-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

​أبناء الحرية يولدون من مخاض أرواحنا في رواية "أرواح كليمنجارو" لإبراهيم نصر الله : سماح خليفة/ فلسطين

​أبناء الحرية يولدون من مخاض أرواحنا في رواية "أرواح كليمنجارو" لإبراهيم نصر الله
سماح خليفة/ فلسطين
إبراهيم نصر الله يتصدر روايته بعنوان "أرواح كليمنجارو"، مما يثير فضولي وربما
فضول الكثيرين غيري من القراء، لماذا يختار الكاتب كلمة أرواح وليس مثلا أبطال؟...بعد الموت، الروح وحدها تسمو إلى أعلى تاركة الجسد في الأسفل، عالقا متحدا مع ذرات التراب...هذه حكمة الخالق...ولكن ماذا قبل الموت، وفي خضم الحياة المتصارعة مع الزمن؟ هل يسمو الإنسان بجسده أم بروحه أم بكُلِّه الذي لا يمكن أن يتجزأ؟ يبين لنا إبراهيم نصر الله أن الإنسان مهما بذل من جهد ليسمو وينتصر على ذاته ومحيطه وأعدائه ومهما امتلك من قوة جسدية أو كان معاقا؛ فهو لن يستطيع أن يفعل ذلك إلا إذا استطاعت روحه أن تسمو لتصل تلك القمة القابعة في داخل كل إنسان، تلك الروح التي لا علاقة لها بإعاقة جسدية "في كل إنسان قمة عليه أن يصعدها وإلا بقي في القاع...مهما صعد من القمم"ص318
نابلس غزة الخليل تجتمع أرواح أبطالها: نورة، يوسف، أروى -التي تحمل روح غسان- على  قمة تلك الأسطورة البيضاء الرابضة في قلب تنزانيا في إفرقيقيا، كليمنجارو أعلى قمة ثلجية ألهمت القارة الإفريقية في رحلتها إلى الحرية إلى أن نالت استقلالها واستطاعت أن توقد شمعة الحرية على قمة ذلك الجبل لتضيء خارج حدوده، فتمنح الشعوب الأمل للغد الأفضل، حيث يقول أحد قادة التحرير التنزانية: "سنوقد شمعة على قمة الجبل لتضيء خارج حدودنا " ص12
هؤلاء الأبطال الذين أصيبوا بجروح عميقة بعد أن تسبب الاحتلال الإسرائيلي في بتر أعضائهم ومن معهم من متطوعين- جمعتهم إرادة ورغبة في مساعدة بشر حاجتهم للأمل أعظم من حاجتهم لأطراف وعمليات جراحية وابتسامات ومجاملات- يصرّون على صعود واحدة من أعلى قمم العالم ليجسدوا أجمل معاني البطولة والشجاعة والعزيمة في أكثر صورها الرمزية. فهذه الرواية تضع القراء أمام أبطال كان قرارهم في الصعود نابعاً عن رغبة قوية في البحث عن لحظة تصالح وتكاتف مع الذات، تمكنها من إحراز النجاح والنصر في أسمى أشكاله. وهذا ما تجلى في أشهر مقولة رددتها الرواية "في كل إنسان قمة عليه أن يصعدها". فجميعنا يتعرض لصدمات وخيبات بدرجات متفاوتة، ومنا من لا يستيقظ من صدمته ويفضل أن يبقى أسير الماضي، ومنا من يستيقظ منها ويعترف بها ليتغلب عليها، والخيار الثاني كان خيار أبطال الرواية، عندما اختاروا أن يسلكوا طريقا واحدا، وهو التحدي عبر السير على الأقدام وسط المخاطر التي تحدق بهم، كوسيلة للتغلب على المخاوف والتحرر من الماضي الذي يحاصرهم، كما يظهر ذلك من خلال الحوارات التي دارت بينهم والتي مكنتهم من البوح بأسرارهم التي كبلتهم في لحظات ضعفهم.
فنورة ابنة نابلس التي بُترت ساقها من منتصف الفخذ، والتي رددت سؤالها المعتاد على أمها منذ صغرها: " يمّة؟ أين رجلي؟ لتجيبها أمها: إن رجلك على رأس الجبل" ص23؛ لتظل حائرة على أي جبل تقصد والدتها جرزيم أم عيبال، لتقرر بعدها أن تصعد جبل كليمنجارو لتبحث عنها. فهي كانت على يقين أن الإعاقة الحقيقية هي إعاقة الإرادة لا إعاقة الجسد "لا للمستحيل في ضوء المثابرة والمواصلة لتحقيق المراد" ص193. وأما يوسف سجين غزة الذي تفرّد بصديقه البحر، فقد كان بأطراف صناعية غير مؤهلة لرياضة قاسية من النوع الذي تتطلبه طبيعة الرحلة، ولكنه أراد من رحلته أن يتحرر من قضبان السجن ومن حصار غزة؛ ليرى العالم بعين جديدة تختلف عن العين التي يرى بها غزة "إلى غزة. أمنيتي الوحيدة كانت الخروج من الحصار وأن أتنقل في أماكن لا حواجز عسكرية فيها" ص162، وأما الطبيبة أروى التي كانت مهمتها علاج الأطفال في البلدة القديمة في الخليل، فقد كانت حاضرة في الرحلة بروح غسان الذي احترقت يده وهو يحاول إطفاء النار في بيته القريب من الحرم الخليلي. وبيته مثل بيوت كثيرة هناك؛ شبابيك محصنة بحديد وشبك ضيّق لمنع دخول أذى المستوطنين. يفقد بعدها عينه وتحترق شقيقته الصغرى، وتبقى في الذهن جملة يقولها غسان تمثل صموده في بيته الذي يتربصه الصهاينة: "من الصعب علي مغادرة البيت". ص33
وأما اللبناني والمصور السينمائي (إميل) والفلبينية (جيسيكا) العاملة في أحد البنوك في نيويورك والتنزاني (صوول) والأمريكي (هاري) و(نجاة) الطالبة السعودية صاحبة الخبرة الجيدة في تسلق الجبال، والأردنية الفلسطينية (سوسن) ربة البيت التي بدت بكامل زينتها طيلة الوقت رغم قساوة الظروف. والمصرية الفلسطينية (سهام) التي صعدت الجبل وهي تخطط أن تنجب ولداً قوياً كالجبل. والأمريكي (جون) الصحفي الذي أعطى القضية الفلسطينية عمره منذ الانتفاضة الأولى، حين توفيت زوجته الفلسطينية تاركة له ابنتين، رفض العودة بهما إلى أمريكا، فكل من هؤلاء لديه قمة في داخله وعلى روحه صعودها.
وكل تلك الأرواح يوضح الكاتب غايتها من خلال العبارات التي ترد على ألسنة البعض، مثل صوول رئيس فرقة المساعدين في الرحلة حين يقول:" كل شخص جاء إلى هنا وهو يريد شيئاً من الجبل، قلة هم أولئك الذين يدركون ما الذي يريده الجبل منهم" ص37. وتتضح دلالات مثل تلك العبارات حين نرى القرارات التي اتخذها أبطال الرواية وتتعلق بحياتهم، فهي نتيجة الفرصة التي منحهم إياها الجبل حيث  يقول هاري أحد أبطال الرواية: "لا يريد الجبل منا سوى أجمل ما نريده لأنفسنا.أيعقل هذا؟!" ص283
ويبين الكاتب من خلال الحوارات التي دارت على ألسنة الشخوص، أن من أسباب النصر هو خوض المعركة بهامات شامخة لا منكسة، كما يرد على لسان يوسف:"الجبل يحب الجباه العالية"ص326، وأيضا علينا أن نتسلح  بالحب قبل الكراهية لتحقيق النصر"كل شخص نحبه كثيرا يحس بحبنا له حتى لو لم نخبره"ص134
ويتمثل ذلك أيضا في شجرة (غراند سينسيو) فحين تموت أوراق هذه الشجرة لا تستسلم للموت؛ بل يدفعها حبها للحياة أن تلف جذع الشجرة لتمنحها حياة جديدة "حين تموت أوراقها لا تسقط، بل تلف نفسها حول الجذع لتصنع طبقة عازلة من الفراء الناعم الذي يشبه الحرير" ص 192
 كذلك يوضح الكاتب أن من أسباب النصر هو محاولة كسب الند المقابل كصديق قبل اعتباره عدو يجب هزيمته "أنا لم آت إلى هنا لكي أهزمك، جئت لأنني أريدك أن تكون صديقي، أنت والبحر.." ص278
ويوضح الكاتب في روايته بأن على الإنسان حتى يستطيع الوصول إلى القمة وتحقيق النصر، عليه الاعتراف بضرورة الآخر في المحيط الذي يعيش فيه؛ فالإنسان لا يستطيع العيش وحده لاغيا الآخر من حساباته، فعلينا تغليب (نحن) على (أنا) في كثير من الحالات "لا يمكنك أن تصعد القمة وحدك" ص348، وكذلك تغليب الحس الإنساني على المادي فهذا ما سيمكن الروح من الوصول إلى هدفها وهذا يفسر سبب فشل جبريل رجل الأعمال الذي صعد الجبل وفي ذهنه مآرب تجارية يسعى إليها؛  وهو من رأى أن"الثمار ستبدأ معنوية، لكنها حين تنضج ستصبح مثل ورقة الشيك...تحول إلى مال" ص108
ويشير الكاتب إلى تصارع الإنسان مع ذاته تارة ومع المحيط تارة أخرى حين يقول صوول:" الجبل لن يمنحك كرامة وأنت منتهك الكرامة، ولن يعطيك نصراً وأنت مهزوم. الجبل يريد روحاً قوية تشبهه، حتى يستطيع التواصل معها والاندماج معها والانحناء لها أيضاً في طريقها إلى قمته" ص317، "لا تستطيع أن تصعد الجبل مرتين، لأنك تصعده في كل مرة بمزاج خاص، بفكرة خاصة، بحالة روحية مختلفة لا تشبه سابقتها وبحالة جسدية لا تشبه سابقتها.." ص318
وتبقى رغبة الإنسان في النجاح تدفعه للفوز بذاته وسط محيطه الذي التصق به حد الاتحاد، وهذا يبدو جليا مع سهام حين أصيبت بعمى الثلج؛ فما إن تغيب حاسة حتى تستيقظ أخرى؛ السمع واللمس وإدراك الأصوات "فأي قدرات تلك التي يمتلكها الإنسان بمجرد أن يصبح أعمى"ص262
وفي نهاية الرحلة وبعد انتهاء الصراع الداخلي مع النفس ومخاوفها وانتهاء الصراع الخارجي مع البيئة وتحدياتها، ينجح شخوص الرحلة في الوصول إلى قمة أوهورو على ارتفاع 5895م (ص356) ليعود بعضهم إلى بلادهم منتشيا بلذة النصر لِتَمكنهم تسلق قمتين: قمة تنزانيا، والقمة التي تسكنهم، كما حدث مع كل من جيسيكا عندما انفصلت عن توم "الان لست بحاجة لأي توضيح"ص362، وقدمت كتاب استقالتها "وهذه استقالتي من العمل أيضا"ص363  ، وأيضا ريما عندما تمكنت من مساعدة أشخاص لبلوغ قممهم الداخلية، وكذلك هاري عندما صعد الجبل وتجرأ على مواجهة هيلين وتذكر ساندرا رغم حصار السيد همنغواي له في قصته "ثلوج كلمنجارو" الذي جعل من هاري وهيلين أبطالا في قصته  ولم يسمح له أن يتذكر ساندرا بل ولم يسمح له أن يتسلق الجبل، وأما الانتصار الأكبر فهو لأبناء فلسطين الذين عانوا من إعاقات جسدية بسبب ممارسات الاحتلال الهمجية عليهم: يوسف أصبح صديقا للجبل والبحر وأما نورة التي أرسلت رسالة للضابط  شلومو مردخاي "فوجئ بتلك الرسالة"،"ابتسامات من كليمنجارو" ص374، تحمل ابتسامة النصر والفوز بعد أن تحداها ذلك الضابط  "تصفح الصور مستعيدا حواره معها عند الحاجز"ص374
