا يمكننا تجنبه في التعبير الفني"[2]،
سواء كان ذالك من ناحية طرحه للبعد الإشكالي، اّلذي لايخلو من طرافة المعالجة لغاية
التجديد وتجاوز السائد نحو مسألة لا تقل أهمية في الفن وهي الجسد وبالتحديد جسد الفنان.
تغيرت نظرتنا اليوم للفن والفنان جذريا بفضل ما توصلت إليه بعض التوجهات الفنية خاصة
منها المعاصرة من مواقف وأفكار لم نعهدها من قبل، بإعتبارها إنفتحت على إمكانات أخرى
في الممارسات الإبداعية، فموقع الفنان كفاعل وأداة في العمل التشكيلي أصبح جليا خاصة
إذا ما تعلق الأمر بمثول جسده، وهو ما يحيلنا إلى عالم جديد من الرؤى والمفاهيم والقيم
الجديدة. لقد تعدت الطرق والأوجه اّلتي تعكس هذا التصور الجديد لمفهوم جسد الفنان وهو
موقف لم يأت جزافا بل كانت مرجعياته فنية وفكرية. وبالتالي تميزت أغلب الأعمال التشكيلية
باتخاذها لأبعاد وأساليب متنوعة. كان أهمها البحث في عدة نقاط تتعّلق بمسألة توظيف
جسد الفنان في الممارسة التشكيلية، وكيفية حلوله محل المحامل التقليدية من خلال عدة
آليات للتشكيل، فما كان إلا أن أستغل الظروف، اّلتي سمحت بهذا التمرد أو المغامرة عبر
تتبعي لتاريخ الفن التشكيلي بالبلدان العربية والغربية ونظرة كليهما لمفهوم الجسد من
خلال عدة تصورات ومدى قدرتها على التفاعل مع هذه المادة الحية، اّلتي ستوضحها أكثر
مختلف التجارب الفنية، كل حسب أسلوبه الخاص وماهية الجسد كموضوع بالنسبة إليه. وفي
هذا المجال أخذ جسد بعض المصورين الفوتوغرافيين حيزا في أعمالهم أمثل الفنانة التونسية
"مريم بو دربالة" والمغربية "ياسمينة علاوي" تمكنتا من التعمق
في الأبعاد الجمالية والتعبيرية للجسد، فتميزا في الساحة الفنية من خلال رؤاهم وأفكارهم
جمعت "مريم بودربالة" و"ياسمينة
علاوي"، عن طريق فن الفوتوغرافيا التشكيلية، بين الفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي.
بدأت خطواتهما في صياغة فكرتهما، ثم تحديد تقنية العمل واختيار جسدهما الموديل والعمل
الفني في نفس الوقت واتخاذ وضعية مناسبة لتعبير عن فكرتهما، من ثم تلتقط صورة لجسدها
بالطريقة اّلتي تعتقد أنها تعبر عن رسالتها. فأعمالهما بمثابة صور فوتوغرافية لجسدهما
في وضعيات وحالات مختلفة. حيث تندرج الصورة الفوتوغرافية ضمن إطار الفن التعبيري المستقل
لكونها تتناول الرؤية الواقعية من زوايا متباينة، فهي مرآة تعكس محيطها بكل أمانة،
كما تستخدم الصورة كلغة صامتة للحكي والسرد والمحاكاة. لقد أصبح التصوير الفوتوغرافي
سمة مستحوذة على جزء لا يستهان به في الفن المعاصر. خصوصًا عندما تكون الأعمال المطروحة
التقطت بطابع يحمل سمة التجدد والخروج عن النمط السائد وعلى قدر كبير من الثقافة والإلمام
بكل نواحي المجتمع الإنساني.
يرتكز العمل الفني ل"مريم بودربالة" حول
التصور الفوتوغرافي الإستشراقي والأوهام المتوقعة على مسألة المرأة الشرقية وحالتها
في العالم العربي. من خلال توظيف جسدها كأداة تشكيلية في أعمالها. قامت بالنقد والتعليق
على الصور الإستشراقية ل"لينرت ولاندروك" وكيفية تقديم صورة المرأة العربية،
من هنا حاولت "بودربالة" تجاوز الصورة النمطية للمرأة وسعت لتبديل بعض التصورات
المسبقة في العالم العربي، حيث قامت بالرد على هذه المسألة تشكيليا من خلال دمج أصلها
وثقافتها المزدوجة في عملها، فأصبح جسدها أداة ومساحة للتحرير وللخلق وتأكيد شخصيتها.
كما نلاحظ مدى تأثرها بعمل "مان راي"، فسلسلة البدويات مستوحاة من عمل
"الأمس، اليوم وغدا" حيث نسبته لمخيلتها وأنجزت منه سلسلة من الأعمال المتشابهة
من خلال اعتمادها على التقنيات الرقمية.
كما وظفت الأزياء والحلي لأغراض إنمائية، عرقية،
اجتماعية، ثقافية، لإبراز هويتها من خلال ممارستها الفنية. تعتبر تجربتها متنوعة ذات
خصوصية، هذا علاوًة على كونها قامت على إنتاج رسالة بصرية مؤسسة على المفاهيم وإشكاليات
الفن المعاصر. وراوحت أيضا بين جل مجالات التعبير التشكيلي (فوتوغرافي، أداء كوريغرافي).
