في إطار أنشطة الدورة التاسعة لمهرجان السينما والتربية ، المنظم من طرف جمعية نادي الطليعة السينمائي بسيدي سليمان ، تحتضن دار الشباب 11 يناير صباح السبت
30 يوليوز الجاري ابتداء من العاشرة ندوة وطنية تتمحور حول موضوع " السينما المغربية : سؤال التربية وأنساق التخيل السينمائي " من تأطير الأساتذة محمد صولة وخليل الدمون وجمال بوزوز وعبد الكريم واكريم .
فيما يلي الأرضية الفكرية التي أعدها للندوة الدكتور محمد صولة :
" من المؤكد أن الكتابة السینمائیة في شمولیتھا ، إبداعا وتنظیرا ونقدا، تتأسس على میزة الاختلاف، بحیث إن مواكبتھا تتطلب من الباحث التسلح بأحدث الوسائل والتقنیات التي وصلت إلیھا الصناعة السینمائیة، ومعرفة كل ما تتطلبه قراءة الصورة فنیا وجمالیا، لذا فالمطلوب من الباحث الفني في المجال السینمائي أن یعي الفعل الذي سیقدم علیه، ومن ھذا المنطلق، یلاحظ أن السینما في العالم بأسره استطاعت أن تستفید مما سبقھا من فنون وآداب على مر العصور، وبما أنھا كذلك، فتاریخھا حدیث ولا یمكن اعتباره قصیرا بالمقارنة مع باقي أجناس الآداب والفنون الأخرى، إذ أن تجربتھا تبدأ مع بدایات القرن الماضي، وبذلك برزت في لحظات التكوین والتأسیس والتأصیل والتجدد، وھي تحفر شكلھا البسیط والمتواضع إلى أن وصلت إلى تمثل الصنعة في الاشتغال السینمائي، كما ھي في الغرب وأمریكا وغیرھما، ولعل خیر دلیل على ھذا ھو مشاركاتھا في المھرجانات العربیة الدولیة. إن التراكم الذي حصل في الابداع السینمائي المغربي، لیس ھو بمثابة ظھور كمي فحسب، بل یمكن التعامل معه من خلال الكیف، وھكذا لایمكن المقارنة بین تجربة المخرج سھیل بن بركة والجیلالي فرحاتي، أو بین مومن السمیحي وحسن بنجلون، أو بین عبد القادر لقطع وفریدة بلیزید مثلا، لأن السینما المغربیة تختزل تجارب متعددة في طرق كتابة نصوص السیناریو وأسالیب توظیف التقنیات الفنیة والجمالیة، واختیار التیمات الثقافیة والشعبیة والتربویة، على الرغم من أن ھذه التجربة ینقصھا، بعض الشيء، البعد الاحترافي كما ھو مشرع له في الدول المتحضرة . ھذا التراكم یقتضي الاھتمام به شكلا ومضمونا، مادیا ومعنویا، وما الطفرة التي تشھدھا الصناعة الفیلمیة في المغرب إلا سمة من سمات التطور الحاصل في البنیات العاملة في المیدان، فكل "یوم" نكتشف استقطابات للمحترفین (الغربیون والأمریكیون ) ، الذین یحجون إلى المغرب قصد إنجاز أفلام تعد من الروائع الخالدة، بھذا فالتجربة السینمائیة المغربیة سوف لن تبقى بمنأى عن ھذا التحول ، إنھا مستفیدة منه ، لكن ما یجعلھا متعثرة ھو غیاب البنیات التحتیة، واستراتیجیة التسویق، وتنظیم الدعم والتدبیر، وعدم التعامل معھا كمكون تنموي لامادي رمزي یمكنه أن یساھم في ترقیة الذوق وتنمیة الوعي ، وذلك لأن تقدم الشعوب حضاریا وفنیا وجمالیا قمین بوضع استراتیجیة تربویة واعیة ببیداغوجیتھا وفنون التواصل والأداء. والسینما في المغرب، وإن بدت غریبة ومدھشة للبعض، فإنھا تختزل حضارة الأمة ورمزیتھا، بل وتوثق مجدھا بالصوت والصورة كذاكرة للتاریخ والدین والتربیة والعمران والإنسان، كل ھذا ھو ضمن مخزون موروث لانھائي، أو یكاد یكون ھوالمبعث الذي لامحید عنه في تكوین وصناعة الوعي. وبما أن ھناك تراكما للتجربة یستحق الدراسة والتحلیل، فإن عناصر التشكل والامتداد، أو بالتالي الأنساق التي تؤطرھا، ھي بالضرورة جماع معارف نوعیة تستلزم إعادة النظر فیھا من زوایا مختلفة، لأن أسئلة الكتابة النصیة السینمائیة وتأویل خطاباتھا المتنوعة، وذلك بغیة فھم وتفسیرالتناقضات التي یتخبط فیھا المجتمع كحاضن للعملیة الإبداعیة، والصنعة السینمائیة، لا تقتصر على المادة/ التقنیة فقط، بل تنفتح على الروح/ الموھبة أیضا، وھذا أمر له علاقة بمستویات التخییل التي یمر بھا العمل الإبداعي، فھل یمكن أن یتم الحدیث عن التجربة السینمائیة المغربیة بدون استحضار شرط التخییل؟ وھل بالإمكان أن یكون الفعل السینمائي دون خضوعه للتجربة الذاتیة والتجریب التقني فنیا وجمالیا؟ لقد حاولت الدراسات السینمائیة النقدیة أن تبلور تصورات مھمة، وأن تعید للتجربة عافیتھا، وإن بمستویات متفاوتة، لكن یبقى أن تكون الممارسة في مستوى الأدوات التي یشتغل بھا الناقد. ھذا الأخیر علیه أن یكون بدوره ملما بفنیة وجمالیات الصورة السینمائیة، إذ لا یمكن أن نتكلم عن سینما لا توجد إلا في عقولنا، إنھا شكل من أشكال وعي الشعوب الآن، توظفھا للدفاع عن كرامتھا وتنمیتھا وھیبتھا، وھي بالضرورة بحث في الھویة والكیان والوجدان والآخر، عن مستقبل سیصبح تراثا للذین سیأتون ویلتمسون منه حقیقة ماضیه ، بل سیبحثون عن المنبع والأصل والجذر، إذ لابد من إعادة الروح إلى الوعي بالحكایة الشعبیة والتاریخ والدین والخرافة والأسطورة، وكافة العلاقات التقلیدیة المنغرسة في صلب المجتمع وغیرھا، والتي ھي سائدة فیه بمختلف تلویناته وطبقاته ، وبھذا یمكن فھم أنساق التخییل المتمثلة في الكتابة السینمائة المغربیة بمنظور أوسع وأشمل، یبقى سؤال إشكالي أخیر، ھو: إلى أي حد یمكن أن یكون ھذا التراكم الذي تشھده التجربة السینمائیة المغربیة محفزا، بل مولدا لأنساق تجریب التخییل السینمائي؟ " .
عن إدارة المهرجان : أ.س.