حوار مع المناضلة والفنانة التشكيلية الفلسطينة أريج عروق: في المعتقل رسمتُ ثلاثين جدارية بالبهارات على جدران السجن : حاورتها: آمنة ونّاسحاورتها : آمنة ونّاس – تونس
فلسطين هي أمي و ارضي ووطني وبلدي وهوائي الذي أتنفسه لن اسمح لأحد أن يحرمني هواء فلسطين) (في المعتقل رسمتُ ثلاثين جدارية بالبهارات على جدران السجن)
مرحبا، أهلا و سهلا بك سيدتي
س”أريج عروق” هي نشيد كتبت كلماته القضية القومية،
لحّنه الاعتقال، عنّاه النضال و سجّلته القيم الإنسانية، فهل يمكن أن تسمعيننا مقطع
منه؟
ج نعم، أنا فتاة فلسطينية، ناضلت من اجل القضية
الفلسطينية والدفاع عن هويتها وهوية شعبها.
س “أريج عروق” مناضلة، “أريج عروق” فنانة تشكيلية،
“أريج عروق” أسيرة محرّرة، “أريج عروق” صرخة حريّة، “أريج عروق” ابتسامة وطن جريح،
“أريج عروق” فلسطينية، لماذا كل هذه النعوت تتّصف بها “أريج عروق”؟
ج أريج فهي جزء من رائحة فلسطين، فأنا جزء من الوطن،
فأنا فنانة تشكيلية وواجب علي أن أدافع عن حقي وحق شعبي ببقاء الوطن حر، فلا بد من
التضحية من اجل حريته وبقائه.
س يقول الفيلسوف و الاقتصادي الألماني “جون ستيوارت
ميل” “الحياة بالنسبة لمن حاربوا و خاطروا بكل شيء لها نكهة خاصّة يستحيل على من يتمتّعون
بالحماية أن يشعروا بها”، هل تبدين مرونة مع هذا المعتقد؟
ج نحن شعب حر ونحب ونريد الحرية، ولولا وجود الأمل
لدينا ما كان لدينا القدرة والصمود على مواجهة الاحتلال وحتى أيضا قهر السجان بصبرنا
ووحدتنا، هذا هو سلاحنا كان داخل المعتقلات.
س ما هي ملامح الحرية في السجون؟
ج ملامح الحرية لدينا ببقائنا وصمودنا، ولقد حولنا
المعتقلات إلى مدارس وجامعات، حولنا المعتقل إلى مدرسة ومجتمع نعيش فيه من خلال الندوات
الثقافية والعلمية المستمرة لكي يعلم السجان انه اسر الجسد ولكن لا يستطيع ان يأسر
العقل والروح.
س “بالإرادة حولنا ذلك المعتقل إلى مدرسة وجامعة
من خلال اهتمامنا بالتعليم والمعرفة”، هل من خلال هذه التجربة تجعليننا نتصالح مع فكرة
الأديب و الشاعر الفرنسي “فيكتور هوغر” القائلة بأنه “من يفتح باب مدرسة يغلق باب سجن”؟
ج طبعا بالإرادة نفعل كل شيء والتعليم والمعرفة
ليس فقط تغلق باب السجن أيضا نحرر أرضنا وندحر الاحتلال من خلال تمسكنا بالثوابت الوطنية
التي نؤمن بها.
س عندما يبتل الأمل بدمع التنهيدة هل يمكن أن يزهر؟
ج لابد من التضحية من اجل البقاء والاحتلال ظلام
دامس ولكن لن يدوم ولا بد من أن تشرق شمس الحرية.
س يقول المفكر و الفيلسوف اللبناني “كمال جنبلاط”
“الوعي و الحرية شيء واحد”، ما مدى إخلاصك لهذه الفكرة؟
ج نعم من خلال وعينا وإيماننا المطلق بحرية فلسطين
وذلك من خلال اهتمامنا والإلمام بالتعليم والمعرفة وهو وعينا بحرية فلسطين وإيماننا
أن الاحتلال لن يدوم.
س هل هذه الثقة تجعلنا نرجّح كفّة الميزان لقول
الفيلسوف الصيني “كونفوشيوس” بأنه “حتى أعظم حيتان البحر ليس لها أي قوّة في الصحراء”؟
ج طبعا ثقتي بأن الاحتلال سيزول ولن تدوم قوته،
نحن الأقوى من خلال تمسكنا بأرضنا ودفاعنا الأقصى و القدس الشريف التي هي عاصمة دولة
فلسطين ولا بد من زوال الاحتلال.
