- بعد ست سنوات من القطيعة شبه الكاملة توصل الطرفان لاتفاق يٌنهي أسباب القطيعة التي كانت بالأساس تتمحور حول قتل "اسرائيل" لمواطنين أتراك في المياه الدولية
- البعض يروج أن تركيا "تطبّع" علاقاتها مع "اسرائيل" وأنها بوابة التطبيع الاسلامي معها، وكأنه اكتشف بالأمس فقط وجود علاقة بين تركيا و"إسرائيل"، وكأن تركيا لم تكن لها علاقات قبل أردوغان، مع العلم أن تركيا اعترفت بـ "اسرائيل" رسمياً في 29 مارس 1949 وارتبطت معها بعلاقات استراتيجية حتى وقت استلام أردوغان دفة الحكم
- وضعت تركيا من ضمن شروطها لإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل جريمة مرمرة رفع الحصار عن قطاع غزة
- هذا الموقف لم يسبق تركيا إليه أحد، ولم يكرهها عليه أحد، ولم يجبرها على اتخاذه أحد، بل ارتضته لنفسها دعماً لقطاع غزة المحاصر
- هذا في الوقت الذي تتآمر فيه سلطة رام الله وعسكر السيسي على القطاع ويشيطينونه ويرفضون أي مساعٍ لرفع الحصار أو تخفيفه عنه، ويرفضون المساعي التركية وحاولوا مراراً وتكراراً اجهاض أي اتفاق يشمل تخفيف أو رفع الحصار عن غزة
- الدول العربية الأخرى التي لديها علاقات "مميزة" مع "اسرائيل" لا تحرك ساكن لا هي ولا تلك التي تتواصل من تحت الطاولة مع الاحتلال، هذا إذا افترضنا حسن النية وعدم المشاركة المباشرة في التحريض والحصار
- تركيا حاولت وما زالت وبكل الطرق رفع الحصار عن قطاع غزة، فإن نجحت أو فشلت كلياً أو جزئياً، فإن هذا الموقف يٌحسب لها لا عليها
- الأطراف المعادية لتركيا والأخرى المعادية لصمود قطاع غزة حاولت وستحاول تشويه كل شيء، وتحميل تركيا وأردوغان بشكل خاص عدم رفع الحصار عن القطاع
- هذا الطرح يفترض أن هذه المهمة منوطة حصرياً بتركيا وليس غيرها علماً لأن أردوغان لم يُعلن يوماً أنه ولي أمر الشعب الفلسطيني ولم ينصب نفسه مسؤولاً عن المقاومة!
- إذا ما قورن موقف أردوغان على سبيل المثال بموقف محمود عبّاس الذي يتبجح أنه من طلب من السيسي إغراق الأنفاق واقفال معبر رفح فعندها يمكن استيعاب عظمة الموقف التركي
- في هذا الشأن يقول الكاتب الغزي مصطفى الصواف: أيا كانت النتائج التي ستصدر في نهاية المفاوضات التركية الصهيونية يكفي تركيا أنها حاولت ، ولكن اللوم على من يدعي الحرص على القضية الفلسطينية ويحاصر الشعب الفلسطيني ويغلق الرئة التي يتنفس منها مليونان في قطاع غزة ، ويعمل على تصفية القضية الفلسطينية ويقوم بدور العراب لبعض الأنظمة العربية من أجل التطبيع مع الاحتلال وإقامة علاقات بينه وبين دول عربية كانت تعتبر هذا الكيان عدو مغتصب، ويطرح اليوم مشاريع الاعتراف بهذا الكيان حتى لو على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه ولو تطلب الامر للتنازل عن القدس فلن يتردد في ذلك، وسيعمل على دمج الاحتلال في المنطقة العربية وقد يعمل على شطب الجامعة العربية وإقامة جسم جديد يمكنه إدخال هذا الكيان فيه لو طال به الزمن وبقي على حاله.
- نعم الاتفاق كما نُشر في وسائل الاعلام وبلا شك لا يرقى لمستوى رفع الحصار وإنهائه لكنه يتعامل مع حصار لا تستطيع تركيا بمفردها رفعه في ظل تآمر دولي واضح
- نعم الاتفاق ربما لا يرضيني كفلسطيني لأنه اقل من المأمول والمتوقع لكن يُسجل لتركيا أنها حاولت وتحاول فإن نجحت فهذا شيء محمود، وإن فشلت فيكفيها شرفاً أنها حاولت وبحثت عن بديل يخفف الحصار إن لم يكن من الممكن رفعه
- وكما تقول القاعدة المعروفة: ما لا يدرك جله لا يترك كله
- لكن عدم الرضى عن الاتفاق لأن رغبة كل فلسطيني كانت أكبر وأعظم لا يعني مطلقاً التشكيك بالدور التركي المتقدم جداً عن الآخرين
- لو سألنا أصحاب الشأن المباشر أي أهل غزة فسيجدون أن محطة كهرباء ومحطة تحلية مياه ومستشفى متكامل هي انجازات حقيقية تساهم ليس في تخفيف الحصار فقط بل في دعم صمود أهل قطاع غزة في وجه الاحتلال ومن يتآمر مع الاحتلال لتركيع القطاع، ليسأل من يعارضون تخفيف الحصار أهل غزة رأيهم!
- لم تعلن تركيا أنها لن توقع اتفاق إلا بإنشاء ميناء ومطار كما يزعن البعض، هذا كان موقف الفلسطينيين في مفاوضات وقف العدوان التي رعتها القاهرة وأجهضها الفريق الذي تراسه عزام الأحمد في حينها، فكيف نلوم تركيا على أمر لم يتحقق بسبب الأحمد ورئيسه، ولم تلزم تركيا نفسها به أبداً
- حرصت تركيا في كل المراحل على اطلاع القوى السياسية التي تمثل الشعب الفلسطيني على كل صغيرة وكبيرة، وحافظت على مسافة واحدة من الجميع، حتى من يطعنون ويشككون بدورها وموقفها
- معارضو أي اتفاق حتى لو أنهى احتلال فلسطين بالكامل منطلقهم كراهية ومحاربة المقاومة، وكراهية اي توجه اسلامي تمثله تركيا في عهد أردوغان، وسيجدون ألف عذر وسبب للنيل من تركيا وموقفها، لكنهم لا يجدون حرجاً ولا غضاضة في المساهمة بالحرب على قطاع غزة، بل وسيجدون ألف سبب وعذر للترحيب بما هو أقل بكثير من الموقف التركي إن كان من أحد الأطراف المعادية للشعب الفلسطيني وتطلعاته
- الهجوم على الااتفاق جاء بشكل رئيسي من جماعة التنسيق الأمني المقدس، وجماعة أمن إسرائيل من أمن سورية (رامي مخلوف)، وجماعة إيران كونترا، وجماعة التعاون الإسرائيلي الروسي في سورية!
- هناك من يهاجم الاتفاق لأنه قرأ تعليقات احتجاجية على الفيس بوك لا لأنه قرأ الاتفاق!
