-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

اري دي لوكا.. الهارب من الجحيم بين السياسة والأدب دعد ديب

الحلم بالانعتاق والخلاص هي رسالة الايطالي آري دي لوكا إلى قارئه في كل من روايتيه :(جبل الرب) الحائزة على جائزة فيمينا الفرنسية لأفضل كتاب
أجنبي لعام 2002 و(ثلاثة جياد) وكلتا الروايتين بترجمة نزار آغري ومن منشورات الجمل، إذ يختار الكاتب بطلي عمليه من فئات عمرية متضادة. ودي لوكا اليساري السابق الذي أتى من عالم السياسة إلى الأدب، لم تغادره هواجس تجربته السابقة ورواسبها حيث ألقت بظلالها على عالمه الروائي ومع ذلك نلاحظ الإيقاع الهادئ لحركة أبطاله المهمشين بالحياة وأسلوب السرد البطيء، حيث اقتصرعلى رصد مؤشراتهم الخارجية الدالة على سلوك يتناوب بين الخوف والقلق وهمَّ العيش أو ربما لم تنجح الترجمة في تبيان العوالم الداخلية لشخوص الرواية، خاصة عندما تتكرر بشكل لافت مفردات مثل: قال ...يقول- بشكل تعسفي لا يخلو من تقريرية سواء برسم صورة للمكان والطبيعة أو لوصف شخوص العمل وملامحهم، فتأسر القارئ في القول المنشأ مقلصة مساحة التخيل وفضاء التأويل إذ نبقى أسيرين لما رآه المترجم إلى أن يتوضح خلاف ما رآه.
وستبرز الخلفية اليسارية الطبقية لدى لوكا بملامح واضحة في «جبل الرب» فبطلها فتى يافع في الثالثة عشرة من عمره، يظهر من خلال سيرورة حياته في القاع الاجتماعي المهمش، واقع المسحوقين الذين يمضون حياتهم راكضين وراء لقمة العيش إذ تختصرها إحدى الشخصيات «المعلم أريكو»  بتعبير: «العيش لقمة» بنوع من الكناية المجازية عن العمر الذي يمضي سريعاً من جهة، ومن جهة أخرى باختزال العمر بالركض وراء لقمة العيش حيث يعرف الوطن بأنه: المكان الذي يوفر لك الخبز. الفتى اليافع الذي لم نعرف له اسماً طيلة الرواية هو المحور الذي تدور حوله شخصيات الرواية الأخرى وهي شخصيات مسحوقة ورثَّة وغارقة بتعب الحياة حيث الجميع يبدو متقاسماً للهموم عبرها، بينما نال الفتى نصيباً من العلم جعله قادراً على القراءة بالايطالية التي يصفها بأنها لغة صامتة من دون لعاب بينما اللغة النابولية اللغة المحكية لغة الحياة، أما صديقه اليهودي صانع الأحذية ألأحدب الناجي من «الهلوكوست» بعدما أودى بأهله ومعارفه! فيمضي معظم وقته يحلم بأجنحة خضراء لما تزل تطقطق تحت حدبته لتتوق للطيران والرحيل، صورة بارعة للحلم المجنح ورؤية متخلقة لعاهة تضمر نزوعاً للتحليق  نحو أمل بمكان جدير بالعيش، لكن هل «القدس» هي مكانه الموعود؟ أم هو بحث عن جغرافية لاهوتية للمكان؟ ولماذا يفترض الكاتب القادم من زمن الألوية الحمراء أن تكون هذه المدينة ملاذاً لحلمه؟ أهي ظلال توراتية –سدوم وعامورة- تتكرَّس في وعي الكاتب؟ أم لعله يطرح واقعاً ذهنياً بأحقية دينية مدعاة من غابر العصور بمكان مقدس؟ بالتأكيد لا يمكننا تصور أن فكرة كهذه صيغت جزافاً من قبل الكاتب، فثمة تساؤلات يقودنا إليها عنوان الرواية منذ البداية كتوشيح لتداعيات ترد في الأسفار التلمودية وتحديداً في عبارته: ليست ثمة فروع للأرض المقدَّسة.
أما في روايته الثانية «ثلاث جياد» فثمة ما يشي في عنوانها بإشارة إلى عمر الإنسان الذي يعادل عمر ثلاث أحصنة، بينما بطلها خمسيني هارب من الموت في بلده الأصلي، فهو ملاحق من قبل جهات يذكر بأنها ذات صفة «ديكتاتورية» بعد إعدام حبيبة عمره فيضطر للفرار بجلده ليعمل بستانياً في إحدى المزارع وليجد في الكتب والحديث إلى الطبيعة والنبات ما يغنيه عن قسوة البشر مبتكراً لغة خاصة بينه وبين نباتات المزرعة وأشجارها إلى أن يتعرف إلى ليلى «بائعة الهوى» التي تتعلَّق به رغم فارق السن بينهما، ومع ذلك يبقى ثمة من يطارده حيث ما من ماض ينسى لأي أحد، وهنا يأتي دور صديقه الأفريقي الذي يبيع الورود من حديقته ليتكسب عيشه، بينما يرفض البطل أن يأخذ مقابلاً لذلك ليبقى هذا المعروف ديناً في عنق صديق شاء الزمن أن يجمعهما غريباً إلى غريب، ولتحين الفرصة رد ذلك الدين عندما يقوم الأفريقي بقتل ملاحق صديقه ذبحاً بالسكين! فهل يمكن أخلاقياً تبرير العنف بعنف مضاد؟ والجريمة بجريمة أخرى منكرة؟ ففعل القتل يبقى سلوكاً بربرياً يستدعي الإدانة بغض النظر عن دوافعه، ومن شأن الآداب والفنون عموماً تأكيد تلك الإدانة، بينما بدا لنا الكاتب حيادياً إزاء هذا الأمر، ناهيك عن عزوفه عن إضاءة التناقضات الداخلية في ذوات الشخصيات عدا عن ارتكاسها نتيجة تاريخ من الاضطهاد والقمع.
ربما نجح دي لوكا في إثارة اشكالية جديدة عند القارىء العربي عبر إعادة صياغة المفاهيم الكلاسيكية المستقرة عن ((النضال الثوري )) في ضوء اختلاط المعايير بين قبولها واستهجانها .


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا