وحدة المملكة على المحك.. كيف ستبدو بريطانيا الجديدة خارج فضاء شينغن؟
عندما سُئلت بريطانيا ماذا تفضل: البقاء أم الخروج، آثرت بشكل قاطع أن تخلع عضويتها التي دامت 43 عاماً في الاتحاد الأوروبي، مفضلة أن تواجه سؤالاً أعقد: أي نوع من الدول ستكونه بريطانيا من الآن وصاعداً؟
هل تكون كما يعد قادة حملة "الخروج": دولة واثقة مقدامة ذات تطلعات اقتصادية وخارجية طموحة تشق طريقها المستقل في هذا العالم؟
أم هل تراها تتقهقر لتصبح بريطانيا صغرى: دولة قومية شعوبية متقوقعة على نفسها تخشى الغرباء تنصاع لرغبة الناخبين الذين صوتوا لإخراجها من الاتحاد الأوروبي؟
هل تبقى متماسكة؟
والسؤال الأهم بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الجمعة 24 يونيو/حزيران 2016: هل تبقى بريطانيا محافظة على تماسكها أصلاً؟ فاسكتلندا موالية بشكل كبير لأوروبا، وبالتالي سيتزايد الضغط لإجراء استفتاء ثانٍ على استقلال اسكتلندا هذه المرة، ما ينذر بنهاية المملكة المتحدة.
بريطانيا دولةٌ سطرت في تاريخها ولادة حكومة دستورية وإمبراطورية عالمية مع أبهة ملكية وبسالة في الدفاع عن البلاد ضد الفاشية، لكنها الآن مقبلة على فصل جديد مجهول المعالم ستبحر فيه على غير هدى.
أسئلة كثيرة تحوم حول هذا الطريق الجديد المجهول، ولعل هذه الأسئلة ستبقى حائرة دون جواب لسنوات وسنوات؛ بيد أن بريطانيا على الأقل استفاقت صباح الجمعة لتجد ساقيها ما زالتا على خارطة الاتحاد الأوروبي، فعضويتها فيه ما زالت قائمة تماماً كما كانت البارحة قبل 24 ساعة.
لكن من المرجح أن تداعيات وآثار هذا الاستفتاء الشعبي ستكون عارمة ثقيلة وطويلة الأمد وأبعد بكثير من مجرد الفوضى الأولية التي عمت أسواق الاقتصاد. إن الأسئلة حول مستقبل بريطانيا ستلقى أجوبتها وسط معمعمة وتخبط كبير محتمل على الأصعدة السياسية والتشريعية والاقتصادية.
لقد مزقت الحكومة المحافظة نفسها على ساحة المشهد العالمي وأضرت بنفسها أيما ضرر من بعد حصولها على أول أغلبية لها منذ عام 1992. رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أعلن من فوره أنه سيتنحى عن منصبه عندما يستقر حزبه على اختيار خلفٍ له، ما يمهد ساحة المشهد لتصبح حلبة ملاكمة ضارية في صراع على قيادة الحزب والحكومة، ولا يستبعد أبداً أن تجرى انتخابات عامة في وقت أبكر من موعدها.
عندما تبدأ بريطانيا إجراءات الانسحاب الرسمية من الاتحاد الأوروبي وفق أحكام المادة 50 من المعاهدة التي تنظم أطر إدارة عضوية المجموعة -والتي هي خطوة قال كاميرون إنه سيتركها لرئيس الوزراء الذي سيخلفه- فعندها ستدخل البلاد فترة عامين من المفاوضات، وهي الفترة التي ستجعل بريطانيا وكل ملايين المواطنين الأوروبيين الذين يعيشون في بريطانيا وكل المواطنين البريطانيين الذين يعيشون في الاتحاد الأوروبي معلقين في الهواء.
صدمة كبرى
وإن صدقت وزارة الخزانة البريطانية وبنك إنكلترا المركزي وصندوق النقد الدولي ومعهد الدراسات المالية في توقعاتها فإن الاقتصاد البريطاني على شفير صدمة كبرى. فحسب تقديرات وزارة الخزانة سيهبط الناتج المحلي الإجمالي الذي يمثل حجم الاقتصاد بواقع 3.5%، كما ستتلقى فواتير الضرائب ضربة قاصمة ويخسر نصف مليون نسمة وظائفهم فيما تنخفض أسعار العقارات 10% وبالتالي تنخفض معها ثروة المُلاك الشخصية.
وقد انتقدت حملة "الخروج" ومنهم أعضاء كبار في الحكومة هذه التقديرات والتوقعات متهمين إياها بأنها تخويف لا أساس له، لكن بريطانيا الآن ستكتشف صحة هذه التوقعات وصدقها.
إن هذا الاستفتاء صدمة كبرى لطبقات بريطانيا السياسية ولكمة وجهها لهم ناخبون غاضبون كلهم حيرة وتشكك وارتياب عميق في النخبة.
لقد انضم حزب العمال إلى حملة كاميرون للبقاء في أوروبا، وكذلك فعلت تقريباً كل الأحزاب الأخرى الممثلة في البرلمان باستثناء الاتحاديين الديموقراطيين وحزب استقلال المملكة المتحدة اللذين تبنيا مشروع مغادرة الاتحاد. لكن بالرغم من كل هذا التجمع المتماسك للكتل المؤسساتية وأصواتها في خندق واحد –بل ربما بسبب تجمعها في خندق واحد- فقد صوتت بريطانيا لصالح تغيير جذري في اتجاهها.
يقول توني تريفرز أستاذ الإدارة الحكومية في جامعة لندن لدراسات الاقتصاد London School of Economics "على الطبقة السياسة البريطانية أن تنتبه، فهناك شعور متنامٍ بالسخط والاستياء من كلا الحزبين الرئيسيين." ففي عام 1955 فاز المحافظون والعمال بـ97.5% من أصوات الناخبين، في حين أنهما في آخر انتخابين لم يحصدا سوى 66% فقط من الأصوات.
ويتساءل تريفرز "هنالك فراغ ينبغي أن يملأه شيء ما، لكن ترى ما هو؟ على الطبقة السياسية أن تفكر كيف تتقرب ممن يشعرون بتهميش النظام لهم، وكيف تمنع شعور أعداد غفيرة من الناخبين بأنهم في معزل عن التغيير والنجاح الاقتصادي ."
المحافظون حالياً منقسمون بين رموز تقليدية لمؤسستهم مثل كاميرون وبين آخرين ممن اعتنقوا الموقف المعادي للنخبة والمعادي للهجرة والمناصر لحملة الخروج، وألمع هؤلاء عمدة لندن السابق بوريس جونسون ومايكل غروف الذي هو أحد كبار أعضاء حكومة كاميرون.
وكان كاميرون يحتفظ أيضا بوجهات نظر منفتحة بصورة أكبر من العديد من أعضاء حزبه، حيث دفع المحافظين لدعم قضايا مثل زواج المثليين وتبني موضوعات موحدة مثل "مبدأ المحافظة على وحدة الأمة".
ومن الأرجح أن يحل محله شخص يميني أكثر مناهضةً للاتحاد الأوروبي مثل وزيرة الداخلية تيريزا ماي أو جونسون الذي يعتبر نفسه محافظاً يدعو إلى وحدة الأمة بأسلوب تشرشل دون إخفاء طموحاته.
ويتعين على حزب العمال أن يجد وسيلة لتقبل هؤلاء الناخبين من الطبقة العاملة غير الراضين عن آثار العولمة والهجرة على حياتهم والذين وجدوا أنفسهم منجرفين لحملة الخروج. وكان زعيم حزب العمل جيريمي كوربن يفتقر إلى الحماسة في دعمه لمعسكر "البقاء"، بما يعكس التناقض بشأن ما إذا كان البقاء مع الاتحاد الأوروبي هو القرار الصائب من ناحية مساعدة الطبقة العاملة.
وقد أوضح هذا الاستفتاء أيضاً فجوة كبرى بين الصفوة في بريطانيا وبقية أفراد الشعب، وخاصة فيما يتعلق بالاختلافات بين الأغنياء والفقراء.
وكتب جون هاريس بصحيفة الغارديان التي تدعم معسكر البقاء "بإيجاز، هناك أمتان يحملق كل منهما للآخر عبر فجوة سياسية". وذكر جيمس بارثلوميو نفس النقطة بمجلة Spectator التي تدعم معسكر الخروج.
ويؤيد المواطنون الذين تتجاوز أعمارهم 45 عاماً، وخاصة المتقاعدين منهم، معسكر الخروج بشدة، بينما يدعم الشباب معسكر البقاء بقوة.
ويخشى هؤلاء الذين يعيشون حياة الترف والمال فقدان ذلك، بينما يسعى هؤلاء الذين ترتبط حياتهم بإنجلترا ويصارعون ضغوط العولمة والهجرة إلى العودة إلى الماضي الأكثر هدوءاً وتجانساً.
ولذلك تعتبر الانقسامات ثقافية واقتصادية وتثير تساؤلات جادة حول التماسك السياسي البريطاني والوحدة وحول المدة اللازمة لالتئام الجراح الناجمة عن هذه الحملة الشرسة.
وأدى الاستفتاء أيضاً إلى تفاقم حدة التوتر داخل البلدان الأربعة بالمملكة المتحدة وزعزعة استقرار الوطنية الإنكليزية التي كانت قد تزايدت بالفعل منذ إخفاق الاستفتاء على استقلال اسكتلندا عام 2014.
