تخالف رواية [ منير… الأبيض لا يليق بكم ] كل الرويات بكلِّ أنواعها و أطيافها ، فلا تجنح إلى لغةٍ أدبية مجازيةٍ ولا إلى زخرفة لغوية ساحرة ، وإنما تعتمد لغة تقريرية
مباشرة لتقرر حقيقة ما ، فتستغني عن المقدمة والتقديم والاستهلال الوصفي ، وتبدأ بحوار يؤرخ بداية المرض والمعاناة ، من مرض بسيط إلى أمراض شتى تتشكل و تتنامى بفعل أخطاء طبية متعددة ، بسبب إهمال وتقصير من أطباء وممرضين يلبسون اللباس الأبيض ، لذا تبدأ الرواية بالحوار ، وتبدأ الحكاية بالتشكل والظهور تباعاً ، من زمان و مكان وشخوص و أحداث .
تتحدث الرواية عن الأخطاء الطبية التي تسود في الأوساط الطبية والمشافي العربية التي لا تؤدي إلى الشفاء بل إلى عاهة دائمة أو إلى قتل سرعان ما تموت القضية بموت صاحبها .
من هنا نجد الموضوع يشفع لهذه المباشرة والتقريرية أن تسود صفحات الرواية لتعبر عن صرخة ألم، و عن فضح المستور ،ونقل القضية إلى الرأي العام .
هكذا يتصدى الأديب الكبير طارق البكري لهذه القضية وهو أديب الطفولة و راعيها الذي يهتم بالمواهب ويُنمّيها و يتعامل مع البراءة و الطبية و الخيال والجمال، و يبذر البذور هنا و هناك ويسقيها وهو يبني المستقبل ، هنا يتصدى هذا الأديب لهذه القضية وهو يروي القصة الحقيقية لنجله منير وقد كان ضحية لهذه الأخطاء الطبية الفادحة ، يأتي ليروي الحكاية بدمع عينيه وبنبضات قلبه المكلوم ، فيوثق ويؤرخ لحالة تشابه حالات ، ويدوّن حكاية تحاكي حالات هنا وهناك في المشافي الطبية، ويجعلها صرخة مدوية ، ويجعل من قضيته قضية رأي عام و هي ما يجب أن تكون .
تمتاز الرواية رغم مباشرتها بجماليات أدبية متعددة ، ونبدأ بالعتبة الأولى حيث العنوان والذي يعد الاشتباك الأول بين القارىء و النص ، فنجد العنوان عنوانين :
[منير] عنواناً رئيساً و جملة ” الأبيض لا يليق بكم ”
ف منير : اسم فاعل وهو مصدر للنور حيث كان أو حيث أشير إليه إذ يكون اسما ويكون عاكسا على الأشياء
والأبيض : حيث كان يكون منيراً أيضاً ، وعندما نقرا العنوانين معاً فعندها تحدث المفارقة والتنافر ، كما أن جملة “الأبيض لا يليق بكم ” تعد تناصاً مع عنوان لرواية أحلام مستغانمي [الأسود يليق بك ] وهذا العنوان إذ يتناص مع ذاك العنوان و يحاكيه إلا أنه يخالفه قلباً و قالباُ فإذا كان فضاء أحلام مستغانمي رومانسياً فإن الفضاء هنا يتحدد بمكان واحد وهو المستشفى و أبطاله من الأطباء والممرضين، و إذا كان الأسود في رواية مستغانمي يحل بحلة جمالية، فإن الأبيض في هذه الرواية يحل بحلة سوداوية ، وإذا كان فضاء الرومانسية لأحلام قد فرض لغة رومانسية شاعرية ، فإن لغة البكري جاءت مباشرة تحاكي العامة لا الخاصة ، وهنا نجد المفارقة خير مفتاح للدخول إلى هذه الرواية ، ومن خلال قراءة التنويه الذي سبق النص الروائي نقرأ : [الرواية خيالية وأي تشابه بينها وبين الواقع مصادفة] ، غير أن الرواية حقيقية فاقت الخيال ، مما يجعل هذه الجملة التنويهية مقصودة بحد ذاتها ، مما يفرض تلك المفارقة بين الواقعي والخيالي ، و الواقعي و المثالي ، و القبح و الجمال .
كما نجد العنوان بألفاظه : [منير… الأبيض … لا يليق بكم ] هي أكثر الألفاظ تكراراً و توظيفاً في الرواية ، وتصبح لفظة منير ليست اسماً لمسمى فقط ، وإنما تصبح لفظة دالة لها معنى، تحاكم الأسماء الظاهرة والمستترة الأخرى، و يصبح منير هو الضمير الحي الحاضر، أو الغائب أو المغيب ، هو الذات و الموضوع ، هو المحكي عنه والحكاية التي تروى ويجب أن تروى ، حتى لا تكون هنا ضحية أو هناك .
ويكون (الأبيض) لوناً دالاً على الطهارة والنقاء و الطيبة، أو لوناً مفارقاً لهذه المعاني:
[كان يتمالك نفسه بقوة ليخفي دمعة حزن يخفق بها قلبه الأبيض ] ص 43
[ قد تحول جسده إلى كتلة من الكدمات السوداء والزرقاء والحمراء …] ص 34
[ وهو يقصد الكدمات الكثيرة من البقع السوداء والزرقاء والحمراء التي حولت جسد منير الأبيض إلى لوحة فسيفيسائية الألوان مع أشكال فنية مرعبة] ص 36
وتغدو مفردة [يليق] أو [لا يليق] مفردتين تتناوبان مدحاً أو ذماً وهي تقارب و تحاكم هذا الطبيب أو ذاك ، وتضبح مفردتين دالتين على المفارقة والسخرية و النقد و الاستهزاء حيث يستوجب المقام مقالها :
(يليق):
[لا يقبلها الطبيب المخلص الذي يليق به اللون الأبيض] ص 10
[فأي طبيب يليق به الثوب الأبيض يرضى بأن ينقلب 180 درجة من دون سابق انذار] ص20
[كيف يمكن أن نثق بعد اليوم بمثل هذا البياض المزيف للحقائق ..المنكر للوقائع]ص 21
[وهي تليق بي أكثر من لباقة ثوبك الأبيض بك] ص 22
[وهو الدكتور عبدالعظيم … فهو الطبيب الذي وضع نفسه في خدمة منير هذا الصباح … هو الطبيب الذي يليق به الثوب الأبيض بكل استحقاق وجدارة مع قبلة على الرأس ] ص26
[وفي قائمة الأسماء التي يليق بأصحابها الثوب الأبيض ] ص 27
[كان من الأطباء النخبة الذين يليق بهم الثوب الأبيض ]ص 33
[بمساعدة ممرض من المركز يليق به الأبيض ]ص 42
[رسم في عينيه كل اعتذار ممكن يليق به وله كل بياض في الكون] ص 44
[أردت أن أكون طبيباً يليق بي الثوب الأبيض ]ص 48
[حتى أصبحت هذه القصة عنواناً للصبر و الثورة على من لا يليق بهم الثوب الأبيض]ص 48
[منير] عنواناً رئيساً و جملة ” الأبيض لا يليق بكم ”
ف منير : اسم فاعل وهو مصدر للنور حيث كان أو حيث أشير إليه إذ يكون اسما ويكون عاكسا على الأشياء
والأبيض : حيث كان يكون منيراً أيضاً ، وعندما نقرا العنوانين معاً فعندها تحدث المفارقة والتنافر ، كما أن جملة “الأبيض لا يليق بكم ” تعد تناصاً مع عنوان لرواية أحلام مستغانمي [الأسود يليق بك ] وهذا العنوان إذ يتناص مع ذاك العنوان و يحاكيه إلا أنه يخالفه قلباً و قالباُ فإذا كان فضاء أحلام مستغانمي رومانسياً فإن الفضاء هنا يتحدد بمكان واحد وهو المستشفى و أبطاله من الأطباء والممرضين، و إذا كان الأسود في رواية مستغانمي يحل بحلة جمالية، فإن الأبيض في هذه الرواية يحل بحلة سوداوية ، وإذا كان فضاء الرومانسية لأحلام قد فرض لغة رومانسية شاعرية ، فإن لغة البكري جاءت مباشرة تحاكي العامة لا الخاصة ، وهنا نجد المفارقة خير مفتاح للدخول إلى هذه الرواية ، ومن خلال قراءة التنويه الذي سبق النص الروائي نقرأ : [الرواية خيالية وأي تشابه بينها وبين الواقع مصادفة] ، غير أن الرواية حقيقية فاقت الخيال ، مما يجعل هذه الجملة التنويهية مقصودة بحد ذاتها ، مما يفرض تلك المفارقة بين الواقعي والخيالي ، و الواقعي و المثالي ، و القبح و الجمال .
كما نجد العنوان بألفاظه : [منير… الأبيض … لا يليق بكم ] هي أكثر الألفاظ تكراراً و توظيفاً في الرواية ، وتصبح لفظة منير ليست اسماً لمسمى فقط ، وإنما تصبح لفظة دالة لها معنى، تحاكم الأسماء الظاهرة والمستترة الأخرى، و يصبح منير هو الضمير الحي الحاضر، أو الغائب أو المغيب ، هو الذات و الموضوع ، هو المحكي عنه والحكاية التي تروى ويجب أن تروى ، حتى لا تكون هنا ضحية أو هناك .
ويكون (الأبيض) لوناً دالاً على الطهارة والنقاء و الطيبة، أو لوناً مفارقاً لهذه المعاني:
[كان يتمالك نفسه بقوة ليخفي دمعة حزن يخفق بها قلبه الأبيض ] ص 43
[ قد تحول جسده إلى كتلة من الكدمات السوداء والزرقاء والحمراء …] ص 34
[ وهو يقصد الكدمات الكثيرة من البقع السوداء والزرقاء والحمراء التي حولت جسد منير الأبيض إلى لوحة فسيفيسائية الألوان مع أشكال فنية مرعبة] ص 36
وتغدو مفردة [يليق] أو [لا يليق] مفردتين تتناوبان مدحاً أو ذماً وهي تقارب و تحاكم هذا الطبيب أو ذاك ، وتضبح مفردتين دالتين على المفارقة والسخرية و النقد و الاستهزاء حيث يستوجب المقام مقالها :
(يليق):
[لا يقبلها الطبيب المخلص الذي يليق به اللون الأبيض] ص 10
[فأي طبيب يليق به الثوب الأبيض يرضى بأن ينقلب 180 درجة من دون سابق انذار] ص20
[كيف يمكن أن نثق بعد اليوم بمثل هذا البياض المزيف للحقائق ..المنكر للوقائع]ص 21
[وهي تليق بي أكثر من لباقة ثوبك الأبيض بك] ص 22
[وهو الدكتور عبدالعظيم … فهو الطبيب الذي وضع نفسه في خدمة منير هذا الصباح … هو الطبيب الذي يليق به الثوب الأبيض بكل استحقاق وجدارة مع قبلة على الرأس ] ص26
[وفي قائمة الأسماء التي يليق بأصحابها الثوب الأبيض ] ص 27
[كان من الأطباء النخبة الذين يليق بهم الثوب الأبيض ]ص 33
[بمساعدة ممرض من المركز يليق به الأبيض ]ص 42
[رسم في عينيه كل اعتذار ممكن يليق به وله كل بياض في الكون] ص 44
[أردت أن أكون طبيباً يليق بي الثوب الأبيض ]ص 48
[حتى أصبحت هذه القصة عنواناً للصبر و الثورة على من لا يليق بهم الثوب الأبيض]ص 48
قامت هذه الرواية على عرض مشاهد متعددة من آلام هذا المريض وقد وظفت هذه المقابلة أو المفارقة بين لفظتي يليق أو لا يليق .. بين الأبيض والألوان الأخرى ، بين صوت المريض وصراخه وصمت الأطباء ،وجعلت الحكاية تُسرد على لسان راوٍ بسيط وهو الشاهد على الواقعة و القضية ، فكان عامل النظافة الذي يكنس القمامة ويخفيها عن أعين الزائرين وهو الراوي الذي يكشف ويروي أخطاء الأطباء ، ويصبح هذا الراوي الذي ليس له كلمة في عالم الطب و الأطباء ، وليس له ثوب الأطباء ، يصبح هو صاحب القلب الأبيض ، وصاحب الكلمة الفاصلة و الشاهدة ، ويكتب لكلمته الخلود بخلود الأدب الذي يحفظ القضية .
قيل قديماً إن أخطاء الأطباء مدفونة تحت الأرض وها هو طارق البكري ينشرها بلغة خالية من الاخطاء ليحاكم فيها أخطاء الأطباء ، حتى يبقى لهذه المهنة ألقها وبياضها ونورها وصدقها وان لا يكون هذا اللباس الأبيض إلا لمن يليق بهم من أصحاب العلم والأخلاق وخدمة الإنسانية ، وآخر مفارقة نقف عندها هي أن الكاتب طارق البكري الذي نذر نفسه وسخر قلمه لخدمة الطفولة، وعلّم كل الأطفال وصادقهم يفقد ابنه منيرا بسب خطأ طبي .
لقد جاءت هذه الرواية مباشرة وجنحت إلى التصريح لا إلى التلميح لتقول كلمتها دون أن تحتاج إلى تفسير أو تأويل ولتخاطب العامة والخاصة ولتصبح القضية قضية رأي عام ، وقد كانت كما نجحت في أن تكون