نايف الهريس يتغنى بالمرأة والعروبة والانتماء الوطني
مراسلة خاصة:
تميز المهرجان الدولي للشعر الذي احتضنته مدينة مراكش، مؤخرا، بحضور الشاعر الإماراتي نايف الهريس الذي أنشد قصائد متنوعة تتغنى بالعروبة والانتماء الوطني وبقيمة المرأة ودلالاتها المتعددة في الوعي الجمْعي والمشترك الإنساني.
وتضافرت عوامل عدة في شد انتباه جمهور المهرجان، بما في ذلك مضمون تلك القصائد، وطريقة بنائها وصوغها الجمالي كقصائد عمودية سلسلة، وقوة الإنشاد وفصاحة اللسان، فكانت قصائد تجمع بين الطرافة والجودة والأبعاد الرمزية المختلفة.
وتمكن جمهور الشعر ونقاده ومبدعوه من التواصل مع صاحب الدواوين التالية: "سلام على البردة"، "سواقي على المطر"، "المسبار"، "لا تسلني عني".
وفي لقاء صحفي، كشف الشاعر أن موهبته الشعرية لم تتفتق إلا في النصف الثاني من عقده السادس. وقال: "حين بلغت الأربع وستين سنة، لم أكن حينها أكتب شعرا. بل كنت قارئا نهما للكتب وذا اطلاع واسع. ونقطة التحول كانت بعد وفاة الشيخ زايد بن نهيان رحمة الله عليه. فمباشرة بعد رحيله، هبّ الكثير من الشعراء لكتابة الشعر في رثائه ولاسيما الشعر النبطي. كنت حينها مديرا لأكاديمية الشرطة، جاءتني رسالة من القيادة العامة، تستفسرني: هل كتبت شعرا في رثاء الشيخ زايد؟ أجبت أنا لست شاعرا. قلت في نفسي: ربما هم أخطأوا في التقدير. بعد أسبوع، أحسست كما لو أن هناك غضبا اتجاهي في المسألة. قلت لهم لا تغضبوا، وانتظروا. خلوت بنفسي، أمسكت ورقة وقلما، وشرعت في كتابة سجع، وفوجئت بتأنيب أكثر. قالوا لي أنت تكتب سجعا بهذا الجمال، رئيسك الشيخ محمد بن راشد، لماذا لم تكتب عنه؟ قلت الآن حصحص الحق. وبدأت أدرس العمود والعروض الشعري. وخلال أربعة أشهر تقريبا، أجدته إجادة كاملة. على مدى سنين طويلة، كنت أتولى مسؤولية. ونحن العرب عندنا، مع الأسف الشديد، خطأ المسؤول يعتبر صحيحا. مهما قال المسؤول، يُجاب: أمرك سيدي، خاصة في العسكرية. سواء رفعت المنصوب، أو نصبت المجرور، فالكلام يطاع.
لذلك، وأمام ذلك قوة الحدث، أعدتُ دراسة النحو من جديد. وفي خلال سنة تقريبا، تمكنت من إجادة العروض والنحو، وجددت المعلومات بالنسبة للنحو، وبدأت أكتب الشعر. ومرت سنة أخرى، وكان عليّ أن أضبط العبارات على الوزن، وبدأت أقرأ الشعر بكثرة، قرأت دواوين أبي الطيب المتنبي، وأبي العلاء المعري، وابن الرومي، وفهمت قصائدهم.
مع تعلم العروض، وقراءة الدواوين بنهم، صرت أهوى الشعر من أعماقي. ومعلوم أن الإنسان إذا أحب العمل يركز فيه أكثر. فالحب يولّد التركيز، والتركيز يخلق الإبداع. وبدأت أكتب، لدرجة أن البعض لم يصدق أن ذلك الشعر من قريحتي، فمن يقرأ قصيدة لي يشرع في البحث عما إذا كنت انتحلتها من شاعر آخر. أقول له أرجوك إذا وجدتها سأشكرك، لأن قيمتي صارت تساوي قيمة الشعراء الكبار.