س أ يعني هذا أنك تتفاعلين مع المفهوم القائل بأن
“الأرض التي تسقى بالدم لا تنبت إلا الاستقلال”؟
ج أكيد نحن شعب قدم الكثير من الشهداء وسيقدم حتى
ينهي الاحتلال ونحصل على الاستقلال.
س من أقوال”هوغر” أيضا “في قلبي زهرة لا يمكن لأحد
أن يقطفها”، إلى أي حد “فلسطين” زهرة في قلب المناضلة “أريج عروق”؟
ج فلسطين هي أمي و ارضي ووطني وبلدي وهوائي الذي
أتنفسه لن اسمح لأحد أن يحرمني هواء فلسطين.
س “السياسة فن”، كيف يتعايش الفن السياسي مع الفن
التشكيلي في دواخل المناضلة و الفنانة التشكيلية “أريج عروق” و بماذا يتّسم منطق النقاش
بينهما؟
ج صحيح السياسة فن، بالنسبة لي لقد كنت أسيرة سياسية
داخل المعتقلات الإسرائيلية و حوّلت المعتقل إلى معرض من خلال فني، لقد قمت برسم
30 جدارية و جميعها رسومات فلسطينية من خلال رسم الأقصى و رسم القدس القديمة. بعد الاعتقال
قمت بعمل 3 لوحات عن الأسيرات الفلسطينيات و عملت عدة رسومات مع وزارة شؤون الأسرى
و عملت جدارية الإرادة و الحرية في بلدة عرابة قضاء مدينة جنين بمناسبة يوم الأسير
دعما و تقديرا لصمود الأسير المحرر “خضر عدنان” لإضرابه عن الطعام. فأنا اعتبر الفن
هو السياسة و السياسة هي فن جزء لا يتجزأ، فاتجهت بفني من اجل الدفاع عن القضية الأولى
في فلسطين و هي الأسرى، و هي تجربة و معاناة عشتها و شعرت بها و لامستها، فأحاول أن
أوصل للجميع جزء من معاناة الأسرى داخل المعتقلات.
س “لن أتوقف عن الدفاع عن الوطن وخاصة عن الأسرى
الذين يعانون داخل المعتقلات و أردت الاستمرار بالدفاع و سيكون سلاحي هو ريشتي و لوني
فهذا اعتبره أقوى من أي شيء”، هل نعتبر هذا توافق مع رأي الفيلسوف الألماني الأميركي
“هربرت ماركوز” “الثورة الجمالية الدائمة هي وظيفة الفن” و قناعة بقول الكاتب و الفيلسوف
الفرنسي “فولتير” “كل فن يحمل نورا إلى الآخر”؟
ج طبعا فأنا اعتبر الكلمة من خلال الكاتب و الريشة
من خلال الفنان التشكيلي هي ثورة و نضال و دفاع عن قضية يؤمن بها و اعتبرها أقوى و
اشد إيلاما من الرصاصة أو الحجر أو البندقية لأنها تبقى راسخة و موجودة في الذاكرة
و سيكون تأثيرها أقوى من أي شيء.
س “كنت أرسم داخل المعتقل”، هل كان ذلك نوع من اللجوء،
هل كان تحدي أم كنت تعبّرين عن حالة ضيم تامّة و اختناق أم هو حالة من حالات الوعي
و الإدراك ؟
ج و أنا داخل المعتقل أردت أن اعمل شيء من اجلي
و من أجل الأسيرات ليشعروا بأمل و تفاؤل، و لتجديد نفسية الأسيرات قمت بعدة تجارب بالبهارات
وجدها جيدة للرسم فبدأت بالرسم على الجدران، قمت بعمل ثلاثين جدارية من البهارات فكانت
الواني و قمع السجائر و الإسفنج الفرشة كانت ريشتي، فكان هذا شعورا رائعا أن تعمل من
لا شيء عملا فنيا رائعا فكان تحديا جميلا مع وجود مفاهيم ومعتقدات أومن بها مثلتها
بفني و أدركت بدخول الأمل و السعادة إلى قلوب الأسيرات.
س كيف كانت ردّة فعل السجّان تجاه أعمالك؟
ج كانوا متفاجئين بما فعلت كيف رسمت ذلك و بماذا
رسمت و كانوا مبهورون.
س هل تعتبرين هذا الانبهار انتصارا عليهم و على
عدوانهم؟
ج طبعا انتصارا عليهم بفكري من خلال أعمالي و قدرتي
على تجسيد ذلك الفكر و إننا شعب مثقف و متعلم و يدرك مفهوم الحرية.