وبالإضافة إلى تصاعد حجم المطالب بإجراء استفتاء آخر على استقلال اسكتلندا، قد تؤدي نتيجة التصويت على عضوية الاتحاد الأوروبي إلى تزايد المطالبات في إنكلترا، التي تمثل 85% من تعداد سكان بريطانيا، بالتصويت داخل البرلمان على القوانين المتعلقة بإنكلترا وحدها، مثلما تفعل برلمانات أسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية حاليا.
ووسط هذا الارتباك الشديد حول السنوات القليلة القادمة، فإن الأمر يحتاج إلى كلمات طمأنة قليلة حول الاحتفاء بالديمقراطية من أجل استعادة وحدة بريطانيا مرة أخرى.
وقد حذر هاريس "إننا نعيش في فوضى شديدة وربما يستغرق الأمر عقود من الزمن كي تعود الأمور إلى نصابها".
وكان كاميرون يحتفظ أيضا بوجهات نظر منفتحة بصورة أكبر من العديد من أعضاء حزبه، حيث دفع المحافظين لدعم قضايا مثل زواج المثليين وتبني موضوعات موحدة مثل "مبدأ المحافظة على وحدة الأمة".
ومن الأرجح أن يحل محله شخص يميني أكثر مناهضةً للاتحاد الأوروبي مثل وزيرة الداخلية تيريزا ماي أو جونسون الذي يعتبر نفسه محافظاً يدعو إلى وحدة الأمة بأسلوب تشرشل دون إخفاء طموحاته.
ويتعين على حزب العمال أن يجد وسيلة لتقبل هؤلاء الناخبين من الطبقة العاملة غير الراضين عن آثار العولمة والهجرة على حياتهم والذين وجدوا أنفسهم منجرفين لحملة الخروج. وكان زعيم حزب العمل جيريمي كوربن يفتقر إلى الحماسة في دعمه لمعسكر "البقاء"، بما يعكس التناقض بشأن ما إذا كان البقاء مع الاتحاد الأوروبي هو القرار الصائب من ناحية مساعدة الطبقة العاملة.
وقد أوضح هذا الاستفتاء أيضاً فجوة كبرى بين الصفوة في بريطانيا وبقية أفراد الشعب، وخاصة فيما يتعلق بالاختلافات بين الأغنياء والفقراء.
وكتب جون هاريس بصحيفة الغارديان التي تدعم معسكر البقاء "بإيجاز، هناك أمتان يحملق كل منهما للآخر عبر فجوة سياسية". وذكر جيمس بارثلوميو نفس النقطة بمجلة Spectator التي تدعم معسكر الخروج.
ويؤيد المواطنون الذين تتجاوز أعمارهم 45 عاماً، وخاصة المتقاعدين منهم، معسكر الخروج بشدة، بينما يدعم الشباب معسكر البقاء بقوة.
ويخشى هؤلاء الذين يعيشون حياة الترف والمال فقدان ذلك، بينما يسعى هؤلاء الذين ترتبط حياتهم بإنجلترا ويصارعون ضغوط العولمة والهجرة إلى العودة إلى الماضي الأكثر هدوءاً وتجانساً.
ولذلك تعتبر الانقسامات ثقافية واقتصادية وتثير تساؤلات جادة حول التماسك السياسي البريطاني والوحدة وحول المدة اللازمة لالتئام الجراح الناجمة عن هذه الحملة الشرسة.
وأدى الاستفتاء أيضاً إلى تفاقم حدة التوتر داخل البلدان الأربعة بالمملكة المتحدة وزعزعة استقرار الوطنية الإنكليزية التي كانت قد تزايدت بالفعل منذ إخفاق الاستفتاء على استقلال اسكتلندا عام 2014.
وبالإضافة إلى تصاعد حجم المطالب بإجراء استفتاء آخر على استقلال اسكتلندا، قد تؤدي نتيجة التصويت على عضوية الاتحاد الأوروبي إلى تزايد المطالبات في إنكلترا، التي تمثل 85% من تعداد سكان بريطانيا، بالتصويت داخل البرلمان على القوانين المتعلقة بإنكلترا وحدها، مثلما تفعل برلمانات أسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية حاليا.
ووسط هذا الارتباك الشديد حول السنوات القليلة القادمة، فإن الأمر يحتاج إلى كلمات طمأنة قليلة حول الاحتفاء بالديمقراطية من أجل استعادة وحدة بريطانيا مرة أخرى.
وقد حذر هاريس "إننا نعيش في فوضى شديدة وربما يستغرق الأمر عقود من الزمن كي تعود الأمور إلى نصابها".
عن هوفينغتون بوست