وتابع الشاعر نايف الهريس قائلا: "بدأت أكتب وأجمع، إلى أن جمعت حوالي 700 قصيدة في سنوات قليلة، وفي سنة 2014 أصدرت الديوان الأول: "سلام على البردة"، الذي عارضت فيه قصيدة البوصيري المعروفة وقصيدة أحمد شوقي وذلك في 255 بيت.
كما أنني أحرص على أن أقرأ على طلاب المدارس شعرا تثقيفيا وتربويا. وعلى سبيل المثال، قلت بيتا كان له تأثير على عدد من طلاب الثانويات ممن كانوا يتعاطون المخدرات، فما إن سمعوه حتى تركوا هذه الآفة، لقد قلت فيه: "والهيروين خذول للشاب عند النساء". فكانت كما لو أنك فجرت قنبلة لدى الشباب، فصرت أوسع في الشرح وأتفلسف.
وحظي الديوان بالعديد من الدراسات النقدية لكتاب عرب، ومن بينهم ناقد جزائري كتب عنه كتابا يقع في حوالي 120 صفحة. وشرعت أنشر أشعاري التي حظيت باهتمام كبير، وصار اهتمام وتطورت الأمور بسرعة كبيرة، فكما لو أنه كان هناك فيض بداخلي وانفجر دفعة واحدة. وهكذا توالت دواويني: "سواقي على المطر"، و"المسبار"، و"لا تسلني عني" خلال سنتين. والحق أن بإمكاني أن أصدر أكثر، لكنني أؤمن بالتدرج."
وجوابا على سؤال حول سبل تطوير الشعر العربي وتحبيبه إلى عموم القراء وخاصة للأجيال الجديدة، أجاب: "التربية والتعليم أولا. إذا لم تعمل المدرسة على تثقيف الطلاب باللغة العربية الصحيحة، فلن يكونوا في مقام عال حتى ولو صاروا شعراء.
وهناك المسؤولية الملقاة على الشعراء أنفسهم، يجب تصحيح أمور كثيرة: فهناك من يلوث الماء ويقول البحر غزير، ويصفق له الكثيرون، دون أن يجد من يقوّم كلامه. قد يسمع الجمهور كلمة محببة لنفسه، تكون موجودة في القصيدة بالخطأ فيصفق لها ويمجّدها.
معظم الناس يقولون يجب أن تنزل إلى مستوى الجمهور، فإذا كان الجمهور ينزل وأنا أتبعه في النزول، فماذا ستكون النتيجة؟ أليس ضياع الإبداع؟ فالعلم يؤتى ولا يأتي، وكذلك الشعر يؤتى ولا يأتي.
طبعا، للشاعر دور أساسي في هذا المجال، يجب أن يتناول الأشياء التي تهم الناس ويتأثرون بها وتحرك مشاعرهم سواء في الشعر الوطني أو الغزل أو غيره من الأغراض، يجب أن يكون شعرا جذابا، بما يستلهمه من الواقع والأحداث والناس والمجتمع. وحين يلقي شعره يفعل ذلك بتأثير إحساسي يجذب المتلقي."
وتطرّق صاحب ديوان "لا تسلني عني" إلى راهن الشعر العربي وتأثير وسائل الإعلام في ذلك، متوقفا عند الهوس بكرة القدم لدى الشباب والفتيان، إذ يقول: "إذا كانت هناك مباراة كرة القدم يترك كل شيء ويذهب لمشاهدتها لأنها داخلة في مزاجه. كما أن الجرائد تكتب عنها الصفحات تلو الصفحات وتفرد لها الإذاعات والتلفزيونات برامج متعددة. وحين يأتي شاعر بذل كل ما في جهده من فكر وإحساس وتفاعل مع الحياة، لا يحضر قراءاته سوى القليل ولاسيما من أهل الميدان ممن يأتون ليروا ماذا كتب "منافسهم"، وليس حبا في الشعر."