-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

جسد بدون أضلع :أمينة شرادي

إحساس غريب بالوحدة والغربة ينهشان سلامة روحي وصمت رهيب يسكن أضلعي. منذ مدة وأنا أروض هذا الإحساس المتمرد حتى ينام مع النائمين ولا يوقظني في عز
الليل يشكو غربته وعدم استقراره. الكل هنا سعيد أو يتظاهر بالسعادة اليومية، لا حديث سوى عن البطون والمباني والليالي الملاح. قلت لنفسي المتمردة والتي طالتها عدوى الغربة والوحدة، ما بك لا تستمتعين بما يجول بذهن الآخرين وما يتقارعون من أجله في وضح النهار. الكل هنا مستمتع الا أنت. ما بك؟
استوطن الزمن صمت القبوروجعل العجلة تدور ببطء حتى أركب مع الراكبين ربما أصاب بعدوى الفرح والكلام الطويل. نامت روحي بين أضلعي غاضبة مني وحتى لا تكون شاهدة على مجزرة أخرى من مجازر الصوت الواحد الذي لا يكف عن نشر السعادة بين الجميع. تاهت مني لم أعد أستطع الجدال او السؤال، هربت مني أضلعي واستحالت الى جسد بدون أضلع أو عظام، هكذا توهمت. لم أبال ولم أهتم بنظرات الواقفين والجالسين. لكن أجسادهم أصابها الهوان والترهل مبكرا. تراهم يتمايلون في مشيتهم ليس لجسدهم عمود فقري. "أين راح عمودهم الفقري؟" ناجيت نفسي التي أصابها الهلع مما رأت وتكورت خلف أضلعي. تحسست بيدي جسدي هل أنا ما زالت أضلعيتنام بداخلي؟
تواريت الى الخلف أبحث بينهم عن وجه أعرفه ويبعد الوحشة عني. تسابقت مع الريح وحفيف الشجر، أصابني العياء واستوطن جبيني عرق كثير لم أعد بعدها أقوى على البحث. اذ بيد من الخلف تلمسني وصوت يسألني بكل حنية: «ما بك ؟ هل ضاع منك شيء؟
فرحت للسؤال وأخيرا هناك من يسأل عني ويشاركني وحدتي. التفت أبحث عن وجهه. سألته:
"أين أضلعك؟ هل ضاعت منك؟ انت مثلهم؟ وتوالت أسئلتي حتى انتفض وصاح بقوة الأمطار والبحار والزلازل وتحول الصوت الناعم الى نار ملتهبة: «ما بك؟ لماذا كل هذه الأسئلة. أنت ستأتين معنا.
انفجرت باكية وتوسلت اليه أن يتركني وشأني. وقلت لهوأنا أستعطفه:" خذ كل شيء الا أضلعي، أرجوك."
وماهية الا دقائق حتى تجمهرت حولي أجساد أصابها الاعوجاج والتشوه، انقضوا علي وأخذو يبحثون عن أضلعي وصوت أحدهم يقول: "لا تتركوها حتى تنزعوا عنها كل أضلعها وتموت أسئلتها."
تهت بين شوارع المدينة النائمة الا من ضجيج بعض السيارات والمارة التائهين ربما مثلي، سرت طويلا أحاول عبثا امتصاص كل الهواء بين أضلعي حتى أنجو من الاختناق. لست أدري الى أين ذاهبة ما هي الا خطوات مرتعشة، خائفة، تحمل دقات قلبها بين يديها والفراغ يستعرض عضلاته أمامها.
استنجدت بغرفتي النائمة بين السحاب و نجوم الليل لأنها توجد في آخر دور بالعمارة. لما كنت ابحث عن سكن، كرهتها لبعدها ووحدتها الغريبة والموحشة أشحت عنها وجهي وذهبت أبحث عن سكن آخر بمعطيات أخرى. أصاب رجلي الشلل من كثرة البحث. وألفتني أفكر فيها وألعن نفسي لتركها. عدت أسأل صاحبها ان كانت عير محجوزة. وكم كانت فرحتي عارمة لما وجدتها تنتظرني بذراعين مفتوحين وقلب صاف كحضن الحبيب لحبيبته.دخلت اليها وأنا أنط من الفرح كطفل حصل على لعبة يوم العيد وكان لبعدها عن الأرض حياة أخرى تنأى عن الكلام الطويل واليومي الذي امقته. عدت الى غرفتي التي آوتني يوما وأحاول أن أتحصن من العدوى المنتشرة تحت والتي استوطنت كل الأزقة والشوارع والطرقات والأنفس. تركت جسدي يهوي بكل ثقله على كرسي كان بجوار سريري، أطلب النوم. فغفوت قليلا. وما هي الا دقائق حتى سمعت صوت خطوات قوية وسريعة تقتربوتبتعد من باب غرفتي. فجأة، صمت مهيب يقتل النفس المطمئنة. ثم عاد الضجيج يعلو ويعلو حتى استقر أمام غرفتي وتوالت دقات عنيفة ومتتالية تكاد تقلع الباب. ارتبكت. هل أفتح أم أتركهم يدقون حتما سينصرفون بعدما يكتشفون أنه ليس هناك أحد في غرفة مهجورة ووحيدة على السطوح. انزويت وراء الباب، أدركت أنهم مازالوا هناك، ينتظرون أن أفتح الباب.    



عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا