-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

كلمة اتحاد كتاب المغرب بمناسبة اليوم العالمي للشعر - 2017 كتبها الشاعر المغربي الكبير محمد الميموني

أجدني محتارا، أي الأبواب أختار لأرتمي منها في هذا الخضم الهائج الذي يسمى الشعر، فقد أشبع دراسة وتحليلا منذ مئات السنين، وما زال الكلام عن الشعر مسترسلا
حتى الآن. ويبدو أن بحار الأرض مدادا وأشجارها أقلاما لن تفي ما يغني عن مزيد شعر، فهو ممتد في الزمن أزلا وأبدا؛ ذلك لأنه الزمن عينه، فلم يعرف الإنسان منذ وجد على هذه الأرض فترة لم يشد فيها شاعر معبرا عن دواخله الغامضة بالوسيلة المتاحة له: استنطق ألوان الغابات واستلهم أشكال صخور الأودية والجبال، وفتن بحركات الحيوانات وأصواتها... واستعان على إدراك ما فات حواسه بما كسب من خيال، وهو أكبر المكاسب الإنسانية لو كنا نعلم.
سبق لي أن ساهمت بكلمة متواضعة في مناسبة كهذه، منذ سنوات، في ظروف ليست على هذا الجفاف الشعري. فقد كان يبدو لي بصيص من الأمل ما زال يلوح بانبثاق حركة فنية إبداعية، أو لعلني كنت ما أزال أحلم بانبثاقها. وعلى ضوء شمعة باهتة من ذاك الأمل، حررت كلمتي تلك المشوبة بتفاؤل حذر. اعتمدت فيها على التبشير والتنظير للتعبير عن رؤيتي زمنئذ. لذا، يبدو لي الآن وأنا أعود إلى الموضوع، مرة أخرى، أن عليّ أن أتجنب التنظير قدر الإمكان، فقد اقتنعت، لكثرة ما تلقيت من تنظيرات خشبية أنها لا تسمن الشعر ولا تغنيه من جوع. فما حسبناه نقدا مخصبا وملهما لم يسفر في غالبيته إلا عن تنظيرات خشبية عقيمة أبعدت المتلقي وشوشت على الشاعر.
لذا، رأيت أن أحرر هذه الكلمة مستحضرا واقع الشعر والشاعر، مقترحا إجراءات عملية ستبدو للكثيرين طوباوية حالمة. ولكني لا أرى فائدة في إضافة تنظيري إلى ما تراكم من تنظيرات.
التنظير مهما كان عميقا لا يعدو أن يكون وصفا خارجيا للشعر، فقد يعتني بإيقاعه وموسيقاه وموضوعاته وأغراضه... وكل ذلك من هوامش الشعر وليست من جوهره. فالشعر لا يكون شعرا إلا إذا كتب كذلك. وما يأتي لاحقا لن يكون أكثر من وصف للشعر قد يوفق في التعريف والتوصيف. وقد ينأى عن عالم القصيدة فيسيء إليها وإلى المتلقي والشاعر جميعا. فكم كتب عن الشعر المغربي، مثلا، من (دراسات) وارتسامات لم تضف إلى الشعر شيئا ذا بال. وقد أصاب "بورخيس" وهو يصف الشعر، حين قال: "إن الشعر هو ذلك الذي يجهله مدرسو الأدب". وأنا في هذا الاتجاه إلى حد ما، مع يقيني أن فيهم من لا يجهل حقيقة الشعر، ولكن الآلة البيروقراطية تحول بينه وبين إبراز خبرته، فهي لا تسمح له بأن يخرج عن (المقرر).
وفي هذا الصدد، وبعيدا عن كل تنظير، أرى أن يخصص الشعر بمعلمين متفرغين لتدريسه كمادة مستقلة، وأن يمتد هذا التخصيص على امتداد زمن التعلم من الابتدائي إلى العالي. فالشعر فن ذو أصول ضاربة في التاريخ الإنساني. وإذا كنا بالفعل نريد خلق جيل من الشعراء الخبراء والقراء الأكفاء، فلا سبيل لإعادة الروح لفن الشعر بإجراءات عملية فعالة. وليس في هذا الاقتراح صعوبة في التنفيذ أو بدعة في التعليم. فإن كثيرا من الأمم الراقية تعتمده كإجراء عملي يعطي للفن حقه من العناية والدراية.
