في دائرة الأدب والإبداع، يحضر الأميركيون من أصل
إفريقي ضمن ذلك الموزاييك الرائع الذي لا يمكن بتره من المشهد الإبداعي الأميركي، مانحين
ذلك المشهد مزيداً من
الإدهاش وروعة التنوُّع، وهم يشكّلون في الحاضر الأميركي الموجة
الجديدة في ذلك الإبداع، مُحدّدين مؤشراً مهمّاً في أممية الثقافة اليوم.
قد يكون تقرير فيليشيا آر لي، الذي نشرته صحيفة
«نيويورك تايمز» بتاريخ 29 يونيو/ حزيران 2014، متأخراً جداً للوقوف على ملامح من تلك
الموجة، وذلك المؤشر، إلا أنه يرصد صعود تلك الموجة في محيط مفتوح ومتعدّد استوعبت
تحولاته الثقافة الأميركية.
منذ أكثر من عقد من الزمان، عندما كانت الكاتبة
النيجيرية الشابة شيماماندا نغوزي أديشي تكافح لنشر روايتها الأولى «الكركديه الأرجواني»،
والتي نشرت لاحقاً، قال لها وكيل نشر، إن الأمور ستكون أسهل «لو كنت هندية» لأن الكتّاب
الهنود رائعون. واقترح وكيل آخر تغيير الخلفية التي جاءت منها في الرواية من نيجيريا
إلى أميركا. أديتشي لم تعمل بذلك التعليق على عملها، كما قالت، ولكن بالحياء والتردّد
في عالم النشر، يتعلق الأمر بالكتّاب غير المعروفين والثقافات غير المألوفة، والإفريقية
منها خصوصاً. في هذه الأيام، لا تتلقى هذا النوع من المشورة والملاحظات.
أديتشي نفسها قالت: «عندما تأتي توني موريسون أخرى
أستطيع القول، بأن الناشرين سيجنّ جنونهم».
الأدباء والكتاب السود من جذور إفريقية، عموماً
(على رغم أن بعضهم نشأ في أمكنة أخرى)، يكتب الشباب العالميون باللغة الإنجليزية، وهم
يوجدون دفقاً في عالم الكتاب، وخاصة في الولايات المتحدة. وهم اليوم على قوائم الكتب
الأكثر مبيعاً، ويشكلون حشداً في استعراضات رفيعة المستوى لإصداراتهم والفوز بجوائز
كبرى، في أميركا وبريطانيا.
أديتشي (36 عاماً) مؤلفة كتاب «أميركانا»، التي
فازت بجائزة حلقة النقاد للكتاب الوطني، لرواية الخيال لهذا العام، هي عضو بارز في
مجموعة واسعة تتضمن ديناو مينغستو، هيلين أوييمي، نوفيوليت بولاوايو، تيجو كول، إيفون
أدهيامبو أوور، وتايي سيلاسي من بين آخرين.
هناك أسباب وراء ذلك القدْر من الأوضاع الحرجة الآن،
كما يقول الكتاب والناشرون وعلماء الأدب. بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والاجتماعية،
والتغيرات الإيجابية في عديد من الدول الإفريقية، ساعدت الجوائز على توسع كبير في عدد
الكتّاب والقراء. وقد ساعدت أحدث الجوائز مثل جائزة كين للكتابة الإفريقية، وكذلك وسائل
الإعلام الاجتماعية والإنترنت والبرامج في كل ذلك.
في ورشة عمل الكتّاب (أيوا)، سيشكّل الكتّاب السود
من ذوي الجذور الإفريقية أكثر من 10 في المئة من طلاب روايات الخيال في سبتمبر/أيلول
المقبل. وعلاوة على ذلك، فإن عدد المهاجرين الأفارقة في الولايات المتحدة زادوا أكثر
من أربعة أضعاف في العقدين الماضيين، ليصلوا إلى ما يقرب من 1.7 مليون نسمة.
ويتبع النشر اتجاهات مثل المرأة، الكتّاب الآسيويين
الأميركيين، الهنود، واللاتين وكلهم «اكتشفوا»، وأخذوا حظهم من التنوير - كما فعل الأميركيون
من أصل إفريقي، وبعضهم كان موضع حسد لما حظي به الكتّاب من اهتمام مع مزيد من الروابط
في إفريقيا.
وقالت مؤلفة كتاب «الموظف المستخدم»، (وضع في كرواتيا
2013)، أميناتا فورنا: «اعتاد الناس أن يسألوا: أين كان الكتّاب الأفارقة»؟ «كانوا
ينظفون المكاتب ويعملون كموظفين».
بعض الكتّاب والنقاد يسخرون من فكرة الخلط بين الكتّاب
المتنوعين الذين لهم علاقات مع قارة متنوعة. لكن آخرين يقولون إن هذه الموجة تمثل شيئاً
جديداً في حجمه الهائل، بعد فترة طويلة من الهمود. (كانت هناك بعض الاستثناءات الملحوظة،
مثل وول سوينكا الحائز جائزة نوبل في الآداب العام 1986 وبن أوكري الحائز جائزة بوكر)،
وذلك يختلف عن موجة ما بعد الاستعمار، والتي بدأت تقريباً في العام 1960، والتي جلبت
شهرة عالمية للكتّاب مثل تشينوا أتشيبي ونور الدين فرح، من بين آخرين.