س عندما تطرح ذاكرة المناضلة “أريج عروق” أحداث
48 شهرا من الاعتقال، ما هي اللوحة التي يرسمها تحديدا إحساس الفنانة التشكيلية “أريج
عروق”؟
ج اذكر عندها قدرتي على الصبر و الصمود و بإرادتي
القوية منحتني القدرة على مواجهة عدوي و تحمّل تعذيبهم و هذه الإرادة يملكها جميع من
هم داخل المعتقلات الإسرائيلية و تبقيهم صامدين.
س اخترت الجدران لرسم وجه إنسان، حمل فزعا و أحزان،
مدجّجا بطرق التعذيب أشكالا و ألوان، فكان الناتج مضمون يحاكي الوجدان، لماذا وجه الإنسان؟
ج اخترت وجهان فلسطينيان وجه امرأة فلسطينية و وجه
رجل لعمل جدارية عن الأسرى الفلسطينيين، وجه الرجل كان عجوز فلاح تبدوا على ملامحه
المعاناة و الصمود و الصبر و الصرخة و تم تجسيد ملامحه من خلال معاناة الأسرى و أساليب
التعذيب التي يتعرض لها الأسير الفلسطيني، أما المرأة الفلسطينية جسّدتها في المقدمة
لأنها تناضل بجانب الرجل و أيضا لأنها أم الأسير أولا و زوجته و أخته و ابنته و هي
أيضا أسيرة، و وضعت في ملامح وجها دمعة الأم و تم تجسيد ذلك بأسلوب الشبح الذي يتعرض
له الأسير و زينتها بحلي ألا وهو القيد لان القيد أصبح زينة للمرأة الفلسطينية تفتخر
به وتتزين به و بالقيد يحاول إسكاتها و لكنها تصرخ تطلب الحرية وترفض هذا الاحتلال
و القيد، و أيضا قمت بعمل الأقصى و الكنسية لان السجن لا يفرق بين مسلم و مسيحي أو
بالأحرى الاحتلال. رمزت من خلال الحصان لأصالته و قوته و زينته بزخارف فلسطينية فهو
يرمز إلى الحرية و أن الحرية ستتحقق.
س يعني شجرة المعاناة المورقة للحزن و الشجن و الحرقة
و الألم يمكن لها أن تثمر ابتسامة؟
ج هنالك مثل يقول “لا ينقطع المرح من الدنيا لأن
الناس يموتون و لا ينقطع الجدّ من الدنيا لأنهم يضحكون”، فأعمق الابتسامات تلك التي
تخرج من ضلوع الوجع و الحزن و الألم.
س “كاد المريب أن يقول خذوني”، أي من المواقف التي
تعرّضت لها المناضلة و الفنانة التشكيلية “أريج عروق” جعلت إحساسها ينفتح على بوّابة
هذا الشعور؟
ج طبيعتي لا أحب الندم على شيء أقدمت عليه و لكن
أتعلم أن لا أقع في الخطأ مرة أخرى، أحب دائما النظر إلى المستقبل و لا انظر إلى الماضي،
اعتبر ه شيء حدث و انتهى، بالنظر إلى الخلف لن أرى ما هو إمامي، أنا إنسانة طموحة لا
أحب و لا ارغب أن يحدّه احد و حتى إذا فشلت لا يعني ذلك أنها نهاية الحياة، استمر و
أتعلم من فشلي.
س عندما تفكر المناضلة و الفنانة التشكيلية “أريج
عروق” بالقيام بمعرض خارج الأراضي الفلسطينية، أي ثقافة تحبّذ التعامل معها و أي اتّجاه
سيأخذه فحوى المعرض؟
ج أفضل الثقافة العربية كثيرا و أحب الفن العراقي
كثيرا و أيضا الفن الإيراني، لان الفن الإيراني معظمه يميل إلى الخط العربي و زخرفته،
كما أحب التعامل بثقافتي الفلسطينية التي نشئت عليها و اظهر للخارج التراث الفلسطيني
من خلال الزخارف الفلسطينية، و سيكون فحوى المعرض عن نضال المرأة الفلسطينية و ما قدمته
من اجل البقاء و الحرية فهذه هي ثقافتي و ثقافة المرأة الفلسطينية و صمودها و تعلمها
و حفاظها على تراثها من خلال الزخارف الفلسطينية خوفا عليه من الاندثار.
شكرا لك المناضلة و الفنانة التشكيلية “أريج عروق”
على علو إحساسك و نبل عطائك دامت إرادتك علياء و فلسطينك أجمل حسناء و دائما في حلل
البهاء و إلى اللقاء إن شاء الله.
شكرا لك.
عن الناقد العراقي