- في ذات الشأن نشرت صحيفة الجيروزاليم بوست العبرية الصادرة الاثنين 27/06/2016 تحليلاً مطولاً لها تتباكى فيه على فشل "اسرائيل" في تجريم وجود مكاتب حماس في تركيا، وعلى قبولها "شرعنة" هذا الوجود ضمن الاتفاق لتقارنه بقبول الغرب اتفاقاً مع دولة أخرى تفتتح مكتباً لدولة البغدادي في العراق والشام (داعش)، لتصل لنتيجة أن هذا فشلاً دبلوماسياً غير مسبوق لسياسة العلاقات العامة الاسرائيلية القائمة على تجريم "حماس" ومنعها من التواجد الرسمي في أي دولة مرتبكة مع الغرب بعلاقات وتحالفات
- صحف وتصريحات أخرى تشير إلى أن الاتفاق سيعمل على ضرب التحالف الأخير بين "اسرائيل" واليونان وقبرص الموجه ضد تركيا، وكذلك العلاقات مع روسيا
- لا يشمل الاتفاق كما يروج البعض صفقات بيع أو تصدير أو مد أنابيب غاز، لكن هذه الأمور هي تمنيات صحفية اسرائيلية يأمل من خلالها الساسة الاسرائيليون في تحقيقها بعد الاتفاق – راجعوا صحيفة معاريف الجمعة 24/06/2016
- تركيا أولاً وأخيراً لها مصالحها ومشاكلها الداخلية والاقليمية، وتحملت وما زالت تتحمل هموم المنطقة سواء مفاوضاتها لرفع – أو تخفيف الحصار عن غزة – أو استيعاب ملايين اللاجئين السوريين
- ولا يخفى على أحد الحملة الشرسة التي تتعرض لها سياسياً وأمنياً للنيل من مواقفها ونهضتها الاقتصادية
- معادلة تركيا الإقليمية الصعبة ساهم في صناعتها العرب قبل غيرهم، وهي تلعب اليوم في حلبة لم يضيقها أحد عليها كما ضيقتها جماعة "المقاومة" في سورية وإيران وجماعة سيف النصر الدمشقي لبوتين!
- هناك فرق بين دول وكيانات يتعامل معها الاحتلال بمنطق الاملاءات والأوامر، وبين دولة تحترم نفسها وتخوض مفاوضات لا تتنازل فيها عن شروطها الثلاثة لتحقق أقسى ما يمكنها منها، ويرضخ الاحتلال فيها لشروط طرف آخر استطاع فقط تخفيفها وليس الغاءها، وهذه هي السياسة والمفاوضات في نهاية المطاف
- الاتفاق ينفذ كافة المطالب التركية دون انتقاص، ولم يتمكن من تنفيذ المطالب الفلسطينية كلها (باقي جزئيات الحصار) فيما تمسك ببعض ماله علاقة بسيادته مثل مكاتب حماس
- تركيا تمكنت من رفع الحصار في جزئيات معينة متعلقة بإدخال مساعدات وبناء مشاريع معينة تحتاج موافقة الجانب الإسرائيلي، ومكونات الحصار كاملة مسؤولية يشترك فيها فلسطينيون وعرب ليسوا طرفاً في الاتفاق
- من ينتظر أن تحرك تركيا أساطيلها وطائراتها وجيوشها لتخوض حروبه نيابة عنه، فهو واهم ولينتظر إلى ما لا نهاية!
- أخيراً يلخص الباحث طارق حمود الأمر ويقول: قد لا يكون الاتفاق موضع ترحيب، لكن لايمكن اعتباره ناسفاً للموقف التركي من القضية الفلسطينية الذي يبقى في حدوده أيضاً دون أحلام، دفاعاً عن تركيا لا دفاعاً عن التطبيع.. الاتفاق إيجابي أو سلبي، لكنه نتيجة موقف رسمي لازال الفلسطينيون يحلمون بمثيل له فلسطينياً قبل عربياً
شرط رفع الحصار وضعته تركيا لنفسها، ولا يحق لأحد أن يحاسبها عليها طالما أنه ذاتي وبمحض إرادتها، خاصة أولئك الذين يساهمون في الحصار، فمن كانت أمه زانية لا يحق له أن يتحدث عن أمهات الآخرين!!
أخيراً نقول:
شكراً تركيا وشكراً أردوغان...
وإن كان ثمة لوم على الحصار أو عدم القدرة على رفعه بالكامل فهو لوم موجه لأبناء جلدتنا من المتآمرين ولجيران مفترضين لكنهم محاصرين محاربين، ولأعراب متفرجين أو شامتين!
لا نامت أعين الجبناء