بلغ عليك الدور يا أسماء…
لست الأولى ولن تكوني الأخيرة؛ فلأصوات الجهل قدرةٌ
عجيبة على التناسل السريع.
ستبدئين مواجهتك مع أصوات الغباء والعنف والإقصاء… معركة
لك فيها ما يكفي من علم وذكاء وعمق فكري. لكن المؤسف فيها أنك في الغالب لن تواجهي
حجاجا فكريا، بقدر ما ستواجهين العنف والتكفير ولغات السباب والقبح. بقدر جمال لغتك
وعمق فكرك ورغبتك المستمرة في القراءة والمعرفة، بقدر ما يواجهك البعض بسطحية تتلفع
بالإيمان بينما أصلها الجهل مرفوقا برفض قطعي لحق الآخر في الاختلاف.
اسمها أسماء بن العربي. مشاكسة جميلة. قلمها ذكي
عميق. معرفتها الدينية قوية. تدينها ليس سطحيا، لكنه في نفس الوقت ليس غبيا ولا متوارثا.
بدأت تنشر مقالاتها القوية منذ شهور قليلة، ووجدت لها، بسرعة، صدى عميقا. في كل مرة
أقرأ لها مقال رأي، أهتم بمتابعة التعليقات بشأنه. هناك طبعا كثيرون، مثلي، وجدوا في
مقالات أسماء شجاعة وجرأة مسنودة بمعرفة. وهناك جزء آخر لا يقبل من أسماء أن تكون محجبة،
أي أن تنتمي شكليا لتيار معين يفترض أن يفكر ويكتب بشكل محدد سلفا، وأن “تتجرأ” على
ممارسة حقها في السؤال والتساؤل. أن تقرأ الممارسات الدينية من زوايا عميقة تستحق التأويل
والطرح. بناء عليه، يتم التشكيك في حجابها وفي مدى صدق إيمانها.
في نفس الوقت، تواجه أسماء الحداثة السطحية للبعض،
حين يلومها بعض أشباه الحداثيين على تحجبها على أساس أن الأفكار التي تدافع عنها، لا
تتماشى مع الحجاب. أليست الحداثة هي احترام حق الآخر في الاختلاف؛ خاصة حين يكون جليا
من خلال أفكار الكاتبة، أن حجابها لا يمكن أن يكون اتباعا غبيا وسطحيا لتيار إيديولوجي
معين؟
يبدو أن هذه معضلتنا الحقيقية اليوم: أن تكون مجبرا
على شرح الأبجديات لمن يتلفع بالإيمان؛ لكي تشرح له أن الحكم على تدين وكفر الآخرين
هو تخصص إلهي حصري لم يتنازل عنه الله لأحد. وأن تكون مجبرا على شرح أبجديات الحداثة
والحريات الشخصية لبعض من يختزلونها في كأس نبيذ وشعر مكشوف. لو كان الأمر هكذا، لكان
التدين سهلا ولكانت الحداثة سهلة. لكن، ولأن الأمر أعمق من كل هذا، فنحن سنبقى محاطين
بالكثير من الحداثيين السطحيين والكثير من المتدينين المزيفين.
منذ بضعة أيام، كنا في لقاء عام نتحدث في مواضيع
شتى. أحد الحاضرين، وهو شخص بمستوى جامعي عالي، تحدث مستعملا تصنيفات مبنية على الانتماء
الديني. طرحت حينها نفس السؤال الذي أطرحه منذ عدة سنوات: لماذا نصر على كتابة وقول:
“الكاتب المغربي اليهودي” أو المستشار اليهودي المغربي” أو “الفنان المغربي اليهودي”،
بينما لا نقول مثلا: “الكاتب المغربي المسلم فلان” أو “الوزيرة المغربية المسلمة فلانة”
أو “المطرب المغربي المسلم فلان”؟. هنا، رد قريبي بابتسامة ساخرة: “هادوك يلا لقيناهم
ما كيصليوش، خاصك تقول : الكافر بالله فلان والكافرة بالله فلانة”.
أجبته حينها بعبارة قرأتها منذ بضعة أيام: “مات
الأول في نادي ليلي، ومات الثاني في مسجد. الأول دخل لينصحهم والثاني دخل ليسرق الأحذية.
لا تحاكم النوايا. لستَ أنت من يحدد من سيدخل الجنة ومن سيدخل النار”.
لكن التكفير اليوم أصبح تخصصا يعلو على كل التخصصات.
يكفي أن تفكر بشكل مختلف، أن تكتب شيئا يزعج حراس الكهنوت -الذين في حالات كثيرة ينطقون
عن جهل بالدين نفسه- لكي تُتهم بالكفر والزندقة والإلحاد.
لا أفهم كيف ينتمي البعض لدين يفترض فيه أن كل فرد
مسؤول عن أفعاله وعن إيمانه أو عدم إيمانه، عن تدينه أو عدم تدينه؛ ثم يصر على التدخل
بل وعلى الحكم على تدين الآخر. بدل التركيز على تدينه وإيمانه الشخصي، يفقد الشخص كل
حلاوة الإيمان في مراقبة تدين الآخرين وفي حساب تحركاتهم وتأويلها. كما لا أفهم “حداثيا”
يُقيّم كاتبة، ليس بناء على أفكارها ولغتها، بل بناء على حجابها وعلى تفاصيل تخص حياتها
الشخصية.
ثم، على فرض أن هناك شخصا أعلن بالفعل أنه ملحد.
ما دخل الآخرين؟ ما دمتَ تعتبر نفسك مسلما صالحا تقيا، فما الذي يزعجك في كون الآخر
ليس كذلك؟ هل تريد أن تكون مسلما صالحا وتقوم بكل ما من شأنه إدخالك الجنة؟ أم أن ما
يهمك في الأصل هو أن يكون من حولك مسلمين، أو على الأقل محافظين على مظاهر التدين؟
هل تهتم بتدينك أم أنك تحتاج حراسَ الكهنوت لحراسته، وتخاف أن يفقدوا سلطاتهم فتتزعزع
قناعاتك الهشة؟ هل ما يسند تدينَك، هو إيمانك العميق؛ أم كونك تنتمي لمجتمع يشبهك في
ممارساته؟ لماذا تخاف على تدينك من عدم تدين غيرك؟ لماذا يهمك كثيرا أن يبقى المجتمع
إسلاميا مادام دخولك الجنة ليس كفيلا بتدين المجتمع ولا حتى بتدين الدولة أو الحاكم،
بل بتدينك الشخصي؟
هي مجرد أسئلة، ككثير منها تطرحها أسماء بن العربي؛
فتواجهها، بدل الأفكار، حروب سب وقذف بليدة… مجرد أسئلة على الهامش، في مجتمع يخاف
التفكير ويخاف السؤال.
باتفاق مع أحداث أنفو