هناك المزيد من النساء، لسبب واحد. والأكثر أهمية،
قصص قيلت، في حين كان مصدرها بعض الأحيان إفريقيا، وغالباً ما تعكس تجارب الكتّاب،
الحياة والدراسة أو العمل في مكان آخر، وتنفض الغبار عن مراجع ثقافية وحالات مألوفة
لدى الجمهور الغربي.
أديشي في «أميركانا» تروي حياة إيفيميلو وعشيقها
أوبنزي اللذين أخذتهما المغامرة من نيجيريا إلى أميركا وبريطانيا. في الولايات المتحدة،
تكتب إيفيميلو مدونة شعبية عن الوعي العنصري المتزايد لديها، وتجد الحب مع الرجال الأميركيين،
على حد سواء مع الملوّن والأبيض. ومرة أخرى في نيجيريا، تستخدم صديقاتها كلمة «أميركانا»
ليثرنها بشأن سلوكها المتأمرك.
أديتشي، الذي تقسم وقتها بين الولايات المتحدة ونيجيريا
وتدير ورشة عمل الكتابة صيفاً في العاصمة النيجيرية (لاغوس)، كتبت الآن ثلاث روايات
لاقت استقبالاً جيداً، إضافة إلى مجموعة قصص. وقد حصدت الجوائز وتم تبني روايتها «نصف
شمس صفراء» لتتحول إلى فيلم هذا العام، وتدور حول حرب بيافرا. حتى أنها تحولت إلى أغنية
أدتها المغنية الأميركية بيونسيه: «لا تشوبه شائبة» وتم إطلاقها في ديسمبر/كانون الأول
الماضي، وتطرح مسار عينات عدة عن النسوية من محاضرة عامة قدّمتْها.
نجاح «نصف شمس صفراء» والتي صدرت في العام 2006،
بعد احتضان نقدي لروايتها «الكركديه الأرجواني» والتي صدرت العام 2003، كان عاملاً
رئيسياً في تزاحم الناشرين للسعي جاهدين لإيجاد كتّاب آخرين من الأفارقة الموهوبين.
وقال أستاذ الأدب المقارن والسينما في جامعة نيويورك،
مانثيا دياوارا: «إنها ظاهرة مدهشة». إنه أدب أكثر من كونك مواطناً في العالم. ذهاب
إلى أوروبا، وعودة إلى لاغوس».
«الآن نحن نتحدث عن كيفية ارتباط الغرب بإفريقيا،
وسيتاح للكتّاب خلق عوالمهم الخاصة. لديهم العديد من الهويات ويتحدثون عدة لغات».
ولكن مع اختلاف الموضوعات وأنواع الكتابة، قال الروائي
ديناو منغيستو (36 عاماً، ومؤلف كتاب «جميعها أسماؤنا» و الفائز بجائزة مكآرثر (العبقري)
المولود في إثيوبيا، ولكنه غادرها في سن الثانية وترعرع في ولاية إيلينوي: «إنه رأى
انتظاماً. هناك هذا التحقيق بشأن ما حدث للروح المشوّشة».
من جانبه، قال الروائي أوكى نديبي (54 عاماً):
«تتشكل تصوراتي في الغالب من قبل الحياة في نيجيريا، ولكن الكثير من جوانبي هي في أسلوب
الحياة والنمط الأميركي» روايته الثانية «الآلهة الخارجيون» تتناول نيجيرياً تلقى تعليمه
في نيويورك يحتال من أجل لقمة العيش بالعمل كسائق سيارة أجرة.
نديبي الذي وصل إلى أميركا في العام 1988، قال،
كشخص قادم من مكان حيث معيار التعامل معه كونه أسود، أصبح مفتوناً بتجربة الأميركيين
السود.
وقال: «حياة بطل روايتي في أميركا بالأهمية نفسها
لحياته في نيجيريا، إن لم تكن أكثر من ذلك».
رئيس وناشر فارار، شتراوس وجيرو، جوناثان غالاكسي،
يتفق على أن «هناك، إدراك نفسي جديد بأممية جديدة» و «ترحيب أكثر اهتماماً» في هذا
البلد، وبالأجيال السابقة أيضاً. وأضاف «كان ذلك أصعب بكثير».
الاقتحام لا يجعل الأمر أسهل للجميع. ولكن، يقول
بعض المتخصصين في عالم الكتاب إن الكثير من الناشرين الأدبيين يفضلون نشر أعمال كتاب
لأميركان من أصل إفريقي لأنه في ظل المناخ الحالي يعتبر الأفارقة أكثر جاذبية لما ينظر
إليهم باعتباره «شرْفة سوداء».
نقلا عن صحيفة الوسط البحرينية