في تعليمنا شعب مختلفة يتوجه إليها التلميذ الذي يمتلك مؤهلاته، فما الغرابة في توجيه تلميذ إلى اختصاص يتفق مع ميولاته واستعداداته الذهنية، كالشأن في فن التشكيل مثلا. وكخطوات عملية، يجب البدء في إعداد الأستاذ الكفء الخبير بفن الشعر خاصة، من بين أساتذة الأدب.
وسيكون من العبث إنشاء شعبة الشعر دون فسح المجال للتلاميذ الذين يختارونها في تعليم جامعي ليس به كرسي لتدريس الشعر في جميع كليات الآداب، يهتم بتعميق المعرفة الشعرية بواسطة قراءة الشعر فنيا و(احترافيا) وكتابته تلقائيا والتعبير عن الذات بلا قيود مسبقة إلا مراعاة المحددات الفنية التي تميز القول الشعري عن سائر القول.
الدراسة في هذه الشعب يجب أن يكون أساسها قراءة النصوص الشعرية القديمة والحديثة قراءة فنية شعرية، والتركيز على الكتابة الشعرية المباشرة والجديدة والتلقائية، وتبني إبداعات الطلبة حتى في بدائياتها، ودفعهم إلى إبداع صور جديدة وتوجيه اهتمامهم إلى ملاحظة ظواهر الحياة المادية والمعنوية، والتعبير عن وجهة نظرهم بشجاعة وحرية، وتبسيط لغة الشعر وتعميق الصور الشعرية.
إن تقييم عمل الطالب في هذه الشعب المفترضة يتعين أن يكون تقييما لإبداعهم الحر المتخلص من التقاليد التي بليت واستهلكت من كثرة ما رددت. وهذا التقييم يجب أن يبتدئ من السنوات الأولى لتدريس الشعر إلى نهاية التخصص وتقديم الأطاريح. فما المانع من تقديم دواوين شعرية كرسائل جامعية للحصول على الدكتوراه وما فوقها.
ويجب ألا ننسى حالة الشاعر الذي يحتل الرتب الدنيا من الاعتبار، في عالم تسوده المنافسة الحيوانية، فأنى لمتكالبين على الوجاهة الاجتماعية بأي ثمن أن يلتفتوا لما يبدعه ومن أين يخطر ببالهم أن يولوا أدنى اهتمام لإنتاجه باعتباره ثروة وطنية وإنسانية نفيسة. فهو لا يكافأ ولا يؤجر رغم أنه ينتج قيما معنوية لا تقدر بثمن، فما قيمة أمة لا تملك شعراء ولا تعتني بهم ماديا ومعنوبا.
فإن نحن التفتنا يوما إلى هذه الثروة المهدورة، فالأكيد أننا سنكون قد خطونا أماما في اتجاه إعادة الحياة إلى "الحياة" فينا وفي أجيالنا الآتية. إن السائد بيننا هو اعتبار الحياة مجرد كسب وفوز بما نراه مجديا، أما ما هو مغيب عن وعينا من ثروات معنوية فلا نحسب لها أدنى حساب، لأنها في اعتبار من يجهلون قيمتها ليست من صميم الحياة في اعتبارهم، لأنه مجرد خيال، غافلين عن أن أهم ما يميز الكائن الإنساني عن باقي الكائنات التي تساكنه هذا الكوكب، هو قدرته على التخيل.
الخيال هو مشتل كل إبداع أدبيا كان أو علميا. ولكننا تعودنا أن نصف الأمر بالخيالي، إذا قصدنا أن نقول عنه إنه باطل لا جدوى منه.
لعل ما حاولت به تفسير مدلول اقتراحي يكفي، ولن أضيف إن استمررت إلا هوامش اشتكيت من طفوها في ما سبق من هذه العجالة المتواضعة.
وأرجو أن تدخل هذه العجالة في باب ما قل ودل.

اتحاد كتاب المغرب

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا