-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

واسيني الأعرج وحنين الوادي الذي يلعن الحدود : نزار الفراوي

أنحدر من سيدي بوجنان.لا تبحثوا عن هذا الدوار الصغير في خريطة الجزائر، مع أنه قريب، من هنا. ورفع واسيني بنصره ليدل الحاضرين على مسقط رأسه، من هنا، من
وجدة.. فاتشحت الجلسة بشجن، بل بغصة صامتة.
بيننا وبينكم واد صغير، واد كيس. معظم أقاربي هنا في وجدة، وكذلك زوجتي التي أوصتني أن أعود إلى زنقة فاس، هل مازال اسمها قائما؟ نعم.. نعم يجيبه بحماس بعض الوجديين، سألتني أيضا عن قاعة السينما...
الوادي كان لعبور الأهالي من ضفة لأخرى، لا ليفصل بين بلدين. في بيتي الصيفي بمرسى بلمهيدي، كأني في السعيدية، نتقاسم الشاطئ...وأكثر.
كان لحديث الحنين والوجع أن يستمر طويلا، لولا فتنة وتشعب عوالم الروائي الكبير واسيني الأعرج، الذي فتح علبة ذاكرته ومسارات حياته الحافلة بين محبين من رواد المهرجان المغاربي للفيلم بوجدة في دورته المنصرمة.
منصتا لحديثه الممتع، كنت أستعيد تلك الدهشة الأولى التي لم يبددها التكرار.. كنت دون العشرين حين داهمني المشهد في نهاية منعطف على الطريق من وجدة إلى السعيدية. أعلام من هنا، وأعلام من هناك، وبينهما واد أليف صامت كأنه تنويع هندسي على الفضاء، أشبه بخط جامح يرسمه طفل يشاغب ورقة.
سمعت صوت جغرافية تكابر فتسخر: أنا حجة أولى وأزلية، وعمري أطول من مدى صرخاتهم على المنابر...رمقت ضحكة صفراء تكتمها السياسة بما تبقى لها من حياء، لمزا في الجغرافيا:  كأنها لا تعرف ما تصنعه حضارة الجدران في خريف البشرية..أما التاريخ فأطل محايدا: أعرف أني إرث هش سريع العطب، أستدعى على عجل، لبناء أمة وقد تزيف رسائلي لتدمير مستقبل لا يروق مهندسي عصر الطوائف الجديد.  
عدت مرة أخرى، بعد عقدين. لم يتغير شيء، وما صدته عني الدهشة من أوجاع لا أطيقها، تكثف غصة طاعنة تسمم الحنايا. فكرت أن تجنيس التراب كذبة سمجة. على جانبي الحدود، هبة ريح تطوح برمال الشط نحو مقابله، وسيل قد يسقط الجنسية عن حجر ويمنحه جواز سفر الجيران. والوادي نفسه، هل يرتاح لهويته المعلقة، بلا بطاقة؟.
تذكرت أننا صرنا أبطالا حين صارت " فلسطين للفلسطينيين" فخلصنا الحكماء من وخز الضمير، ولعلهم حسنا فعلوا، فقد كنا دوما بارعين في الحشد، ضائعين في الطريق إلى المعركة. وفكرت أن العراق بات كعكة النزهة في ربيع الهويات المشطورة بقلم رصاص في مكاتب المحافظين الجدد، وفكرت أن ما سنفقده أولى مما فقدناه، فقلت لو قدر لي أن أحمل هما للمستقبل، لكان للهم عاصمة هنا، عند وادي كيس، في محج التحايا المتبادلة بين أشقاء مجهولين، على طرفي هذا التشابه الفاضح الذي يديننا، هذا المشهد الذي يعكر صفو واسيني الأعرج في رحلة الصيف نحو مرسى بلمهيدي. قلت لو قدر لي أن أعلن النفير يوما ما، فلعلي أتذكر طارقا يعبر ويعود. أيها الناس، اردموا الوادي أو اشطروه بجسور مفتوحة في وجه الشمس، حين تشرق وحين تغيب...تحمل من ولدوا في الزمن القطري إلى الجدات اللواتي ينتظرن أحفاد الدم المختلط في الخنادق والحكايات...


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا