ندوة فكرية حول معضلة التعليم بالمغرب: مداخلة عبد
الله الحريف
نظمت ندوة فكرية حول معضلة التعليم بالمغرب يوم
أمس الجمعة 20 ماي 2016
بكلية العلوم – طريق الجديدة بالدارالبيضاء من طرف النقابة
الوطنية للتعليم العالي – الفرع الجهوي للدارالبيضاء بشراكة مع مجلة التحرر.
التعليم بالمغرب” للاعتبارات الأساسية التالية:
•أهمية الموضوع وخطورته
ليس فقط بالنسبة للحاضر بل أساسا بالنسبة للمستقبل، مستقبل الأجيال القادمة و بالتالي
مستقبل البلاد والشعب.
•فشل الإصلاحات المفترى
عليها في النهوض بالتعليم، بل كونها تشكل أحد الأسباب الرئيسية للأزمة والتدهور المريع
الذي يتخبط فيه التعليم بالمغرب، خاصة وأنه يتم الآن تخطيط وتنفيذ طبعة جديدة من الإصلاح
قد تدق آخر مسمار في نعش التعليم كتعليم عمومي مجان، جيد ومنفتح على الفكر الإنساني
والتقدمي والنقدي. هذه الطبعة التي ترتكز، بشكل واضح، وإذا وضعنا جانبا كل الكلام المعسول
حول تكافؤ الفرص والجودة والنجاعة والرأسمال البشري، إلى المفاهيم النيولبرالية التي
تنظر لجشع الرأسمال من خلال إخضاع التعليم لضرورات التراكم الرأسمالي عبر اعتبار المدرسة
كمقاولة و التعليم كسلعة ورجل التعليم كأجير ليس إلا
•إن التعليم، كباقي
مجالات الحياة الاجتماعية، ميدان ورهان للصراع الطبقي. إن هذا الصراع هو، أولا وقبل
أي شيء، صراع أيديولوجي يتوخى إقناع المتضررين حول هذه “الإصلاحات” بضرورتها وإيجابيتها
وحتميتها، وبالتالي شل أو إضعاف مقاومتهم لها، وذلك باستعمال مفاهيم يضفى عليها صفة
“الحياد” بل “العلمية”، بينما هي نقل للمفاهيم النيولبرالية (السوق، المردودية، الحكامة،
الشراكة، المقاولة، القابلية للشغل، الرأسمال البشري…) إلى مجال التعليم. لذلك لا بد
من تفكيك ونقد هذه المفاهيم وتبيان خلفياتها وأهدافها وخطورتها بغية تسليح المدافعين
عن التعليم العمومي.
نبتغي لهذه الندوة، والتي نتمنى أن تتبعها ندوات
أخرى، أن تكون فضاء للنقاش العميق والهادف والرزين بين المهتمين بقضية التعليم : رجال
ونساء التعليم، متخصصون في هذا الميدان، أكاديميون، مناضلون سياسيون ونقابيون وجمعويون،
طلبة وتلاميذ وغيرهم ممن لهم اهتمام و غيرة على هذا القطاع الحيوي والأساسي في تقدم
ورقي الشعوب والأمم. وأن تقدم، ما أمكن، قيمة مضافة، خاصة من خلال :
المساهمة في توضيح وفهم الأسباب العميقة للواقع
الحالي الكارثي للتعليم في بلادنا أي أزمة المنظومة التعليمية باعتبارها جزء من كل،
جزء من نظام اقتصادي يتسم بالتبعية للمراكز الرأسمالية، وخاصة فرنسا، وبالريع ونظام
سياسي استبدادي ظاهره عصري وباطنه تقليدي ثيوقراطي مخزني ونظام اجتماعي مبني على الهشاشة
والفقر وتعميق الفوارق الطبقية، نظام للرعايا وليس للمواطنين الأحرار، الشيء الذي لا
ينفي خصوصية القطاع وأهمية تطوير مناهج وأساليب ووسائل وأدوات التعليم في الارتقاء
بالمنظومة التعليمية. غير أن طبيعة النظام السياسي والاقتصادي-الاجتماعي السائد تظل
هي المحددة في نهاية المطاف، بل تلعب دورا معرقلا لتطوير هذه المناهج و الوسائل والأساليب
والأدوات.
