نشرت جريدة “دي إكونوميست” البريطانية مقالا يتناول أوضاع الشباب العربي في دول الخليج ومصر بعد مرور خمس سنوات على الانتفاضات التي اكتسحت جل بلدان العالم
العربي سنة 2011. وكانت البداية انطلاقا من شاب عربي في مقتبل العمر يحتسي قهوته ويبدي تطلعه إلى النساء المارات أمامه. يتمنى هذا الشاب أن يكون طالبا جامعيا في شعبة الهندسة بجامعة القاهرة حتى يضمن لنفسه مستقبلا زاهرا. لكنه يشعر في قرارة نفسه بأن الأفق أمامه يبدو قاتما. ينتابه قلق رهيب من عدم توفر الشغل بعد التخرج. عليه أن يؤمن الكثير من المصاريف لتغطية تكاليف دراسته ومعيشته ومساعدة أمه الأرملة. فبدون راتب محترم، لا يستطيع هذا الشاب اقتناء شقة ولا يمكنه بالتالي أن يتزوج ويلبي حاجته إلى الجنس.
يقول لمبعوث الجريدة إنه لا يستطيع ربط علاقة بفتاة في مثل سنه لأسباب دينية ولأنه لا يسمح لأخته بأن تقوم بنفس الشيء. يعترف بكونه نسج في وقت سابق علاقات مع نساء ولكنه لم يتمتع بلقاء جسدي مع إحداهن. حديثه مع النساء وقع فقط من خلال ارتياده فقط لموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. ثم يستنتح من ذلك أن العلاقة مع النساء في بلاده تتسم بتعقيد أكثر من مجرد سحب التقاليد جانبا. وجهات نظره حول الإسلام متشابكة ومتضاربة، غير أنه يشعر بأنه أكثر ورعا من والديه مع أنه لا يؤدي الصلوات في أوقاتها وبانتظام. يفضل دائما اصطحاب أصدقائه للاستماع إلى عظات ودروس الدعاة مع حرص على الاحتفاظ لنفسة بنسخة إسلامية مطابقة – في نظره – للأصل.
التقاليد المصرية، في اعتقاده، مطبوعة بثقافة الرشوة والمحسوبية وغيرها من الممارسات المحظورة شرعا. ويختم تصريحه بالقول إننا في حاجة لفرض الأخلاق التي اقتبسها منا الغرب قبل أن يشير إلى أن انتشار الإلحاد يشكل تهديدا خطيرا للأمة الإسلامية. هذا الشاب لايشكل حالة معزولة إذ أن الدول العربية بأسرها لا تعدم شبابا محبطين بسبب انعدام فرص الشغل. يقول رامي فوزي، الأستاذ في الجامعة الأمريكية ببيروت، بهذا الشأن: “الشباب العرب لا يريدون سوى أن يعيشوا ولا يسعون لإثارة المتاعب، لكنهم غير قادرين على اقتحام النظم السياسية والاجتماعيية والاقتصادية لبلدانهم”. ثم يتابع قائلا إن لديهم قدرة على خلق عوالم موازية لنفوسهم لكنهم لا يستطيعون فعل أي شيء طبيعي في أماكن طبيعية.
بعد ذلك، ينتقل كاتب المقال إلى الحديث عن انتفاضات العرب التي شهدها عام 2011 ويذكر أن هناك عدة عوامل أدت إليها. في هذا السياق، يعيد إلى الأذهان إطاحتها بأنظمة الحكم القائمة آنذاك في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وزعزعتها لأنظمة عربية أخرى مع ملاحظة فشل الحكام العرب في استغلال اتساع كتلة الشباب العربي وتسخيره لتحقيق قدر كاف من التنمية الاقتصادية. في فقرة موالية، يسجل الكاتب أنه تم الآن توجيه ضربات تحت الحزام لتلك الانتفاضات وتحولت، في أسوإ الأحوال، إلى حرب أهليه أتت على الأخضر واليابس مستثنيا تونس. لهذا، وجد الكثير من الشباب العربي أنفسهم في وضع متدن بالنظر إلى الذي ما قبله. إنهم في مواجهة قمع سياسي أكثرشراسة وأفق أقل ضمانة لفرص الشغل. هذه الأزمة ناتجة عن انخفاض سعر النفط ونضوب الموارد السياحية بفعل الفزع والاضطراب المستمرين ناهيك عن الإرهاب.
ولم ينس الكاتب في هذا المقام الإشارة إلى سياسات الدفاع عن الذات المتبعة من قبل الحكومات العربية والتي مردها إلى التمسك بالسلطة، كما هو الحال في مصر. ويمضي الكاتب في مقاله التحليلي إلى التعبير عن مفارقة تطبع تعامل الحكام العرب مع فئات الشباب من شعوبهم. فعوض النظر إلى كتلة الشباب كما لو كانت نعمة اقتصادية، تعتبر في العالم العربي نقمة أو لعنة يجب التخلص منها بأي ثمن. ثم يستنتج أن الحياة في هذه الأيام بالنسبة لفئة الشباب اختيار بائس بين النضال ضد الفقر في البيت أو الهجرة نحو الخارج أو، في الحالات القصوى، سلوك سبيل الجهاد. في الواقع، في أماكن مثل سوريا الوظائف المذرة لدخل جيد تنطوي على التقاط بندقية.
متابعة: أحمد رباص