طوليدانو، الأخ الأكبر لليهود المغاربة يودع الحياة : متابعة: أحمد رباص
توفي بوريس طوليدانو يوم عاشر غشت عن سن تناهز
95 عام وووري الثرى في
اليوم الموالي بمقبرة بنمسيك في الدار البيضاء. كان رئيسا للطائفة
اليهودية بهذه المدينة. نقدم في ما يلي صورة عن "ولد الناس" هذا رسمها الذين
بكوا رحيله كرجل ذي مسار استثنائي ومحرك أساسي للجماعة اليهودية بالمغرب.
في أجواء من الحزن والأسى، تبودلت التعازي بكل اللغات
بين أفراد الجماعة اليهودية المقيمة في المغرب على إثر فقدان بوريس طوليدانو، رئيس
الطائفة اليهودية بالدار البيضاء حيث وافته المنية يوم عاشر غشت بالعاصمة الاقتصادية.
في الشهر الماضي بالرباط، خصه سفير إسبانيا بتكريم يليق بمقامه . كل من عرفه أدرف الدموع
تعبيرا عن حزنه لموت رجل بكل هذه المواصفات.
ازداد بالعرائش سنة 1921 لأب حاخام وموثق وأم ناطقة
بالإسبانية. تابع بوريس طوليدانو دروسه في اللغة الفرنسية بمدرسة الحلف الإسرائيلي،
كما قال لمجلة
Version Homme (نسخة خاصة بالرجل). في 1935، سافر إلى إلى
أليكانتي بإسبانيا قصد إتمام دراسته. في هذه اللحظة بالذات، انطلق العصيان الفرانكوي
المسلح في المغرب، فحوصر والداه في العرائش. بينما كان، وهو شاب يافع، متواجدا في الضفة
الشمالية للبحر الأبيض المتوسط.
عندما اشتد عوده وأصبح قادرا على حمل السلاح، التحق
بالجيش النظامي الجمهوري ضمن صفوف الفيلق الخامس الكائن مقره بسرقسطة. عند انضمامه
للألوية الدولية، جعلته حماسة الحرب يعثر على "جانب رومانسي". عاش هذه الفترة
الحماسية رفقة رجال أعظم قدرا.
باعتباره ملتزما منذ فتوة شبابه، عرف كيف يراكم
كل هذه المواعيد مع التاريخ، كما قال "شريكه" أندري أزولاي الذي رأى فيه
"صولال" بطل رواية رمزية للكاتب السويسري ألبير كوهن ذو الأصل اليهودي هو
الآخر..
بدعم من حلف موسوليني وهتلر، حققت الميليشيات الفرانكوية
الانتصار تلو الانتصار. وبفضل إتقانه التحدث بلغة إسبانية راقية منسوبة لسيرفانتيس،
وجد ملجأ في برشلونة معقل الجمهوريين. فيما بعد، سوف يجتاز جبال البرانس راجلا في اتجاه
فرنسا. تم اعتقاله لمدة يسيرة في مخيم قريب من مدينة بيربينيو. عن طريق إثبات جنسيته
المغربية، تمكن أخيرا من العودة إلى مسقط رأسه، بعدما صمم على مواصلة المعركة من أجل
الجمهورية في بلاد المكسيك.
عند عودته إلى بلده الأصلي، اشتغل ردحا من الزمن
في ورشة مختصة في صيانة الطائرات، ثم اشتغل فيما بعد وكيلا لشركة الكرتون. أثناء الحرب
العالمية الثانية، ربط علاقات بالكولونيل ماركس. زوده هذا الضابط الإنجليزي بالمواد
الأولية لتأسيس مشروعه
Macarpa. كان يجمع الورق المستعمل لأجل بيعه لصناع
الكرتون. خلال إقامته بالدار البيضاء، التقى بشابة تدعى إناس بينيزرا التي تنتمي هي
أيضا لعائلة يهودية هربت من إيطاليا الفاشية. عقد قرانه بها سنة 1947، ورزق منها بثلاثة
أبناء ذكور. الابن الثاني،سيدني، المزداد سنة 1951، هو اليوم الرئيس المدير العام لدار
الحلاقة الراقية كرستان دور. عندما ماتت إناس عن عمر 48 سنة، اجتاز بوريس تولينادو
فترة من الجمود والاكتئاب قبل أن يلتقي بامرأة يهودية أصبحت زوجته الثانية. يدا في
يد، أنشأ الزوجان دارا للمسنين لفائدة المتقاعدين اليهود، ثم عملا على بناء 35 من الأستوديوهات
التي قاما بتجهيزها ووضعها رهن إشارة المعوزين.
صرح بيير برديغو، الكاتب العام للجماعة الإسرائيلية
بالمغرب، قائلا: "كان محركا أساسيا للجماعة اليهودية البيضاوية". انضم بوريس
إلى لجنة الطائفة اليهودية بالمغرب سنة 1972. تخلص شيئا فشيئا من شؤونه الخاصة ليأخذ
في الأخير تقاعده فباع شركته في نهاية سنوات التسعينيات. منذ ذلك الحين، تفرغ كليا
لتدبير شؤون جماعته. كان بوريس توليدانو أيضا مستشارا في بلدية الدار البيضاء خلال
ثمان سنوات.
بالنسبة لجاك طوليدانو، رئيس في نفس الوقت لمؤسسة
التراث الثقافي اليهودي المغربي ولمتحف اليهودية المنشأين بمشاركة بوريس، فقد ضحى بحياته
وكان عادلا مع العادلين. القليل من الأشخاص هم من يتحلون بهذه الأخلاق. على مستوى الجماعة
اليهودية، يمكن الرجوع في هذا الشأن إلى الدكتور ليون بنزاكين، وزير البريد في أول
حكومة تأسست سنة 1956 في عهد محمد الخامس.
حتى في أيامه الأخيرة، أبدى بوريس طوليدانو دينامية
وهو يقوم بالتزاماته. مؤخرا، اشتغل مع محمد السادس على تجديد كنيس التدكي، في إطار
إعادة تهييئة المدينة القديمة في الدار البيضاء. كان بإمكانه التوقف منذ مدة، ومع ذلك
استمر. ليس ليبقى تحت الأضواء، بل لأنه كان يعلم أن حضوره مفيد. لقد كان فعلا أخا أكبر
بالنسبة لكل واحد ولم يكن يعرف شيئا اسمه حدود اجتماعية وفق شهادة أندري أزولاي.