إن تبيان الأسباب العميقة وعدم الاكتفاء بتمظهرات
الأزمة من شأنه:
أولا تفنيد الطروحات الرائجة حول أزمة التعليم،
مثلا عدم ملاءمته لسوق الشغل دون التساؤل عن طبيعة ومحدودية سوق الشغل وعدم قدرته البنيوية
على توفير الشغل، وخاصة لخريجي الكليات والمدارس العليا، للأسباب التالية:
•تبعية الاقتصاد المغربي
للمراكز الرأسمالية التي تؤدي إلى تخصصه في أنشطة ترتكز، بالأساس، على الاستغلال البشع
للطبقة العاملة و ليس على الابتكار والبحث والتطوير وتقتل في المهد أية محاولة لبناء
اقتصاد متمركز على الذات.
•الأرباح ومختلف أشكال
النهب الذي تمارسه الشركات المتعددة الاستيطان وأداء الديون الخارجية وتهريب الأموال
من طرف الكتلة الطبقية السائدة والعديد من النافذين والتبذير. هذه الأموال التي لو
استثمرت بالمغرب أو لم تبذر لوفرت العديد من مناصب الشغل.
•تقليص النفقات الاجتماعية
لصالح الأمن والتسلح في وقت تعاني فيه القطاعات الاجتماعية (التعليم، الصحة، السكن…)
من أوضاع جد متردية يتطلب تجاوزها، من ضمن ما يتطلب، خلق مناصب شغل كثيرة فيها.
ثانيا تحديد المسؤوليات على ما آلت إليه أوضاع التعليم
العمومي والتي تقع على عاتق النظام السياسي و الاقتصادي-الاجتماعي السائد الذي عمل
على إجهاض الدور الذي يلعبه التعليم كأحد الوسائل للارتقاء الاجتماعي لأبناء وبنات
الشعب المغربي. مما يمكن من تجنب تحميل المسؤولية لأكباش فداء هم، تارة رجال التعليم
الذين، حسب هذا الزعم، لا يقومون بواجبهم، أو حتى التلاميذ والطلبة الذين لا يكترثون
بالتحصيل والتعلم وغير ذلك من المزاعم الخاطئة والتفسيرات السطحية.
ثالثا البحث عن بدائل غير تلك التي يروجها الخطاب
النيولبرالي، خطاب الرأسمالية ومؤسساتها المالية والاقتصادية و الأيدلوجية والسياسية
و الدعائية.
بدائل إما كإجراءات استعجالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه
أو كبدائل شاملة للمنظومة النيولبرالية السائدة حاليا، بدائل قد تستفيد من تجارب ناجحة
لتعليم عمومي جيد ومجاني ببعض البلدان الاسكندينافية أو تجارب بأمريكا اللاتينية (باولو
فرايري…) أو تجارب دول شهدت ثورات اشتراكية (الصين الشعبية، الاتحاد السوفيتي، كوبا…)
أو غيرها من التجارب المفيدة في هذا المجال.
إن هذه البدائل تتطلب بناء قوة جماهيرية شعبية وسياسية
ونقابية وجمعوية قادرة على مواجهة المخزن والكتلة الطبقية السائدة والمؤسسات المالية
و التجارية والسياسية والفكرية الإمبريالية في إطار جبهة وطنية للدفاع عن التعليم العمومي
المجاني الجيد والمعمم. وهو ما يتطلب :
•هزم الفكر النيولبرالي
المؤطر للإصلاحات الحالية ،
التوافق بين القوى التي تنشد التغيير لصالح الشعب
على القيم الأساسية التي يجب أن ينبني عليها التعليم وهي القيم التنويرية والتقدمية.