 وأما الدكتورة أروى التي انتصرت بروح غسان؛ فقد كانت روحه متتبعة لهم في كل مكان ينتقلون إليه وفي كل معاناة يواجهونها فمجرد إصرار غسان على التمسك ببيته وعدم التخلي عنه للعدو هو بحد ذاته انتصار "ربما يكون البيت الذي يحتل الجنود سطحه الآن، هو الجبل، ولذلك لا أحلم بشيء منذ مدة مثلما أحلم بالصعود إلى ذلك السطح"ص378
وأما الشخص الذي بلغ قمة أهورو في كليمنجارو ولكنه لم يستطع بلوغ القمة التي تسكنه فهو جبريل، عندما حول النصر المعنوي إلى نصر مادي، بأن أراد وضع صورة يوسف وأروى على منتج شبس ليتفاجأ برفض الجميع واستنكاره لهذه الفكرة يقول يوسف:"أخ جبريل هل تعتقد أنني فعلت ما فعلت لتكون صورتي في النهاية على كيس شبس سعره شيكل" وتقول نورة:"تعرفون أكثر ما سيغيظني، إذا قبلت بهذا العرض، هو أنني سأجد صورتي تحت أقدام(الرايح والجاي)" ص368
وبالعودة إلى حضور شخصية الروائي الأمريكي همنغواي بصورة مباشرة من خلال هاري ككاتب أو من خلال شخصيته كبطل حقيقي من أبطال الرواية الذي يعاني من مشكلة في ساقه الاصطناعية ؛ يجعلنا نَعلَق بين الواقع والخيال ولا يغيب عنا أن هذا  الوجود كان له هدفه في تجسيد أشكال الصبر والصمود والتحدي في وجه الطبيعة. وهو ما يأتي منسجماً مع أرواح رواية إبراهيم نصر الله التي كانت مثالا في الإرادة الصلبة والتحدي لتحقيق الهدف وبلوغ القمة بمعناها الواقعي والرمزي.
وحرص الكاتب على ألّا يُدخلنا في متاهة زمنية بين الماضي والحاضر فالحالة السردية العائدة للماضي كانت بحروف غامقة مثال ص127ص90ص289ص305، وأما العائدة للحاضر فكانت بحروف عادية والأمثلة كثيرة من قلب الرواية.
وكما وأراد الكاتب للقارئ أن يَطّلع على اللغة السواحلية التنزانية فأورد الكثير منها في متن روايته موضحا معناها في حاشية الصفحة للأسفل: "هاكونا ماتاتا"ص39، "يرّا يرّا"ص56، "الغيتر"ص62، "بولي بولي"ص90، "حراكا حراكا"ص112، "مامبو بوا،أسانتيه"ص238، أغنية"زَيْنة زَيْنة"ص263، أغنية"جامبو جامبو"ص381، إضافة إلى أسماء الأماكن بلغات مختلفة: بوابة (لوندوروسي)ص37، مدينة (أروشا)، محطة (ليموشو)ص61، مخيم (شيرا)، مطار(دار السلام)، مدينة (تونيتو بكندا)ص69، جبَلَي (كيبو وشيرا) ص95، كوخ (مْويها هَت)ص159، جبل(طوبقال)ص152، بنك(ولز فارغو) في نيويورك ص41، مخيم(الأساس في إفريست)ص45.
ما لا أفهمه هو تخبط الكاتب بين اللغة الفصحى واللهجة العامية على ألسنة أبطاله مما يفقدها مصداقيتها وتأثر القارئ بها، فيورد حوار بين نورة وأمها لتتحدث نورة مرة بالفصحى ومرة بالعامية ص23، الحوار الذي دار بين سهام وسوسن؛ فسهام المصرية الفلسطينية تتحدث باللهجة المصرية بينما سوسن الأردنية الفلسطينية تتحدث بالفصحى، وكذلك ص110،ص165،ص173،ص168،ص326.
وأما الرسالة المهمة التي أراد أن يوصلها أبناء فلسطين للبشرية جمعاء: "نحن أبناء هذه الحياة، أبناء شعب يقاتل منذ أكثر من مائة عام، وإننا لن نهزم" ص9
وبعد قراءة هذه الرواية عليك أن تسأل روحك: هل في داخلي قمة لم أكتشفها بعد وعليّ بلوغها؛ حتى أُعَدّ ابنا شرعيا من أبناء الحرية؟؟

الرواية صدرت عن دار بلومزبري وجاءت في 384 صفحة

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا