لماذا يحرم الفنان محمد البوكيلي من دعم وزارة الثقافة... ؟محمد أديب السلاوي
-1-
أثارت مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي بالمغرب، في الأيام الماضية خبرا
صادما،
ويتعلق بإقصاء وحرمان الفنان محمد البوكيلي ومؤسسته من دعم وزارة الثقافة خلال
هذه السنة، كما خلال السنة الماضية.
والفنان محمد البوكيلي،
ليس اسما عابرا في زمن عابر، فهو أحد أعلام المشهد التشكيلي في المغرب وفي العالم العربي،
جعل من اللوحة التشكيلية منذ أربعة عقود، أحد أبرز التجليات الفنية والثقافية، خاطب
من خلالها المتلقي العربي جماليا وروحيا، وسعى بها إلى الارتقاء بالوجدان والفكر، وجعلها
تتفاعل مع مختلف القضايا الفكرية العربية والإسلامية، من منظور جمالي / فني، بعيدا
عن الشعارات والإشكاليات العابرة.
والفنان محمد البوكيلي،
إضافة إلى ذلك، صاحب مؤسستين ثقافتين على مستوى كبير من الأهمية، الأولى للنشر، أصدر
من خلالها العشرات من الأطروحات والإبداعات والبحوث الفكرية.
والثانية لإشاعة الإبداع التشكيلي والثقافة البصرية، نظمت حتى الآن لقاءات
ومهرجانات ومواسم تشكيلية عربية ودولية، وهو ما يجعل "البوكيلي" مؤسسة متحركة
على رقعة ثقافية واسعة، بكل رحابتها وصخبها.
والسؤال الذي يطرح
نفسه بحدة عن حرمان هذه المؤسسة من الدعم : لماذا...ولصالح من ؟.
-2-
قبل عقد من الزمن،
خلقت سياسة الدعم الثقافي والفني، لدى الأوساط الثقافية / الفنية بالمغرب أملا بإعادة
الاعتبار للمثقفين والفنانين، وإيجاد تنمية ثقافية وطنية شاملة، وتوفير مناخ مناسب
للإبداع في مجالاته المختلفة، وتنشيط هيئاته ومؤسساته، بأمل وحيد، هو إيجاد صناعة ثقافية
قادرة على المنافسة وتوفير المناخ المناسب للمثقفين والفنانين لتصدير هذه الصناعة.
إن الدعم الثقافي،
يهدف بصورة واضحة، إلى تحسين المهارات الفردية للإنسان المبدع، لاسيما من خلال الإنتاج
والتأطير، ومن ثم إلى تحقيق قدر من التنمية العقلية والروحية للإنسان المتلقي والتوصل
إلى رخاء قومي وقيم عليا.
مع الأسف الشديد، إن الثقافة المغربية، بكل رحابتها وصخبها ورغم ما يؤطرها
من قوانين وسياسات، لم تحظ بالدعم الذي تستحقه في الزمن المغربي الراهن، ذلك أن هذا
الدعم غالبا ما كان / ومازال يذهب إما إلى الفنون والإبداعات التي تحمل رؤى تعبر عن
وجهة نظر المخزن، والى فنانين ومثقفين يعملون تحت معطف السلطة / الذين يخدمون خطابها
وتوجهاتها وأهدافها.
وهكذا نجد بالمشهد
الثقافي المغربي اليوم، كل فنان / كل مثقف يسعى إلى التغريد خارج السرب، الذي رسمته
السلطات الرسمية لتوجهاتها، يحرم من أي دعم أو منحة أو هبة، من أجل أن يسقط على ركبتيه،
متضرعا ومتسولا للعيش والبقاء، وهذه إحدى "قيم" سياستنا الثقافية التي تعمل
خارج كل القيم الثقافية والإنسانية، في عالم حقوق الإنسان والمعرفة.
إن إلغاء الدعم عن
أي فنان أو عن أي مؤسسة ثقافية، يعني في وضعنا الثقافي الراهن، توجيه ضربة قاضية وقاسية
للعمل الثقافي، بخلاف ما هو حاصل في البلاد التي تعمل بالديمقراطية...وبهذه الصفة تقطع
وزارة الثقافة، ومن خلالها كل الحكومة، جسورها بالقيم الثقافية والفنية والحضارية وتترك
الحياة الثقافية بلا أي مقومات تسندها.
-3-
الصورة التي وضعتها أمامنا وزارة الثقافة، وبعد إقصاء الفنان محمد البوكيلي
ومؤسسته "الباهرة" من الدعم لسنتين متواصلتين، تؤكد بوضوح أن إقصاء وتهميش
هذا الفنان المبدع ومؤسسته، كان بقصد وهو ما يجعلنا أمام طامة كبرى ليس فقط لأن الآمر
يتعلق بمبدع / رسام / نحاث / حروفي عالمي، ولكن أيضا لان الإقصاء والتهميش يضرب مؤسسته
النشطة في العمق، ويجهز على عملها الذي أعطى بعدا ايجابيا للعمل الثقافي المغربي، بالمشهد
الثقافي العالمي...
إن مثل هذا التصرف،
لا يثير الغبن فقط، في الوقت الذي كان على وزارة الثقافة أن تعمل على ضرورة أن يكون
الفنان البوكيلي ومؤسسته في صدارة اهتماماتها لما يقدمانه من خدمات ثقافية / فنية جليلة
للمغرب وسمعته، بل أن هذا التصرف يجعلنا نقف تائهين بدون بوصلة لشاننا الثقافي والفني.
-4-
نعم إن الآليات الثقافية في المغرب الراهن، لم تعد هي نفس آليات زمن ستينيات
وسبعينيات القرن الماضي، إذ تغيرت المعطيات الاجتماعية، وتغيرت مؤشرات الأمية، مما
فرض / يفرض على المغرب الراهن خلق مؤسسات جديدة للدعم الثقافي، / خلق قوانين جديدة
لتوسيع المحيط الثقافي، لاستعمال الثقافة آلية أساسية وإلزامية للتنمية، بما في ذلك
خلق مكتبات جديدة ، وأسواق ثقافية جديدة للمسرح والسينما والتشكيل والموسيقى والرقص،
تأخذ بعين الاعتبار وضع المغرب الجديد على الخريطة العربية والدولية، وتعمل على الرفع
من المستوى الفكري وتطوير الذوق العام للأجيال المغربية الصاعدة في زمن العولمة / زمن
الألفية الثالثة ولكن العكس هو ما حدث...؟
إن الجيل المغربي
الجديد، يحتضن بصمت العشرات، بل المئات من الكفاءات الثقافية والإبداعية، التي لم تجد
الساحة المناسبة التي تدعمها أو التي تستقبلها خارج الدائرة الرسمية المطبوعة بالفساد
والتسيب والزبونية.
فإذا كان مغرب اليوم،
يعاني من العزوف الثقافي، لا يقرأ / لا يدخل المسرح والسينما / لا يستمع إلى الموسيقى
الراقية، لا علاقة له بالثقافة البصرية، ولا يزور القاعات التشكيلية، ذلك لأن المؤلف
والباحث والناقد والمسرحي والسينمائي والموسيقي والتشكيلي تمنعه السياسات الثقافية
الراهنة واختلالاتها المتعددة من أن يساهم في إعطاء الثقافة موقعها الحقيقي / من الإسهام
بالثقافة في التنمية الوطنية / ومن المساهمة في أن تأخذ الثقافة مسارها الفاعل والمتفاعل.
لذلك لابد من القول
بوضوح وصراحة وشفافية بضرورة إعادة النظر في الشأن الثقافي بمكوناته المختلفة، أن الأمر
يقتضي الإقلاع عن ذلك الخلط التعسفي ما بين الثقافة بمفهومها العلمي، وما بين الهزال
بالمفهوم الدارج / يقتضي إعادة النظر في السياسات التي تدير القطاع الثقافي خارج شروطه
الموضوعية. كما يقتضي إدماجه في كل الفضاءات المجتمعية والسياسية / في كل المشاريع
والمقررات التنظيمية / في التربية والتعليم / في الإعلام / في المجالس المحلية / في
مجالس الجهات، لأن الثقافة هي الفضاء الرحب الذي تنصهر فيه كل الأدوات والتي تخلق الرقي
والتقدم والتنمية، وهو ما يعني إعادة النظر في مكونات ومشاريع وسياسات وزارة الثقافة
في وضعها الراهن، وجعل الدعم قاعدة أساسية لكل سياسة ثقافية.
-5-
من هذه الزاوية، على وزارة الثقافة الحالية، سامحها الله، أن تعلم أن
المبدع الذي تحرمه من الدعم، هو الأكثر خلودا، والأكثر وفاءا لحمل رسالة التعددية والمواطنة
في المغرب الراهن، وهو الأكثر عملا ايجابيا من الوزير الذي يحمل حقيبة هذه الوزارة،
من باب انتمائه الحزبي لا من باب معرفته وثقافته وقيمه.
أفلا تنظرون...؟