ان كتاب " الشيطان الذي نعرف" "The Devil We Know" هو للكاتب " روبرت باير" "Robert Baer" وهو ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية " C.I.A".
لدى وصوله الى ايران، عندها، لقّنه سائق سيارة الاجرة الذي اوصله إلى طهران من المطار، درسه الأول، وهو ان الإيرانيين لا يمكنهم قيادة السيارة بشكل جيد ولا يطبقون قانون السير ابداً.
خلال الأسبوع الذي امضاه في طهران لم يعرف كيف ستتغيّر الامور حينها. غادر طهران من دون وجود أدنى فكرة عما سيفعل الخميني مع الفوضى العارمة التي كانت سائدة.
بعد أقل من أربع سنوات من هذه الزيارة، كانت إيران في حالة حرب مع الولايات المتحدة الاميركية. من جانب طهران كانت الحرب غير معلنة؛ أما واشنطن، فقد وضعت رأسها في الرمال وتجاهلتها.
في منتصف الحرب الباردة بين ايران واميركا، عمل الكاتب كضابط في المخابرات المركزية وكان مكانه في الخطوط الأمامية لتلك الحرب. لقد فقد زملاء له في السفارة الأميركية في بيروت، إثر تفجير انتحاري يعمل لصالح ايران، لشاحنة اقتحمت مدخل السفارة، في شهر نيسان من سنة 1983. كما فقد الكاتب ايضاً اصدقاء ايرانيين له اغتيلوا على يد نظام الخميني. مثل كثيرين، كان لديه اقتناع بأن الثورة في إيران من شأنها أن تغرق في دمها، وأن الحماسة الثورية ستُستنزف تماما كما كان الحال مع الثورات العنيفة الأخرى في الإسلام.
بدا هذا كله أثناء الحرب العراقية الإيرانية، عندما رفض الخميني بعناد التسوية مع صدام حسين، مضحياً بمئات الآلاف من الإيرانيين من دون سبب سوى انه يعتقد بان الله الى جانبه. ولكن تمكن نظام الخميني من الصمود، موفراً للكاتب درسا جديدا كان بحاجة إلى تعلمه قبل ان تدخل إيران حيز التركيز والاهتمام الكبير بالنسبة له.
في نهاية الحرب بين إيران والعراق، استمرت ايران في قتال الغرب، حيث خلقت حزب الله في لبنان، وكانت أكثر ذكاء من اميركا.
استعملت ايران الأسلحة والتكتيكات والاعمال الارهابية ضدّ وكالة المخابرات المركزية الاميركية، في العراق وأفغانستان ولبنان والسعودية. وعلى طول الطريق اكتسبت إيران الشهية للهيمنة، وهو اعتقاد قوي بما يكفي لتحدي الولايات المتحدة للهيمنة والسيطرة على الخليج وليس فقط السيطرة على العراق ولكن على النفط في منطقة الخليج، والذي يمثل 55 في المئة من الاحتياط العالمي.
هذه الحرب على الولايات المتحدة لم يتم التحضير لها لسنوات. تمّ أنجاز نصف الحرب حتى الآن وقد فازت ايران بتفوق. وكلما أسرعنا في فهم التناقض الإيراني-الغربي، ومعرفة من هم الايرانيون وماذا يريدون، وكيف يريدون أن يذلونا وان يتعاملوا معنا، كلما أسرعنا في فهم كيفية التوصل الى تفاهم مع القوة العظمى الإيرانية الجديدة.
بعد ستة وعشرين عاما من الزيارة الأولى، قام الكاتب بزيارة طهران مرة أخرى. خلال هذه الزيارة، انجز الكاتب فيلما وثائقيا مع القناة البريطانية الرابعة وشركة إنتاج ايرلندية. في شهر نيسان سنة 2005، حضر احتفال تحرير"كورمشهر" الذي عقد في مقام آية الله الخميني وهي ليست بعيدة عن طهران.
خلال الحفل، دردش الكاتب مع رئيس المتشددين في إيران، وسأله: ماذا كانت أهمية الإستشهاد بالنسبة للقوات المسلحة الايرانية؟ أعرب رئيس المتشددين عن دهشته لاستجوابه من قبل شخص أمريكي، وخاصة في مكان نادرا ما يزوره الاجانب. لكنه أجابه على أية حال: "ان جميع الأديان يوجد فيها الاستشهاد"، قال له: "حتى في ايرلندا هناك شهداء، أي شخص يعيش ويحارب من أجل السلام والوحدة وحقوق الإنسان فهو شهيد، وإذا سفك دمه، فهو يعتبر شهيدا. في الإسلام ان الشهادة هي مكافأة للحرب وهي مقدسة. وكل من لديه دوافع نقية ويعطي حياته عن إدراك، يرى وجه الله، وسيتم استقباله من قبل الملائكة، وسوف تأخذه إلى الجنة."
وقد قال له الكاتب " روبرت باير": "ينبغي على أمريكا أن تستمع بعناية أكبر وفهم اوضح لوضع ايران." فردّ عليه رئيس المتشددين: "ينبغي على أمريكا أن تعلم أن جيشها لا يمكنه الوقوف في طريق الاستشهاد الايراني. وصلت الثورة الاسلامية الى نقطة،حيث لديها إمكانية الحصول على أسلحة حديثة وخبرات لتخطيط وتنفيذ استراتيجيتها. يجب على أمريكا أن تفهم أنه في حال شنّت هجوما على إيران اليوم، فسوف تفقد مكانتها من القوة."
أدرك الكاتب "روبرت باير" ما كان رئيس المتشددين يريد ان يشرح له. إن إيران قد أقنعت نفسها بأنها متساوية مع اميركا، وبأنها القوة الدولية العسكرية الوحيدة القادرة على إحباط القوة الأمريكية في الخليج.
تعتقد إيران بأن الشكل الجديد من الحرب التي تمّ تخطيطها وتنفيذها في لبنان والعراق ضدّ الغرب بواسطة الارهاب، قد مكنتها من محاربة الجيش التقليدي الاميركي القوي، وايصاله إلى طريق مسدود. ترى إيران أيضا انها الآن قوة عالمية، بقدر ما صواريخها المتقدمة الموجودة على طول الخليج الفارسي تعينها على ايقاف صادرات النفط في الخليج في غضون دقائق. إن رسالة رئيس المتشددين له كانت واضحة:" لقد تغيرت اللعبة، وعلى اميركا ان تفهم ذلك".
تعتقد إيران بأن الشكل الجديد من الحرب التي تمّ تخطيطها وتنفيذها في لبنان والعراق ضدّ الغرب بواسطة الارهاب، قد مكنتها من محاربة الجيش التقليدي الاميركي القوي، وايصاله إلى طريق مسدود. ترى إيران أيضا انها الآن قوة عالمية، بقدر ما صواريخها المتقدمة الموجودة على طول الخليج الفارسي تعينها على ايقاف صادرات النفط في الخليج في غضون دقائق. إن رسالة رئيس المتشددين له كانت واضحة:" لقد تغيرت اللعبة، وعلى اميركا ان تفهم ذلك".
عندما يفكر الأميركيون بإيران، فهم يرون اشخاصا يرتدون عمامة سوداء، ويرخون اللحية الطويلة، وعازمون كشبح الظلام على الانتقام، أو يتذكرون اخبار الفتيان الشباب الإيرانيين كيف يمرون عبر حقول الألغام العراقية ويصرخون الله أكبر الله أكبر،أو الدبلوماسيين الأميركيين في عام 1979، معصوبي الاعين، مقيدي اليدين وراء ظهورهم، او تفجير السفارة الاميركية في بيروت او تفجير مبنى المارينز قرب المطار حيث قتل 242 عسكري اميركي دفعة واحدة. انه من المستحيل، تقريبا، نسيان تلك الصور الماضية. الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، لم يساعد في ذلك.
اعتقد الكاتب مثل رفاقه بأن الإيرانيين هم الفاشيون الإسلاميون، وبأنهم جميعاً يدعمون أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة. وفي مكان ما على طول الطريق، افترض وقدرّ الكاتب في يوم ما قريب، أن النظام الإيراني، لا محالة له، سوف ينهار ويسقط تحت وطأة القرن الحادي والعشرين.
كل ما على اميركا القيام به في هذه الأثناء، هو التأكد من عدم حصول إيران على اية قنبلة نووية، ومن أن وكيلها حزب الله، المنظمة الشيعية السياسية والعسكرية اللبنانية، يتوقف عن القاء الصواريخ على اسرائيل. ان إيران هي مجتمع مغلق وعدو خارجي، وبالتالي فإنه ليس مستغربا، أن الولايات المتحدة نسيت كيف تطورت إيران على مدى الثلاثين عاما الماضية، وكيف عصرنت ذلك، وكبرت، بعد أن استعملت الإرهاب خلال فترة طويلة.
لا تزال إيران تحمل راية الأصولية الإسلامية التي تجتاح بقايا الماضي من العلمانية في الشرق الأوسط، ولكن في الوقت نفسه أصبحت لاعبا عقلانياً، وتتابع،بشكل منهجي،مصالحها الوطنية، حسب رأي الكاتب.
تحت قشرة الإسلام، نجد الإيرانيين القوميين قديمي الطراز، معادين للاستعمار. وأسفل هذه القشرة، نجد رغبة لديهم (المجتمع والعلمانيون) للإمبراطورية. ولكن إيران ليست بروما جديدة، عازمة على الغزو ونشر ثقافتها ودينيها كما يعتقد الكاتب.
ما يدفع إيران إلى الإمبراطورية هو شيء مختلف. اعتبروها قدرا، استحقاقا، أو حتى مصير واضح: ما هو حاسم الان أن إيران اليوم لديها اعتقاد لا يتزعزع في حقها في الإمبراطورية. انها وسيلة لتحقيق ذلك من خلال الحروب بالوكالة والسيطرة على امدادات النفط.
ليس من الصعب أن نفهم من أين حصلت إيران على هذه الثقة بأنها قادرة على التغلب على الغرب.
في لبنان، بين 1982-2000، هزم الوكيل الايراني، حزب الله، الإسرائيليين في ميدان المعركة، وهي المرة الأولى التي خسر فيها الجيش الاسرائيلي منذ تأسيس البلاد عام 1948. اعتبرت إسرائيل انها لم تهزم عسكريا في النزاع، وأنها فقدت فقط الرغبة في القتال وليس الحرب. ولكن في حرب لبنان التي استمرت ثلاثة واربعين يوما في عام 2006، هزم الجيش الإسرائيلي. وتراجع من لبنان مع خسائر فادحة ومن دون تحقيق اي هدف.
ان نجم إيران آخذ في الارتفاع. والآن مع حكومة شيعية صديقة في بغداد، سوف ترتفع على نحو أسرع. ولكن من ناحية أخرى، ان النظام السني القديم متجه نحو الانهيار. كم من الوقت يمكن لباكستان والمملكة العربية السعودية ان تصمدا؟ للمرة الأولى في تاريخ الإسلام، أصبحت سيطرة الشيعة في مكة المكرمة واردة خلال وجود امبراطورية إيرانية في الشرق الأوسط. هل كان الخميني على حق بعد كل شيء، ان ايران ستهزم في نهاية المطاف أمريكا، اي الشيطان الأكبر؟
ان نجم إيران آخذ في الارتفاع. والآن مع حكومة شيعية صديقة في بغداد، سوف ترتفع على نحو أسرع. ولكن من ناحية أخرى، ان النظام السني القديم متجه نحو الانهيار. كم من الوقت يمكن لباكستان والمملكة العربية السعودية ان تصمدا؟ للمرة الأولى في تاريخ الإسلام، أصبحت سيطرة الشيعة في مكة المكرمة واردة خلال وجود امبراطورية إيرانية في الشرق الأوسط. هل كان الخميني على حق بعد كل شيء، ان ايران ستهزم في نهاية المطاف أمريكا، اي الشيطان الأكبر؟
وخلاصة ما استنتجه الكاتب، أن إيران هي الدولة الأقوى والأكثر استقرارا في الشرق الأوسط وأنها بلد يجب على الولايات المتحدة إما قتالها في حرب جديدة من ثلاثين عاما أو ان تتصالح معها.
كيف وصلت إيران الى هذا، والى اين هي ذاهبة، وماذا يجب على الولايات المتحدة القيام به، هذا ما يتطرق الكتاب له. انها دراسة في كيفية تحول إيران من "الشيطان الذي نعرفه" الى إمبراطورية كبيرة في الشرق الاوسط.
2- ماذا طلبت ايران من اميركا حسب مصادر الكاتب روبرت باير؟
1- ضمان أمن إيران الداخلي وعدم التدخل بشؤون نظامها.
2- الاشتراك عسكرياً مع اميركا في امن الخليج العربي.
3- رفع كامل لكافة العقوبات الأميركية والأوروبية عن إيران.
4- الاعتراف بشرعية النفوذ السياسي والأمني لإيران في أفغانستان العراق وسوريا ولبنان.
5- الاشتراك في امن الأماكن المقدسة الإسلامية في مكة والمدينة.
6- وضع جميع الأسلحة النووية في الشرق الأوسط تحت مراقبة المؤسسات الدولية بما فيهم إسرائيل.
7- تأسيس جهاز دولي للمحافظة على الاستقرار لأسعار النفط في العالم لكي تتمكن ايران من بيع نفطها بأسعار أفضل.
3- هناك امام الولايات المتحدة ثلاثة خيارات بالنسبة لإيران حسب الكاتب "روبرت باير":
أولا: احتواء إيران عسكرياً وذلك بوضع 250.000 الف عسكري أميركي في العراق و 250.000 الف عسكري أميركي في أفغانستان، وذلك لمحاصرة ايران عسكرياً وتخويفها ومنعها من توسيع نفوزها.
وهذا ما يأخذ عدد كبير من السنوات مع كلفة حربية باهظة بالبشر والأموال حيث لا يمكن للاقتصاد الأمريكي ان يتحملها، وليس هناك من نية او رغبة لدى الرئيس الأميركي للقيام بذلك.
ثانياً: تشجيع الولايات المتحدة على اشعال حرب سنية –شيعية في المنطقة العربية. ونقطة البدء تكون في لبنان بتسليح التكفيريين السنة لمحاربة حزب الله. هذا الحلّ خطر بالنسبة للغرب وأميركا بالتحديد، حيث ان المملكة العربية السعودية قد سلحت التكفيريين في سنة 1979 في حربهم ضدّ السوفيات في أفغانستان وانتهت بولادة القاعدة واحداث 11 أيلول سنة 2001 في اميركا.
ثالثاً: الاتفاق مع ايران:
على الولايات المتحدة ان تعترف بشرعية النفوذ الإيراني في العراق – أفغانستان – سوريا ولبنان، وان تشرك إيران في امن الخليج، والاعتراف بها كدولة قوية ومعاملتها من الند للند وعدم التدخل بشؤونها الداخلية.
وهذا هو الحل الوحيد امام الولايات المتحدة برأي الكاتب حيث يعتبر ان إيران كسرت الولايات المتحدة في حربها الإرهابية الطويلة ضدها خلال ثلاثين سنة.
وهذا هو الحل الذي يهدف حسب رأي الكاتب، الى عدم الدخول في حرب مئة سنة جديدة مع إيران في الشرق الأوسط.