نسمع كثيرا عن قمم سياسية واقتصادية مثل العربية الإفريقية وعدم الانحياز ومجموعة «السبع الكبار» والعشرين أو قمة حلف الناتو، لكن هل سمع أحدكم عن القمة الدولية للهواتف النقالة؟!.
شخصيا لم أكن أسمع عن ذلك. إلى أن تلقيت دعوة من إعلامى تليفزيونى مرموق يدعونى فيه إلى حضور هذه القمة التى تعقد سنويا فى مدينة برشلونة الإسبانية.
بعد تفكير قررت الذهاب، اعتقادا أننى سأحصل على بعض الراحة من الموضوعات السياسية التقليدية والأزمات الاقتصادية والمعيشية، وأخبار العنف والإرهاب والفقر التى صارت العناوين الرئيسية فى المنطقة العربية.
المؤتمر الدولى للهواتف أو «قمة الموبايلات» انعقدت لمدة أسبوع كامل فى أرض المعارض بمدينة برشلونة، لكن زيارتى لم تزد عن ثلاثة أيام، كانت كافية لأدرك أننا فى وادٍ والعالم بأكمله فى وادٍ آخر.
المؤتمر عبارة عن أجنحة لعمالقة صناعة الموبايلات فى العالم، لكن المؤتمر لم يكن قاصرا بالطبع على ذلك، بل ركز فى جزء كبير منه على الحلول التكنولوجية لمعظم مناحى الحياة.
المؤتمر وطبقا لتقديرات مسئول فى شركة كبرى اتصالات كبرى حضره وزاره ١٢٠ ألف شخص من مختلف دول العالم.
تخيلوا كيف استفاد الاقتصاد الإسبانى ومدينة برشلونة من هذا العدد الضخم من أول تذاكر الطيران إلى غرف الفنادق التى كانت كاملة العدد، إلى الإنفاق خلال فترة المؤتمر؟.
وعرفت خلال الدردشة مع هذا المسئول أن هناك أكثر من عاصمة كبرى ومنها باريس تحاول كسر احتكار إسبانيا للمؤتمر الذى يعقد فيها منذ سنوات، ليس حبا فى الموبايلات فقط ولكن للحصول على كعكة ما يتم انفاقه خلال هذا الأسبوع.
كنت اعتقد أن ميزانية شركة واحدة من الشركات الكبرى فى عالم الموبايلات صارت أكبر كثيرا من ميزانية عدة بلدان مجتمعة. لكن أحد الخبراء فى هذا المجال، قال لى إن مبيعات بعض أنواع الموبايلات ذات السمعة العالمية صارت توازى وتزيد عن ميزانية العديد من الدول!.
خلال الجولة فى المعرض، كان واضحا الهيمنة الصينية المتزايدة على صناعة التكنولوجيا، وأحد العناوين الكبرى لهذه السيطرة هى شركة هواوى.
صحيح أن أمريكا ماتزال تحتكر الجانب الأكبر من الابتكار والتصميم أو «براءات الاختراع»، لكن صار معروفا أن الصين هى التى تحصل على الجزء الأكبر من الكعكة، فأشهر أنواع الموبايلات حتى لو كانت أمريكية يتم إنتاجها فى الصين. وحينما دخلت جناح شركة «هواوى» عرفت أنهم فى طريقهم للسيطرة على البنية التحتية لتكنولوجيا الاتصالات فى العالم. وهم شريك مهم للحكومة المصرية فى قطاعات كثيرة خصوصا العاصمة الإدارية.
كنت أنظر إلى الألعاب أو Games باستخفاف باعتبارها «لعب عيال» إلى أن عرفت أن استثماراتها بمئات المليارات من الدولارات، وأن ملايين الأطفال والشباب ينتظرون ظهور نسخة من لعبة ما يعشقونها. وخلال جولة فى أحد الأجنحة، شاهدت لعبة عبارة عن محاربة الأشرار الزومبى، ويقوم الشخص بارتداء نظارة ويمسك بمسدس ليقتل الأشرار إذا كان ماهرا أو يموت هو!!!
أحد الخبراء قال لى إن الأمر لم يعد مجرد ألعاب للصغار، هى تكنولوجيا تنتشر، وإذا كانت لعبة اليوم، فهى سلاح فى الغد.
فى جناح آخر رأيت التطبيقات الذكية للتكنولويجا، التى تجعلك تفعل كل شىء بلمسة زر، سواء عن طريق جهاز موبايلك لتشغيل سائر الأجهزة فى منزلك أو أى مكان آخر.
حينما غادرت المكان، شعرت أن ما يفصلنا عن العالم ملايين السنوات الضوئية. نحن مشغولون فى صراعات معظمها عبثى، فى حين أن العالم مشغول بالعلم والتخطيط والابتكار وإسعاد مواطنيه، فمتى ندرك واقعنا ونبدأ فى تغييره؟!.