حوار مع الكاتب والروائي الصيني ها جن - القسم الأول ترجمة وتقديم لطفية الدليمي
كتبت باللغة الانكليزية عن سطوة الدولة الصينيّة
: فاللغة الصينيّة كما نعلم تضمّ خزيناً
لغويّاً هائلاً يخدم الأغراض السياسيّة للدولة
، فأنت تستطيع الحديث مطوّلاً باللغة الصينيّة بدون أن تقول شيئاً ذا جدوى تماما مثلما
تفعل الخطابات السياسيّة
!!
ها جن Ha Jin : كاتب وروائي أمريكي من أصل صينيّ عرف باستخدامه لغة إنكليزيّة غير متخمة
بالاستعارات في استكشاف الموضوعات الصراعيّة : الصراع بين الفرد والعائلة ، والصراع
بين المعاصر والتقليدي ، والصراع بين المشاعر الشخصيّة والالتزام الذي يفرضه الواجب
الأخلاقياتي .
ولِد ها جن في 21 شباط 1956 في مقاطعة لياونينغ الصينية لأب يعمل ضابطاً
في الجيش الصيني ، وحصل جن على تعليم أوّلي غير مكتمل بسبب إغلاق المؤسّسات التعليمية
الصينيّة أبوابها عام 1966 مع بدايات الثورة الثقافيّة التي أطلقها الزعيم الصيني ماو
تسي تونغ ، ثمّ انخرط وهو في عمر الرابعة عشرة في الجيش الذي خدم فيه لخمس سنوات متّصلة
عمل بعدها عاملاً للتلغراف في السكك الحديديّة . وأثناء عمله هذا عزم على تعليم نفسه
اللغة الإنكليزيّة بالمواظبة على سماع برامج الراديو الإنكليزية . بعد أن عاودت المدارس
والجامعات فتح أبوابها عام 1970 انضمّ هاجن إلى إحدى الجامعات الصينيّة وحصل منها على
شهادة جامعية أولية في اللغة الإنكليزية عام 1981 ثم أعقبها بالحصول على شهادة الماجستير
في الأدب الأمريكي من جامعة شاندونغ عام 1984 ، غادر بعدها ها جن إلى جامعة برانديس
الأمريكيّة عام 1985 لإتمام دراساته العليا . وبعد قمع السلطات الصينية للاحتجاجات
الطلابيّة في ساحة ( تيانانمين ) اختار جن البقاء في الولايات المتّحدة وحصل هناك على
شهادة الدكتوراه من جامعة برانديس عام 1992 كما حضر في ذات الوقت برنامجاً دراسياً
في الكتابة الإبداعيّة في جامعة بوسطن للفترة 1991 – 1994 وقام هو بذاته بتدريس مقرّر
دراسي في الكتابة الإبداعية في جامعة إيموري في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية
قبل أن يعود أستاذاً في جامعة بوسطن عام 2002 .
نشر ها جن في بداياته عدّة مجاميع شعريّة ثمّ نشر
مجلّده الاوّل من القصص القصيرة بعنوان ( محيط من الكلمات Ocean of Words
) عام 1996 الذي نال عنه جائزة همنغواي عام
1997 ، ثم نشر مجموعته القصصيّة الثانية بعنوان ( تحت العلم الأحمر Under the Red Flag ) عام 1997 ، وقد حصل عنها على جائزة أوكونور للقصّة القصيرة . نشر جن روايته
الطويلة الأولى عام 2000 وكانت بعنوان ( انتظار Waiting ) ، وقد لاقت نجاحاً نقديّاً وتجاريّاً واسعاً ، وحصل
عنها الكاتب على جائزة الكتاب الوطني وجائزة فولكنر معاً . ثم نشر جن روايته الثانية
عام 2004 بعنوان ( نفاية الحرب War Trash ) والتي حصل عنها جائزة فولكنر للمرة الثانية . ويحكي المؤلّف في هذه الرواية
عن الصراعات التي يعيشها جندي صيني في معسكر للأسر إبان الحرب الكوريّة ، ويعدّ جن
أحد ثلاثة كتّاب حصلوا على جائزة فولكنر المرموقة
مرّتين ( الكاتبان الاخران هما : فيليب روث
وجون وايدمان ) . نشر جن لاحقاً روايته ( حياة
حرّة A Free Life ) عام 2007 ويحكي فيها عن حياة عائلة صينيّة تكافح من أجل التكيّف مع متطلّبات
الحياة الأمريكيّة ، ثم أعقبها برواية ( ترتيلة جنائزية للموتى في نانجينغ Nanjing Requiem ) عام 2011 التي تحكي عن الأفعال البطوليّة لمناهضي الاضطهاد الديني الذين
قضوا نحبهم في مجزرة نانجينغ .
نشر جن عدداً من الروايات القصيرة Novella منها : ( في البركة In the Pond ) عام 1998 أعقبها برواية ( المخبول The Crazed ) عام 2002 ثم نشر عام 2008 عملاً بعنوان ( الكاتب مهاجراً The Writer as Migrant ) والتي تضمّ ثلاث مقالات عن أدب المنافي . انتخِب جن عضواً في الأكاديميّة
الأمريكيّة للفنون و العلوم عام 2006 كما شارك المؤلّف الموسيقي الصيني تان دن Tan Dun في كتابة النص الكلامي Libretto المصاحب لأوبرا تان المعنونة ( الإمبراطور
الاوّل The First Emperor ) عام 2006.
الحوار التالي ترجمة لمقاطع مختارة بعناية من حوار موسّع مع الكاتب نشر في مجلّة ( باريس ريفيو ) المرموقة
شتاء 2009.
المترجمة
الحوار
* لو أنّك مكثت في الصين ، ما الذي كنت ستفعله
؟
- كنت سأعمل مترجماً وذلك واضح للغاية لي
. ربّما كنت قد وجدت طريقي في ان أكون أستاذاً
جامعيّاً للغة الإنكليزيّة .
* وهل كنت ستكتب شيئاً ممّا كتبت لاحقاً؟
- لا ، لا ، لا .
* يندهش المرء لمعرفة أنّ كلّ نتاجاتك ( باستثناء
واحد منها ) مكتوبة باللغة الإنكليزيّة . لماذا قرّرت الكتابة بالإنكليزية؟
- أردت أن أضع نفسي بعيداً عن سطوة الدولة
الصينيّة : فاللغة الصينيّة كما نعلم تضمّ خزيناً لغويّاً هائلاً يخدم الأغراض السياسيّة
للدولة ، فأنت تستطيع الحديث مطوّلاً باللغة الصينيّة بدون أن تقول شيئاً ذا جدوى تماماّ
مثلما تفعل الخطابات السياسيّة !! ، وقد صار بحكم العادة أنّ التعابير اللغويّة قد
صارت جزءا من الوعي الجمعيّ للشعب الصيني إلى حد بات فيه الناس لا يساءلون - إلّا في
حالات نادرة للغاية – عما يقولونه أو يتحدّثون عنه . ثمّة مسألة أخرى ذات طابع إجرائي
وعملي : عندما بدأت الكتابة بالإنكليزيّة كتبت في ذات الوقت شعراً ومجموعة قصصيّة أو
اثنتين باللغة الصينيّة ومن الطبيعي أنّني لم أجد ناشراً صينيّاً لها ، ولو حصل أن
واصلت الكتابة بالصينية فأين كنت سأجد ناشراً لأعمالي ؟ كان الخيار الوحيد المتاح أمامي
آنذاك هو أن أنشر أعمالي في بلدي الأم ومن المؤكّد أنّها كانت ستخضع هناك إلى رقابة
شديدة أو تمنع أصلاً من النشر بفعل سطوة مدراء البروباغاندا الحكوميين .
* كيف تقيّم الفروق الجوهريّة بين اللغتين
الإنكليزية والصينيّة ؟
- الإنكليزية لغة أكثر طواعيّة ومرونة وقدرة
على التشكّل كما تمتلك طاقة تعبيريّة هائلة وهي بهذه السمات تشعرك انّها لغة طبيعيّة
تماماً في حين أنّ الصينيّة أقل طبيعيّة : فالصينيّة المكتوبة لا يتوقّع منها المرء
أن تمثّل الكلام المحكيّ وثمّة العديد من اللهجات التي تعود إلى ذات الأصل المكتوب
وبهذه السمة تكون اللغة الصينية أقرب إللى اللغة اللاتينيّة من حيث افتقادها إلى الإيقاع
الطبيعيّ حيث لا يعود ممكناً تمثيل الطرق التي يحكي بها الناس في صيغة مكتوبة موحّدة
وللموضوع خلفيّة تاريخيّة تتّصل بالسياسات الإمبراطورية الصينيّة : فعندما أراد الإمبراطور
الاوّل أن يوحّد المقاطعات الصينيّة تحت إمبراطوريّة واحدة كانت واحدة من أهمّ سياساته
خلق نظام موحّد للعلامات المكتوبة وقد إستخدم القوة ، وأحياناً القوة الوحشيّة ، في
اجتثاث كلّ النظم الأخرى والإبقاء على نظام واحد رسميّ هو بمثابة النظام اللغوي التدويني
الإمبراطوري ، وكان كلّ من يستخدم نظاماً غير النظام الإمبراطوري يعاقب عقاباً قاسياً
للغاية !! ، وهكذا صار توحيد رموز الكتابة - بصرف النظر عن اللهجات المنطوقة – في كافة
المقاطعات الصينيّة جزءا من منظومة السياسات الحاكمة للدولة عبر القرون وقد استخدمت
الامبراطوريات الصينية المتعاقبة الكلمة المكتوبة على الدوام كاداة سياسيّة ذات سطوة
رمزيّة وفعليّة طاغية
.
* متى بدأت الكتابة ؟
- بعد مجزرة تيانانمين المروّعة عزمت على
البقاء في الولايات المتّحدة ولم أكن أعرف ما أنا فاعل بحياتي القادمة ، ولم يكن أمامي
سوى أعمال تدريس الصينيّة أو الترجمة عن الصينية لحساب بعض الصحف ولسوء الحظ كان المئات
من طالبي العمل يبحثون عن هذه الاعمال لذا كانت فرصتي ضعيفة في الحصول على أي عمل
. فكّرت بالكتابة باللغة الإنكليزية ولكن الأمر استغرقني عاماً كاملاً لأقرّر بكلّ
جوارحي أنّ هذا هو ما أرغب في فعله فقد كنت مرعوباً وهلِعاً : فأن تكون كاتباً أديباً
لا يعني ان تكتب كتباً وحسب بل تحتاج أن تجد لك حيّزاً ضمن اللغة التي تكتب فيها ثم
تجد لك محراباً في ذلك الحيّز وذلك هو بالضبط ما كان يبعث الرعب في نفسي ، وبعيداً
عن السبب البراغماتي الذي يخصّ كيفيّة تحصيلي لعيشي اليومي كانت رغبتي في الاحتفاظ
بوجود ذي معنى تطغى على كل حواسي بالرغم من كل القوى التي كانت تعمل على دفعي إلى الانكفاء
والسكوت .
* كيف بدأت بكتابة الرواية ؟
- عندما كتبت أولى كتبي الشعريّة أدركت فوراً
أنّ بعض ما كنت أبغي حكايته كان يمكن عرضه بطريقة أفضل لو أنّني لجأت إلى النثر السردي
، والحقّ أنّني لم أكن في بداياتي جادّاً في كتابة الرواية وجلّ ما كنت أبتغيه هو كتابة
كتاب واحد يضمّ مجموعة قصص . مازالت الرواية تمثل بالنسبة لي تمثّل مشقّة عظيمة ويمكن
لأيّ مشروع روائي لي أن يفشل في أيّة لحظة رغم كلّ الجهود التي أبذلها فيه .
* ألا تظنّ أنّ رواياتك تنطوي على قسوة مفرطة
؟
- بعدما أمضيت بعض الوقت في أوروبا اشتكى
لي المترجمون من مسألة القسوة والفظاظة التي تشيع في أعمالي ولطالما واجهوني بسؤالهم
: لماذا تفرط كثيراً في استخدام الموضوعات القذرة والحقائق القاسية ؟؟ . القسوة تزيح
النقاب عن نوعيّة الحياة القاسية التي يحياها شخوص رواياتي وأرى أن جرعة القسوة في
رواياتي تماثل تلك التي نجدها في أعمال عظيمة مثل ( عناقيد الغضب The Grapes of Wrath ) ( هي الرواية الأشهر
التي كتبها الروائي الأمريكي جون شتاينبك John Steinbeck ، المترجمة) .
* يرى نقّاد أنّ ثمّة
تأثيرات لكلّ من الكتّاب : إيزاك سنكر ، فلاديمير نابوكوف ، جوزيف كونراد عليك . هل
ترى أنت أيّة تأثيرات لهم فيما تكتب ؟
- قرأت رواية سنكر
المعنونة ( ظلال على نهر الهدسون Shadows on the Hudson ) وهي رواية عظيمة
بحق مكتوبة باللغة اليديشية و أستطيع بالتأكيد مشاركته تجربته الروائية ولكنّ نابوكوف
وكونراد مسألة أخرى : فهما كتبا بالإنكليزية رغم انّها لم تكن لغتهما الأم ، وانا بكل
تأكيد أنتمي إلى التقاليد الأدبية التي ينتمي إليها هؤلاء الكتّاب العظام و لكن رغم
كلّ شيء على الكاتب أن يجدّ في نحت طريقه الخاص به .
* قضيت حقبة مهمّة
من حياتك وأنت جنديّ في الجيش الصيني . كيف تصف لنا الحياة الثقافية خارج ثكنات الجيش
؟
- لم تكن الحياة الثقافية
خارج ثكنات الجيش بأقلّ سوءا من داخلها : كانت ثمّة مهرجانات لحرق الكتب وأغلقت الكليات
وأبقيت مغلقة لعشر سنوات ولم أر مكتبة عامّة واحدة حتّى بلغت العشرين من عمري .
* في ظلّ هذه الأجواء
المعتمة التي تصفها ، كيف مضيت في تعليم نفسك و إكسابها ثقافة قابلة للنماء والتطوّر
؟
- عملت لفترة ما في
حياتي مشغّل تلغراف في السكك الحديدية وكانت لي آنذاك غرفة عملي الخاصّة والمنفردة
وحرصت دوماً على استغلال وقت الليل في المطالعة كما كان والداي يحرصان على تزويدي بكتب
المقرّرات الدراسيّة التي كنت أقرأها بكل دقّة ومتعة . كان هذا هو حال الكثيرين من
أبناء جيلي فقد كان على كلّ منّا أن يعلّم نفسه بنفسه .
* قرأت مرّة أنّك
كنت تبغي من وراء تعلّمك الإنكليزيّة قراءة عمل فردريك إنجلز المعنون ( حالة الطبقة
العاملة في إنكلترا ) . كيف تعلّق على صحّة هذه المعلومة ؟
- هذا صحيح إذ لم
أكن أعرف وقتها كتاباً مكتوباً باللغة الإنكليزيّة غير هذا الكتاب عندما بدأت القراءة
الجادّة في الصين ، ولطالما راودتني أحلام بانّني سأتمكّن من قراءته يوماً ما ، والغريب
في الأمر أنّني وبعد عدّة سنوات من إقامتي في الولايات المتّحدة اقتنيت الكتاب وركنته
في مكتبتي ولم اقرأه ولا أظن أنّني سأقرأه يوماً ما فقد صرت أراه اليوم كتاباً أسطورياً
محشوّاً بالخرافة .
* هل ترى في الكتابة
الأمر الأكثـر أهمّية في حياتك ؟
- صارت الكتابة بالتدريج
الأمر الأكثر أهمّية في حياتي على الرغم من أنّني كنت أتوقّع الفشل في كل مرّة كتبت
فيها كتاباً ولهذا أرى انّ من الأفضل للكاتب أن يزاول مهنة نظاميّة بالإضافة إلى عمله
الكتابي . لا يحقّق الكتاب الجيّد مبيعات جيّدة أو نجاحاً تجاريّاً دوماً ولكن بسبب
أنّني أمتلك عملاً فلا ألقي بالاً لما ينتظر عملي من نجاح أو فشل . أكتب في العادة ما أتوق فعلاً لكتابته وهذه مسألة
جوهريّة تماماً لي .
* هل الأفضل للكاتب
أن يمضي حرّاً في العالم أم أن يعمل في وظيفة أكاديميّة كما تفعل أنت ؟
- المسألة كلّها تعتمد
على الفرد ذاته : بعض الأفراد يزدهرون في بيئة العمل الخاص في حين انّ الاخرين لايفعلون
. ثمّة استثناء خاص للشاعر الذي أرى انّ مهنة التعليم تشكّل مهنة عظيمة له لأنها قد
تكون سبباً في إثارته بطريقة رائعة بوساطة
تفاعله مع الاخرين ، أمّا بالنسبة لكاتب الرواية فأظنّ أنّ المسألة شاقة لانّه يبذل
الكثير من الوقت والطاقة في عمله وهو ذات الجهد والطاقة التي ينبغي له أن يدّخرها لعمليّة
التدريس .
* هل تستمتع بعملك
التدريسيّ؟
- أظنّ أنّني أستمتع
به الآن : فلعدّة سنوات لم أكن أرغب في مهنة التعليم ولكن شيئاً فشيئاً صار التعليم
جزءا من حياتي الشخصيّة والمهنيّة ولا أظنّني كنت سأكتب بعضاً من أعمالي - مثل حياة حرّة - لولا انّني درّست مقرّراً دراسيّاً عن ( أدب المهاجِر
Literature of the Migrant ) فقد
قرأت الكثير من الموضوعات المرتبطة بالهجرة و إشكاليّاتها وهذا ما أثارني ذهنيّاً وفتح
أمامي أفاقاً واعدة للكتابة.
* في روايتك ( حياة
حرّة ) نقرأ عن نان Nan : الشخصيّة
الطموحة التي تبتغي الارتقاء في كتابة الشعر وتكافح للتكيّف مع متطلّبات ثقافة غير
مضيافة للطموح الأدبي . هل كنت تحكي في هذه الرواية ما تراه حالك لو لم تصبح كاتباً
ومضيت في طموحك الشعريّ وحسب ؟
- سردت في هذه الرواية
الكثير من جوانب تجربتي الشخصيّة لأحافظ على الأجواء الحميميّة في الرواية ولكن لا
يمكنني عدّ هذه الرواية سيرة ذاتيّة لانّها تحكي عن حياة غير حياتي رغم انّني تماهيت
أحياناً مع ( نان ) على المستويين الروحي والعقلي . يمكن عدّ السيرة الذاتيّة كمثل
( خزّان كبير ) يمكنك أن تغترف منه ما تشاء وأن تروي الكثير من الحكايات القابعة فيه
، وبالرغم من أنّني أتفهّم الكثير من الإحباطات التي أحاطت حياة ( نان ) غير أنّني
كنت ، ولا زلت ، أمتلك حياة أفضل بكثير بالمقارنة مع حياة ( نان )
* هل انتابك القلق
بشأن روايتك ( انتظار ) وإمكانيّة أن تصدم القرّاء الذين يمكن أن يروا فيها رواية قاتلة
للأمل ؟
- في مرحلة ما انتابني
هذا القلق ولم أعرف كيف ستكون استجابة القرّاء أزاء هذا العمل ولم أعرف بأيّة وسيلة
يمكن لهذا العمل أن يكون ذا جدوى، ثمّ حصل أن قرأت يوماً ما محاورة مع زوجة احد ضبّاط
البحريّة الأمريكان وكانت تشتكي من متاعب زوجيّة : فعندما سألها المحاور أنّ زوجها
يمكن أن تكون له علاقات عاطفيّة مع نساء اخريات ، أجابت : ليته امتلك علاقة كهذه
!! فعندها كنت سأتيقّن من انّه يمتلك القدرة على أن يحبّ امرأة ، أيّة امرأة !! . كانت
إجابتها صادمة وكاشفة لي كما كانت قادرة على جعلي أستعيد ثقتي بنفسي وأمضي في كتابة
روايتي . لو انّ ( لن Lin ) الشخصيّة الرئيسية في روايتي ( انتظار ) كان
قد نشأ في بيئة اجتماعيّة متوازنة كان يمكن أن تكون له حياة عاطفية دافئة وقدرة على الحب ولكنّ حياته كانت بالغة القسوة إلى
الحدّ الذي قمع نفسه ومارس كبتاً مؤذياً لها حتّى خسر بالتدريج غريزة حبّ الاخرين الكامنة
فيه .
* إذن هو الكبت وكيف
يدمّر حياة الفرد : هذه هي الثيمة الأساسيّة في عملك هذا ؟
- لا أظنّ أنّ الكتّاب
يفترض فيهم أن يقدّموا إجابات أو يزيحوا النقاب عن شخصيّات أعمالهم الروائية بالكامل
بل يفترض فيهم ، ويتوقّع منهم كذلك أن يصفوا
المشكلات ويعرضوها على الملأ وليس عليهم أن يسمّوا تلك المشكلات بل عليهم أن يكتفوا
بوصف أثارها المدمّرة وحسب .
* هل تنهض مبكّراً
في الصباح لتنصرف إلى الكتابة ؟
- أنهض في السابعة
من صباح كلّ يوم وأعمل لساعة أو اثنتين ، وعندما تفرغ زوجتي من إعداد الفطور أتناول
فطوري ثمّ أعود للعمل ، وفي وقت متأخّر من بعد الظهر أستطيع القول انّني أنجزت قدراً
كافياً ومقبولاً من الكتابة. أتفرّغ في الليل عادةً للقراءة والإجابة على البريد الإلكتروني
وأذهب إلى فراشي متاخّراً : ربّما في الساعة الثانية أو الثالثة من بعد منتصف الليل
.
* هل تترجم أحياناً
أعمالاً ما إلى اللغة الصينيّة ؟
- بدأت مؤخّراً بترجمة
أعمالي الشخصيّة إلى الصينيّة وقد تطلّب منّي الأمر وقتاً طويلاً لكي أشرع في ترجمة
أعمالي بعد رسوخ قناعتي أنّ من الخطير للغاية قطع جذوري نهائياً مع بيئتي الصينيّة
. من الطبيعيّ أنّنا نبتغي احياناً أن نبعد ماضينا ونطرحه بعيداً عنّا : فالحياة رحلة
سفر و ليس بمقدورنا أن نحمل كلّ متاعنا فوق كاهلنا إذ تكفي عدّة الرحلة الأساسيّة وحسب
، ولكنّني أدركت في ذات الوقت أنّ انقطاعي النهائي عن جذوري سيثبت أنّه خيار انتحاريّ
في المدى البعيد ولابد من موازنة دقيقة بين هذين المطلبين في نهاية المطاف .
* هل ترى فيك كاتباً
صينيّاً أم كاتباً صينيّاً – أمريكيّاً ؟
- أراني كاتباً صينيّاً
– أمريكيّاً وأرتاح لهذا التوصيف كثيراً ولا أعدّ نفسي منشقّاً dissident ولا منفيّاً
بل أنا مهاجر وحسب . المنفيّ لا يستطيع التخلّص من عبء ماضيه ، فهو يعيش دوماً في الماضي
ويضطرّ إلى التعريف عن نفسه في إطار لغة سياسيّة ، في حين أنّ المهاجر عليه أن يبدأ
حياته الجديدة من الأنقاض بعد أن يطرح ثقل الماضي عنه : بعبارة أخرى فإنّ المهاجر يعيد
صياغة الإحداثيّات المرجعيّة التي يبني على أساسها حياته الجديدة في المهجر .