تستمد أفكارها من الواقع المعاش للمرأة العربية، لتقدم رؤية إبداعية تحمل في طياتها
قراءة نقدية ذات أسلوب متفرد. وظفت الفنانة "مريم بودربالة" جسدها بطريقة
موازية تحمل الفكرة ونقيضها بين نزعة تؤكد على هوية تراثية متجذرة وأخرى تبشر هوية
مستقلة، مستلهمة أعمالها الفنية من الحياة اليومية الاجتماعية ومن بعض التيارات الفنية
ومن بعض الفنانين كـ"مان راي" و"لينرت" و"لاندروك" حيث
أن هذه المرجعية كان لها تأثير مباشر على أعمالها التشكيلية بالإضافة كذلك إلى ازدواجية
أصلها. فتجمع الفنانة تجربتها الشخصية والإبداعية بين الواقع والموروث الثقافي وكان
جسدها الموضوع الرئيسي والأداة المادية، اّلتي بلغتها بعضا من أفكارها. اتخذت
"ياسمينة علاوي" جسدها موضوعًا أساسيًا في أعمالها، منه تبني عليه مسارها
التشكيلي. التقط "ماركو" صور فوتوغرافية لجسدها عاريًا غارقًا في العتمة.
رسمت عليه مواضيع استلهمتها من الموروث العربي الإسلامي المتمثلة في عناصر زخروفية
وأشكال هندسية، أصبح جسدها مسرحا لها.
ركزت على الجانب الجمالي والإستتيقي، اّلذي يتلخص
في الزخرفة هدف إضفاء بعد جمالي على الجسد، فهو رمز يحمل العديد من الدلالات الاجتماعية
والدينوية. قامت بتوزيع عناصرها التشكيلية والزخارف على كامل جسدها العاري، لتبعث فيه
الحياة ولتعبير عن جسد المرأة العربية المغيب وراء الثوب الأسود. توجهت "ياسمينة"
بتجربتها الفنية إلى مسار فني جديد على الساحة المغربية، بحيث تعمق بالفن الجسدي وتعمق
في خصوصية الزخرفة الفنية الحاملة لأبعاد نقدية، ثقافية وخصوصية وفردية تسعى من خلالها
إلى التجاوز المستمر لتبوح لنا هويتها الفنية المزدوجة والمتجذرة فيها. كما نجحت
"ياسمينة " و"ماركو" في إيهام المشاهد بأن الزخارف مرسومة مباشرة
على الجلد. اتخذت التقنية الرقمية مساندة لها في إنشاء تراكيب ووضعيات مختلفة لأعملها
الفنية. ووظفت كل من "مريم بودربالة" و"ياسمينة علاوي" أجسادهما
في أعمالهما الفنية عراة، ففي تعرية الجسد بحث عن المسكوت عنه. سعت كل منهما إلى تطوير
الفن وتحويل العقليات من خلال التفاعلات المتشابكة المكانية والزمانية والثقافة لديهما.
اختلفتا في الأسلوب والتقنية واشتركتا في توظيف جسد الفنان أداة تشكيلية. تأثرت كل
منهما بتجارب الغرب، رغم ذلك رسمتا لنفسيهما مسارا إبداعيا خاصا يستقي جذوره من التراث
الأصيل عبر صياغة فكرية وأسلوبية محكمة. تتمثل أعمالهما في أسلوب واحد يجمع بين الأصالة
والمعاصرة وهو ما يترهن على الطابع الخصوصي، اّلذي انتهجته كل واحدة في تطوير إبداعاها
عبر توجهات معاصرة تتماشى مع القيم الفنية والجمالية، لصياغة جسدهما أداًة ووسيطًا
تشكيليًا. تتمثل أعمالهما إستشراقا مضادا، أبرزتا من خلاله الجسد موضوعا مادويا، والهوية
رمزا وبعدا ثقافيا، وصورة المرأة العربية نقدا للنظرة الإستشراقية الأوروبية للمرأة
العربية. أضفت تجربتهما بين الأصالة والمعاصرة لمسات إبداعية جديدة على المحلي والمألوف،
حيث تركتا أثرا واضحا في الفن العربي المعاصر. من خلال التقنيات والعمليات المستخدمة
من قبل هتان الفنانتان لم تعد الفوتوغرافيا مجرد عمل استنساخ ونقل يعتمدان الضوء والشمس
بتوظيف آلة تصوير يحكمها الزمان والمكان، قدر ما أصبحت فنًا قائمًا بذاته تتعدد فيه
التقنيات والصيغ والأساليب التصويرية.
إن على مستوى إنتاج الصورة وفق شروط ومعايير جمالية
غاية في الدقة، خصوصًا بعد اختراع برامج وأنظمة الصورة الرقمية والفوتوشوب، اّلتي يمكنها
أن تخدم فكرة العمل وتتيح للفنان القيام بتعديلات أو التداخلات، اّلتي يريدها على الصورة
الفوتوغرافية.
المراجع:
- جلال الدين سعيد، فلسفة الجسد، دار أمية
للنشر، تونس، جويلية 1992 .
- Alan BIANCHERI affirme: "Le corps à longtemps
constitué le sujet incontournable de l'expression
artistique" Andé GIORDAU et Jean Louis MARATINAUD,
Les arts plastiques au XXéme, Delagogie et
formation 2002 .
________________________________________
[1] جلال الدين سعيد، فلسفة الجسد، دار أمية
للنشر، تونس، جويلية 1992 ، ص5
[2] Alan BIANCHERI affirme: "Le corps à longtemps
constitué le sujet incontournable de l'expression
artistique" Andé GIORDAU et Jean Louis MARATINAUD,
Les arts plastiques au XXéme, Delagogie et
formation 2002, p11.
صورة جسد المرأة الشرقية في الفن التشكيلي من خلال
قراءة في تجربتي الفنانة مريم بودربالة وياسمينة علاوي
الباحث نجم الدين الدرعي ـ تونس