-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

أمهات عازبات : دلال البزري

الإنجاب من غير زواج: هو ميل، أو فكرة، أو مجرّد حلم، يراود شابات عازبات لبنانيات من بيئات معينة. يقولونها شفاهةً في الأحاديث الحميمة، صراحةً، أو مراوغةً؛
بتنهيدة أو همسة، أو تصرف. لكن الفكرة تبقى غير ناضجة، ومحفوفة بمخاطر أخلاقية، قد تنال من صورة صاحبتها أو صورة أهلها. لذلك دامت شفاهتها طويلاً، حتى أتت الشجاعة بواحدة من الصحافيات اللبنانيات، لتقولها ويسجَّل قولها، من انها مؤيدة للإنجاب من دون زواج، وذلك وبناءً على سؤال في مقابلة مع مجلة “جنوبية” (16-11-2013)، تضمن أصلا هذا التأييد. انها حنين غدار، مديرة تحرير جريدة “ناو لبانون” بالنسخة الإنكليزية، المتزوجة والأم. والمرجح أن لا تكون هذه الشجاعة أتتها لو لم تنْضح من حولها الفكرة نفسها، وهي من الوسط نفسه الحاضن للشابات اللواتي عبّرن عنها بطريقة أو بأخرى. 
وفي هذا الوسط، لا يتم زواج الشابات بترتيبات عائلية مسبقة، تكون الفتاة مندمجة فيه، ومنخرطة في لعبته ولغته. بل ان سياق نشأة هذه الفتاة وتعليمها، وعملها من بعدهما، كلها عوامل تشعرها بنفسها وبقيمتها. ما يمنحها استقلالا مادياً ومعنوياً، يحول الزواج عندها، ليس إلى واجب، بل اختيار. فتدخل في “سوق” الزواج الإعتباطي، لا قانون فيه ولا أعراف، مثله مثل المجتمع الذي يحتويه. وإذا أضفتَ إلى ذلك هجرة الشباب، وإضراب الباقين عن الزواج لإعتبارات مختلفة، يكون حلمها بالإنجاب من دون زواج له مبرراته الوجيهة؛ أهمها انه خير تعبير عن الحياة نفسها، بتحميل الجسد أماني الدفع باستمرارها. 
وهذا انقلاب على ما كانت المعادلة القائمة بين الجنسين في أزمنة غابرة، أو في أوساط ما زالت عائشة في مناخها وأعرافها. كان الحمل خارج الزواج مصيره واحد من اثنين: إما القتل المشروع للحامل العزباء، بـ”جريمة الشرف”؛ أو مادة ابتزاز ترغم الرجل على الزواج ممن “أخطأ” معها، دفعاً لثمن هذا الخطأ. اما داخل الزواج فكان طريقة لربط الزوج وشلّه، إذا كان زوجا عربيداً، أو لكسر إرادته إذا كان جباراً، بإنجاب المزيد، من الصبيان خصوصاً. كان الإنجاب خارج الزواج إثماً قاتلا. أما داخله، فكان، بعد الإغراء، أداة صراع على السلطة بين الجنسين، الأقدم ربما في التاريخ. 
ولكن الأخطر من هذا التمرّد، هو تلك النظرة التي بات يُنظر بها إلى الرجل: تماماً كما كان يُنظر إلى المرأة، ولكن بالمقلوب. كان الرجل بثرائه أو عزوته، أو من دونهما، بمجرد إنفاقه، يختار المرأة التي سوف تنجب أولاده. وبناء على هذه “الوظيفة”، كان “يختار” آلة الإنجاب الأكثر ملاءمة؛ فيما عالم لذته وشبقه الجنسيَين يقع في دنيا المومسات أو العشيقات الموسميات أو الدائمات. هذه الصورة المبسّطة لم تخلو من استثناءات، وألوان ودرجات. ولكنها اختصار وخطوط عريضة. 
أما الآن، فتسود وسط أولئك الشابات فكرة أنه ليس مطلوباً رجل بحد ذاته. طالما انهم ليسوا هنا، أولئك الرجال، أو مضربين أو خائبين. المطلوب من أي رجل أن يقوم بدوره الفيزيولوجي الطبيعي بتخصيب امرأة… ثم يختفي أو يرحل أو يفعل ما يشاء. وهي تستطيع أن تعيش وتنفق على الطفل الذي ترغبه من دون الحاجة إلى زوج، لا مادياً، ولا، ربما، معنوياً… ذاك الذي كان يُقال عنه “الرجّال بالبيت رحمة ولو كان شقْفة (قطعة) لحمة”، بات يُستغنى عنه، طالما انه عازف… أما الحب، الحميمية، العائلة، المشاركة، الانس… كله يبدو ان شاباتنا لا يراهنّ عليه، قدر حلمهن بالأمومة. 
طبعاً نحن بصدد شابات في المدينة، من وسط منفتح، مستقلات، مهنيات، عشن في الغرب، أو على تماس بثقافته. ولكن على محدودية نسبتهن، ترسم أولئك الشابات نموذجاً محتملاً لما سوف تكون عليه العلاقة بين الجنسين، أو واحد من وجوهها، في مرحلة مستقبلية منظورة. 
في البلد نفسه، في بيئات أخرى، تجري الأمور على النقيض التام: تزويج قاصرات، جرائم “شرف”، تعدد زوجات، ولادات متلاحقة تنهك النساء قبل أوانهن…الخ. أي كل ما يمكن أن يمتّ بصِلة إلى الماضي. وبين الزمنَين، ماض ومستقبل، يبقى شيئ للحاضر، الذي على ضوئه وحده، تُقاس الحاجات والأخلاقيات. وإن كان هذا الضؤ خافتاً، الآن 

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا